رفض عدد من علماء الدين الأخذ بحسابات الفلك لتحديد بداية شهر رمضان المبارك، وقالوا إنها من حسابات الإنسان، والأصل هو ثبوت الهلال بالرؤية استناداً إلى تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.وثبوت هلال رمضان، قضية خلاف في الرأي تتجدد كل عام عند قرب حلول شهر رمضان الكريم، وفيها كُتبت مئات الدراسات والابحاث، وحولها تعددت الآراء ووجهات النظر. وعلى مدى عقود طويلة استمر الخلاف بين من يتمسك بالرؤية المجردة لثبوت الشهر الكريم ومن يدعو إلى الأخذ بالحسابات الفلكية، واختلفت الدول الإسلامية والعربية في تحديد بدء وانتهاء الصيام ونجد دولا تصوم في يوم وأخرى تصوم في يوم ثان.
أحمد مراد - أرجع أحد علماء الأزهر الشريف الدكتور منصور مندور اختلاف المسلمين في تحديد بداية ونهاية شهر رمضان لإنقسامهم إلى فريقين، الاول يريد العمل بما شرع الله وهي الرؤية للهلال كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا عدة الشهر».. والفريق الآخر يريد العمل بالحساب الفلكي الذي لا صلة للأمة به وهو مجرد حساب من إنسان.
ويتساءل الدكتور منصور: لا أدري كيف يكون عند البعض ثقة في الحساب الفلكي ولا تكون عندهم ثقة فيما شرع الله؟ ويتأول الحديث ويطيل الكلام والشرح من أجل تجويز الحساب أو تقديمه على الشرع.
الاجتهاد
ويقول: وهذا خطأ كبير وقع فيه البعض وهذا اجتهاد مع النص ولا يجوز الاجتهاد مع النص وهجر للشريعة، فلو اكتفى المسلمون بالرؤية الشرعية ما اختلفوا وهناك أيضاً أموراً أخرى تساهم في هذا الاختلاف، وإلا فالرؤية كافية أن يراها بعض المسلمين الثقات فيصوم المسلمون كلهم أجمعون بهذه الرؤية.
ويرفض الدكتور منصور الأخذ بالحسابات الفلكية لتحديد بداية ونهاية شهر رمضان الكريم قائلا: لا أرضى بالحساب الفلكي أبداً وقد جاءنا من ربنا عز وجل ما يدلنا على بداية الشهر ونهايته وقد قال الله تعالى: “يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ” فالعمل بالشريعة واجب وخير للأمة والرؤية شرع شرعه الله ورسوله فلا ينبغي ولا يجوز تجاوزها والبحث عن غيرها من اجتهادات الناس.
ويشدد الشيخ عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا على ضرورة ووجوب اتحاد رؤية الهلال في العالم الإسلامي مؤكدا أن سبب وجوبه يتمثل في وجود وسائل الاتصال السريعة والهواتف وغير ذلك التي جعلت العالم الإسلامي كالقرية، مما منع اختلاف وانفراد كل دولة بصومها لزوال العلة وهي “تعذر الإخبار”.
ويرصد الشيخ الاطرش بعض الأحاديث النبوية التي تؤكد ضرورة اتحاد رؤية هلال رمضان منها قول رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم”إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطِروا، فان غم عليكم فقدروا له” ومن ثم فإن الحكم بثبوت رمضان يعم كل من نقل إليه بشهادة عدلين وإذا ثبتت رؤية الهلال بمكان قريب كان أو بعيد لزم الناس كلهم الصوم، وحكم من لم يره حكم من رآه لقوله صلى الله عليه وسلم “صوموا لرؤيته” وهو خطاب للأمة كافة.
تحديد البداية
وينتقد المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الاسكندرية عدم إتفاق المسلمين على معيار يوحد بدء صيامهم وفطرهم داعيا إلى الإخذ بالحسابات الفلكية لتحديد بدء الصيام والفطر.
ويقول: رغم التقدم العلمي الذي مكن البشرية من الوصول الى الحلول المناسبة في العديد من المشكلات المعيشية والبيئية وتحديات الطبيعة، فإن المسلمين وعلى امتداد السنين الطويلة ودخولهم الالفية الثالثة لم يستطعوا ان يتفقوا على معيار يوحد بدء صيامهم وفطرهم، ومع تمتعهم بمنجزات العلم وانغماسهم في مظاهر الحضارة الحديثة واخذهم بالوسائل العلمية في العديد من جوانب حياتهم ومجتمعاتهم فإنهم ـ حتى الآن ـ لم يستفدوا من التطور العلمي المتحقق في ميادين علوم الفضاء والفلك للوصول الى حل مناسب لمشكلة هلال رمضان الحائر كل عام.
رؤية بصرية
ويتساءل: ألا يفيد قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: “إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب “تعليلا مناسبا لاتخاذ الرؤية البصرية وسيلة للتثبت من دخول الشهر كمرحلة مؤقتة كان العرب عليها ومن ثم انتهت واصبحت الأمة تكتب وتحسب وبخاصة بعد نزول القرآن الكريم، فهل تبقى الأمية صفة ملازمة لها؟ وألا يفيد ذلك بأنه لا حرج على الأمة التي تجاوزت مرحلة الأمية ان تعتمد الحساب الفلكي وسيلة شرعية؟
ويقول د. إمام: قد لا يكون اختلاف المسلمين المزمن حول هلال رمضان الحائر، أمرا بالغ القلق، بمقدار اظهارنا لهذا الدين العظيم ـ دين العلم والمدنية والتقدم بمظهر الرافض لمنجزات العلم إما لظن مخالفتها الشريعة الخالدة او التشكيك في مصداقيتها.
ويقول الدكتور رأفت عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر، الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلةً لإثبات الشهور يجب أن يقبل من باب “قياس الأولى”، بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى، لما يحيط بها من الشك والاحتمال وهي الرؤية لا ترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفى بتحقيق المقصود، والخروج بالأمة من الاختلاف الشديد في تحديد بداية صيامها وفطرها وأضحاها، إلى الوحدة المنشودة في شعائرها وعباداتها، المتصلة بأخص أمور دينها، وألصقها بحياتها وكيانها الروحي، وهي وسيلة الحساب القطعي.
ويؤكد د.عثمان أن الشريعة الإسلامية السمحة حين فرضت الصوم في شهر قمري ـ شرعت في إثباته بالوسيلة الطبيعية الميسورة والمقدورة لجميع الأمة، والتي لا غموض فيها ولا تعقيد، والأمة في ذلك الوقت أميَّة لا تكتبُ ولا تحسب، وهذه الوسيلة هي رؤية الهلال بالأبصار. فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صوموا لرؤيته أي الهلال وأفطروا لرؤيته فإن أغبي عليكم فأكملوا عِدَّةَ شعبان ثلاثين”.
رفض الفقهاء
ويقول: والذي يظهر من الأخبار أن الذي رفضه الفقهاء من علم الهيئة أو الفلك، هو ما كان يسمى “التنجيم” أو “علم النجوم” وهو ما يدعى فيه معرفة بعض الغيوب المستقبلية عن طريق النجوم، وهذا باطل، وهو الذي جاء فيه الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعًا: “مَنْ اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر”. ولكن علم الفلك الحديث يقوم على المشاهدة بوساطة الأجهزة، وعلى الحساب الرياضي القطعي. ومن الخطأ الشائع لدى كثير من علماء الدين في هذا العصر، اعتقاد أن الحساب الفلكي هو حساب أصحاب التقاويم، أو النتائج، التي تطبعُ وتوزع على الناس، وفيها مواقيت الصلاة، وبدايات الشهور القمرية ونهايتها، وينسب هذا التقويم إلى زيد، وذاك إلى عمرو من الناس، الذين يعتمد معظمهم على كتب قديمة ينقلون منها تلك المواقيت، ويصفونها في تقويماتهم. فلهذا جاء الحديث بتعيينها، لأنه لو كلفهم بوسيلة أخرى كالحساب الفلكي ـ والأمة في ذلك الحين أمية لا تقرأ ولا تحسب ـ لأرهقهم من أمرهم عسرا، والله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، وقد قال عليه الصلاة والسلام عن نفسه: “إن الله بعثني معلما ميسرًا، ولم يبعثني معنتا”.
ساحة النقاش