هشام أحناش - يصوم المسلمون شهراً كاملاً كل سنة باعتباره إحدى فرائض الدين الخمس، ويصوم بعضهم صيام السنة في أيام متناثرة موزعة على أشهر السنة، منها الأيام البيض وأيام الاثنين والخميس وغيرها. وإذا كان المسلمون يصومون صيام الفرض والنافلة من منظور شرعي محض، فإن عدداً متنامياً من الأطباء الغربيين أضافوا الصيام إلى قائمة العلاجات البديلة والتكميلية ذات الفوائد الصحية الكثيرة. وقد أجرى باحثون أميركيون عشرات الدراسات على الإنسان والحيوان لمعرفة آثار الصوم، وتناولت نصف هذه الدراسات متغيرات ذات صلة بالسكري من قبيل مستوى الجليكوز لدى الصوم، وتركيزات الإنسولين، ونسبة تأكسد الدهون ودرجة التهاب الجزر البنكرياسية، وآثار الصيام على قابلية الإصابة بمرض السكري نوع 2.
مقاومة الإنسولين
من بين الأشياء التي قام بها هؤلاء الباحثون قياس مخاطر الإصابة بالسكري نوع 2 لدى مجموعة من الأشخاص. وقد أظهرت قياساتهم أن تركيزات الجليكوز لا تنقص عند الصيام، بل تُعدل بشكل إيجابي مؤشرات عوامل خطورة أخرى ،مثل مقاومة الإنسولين. وسجل الباحث الأميركي هالبيرج أنه عندما يصوم الأشخاص الذين يتمتعون بأوزان طبيعية لساعات طويلة قد تصل إلى 20 ساعةً في اليوم، ثم يفطرون على الأطعمة نفسها التي يتناولونها في غير وقت صيامهم، تحدث لهم زيادة في تناسُب الجليكوز والإنسولين بعد إتمام صيام أسبوعين. وقد توصل الباحث هايلبرون من جهته إلى نتائج متقاربة في دراسة أخرى، إذ وجد أن الصيام لمدة ثلاثة أسابيع متتالية تجعل استجابة الإنسولين للطعام تتراجع، ما يعني أن مقاومة الإنسولين تتحسن لدى الصائم. ومن الأشياء اللافتة التي سجلها الباحثون أن الرجال يستفيدون أكثر من النساء على مستوى تحسن مقاومة الإنسولين.
مقاومة الجليكوز
كشف الباحثون عن وجود عامل خطورة آخر للإصابة بالسكري وهو مقاومة الجليكوز. إذ بعد صيام ثلاثة أسابيع، لوحظت زيادة لدى النساء دون الرجال في مستويات الجليكوز. ويتبين من خلال هذا التأثير غير المرغوب من حيث مقاومة الجليكوز لدى النساء والمصحوب بغياب التأثير الإيجابي على مقاومة الإنسولين، أن الصيام قصير الأمد ينفع الرجال أكثر من النساء من حيث تقليل مخاطر الإصابة بمرض السكري نوع 2. ووجد هالبيرج أن صيام أسبوعين لا يؤثر كثيراً على تركيزات الإنسولين، بينما أفاد هايلبرون أن إتمام صيام ثلاثة أسابيع فما فوق يقلل تركيزات الإنسولين. وشملت دراسات باحثين آخرين جوانب أخرى من آثار الصوم سلطت الضوء على استجابة العضلات الهيكلية والأنسجة الدهنية للصيام. ووجدت أن تأثير الإنسولين في النسيج الدهني وتحليل الدهون يبدأ بعد إتمام صيام أسبوعين متتاليين. ونظراً لأن تركيزات الأحماض الدهنية الحرة يزيد عند الصيام، فإن تراجع تحليل الدهون وتركيزات الأحماض الدهنية الحرة قد تمثل وسيلة وقائية غير مباشرة من مرض السكري.
الطعام والرياضة
ينصح الأطباء مرضى السكري الذين يمكنهم الصوم (مرضى السكري نوع 2 تحديداً، فالمصابون بالسكري نوع 1 لا يسمح لهم الصوم إلا نادراً جداً) بتعديل نظام تمارينهم البدنية في رمضان وجعلها معتدلة وغير مكثفة لتفادي الإصابة بنقص سكر الدم، مع الحرص على عدم ممارسة الرياضة بضع ساعات قبل شروق الشمس. كما يشيرون إلى أن المواظبة على أداء صلاة التراويح والتهجد ينبغي أن تُدرَج ضمن التمارين الرياضية للصائم لكونها تُسهم في حرق عدد لا بأس به من السعرات الحرارية.
وعلى صعيد النظام الغذائي، يقول اختصاصيو التغذية إن الصائم يجب أن يحرص طوال شهر رمضان على تناول طعام صحي ومتوازن، مع التركيز على الأطعمة السهلة التي لا يتطلب هضمها طاقةً كبيرة نظراً لتراجع إفراز إنزيمات الهضم في الجسم عند غياب الشمس (من غروب الشمس إلى شروقها) وتجنب الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والدهون، خصوصاً عند الإفطار. ونظراً لفترة الراحة التي تعيشها عضلات المعدة طيلة نهارات رمضان، فإن الصائم يُنصَح بتقليل تناول الأطعمة المحتوية على الكربوهيدرات المركبة ما أمكن، أو تأجيل تناولها إلى أن تمر ساعات كافية بعد الإفطار. وفي معظم الدراسات، وجد الباحثون أن ما بين 50 إلى 60% من الصائمين يحافظون على كتلتهم الجسمية بعد انقضاء شهر رمضان، بينما تشهد أوزان ما بين 20 إلى 25% من الصائمين زيادةً أو نقصاناً. ولكن الأطباء يعتبرون إنقاص أكثر من ثلاثة كيلوجرامات بعد شهر رمضان مضراً أكثر منه مفيداً. وينصح اختصاصيو الحمية الصائمين بألا يركزوا بعد الإفطار على تناول الأطعمة الصلبة فقط، بل الأطعمة السائلة أيضاً، سواءً من خلال العصائر والمشروبات الطبيعية.
ساحة النقاش