أحمد مراد - حياة حافلة، قضاها الإمام أبوجعفر الطحاوي في التعليم والتعلم، والتصنيف والدعوة، والإرشاد، الأمر الذي جعله صفحة مضيئة من صفحات التاريخ الإسلامي.
تقول د. مهجة غالب، الأستاذ بجامعة الأزهر، هو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبدالملك الحجري الأزدي، ولد عام 239 هجرية في قرية طحا في صعيد مصر ونشأ في أسرة معروفة بالعلم والتقي والصلاح، كما كانت ذات نفوذ في صعيد مصر. وكان والده من أهل العلم والأدب والفضل، حيث كان أديب، وله باع في الشعر والأدب، وأما والدته فهي أخت المزني صاحب الإمام الشافعي، وقد كانت معروفة أيضا بالعلم والفقه والصلاح. وبذلك هيأ الله للطفل الصغير الأسرة الصالحة، والبيت الصالح، ونشأ في بيئة كلها علم.
وتضيف: وتتلمذ الطحاوي على يد والدته الفقيهة العالمة الفاضلة، ثم التحق بحلقة الإمام أبي زكريا يحيي بن محمد بن عمروس التي تلقي فيها مبادئ القراءة والكتابة، وفيها حفظ القرآن الكريم، ثم جلس في حلقة والده، واستمع منه، وأخذ عنه قسطا من العلم والأدب.
كما نهل من معين علم خاله المزني فدرس سنن الإمام الشافعي و علم الحديث ورجاله، وتمذهب بالمذهب الشافعي، فقد تلقى مبادئ الفقه الشافعي على والده ثم أكمل تعليمه الفقهي بين يدي خاله المزني، ثم انتقل إلي مذهب أبي حنيفة.وذكر ابن خلكان في الوفيات أن سبب انتقاله إلى مذهب أبي حنيفة ورجوعه عن مذهب خاله المزني أن خاله قال له يوما والله لا يجيء منك شيء فغضب وتركه واشتغل على أبي جعفر بن أبي عمران الحنفي حتى برع وفاق أهل زمانه وصنف كتبا كثيرة.
علمه
توضح د. مهجة إلى أن الطحاوي خرج إلى الشام سنة268هـ، فلقي قاضي القضاة أبا حازم عبدالحميد بن جعفر فتفقه عليه وسمع منه.، وتنقل في رحلته السابقة بين بيت المقدس وعسقلان وغزة ودمشق، ولقي علماءه، فاستفاد منهم وأفادهم.، وأمضى عاماً كاملاً في هذه الرحلة. وقد عرف منذ بدء طلبه للعلم، الحرص الشديد، والسعي الحثيث، للاستفادة من علماء عصره، سواء أكانوا من علماء مصر، أم من العلماء الوافدين عليها من مختلف الأقطار الإسلامية، ومن هؤلاء العلماء: إبراهيم بن أبي داود سليمان بن داود الأسدي، وأحمد بن شعيب بن على النسائي صاحب السنن كان إماما فى الحديث، وأحمد بن أبي عمران القاضي.
وتشير إلى أن الطحاوي عاش في القرن الثالث الهجري في العصر العباسي الثاني، والذي فيه بدأ انحلال الخلافة العباسية، وسمي ذلك العهد “عهد نفوذ الأتراك” لتولي الأتراك مقاليد أمور الدول، وقد عاصر جميع أمراء الدولة الطولونية، وكانت له لدي بعض أمرائها مكانة مرموقة، ومن هؤلاء الأمراء: أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية، وخمارويه بن أحمد بن طولون وهارون بن خمارويه، وشيبان بن أحمد.
واشتهر الطحاوي بسعة اطلاعه في شتى علوم عصره، وذاع صيته بين طلبة العلم في تحقيق المسائل، وتدقيق الدلائل، فتوافد عليه طلاب العلم من شتى أقطار البلاد الإسلامية ليستفيدوا من غزارة علمه، واتساع معارفه، وكان موضع إعجابهم وتقديرهم، ومن هؤلاء التلاميذ: أحمد بن إبراهيم بن حماد، قاضي مصر، وأحمد بن محمد بن منصور، الأنصاري الدامغاني القاضي، وعبدالرحمن بن أحمد بن يونس المؤرخ، وعبدالله بن عدي بن عبدالله الجرجاني أبو أحمد صاحب كتاب الكامل في الجرح والتعديل.
الأثر الخالد
وتقول د. مهجة: وتعد مؤلفات الطحاوي الأثر الخالد لهذه الشخصية الفذة النابغة التي تشهد ـ عبر القرون ـ برسوخه في الفقه، والحديث، ومعرفة الرجال، ومن أبرز هذه المؤلفات: أحكام القرآن الكريم، وهو تفسير لآيات الأحكام، واختلاف العلماء وهو كتاب ضخم ورد في مائة وثلاثين جزء، والتسوية بين حدثنا وأخبرن، وهو رسالة صغيرة في مصطلح الحديث، والجامع الكبير في الشروط، وشرح معاني الآثار، وهو في أحاديث الأحكام، وصحيح الآثار، والسنن المأثورة، بالإضافة إلى ثلاثة وعشرين مؤلف مفقود.
ونظرا للخصائص الخلقية والعلمية التي اتصف بها الطحاوي فقد استحق ثناء العلماء عليه قديما وحديثا، فقال عنه معاصره وتلميذه المؤرخ ابن يونس في تاريخ العلماء المصريين “كان الطحاوي ثقة ثبتا فقيهاً عاقلاً لم يخلف مثله”، وقال ابن النديم “كان من أعلم الناس بسير الكوفيين وأخبارهم وفقههم، مع مشاركته في جميع مذاهب الفقهاء”، وقال ابن الأثير في اللباب كان إماما فقيها، من الحنفيين، وكان ثقة ثبت “وقال ابن تغري بردي” إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث واختلاف العلماء، والأحكام، واللغة والنحو، وصنف المصنفات الحسان”.
وتوفي الإمام الطحاوي في الأول من ذي القعدة سنة321، ودفن بالقرافة وقبره مشهور بها، وكان عمره 82 عاما وخلف من الذرية ابناً واحداً هو علي بن أحمد بن محمد الطحاوي.
ساحة النقاش