الصيام المفيد مشروط بتناول طعام صحي بعد الإفطار
من عجائب الجسم البشري أنه خُلق بقدرة كامنة على الصوم، فهو وإنْ كان انقطاعاً عن الطعام والشراب طيلة ساعات النهار من شروق الشمس إلى غروبها، فهو مختلف تماماً عن سوء التغذية، ولكنه قد يتحول سلاحاً ضد صحة الصائم في حال اتباعه نظاماً غذائياً ضعيف الجودة طيلة شهر كامل. ومن هذا المنطلق، كان من الضروري أن يعرف الصائم الأطعمة التي يفترض به تناولها وتلك التي عليه تجنبها.
حسنات وإيجابيات
من حسنات الصوم وإيجابياته على البدن أنه يطهره وينقيه. فالكثير من الأطباء يشبهون رمضان بالنسبة للإنسان بعملية الصيانة السنوية التي تجنب البدن الكثير من الأعطاب الصحية. فعندما تتحرر المعدة من مسؤوليات الهضم المرهقة، تتعزز لديها القدرة على إعادة ترميم نفسها، وتتخلص من السموم التي تعلق في أمعائها ومسالكها، فتتحسن وظيفتها تباعاً وتغدو أكثر كفاءة واستعداداً لهضم أي نوع من الطعام الصحي، وأقل تعباً في بقية أشهر السنة. ومن سحر الصوم أنه ينجح في الوقاية من العديد من الأمراض وعلاجها، في الوقت الذي تفشل فيه غيره من الوسائل والأنظمة أو تحقق نجاحاً محدوداً. ما دفع الأطباء في مختلف الدول حديثاً إلى ما يُسمى بالصيام العلاجي باعتباره وسيلة مثلى لتسريع الشفاء، وجعل الجسم يستعيد عافيته في مدة أقصر، ناهيك عن كونه أقل تكلفة من العلاجات الأخرى بكل المقاييس وباعتباره متاحاً للجميع، باستثناء قلة قليلة من المصابين بأمراض مزمنة.
ويقول اختصاصيو الصيام العلاجي من عيادات “مايوكلينيك” إن الكون ينادي الجسم البشري ويدعوه إلى الصوم، وإن الإنسان عندما يصوم إنما يستجيب لنداء الفطرة النقي. فحين نفتقد شهية الأكل عند إصابتنا بمرض حاد، يكون ذلك رسالةً من الجسم بأنه محتاج إلى الصوم من أجل تسريع تعافيه. وما لا يعلمه الكثير هو أن إطعام الجسم في الوقت الذي تكون فيه طاقاته الهضمية في أدنى مستويات أدائها بسبب المرض، يزيد حالة المريض استفحالاً. ومن ثم وجب الانتباه إلى رسائل الجسد، فهي نادراً ما تخطئ.
وخلال الإصابة بمرض فيروسي حاد، يُؤدي الصوم إلى تنشيط خلايا الدم البيضاء، ويتسبب في إنتاج كميات أكبر من بروتينات “الإنترفيرون” التي تمنع تكاثر الفيروسات وانتشار العدوى الفيروسية من خلية لأخرى في الجسم. ومن المفارقات العجيبة أن الحيوانات تنتبه لإشارات أجسادها بشكل أذكى من البشر، فهي ترفض الأكل عندما تمرض، بينما يحسب الإنسان أن عدم الأكل خلال المرض يُضعفه، والحال أنه يشفيه ويقويه. وهذه الحقيقة العلمية دفعت الكثير من اختصاصيي الصيام العلاجي إلى حث كل إنسان عندما يمرض إلى الإصغاء إلى الرسائل التي يرسلها جسده، وربما يذكر كل واحد منا يوماً كان مريضاً ومنقطع الشهية، فأكل وشرب، ثم ما لبث أن تقيأ نتيجة عدم استجابته لرسالة انقطاع الشهية، ما جعل معدته ترفض هضم ما وصل إليها، ويكون التقيؤ في هذه الحالة أفضل من تكبد المعدة عناء الهضم وهي في أسوأ حالاتها من حيث الأداء.
الصيام العلاجي
يتفق معظم اختصاصيي الصيام العلاجي على وجود الكثير من الأمراض التي يمكن علاجها بفعالية خلال شهر رمضان بالنسبة للمسلمين، أو خلال غيره من الأشهر والأيام بالنسبة لغيرهم. ومن بين هذه الأمراض السكري ونقص سكر الدم، وهو مختلف عن السكري بكونه ينتج عن الزيادة التفاعلية لهرمون الأدرينالين أو عن نقص الجليكوز في الجهاز العصبي. كما يشفي الصوم من الأمراض المناعية والقلبية وضغط الدم العالي، والأمراض الجلدية كحب الشباب والإكزيما، وطنين الأذن والدوار والتهاب العضلات والألياف المزمن والجلوكوما وتنسج عنق الرحم، وآلام الظهر والرقبة المزمنة وآلام العضلات الروماتيزمي، علاوةً على أمراض أخرى بدرجات متفاوتة.
وقد سجل عدد من الأطباء الذين اتبعوا مقاربات الصيام العلاجي تحسناً ملحوظاً لمرضاهم، وتعافيهم من العلل والأمراض التي أصيبوا بها على نحو أسرع مقارنةً بالطرق العلاجية الطبية والصيدلانية. ولا يقتصر علاج الصوم على الأمراض سالفة الذكر، بل يتعداها إلى أمراض أخرى. ولذلك ينبغي لكل واحد أن يفترض أن الصيام العلاجي يعطي لكل من يعاني من مرضاً ما فرصةً أفضل لتحقيق معافاة تامة، وتفادي آثار العلاجات الطبية المتسمة بكثرة أعراضها الجانبية.
ولا بد من الإشارة إلى أن الصيام المتوازي مع نظام غذائي متوازن بعد الإفطار يُحدث في الجسم تغيرات إيجابية كثيرة ويحسن أداء مختلف وظائف الجسم. ويقول اختصاصيو الصيام العلاجي إن الإنسان لو علم فضائل الصوم الصحية، لاختار أنْ يكثر من الصوم حتى يستمتع بحياة خالية من الأمراض، ولغير نظرته إلى نفسه عملياً باعتباره مخلوقاً من عنصرين هما الجسد والروح، ولأيْقن أن الجسد قد يهلك بكثرة الطعام، لكن الروح لا تهلك أبداً بكثرة الصوم، بل تبث الحياة في الجسد العليل.
ساحة النقاش