كثير منا قبل كل عمل يريده يسأل ويستشير حتى يؤديه على الوجه الصحيح، وحتى ينال ما يتمناه على أتم ما يمكن. وحديثنا اليوم يتعلق بما نريد القيام به وهذا من محاسن شريعتنا الغراء التي جاءت لتحقق للإنسان الحياة الطيبة.
ولعل من أعظم وأجل ما يطلبه العبد حتى يوفق في مقصده ويسدد في مراده تعلق القلب بالله تعالى وسؤاله الإعانة عليه قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ).
وقال تعالى:( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ومن ذلك مارواه الصحابي الجليل جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : “ إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ . اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ ـ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ ـ خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ قَالَ أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْنِي عَنْهُ “واصرفه عني”، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ”.
في الحديث تعليم لنا قبل كل عمل نريد القيام به أن نستخير الله تعالى، وقال ابن حجر رحمه الله: “المراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما. فمن همَّ بعمل فعليه أن يسلك طريق الاستخارة ثم لينظر بعد ذلك تيسير الأمر له، فالبعض يعلق أمر التيسير على رؤيا يراها تبين له الاختيار السليم، وهذا غير صحيح إذ المراد أن يصلي الإنسان ثم يرى بعد ذلك التيسير والتسهيل فيما أراده، وقد يكون الارتياح وانشراح الصدر دليلا . قال بعض أهل العلم: “فإذا استخار الله كان ما شرح له صدره وتيسّر له من الأمور هو الذي اختاره الله له”.
وهنا ملحظان:
الأول: على المستخير أن يكون خالي الذهن غير عازم على أمر ما إذ لو تمكن ما أرده في قلبه قبل الاستخارة يخشى عليه انحيازه فقط فيما أراد ويخفى عليه رؤية الخير والسداد.
الثاني: قَالَ النَّووِي : يسْتحَب أَن يسْتشِير قبْل الاسْتخارة مَن يعْلم منْ حالِهِ النَّصيحةَ والشَّفقة والْخبْرة، ويَثِق بدِينِه ومعْرفتهِ. قالَ تعالَى: “ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ”، وإِذَا اسْتشَار وظَهرَ أَنَّهُ مصْلحةٌ، استَخار اللَّهَ تعالَى فِي ذلِك. ويقول ابْن حجَر الْهيْثَمِيُّ:: حتَّى عنْد الْمعَارضِ “ أَيْ تَقَدمِ الاسْتشَارَة”، لأن الطُّمأْنينَةَ إلَى قوْل الْمسْتشَارِ أَقْوى منْها إلَى النَّفْس لغَلَبة حظُوظها”.
وختاماً لنعلم أن الاستخارة لا تعني عدم النظر في الأسباب المادية والأخذ بها، بل هي توكل على الله مع الأخذ بالأسباب.
طالب الشحي
ساحة النقاش