أحمد محمد - نبي الله سليمان، أرسله إلى بني إسرائيل، وتولى الملك بعد والده داود “وورث سليمان داوود” ورثه في النبوة والملك، وآتاه الله مُلكاً عظيماً، لم يؤته أحداً من قبله، ولن يعطه لأحد من بعده إلى يوم القيامة، استجاب لدعوته “رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي”.
سخر الله له أشياء كثيرة كالإنس والجن والطير والرياح، يعملون له ما يشاء بإذن ربه، وألان له النحاس، قال تعالى: “ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور” “سبأ:12- 13”
ثناء الخالق
وأثنى الله عليه بكثرة العبادة والتضرع، فقال: “ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب” “ص:30”، وعلمه لغة الطيور والحيوانات، وكان له جيش عظيم قوى يتكون من البشر والجن والطير، “وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون” “النمل:17”، وكان دائم الذكر والشكر على هذه النعم، منحه الله الذكاء منذ صباه، ذهب مع أبيه داود إلى دار القضاء فدخل اثنان صاحب أرض فيها زرع، والآخر راع للغنم، للفصل في قضيتهما، فقال الأول إن غنم هذا الرجل دخلت أرضى ليلا، وأفسدت الزرع، فاحكم بيننا، وتأكد داود من صدقه، وحكم له بأن يأخذ الغنم مقابل الخسائر التي لحقت بحديقته، لكن سليمان رغم صغر سنه، كان له حكم آخر، فاستأذن من أبيه، فحكم بأن يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها، ويأخذ صاحب الأرض الغنم لينتفع بلبنها وصوفها، فإذا انتهي صاحب الغنم من إصلاح الأرض أخذ غنمه، وأخذ صاحب الحديقة حديقته.
وكان هذا الحكم هو الصحيح والرأي الأفضل، وأثنى الله عليه، قال: “وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين” “الأنبياء 78- 79”.
كان سليمان يحب الخيل، خصوصاً “الصافنات” أجود الأنواع وأسرعها، وفي يوم بدأ استعراضها أمامه عصراً، وتذكر بعض الروايات أن عددها كان أكثر من عشرين ألف جواد، فأخذ ينظر إليها ويتأمل، فطال الاستعراض، فشغله عن ورده اليومي في ذكر الله، حتى غابت الشمس، فأمر بإرجاع الخيول له “فطفق مسحا بالسوق والأعناق”، وجاءت روايتان كلاهما قوي، رواية تقول إنه أخذ السيف وبدأ بضربها على رقابها وأرجلها، حتى لا ينشغل بها عن ذكر الله، ورواية أخرى تقول إنه كان يمسح عليها ويستغفر الله عز وجل، فكان يمسحها ليرى السقيم منها من الصحيح لأنه كان يعدها للجهاد في سبيل الله.
وذات يوم كان سليمان يسير مع جنوده من الجن والإنس، ومن فوقه الطير، “حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون”، “فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين” “النمل 18و19”.
غياب الهدهد
وبينما كان سليمان يسير وسط جنوده ويتفقد مواقعهم، نظر ناحية الطير، فلم يجد الهدهد، فغضب وقال “لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين” “النمل21” عاد الهدهد: “فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون” “النمل 22- 24”.
وجد الهدهد قوم سبأ يسجدون للشمس ويعبدونها من دون الله، وأراد سليمان أن يتأكد من صدقه، فكتب رسالة يدعو فيها الملكة وقومها إلى الإسلام والإيمان بالله، فأخذ الهدهد الكتاب، وطار إلى أن، دخل حجرة الملكة، فألقاه ووقف يراقبها.
أخذت الملكة الرسالة، لكنها امتنعت عن أخذ قرار حتى تشاور كبار القوم، فاقترحوا محاربة سليمان، فهم أصحاب قوة، لكن الملكة اقترحت أن تبعث إليه بهدية تليق بمكانته، وتنتظر رده. وصل رسل الملكة بالهدايا العظيمة، رفضها ثم توعدهم إن لم يسلموا سيأتي إليهم بجنود لا طاقة لهم بها، وعادوا فأخبروها بما حدث، فجمعت بلقيس الوزراء والأمراء لتستشيرهم، فرأوا أن يذهبوا جميعاً إليه مستسلمين.
ساحة النقاش