...... فاقتربنا من الحكيم الروحاني ، بعد أن غسلت حكمتــه ، الحذر والخِشية من قلوبنا ، وقلنا له : أيها المعلم إننا نتوق إلى علم الحقيقة فنرجو أن تهبنـــا من حكمتك فقال : أصلحوا نفوسكم تصلح لكم آخرتكـــم ... قدموا الحكمـــة على جميع المرغوب ... أعنوا بقوام البدن فإنه آلة النفس ... اطلبوا فضائل النفس تصح قوامكـــم ... لا تمدحوا المذموم ولا تذموا الممدوح ... تعاونوا على البر ، وارفعوا عنكــم البغضاء ... تزينوا بالعدل ، والبسوا أثواب العفة ، تفلحوا وتحمدوا أمركـــــم .................... فقلنا له : نحن في رحلة إلى ينابيع الحقيقة ، وما دمنا مع ينبوع المعرفة ، فأننا نتوق إلى معرفة النفس وخلودهـــا .

..... قال أفلاطون : إذا نظرنا إلى التغير بالإجمال ، وهو قانون العالم المحسوس ، وجدناه تبادلاً دائراً بين الأضداد ، يتولد الأكبـــر من الأصغـــر ، والأحسن من الأسوأ ، وبالعكس ، فتصح لدينـــا العقيدة القديمة بأن الحياة تُبعث من الموت ...............

لكن سقراط الذي كان ينظر إلينا بشيء من الحيطة ، نادانا سائلاً بقوله : هل أنتم غرباء عن الحكمـــة والحكمـــاء أيها الزائرون ؟....

فأجبناه بقولنا : ما دمنا بينهــــم ، فلسنا غرباء ، زدنا عن النفس ياشهيد الإيمان ..
قال النفس جامعة لكل شيء ، فمن عرف نفسه ، عرف كل شيء ، ومن جهل نفسه جهل كل شيء ، من صدَّق نفسه بفناء الدنيا زهـــد فيهــا ، ومن صدَّق نفسه ببقاء الآخـــرة رغب فيهــا ، ثم تابع قائلاً : الدنيا معبرة إلى الآخـــرة ، فمن استعدّ بزاد السفر آمن في المفاوز التي يخاف فيهــا غيره ............

كنا نعلم أن سقراط الذي لم يكتب على صفحات التاريخ شيئاً ، غير أنه أودع في ضميره أشياء عظيمة قد تأبدت في صميمه ، فقد صار في ذاكرة التاريخ حقيقة ثابتة ، تحفظ في جوهرهـــا حقائق جوهريـــة ، كان لها دور في صيرورة الوجـــود إلى غايتـــه الأبدية ، لذلك كان لا بد أن نطلب المزيــــد ...

فقال المعلم الحكيم : النفس الفاضلة تُعرف بحسن قبولهـــا للحق ، والنفس الناقصة تُعرف بمسارعتهـــا إلى الباطل ، غرس النفس الفاضلة الإنصاف ، فما ضاع من عرف نفسه ، وما أضيع من جهل نفسه ، النفس عوض من كل شيء ، ولا شيء عوض من النفس ، فمضيع نفسه مضيع لكل شيء ، وحافظ نفسه حافظ لكل شيء .........

نعــــــــم لقد كانت نفس أفلوطين ملتذة مع نفوسنا في تلك العبارات ليقول جازماً : حقاً يا معلم الحكمــة إنك تُمتعنـــا بنور هذا الجوهــــر المشرق من جمال إنسانيتنا .
/ فالنفس ثابتة قائمة على حال واحدة لا تفسد ولا تبيد وبهــا صار الإنسان هــو ما هــو وهــو الشيء الحق الذي لا كذب فيـــه إذا أُضيف إلى الجسم ، وحاجة النفس إلى الجسم كحاجة الصورة إلى الهيولي ، فالإنسان إذاً هــو النفس ، لأنــه بالنفس يكون هــو ما هــــو وبهــا صار ثابتاً دائماً ............