تعاني هدى من تحرّش شبه يومي بها. هي ابنة الـ26 عاما، طالبة الماجستير في الإعلام بالجامعة اللبنانية). يبدأ التحرّش بها منذ خروجها من المنزل صباحا، ويرافقها الى الكلية، ويعود معها في رحلتها الى مكان عملها بعض الظهر، وايضا يرافقها عند عودتها الى المنزل مساء. ورغم كل ذلك لم تفكر يوما بالتوجه الى مخفر الدرك القريب من منزلها لتقديم شكوى. لماذا؟
لانها بكل بساطة: “لا أؤمن بأن هذا الدركيّ الجالس وراء مكتبه قد يتحقق من الموضوع، بل انه سيسجل الشكوى ضد مجهول”. وهذا ما اكده دركي في احد المخافر قائلا: “نسجل سنويا آلاف الشكاوى من نساء تم التحرش بهن. الا انه لا مواصفات محددة او دليل مادي على ذلك. فكيف نبحث عن هذا المتحرش؟ الا اذا قبض عليه بالجرم المشهود؟”.
الأمر نفسه يتكرّر مع زميلتي زينة، يوميا في طريقها من منزلها باتجاه عملها تتعرض ابنة الـ35 عاما للتحرّش. هي السكرتيرة الادارية في احدى المدارس الخاصة. تتعرّض للتحرش في الفان معظم الأحيان. في احدى المرات جلس الى جانبها رجل يُبدي بعض التعب كنوع من تبرير ليلقي كتفه على كتفها. الا انها، وبسبب خجلها من الزعيق بوجهه اضطرت الى وضع جزدانها وبعض الأوراق بينها وبينه.
في مرات عديدة كانت زينة تتجرأ فتدفع المتحرش بكتفه الى الجهة الاخرى، ليعتذر مباشرة منها، لكن ما يلبث ان يعاود استلقاءه. هي قصّة ابريق الزيت اليومية. ونادرا ما ترفع صوتها خوفا من اشكال كبير يمكن أن تتسبّب به.
هذه القصة هي ظاهرة تحدُث مع العديد من النساء خلال تنقلاتهن يوميا في لبنان وتحديدا في بيروت وضاحيتها الجنوبية. وهن يروينها همسا لأن أخي تلك او أبي هذه أو زوج أخرى لن يرضى الا بحلّ من اثنين: اما ترك الجامعة والعمل، او مشكلة قد تؤدي الى المخفر والسجن.
قصص كثيرة ومتنوعة تتناقلها النسوة فيما بينهن الا ان قلة منهن لجأن الى تقديم شكوى الى مخافرالأمن العام. هدى خافت من التوجه الى المخفر القريب لأنّ “الدركيّ الموجود هناك لن يصدّق”. فهي لا تعرف اسم الرجل، ولم تحفظ شكله، ما سيجعلها عُرضة للاستهزاء في مجتمع يعتبر ان المتحرَّش بها هي السبب إذ تكون، عرفا، أغوته بلباسها او كلامها او طريقة تحركاتها.
يؤكد مصدر أمنيّ في احد مخافر الضاحية الجنوبية ان “الشكاوى قليلة جدا، بل نادرة. وتبلغ نسبة الشكاوى المقدّمة بهذا الاطار1 على 365 في العام”.
رئيسة جمعية “أبعاد”، المتخصصة في محاربة العنف ضد النساء، غيدا عناني، برّرت ذلك بالقول إنّ “التحرش الجنسيّ نوع من انواع العنف ضد النساء، لأنهن نساء، وهو قائم على النوع الاجتماعي لكون المتحرّش بها امرأة وليست ذكرا، ولكون مجتمعنا له قيم ومفاهيم مُحافظة في موضوع الشرف”.
وتضيف في حديث لـ”جنوبية”: “لقد زاد التحرش في وسائل النقل، وهي ظاهرة ليست بجديدة. لكنها تكاثرت في الأشهر الأخيرة. والعديد من النسوة المتحرّش بهن هن من الأجنبيات. فالرجل اللبناني يعتبر ان الأجنبية المتحرَّش بها تكون متساهلة، الا انه لا يُدرك ان الأجنبية أيضا اكثر جرأة على الشكوى الرسمية من اللبنانية”.
وتابعت: “تتفاوت نسبة المتابعة بحسب الشخص نفسه، الا انه من المعروف ان المرأة لا تتابع الشكوى لانها تيأس من الوصول الى نتيجة. والعديد من الشكاوى لا تُستكمل، قلّة فقط لا يتوقفن عن المتابعة” بعد مرور وقت قصير. وبحسب نوع التحرّش يفترض أن تكون العقوبة. فهناك انواع من التحرّش، منها: خدش الحياء العام بكلام بذيء، اللمس، محاولة اغتصاب، الإغتصاب وفضّ البكارة.
المحامي عامر بدرالدين يشرح لـ”جنوبية” أنّ “أنواع العقاب تختلف بحسب نوع التحرّش، فاذا كانت المتحرَّش بها قاصرا تُعتبرهذه الفعلة جناية، وعقوبتها مشددة قد تصل الى السجن، اما اذا كانت المتحرَّش بها غير قاصر فيُعتبر الفعل جنحة، ويتم التعويض ماديا على المتحرَّش بها. وهناك عقوبة مخففة عبارة عن التوقيف لمن لمس امرأة”.
لكن ما المطلوب من المرأة المتحرَّش بها كمستند لتقدّمه الى المخفر كإثبات على عملية التحرش، يقول بدر الدين: “المطلوب تقرير الطبيب الشرعي في حالة الاغتصاب او الاعتداء. وتكون الشكوى شفهيّة في حال كان المتحرّش شخصا غير معروف أي مجهول الهوية”.