السؤال

لديَّ ابن يَبلُغ من العُمر 18 عامًا لا أعلَمُ كيف أتصرَّف معه؛ لأنَّه يخرُج من المنزل ولا يعودُ إلا للنوم، ولا يُصلِّي، ولا يحبُّ أنْ يسمع كلمةً واحدة، وأنا لا أعلم أين يذهب ومع مَن؟ فقد ترك الدِّراسة، ولا يتعامل معي إلا بكذبٍ، تكلَّمت معه بكلامٍ طيِّب وقدَّمت له كلَّ ما يريدُ فلم يُفِدْ شيئًا، استعمَلتُ معه القَسْوة فلم تفد أيضًا، هدَّدته بالسجنٍ، وبالفعل سُجِنَ لمدَّة نصف يوم، ولم يُفِدْ السجن شيئًا، لا يخاف من أيِّ شيء، ولا يهتمُّ لأيِّ شيء، إذا خرج من المنزل لا يعود إلا بمصائب، فقد كسر سيارات الناس مرَّات كثيرة، ماذا أفعل معه؟ أريده رجلاً مثل الرجال، وهو غير مهتمٍّ، حرق قلبي بأفعاله.

 

أرجوكم ساعدوني، لا تقل لي: اشترك له في نادٍ، فقد حاولت ولم ينفعْ!

 

الجواب

نشكُر لك سيدي ثقتَك فينا، وأسأل الله تعالى أنْ ينفعك بهذه النصائح التي سيكون لها تأثيرٌ كبيرٌ إنِ اهتممت بها، وصبرت على تنفيذها.

 

أبناؤنا جزءٌ منَّا، ونتمنى لو نراهم أفضل الناس، بل يكونُ طُموحنا أنْ نراهم كاملين مُتميِّزين، لكنْ من المهم جدًّا أنْ نكون على درايةٍ وقُربٍ من كلِّ مرحلةٍ يمرُّ بها أبناؤنا، ونتفهَّم فيها احتياجهم لنُعطِيهم الثقةَ بأنَّنا نفهَمُهم ونشعُر بما يشعُرون به، وإلا فقدناهم، فأصبحوا يُشكِّلون لنا عبئًا وهمًّا، وأصبحنا بالنسبة لهم أجسادًا لا تفهَم ولا تشعُر!

وما فعلتَه هو بداية الطريق السليم لتفهُّم ابنك، فبداية الطريق الاستشارةُ، أو القِراءةُ، أو مُساعدةُ المرشد النفسي بالتثقُّف في معرفه خَصائص المرحلة التي يمرُّ بها ابنك، وكيف تتعامَل معها؛ لأنَّك قد تتعامَلُ بأمورٍ تراها جيِّدة من وجهة نطَرِك وهي تُعَدُّ كارثةً بالنسبة له، فلا تتعامَلْ معه بما تَراه أنت، بل بما يراه هو ويحتاجُه، وهذا لن يحدُثَ دُون توعيةٍ بمرحلته.

ابنك إنْ فهمتَه لن تشعُرَ بأنَّه عجيبٌ كما ذكرت؛ لأنَّه في مرحلةٍ حَرِجة جدًّا، وهي مرحلةٌ تتغيَّر فيها هرمونات جسمِه، ويتأثَّر تبعًا لها مزاجه ونفسيته واحتياجاته، وهو في أشدِّ الحاجة لدَعْمِك النفسي وثقتك به، حتى وإنْ لم يظهر عليه ذلك فهو يحتاج إليك، ولكن بمجرَّد شُعوره ببُعدك وبانتقادك له تجدُه يهرب ويبتعدُ.

فكلُّ ما كتبتَه عن ابنك يُعَدُّ من خَصائص المراهقة، وطبيعة مرحلته، لكنَّها زادت بصورةٍ مُفرِطة؛ لأنَّه لم يجد الاحتواء والثقة أو الصبر على ذلك.

هذه المرحلة تبدأ من سن 13 حتى سن 21، تجدُه فيها مُتقلِّب المزاج، دائم الضَّجر والاكتئاب، كثيرَ الخروج والاعتراض والانطواء والعُزلة، لا يقبل النَّصيحة ولا الانتقاد، يفعَلُ ما يريدُه هو، لا يستجيبُ لأيِّ ضغطٍ أو أوامر، والنمو الاجتماعي والتأثُّر بالشلَّة ومفاهيمهم حتى ولو لم يكن مقتنعًا بأفكارهم.

 

إليك هذه النصائحَ في التعامل معه:

1- ادعُ الله تعالى له بالهداية وصَلاح الحال: فدعاء الوالد لولده مستجابٌ، وثِقْ بمعونة الله لك، وأنَّه ابتلاءٌ سيُفرِّجه الله إنِ استَعَنتَ به.

2- كوِّن علاقةَ حبٍّ حقيقيٍّ مع الابن: إنَّ علاقة الوالد مع ابنه المراهق، وكذا علاقة الأم مع ابنتها في الغالب هي علاقةٌ تقليديَّة فقط؛ مثل: عمل الشاي، تقبيل الرأس... وهكذا، أو علاقة توجيهيَّة تشمَلُ أوامرَ ونواهيَ فقط، وهذه مشكلةٌ تكمُن في أنَّ هذه العلاقة تُوجِدُ جِدارًا عازلاً يمنعُ الابن أو الابنة من الرُّجوع إلى أبيه أو أمه.

والمطلوب وجودُ علاقة حُبٍّ، علاقةٍ شاملة (ود، وحنان، ومحبة، وتوجيه)، وللوصول إلى هذه العلاقة يلزَمُ الأبَ والأم الانفتاحُ مع المراهق أو المراهقة؛ مثل: أنْ يعزم الأب ابنه والأم ابنتها على طعام عشاء لذيذ في سَطح المنزل أو حديقة المنزل على سبيل المثال، أو أخْذ الشاي إلى غُرفة المراهق الخاصَّة، يملأ ذلك المجلس القصص والطرائف، فلا بُدَّ أنْ تكون علاقتنا مع الإيجابيَّات لا مع السلبيَّات فقط.

3- امدَحِ المراهق: تبدأ الصَّداقة بين الأب والمراهق بامتِداح شَخصه، فيمدَحُ الأب أو الأم تفكيره، وطريقته في التعليق على الموضوعات المثارة، وأسلوبه في فتْح موضوعات معيَّنة للمناقشة، وطريقته في إلقاء النكات، أو استخدام الفُكاهة، كما يمدح سُرعة بديهته، ويمدَحُ شكلَه، وطريقته في الملبس، ومدى الأناقة والجمال في اختياراته كلها، وتُوجَد بعضُ الملاحظات التي لا بُدَّ منها فيما يتعلَّق بمدح المراهق:

- ليس ضروريًّا أنْ يكون ما نمدحه في المراهق جميلاً جدًّا، أو لافتًا للنظَر؛ بل من الممكن أنْ نمدَح أمورًا عاديَّة حتى نُشجِّعه على الاستمرار في ممارستها.

- لا يصحُّ أنْ نمدح في المراهق أمرًا مَعِيبًا، أو خطأ بيِّنًا واضحًا؛ حتى لا يشعُر بأنَّنا نقصد أنْ نمدَحَه دُون وجه حقٍّ، وبصرف النظَر عن الصواب والخطأ؛ لأنَّه إذا وصَلَه هذا الشعور فسيفقدُ الثقة في جميع ما نقول.

- يحتاج المراهق إلى الشُّعور بالتقدير والثقة من الآخَرين.

4- أعطِهِ الحريَّة: من خِلال إعطاء فُرصةٍ للحوار، والأمر يُعرَض عليه ولا يُفرَض، والخطأ مقبولٌ وليس خطيئة، ويُحاسَب على الخطأ، ويظل حبُّنا لشَخصِه ولذاته.

5- تجنُّب النَّقد: فغالبًا ما يظهَرُ تحدِّي المراهقين للكبار في أسلوب ونمط ملابسهم وتسريحات شعرهم المبتكرة والغريبة؛ ممَّا يُسبِّب حالةَ استِفزازٍ للأبوَيْن.

ويُؤكِّد خُبَراء النَّفس أنَّ حالةَ التمرُّد مظهرٌ من مظاهر المُراهَقة، تعطي المراهقَ الإحساسَ بالاستقلاليَّة والشعور بأنَّه كبر؛ لذا يجبُ تجنُّب نقْد مظهرِه.

6- دعْه يتحمَّل المسؤوليَّة: يجبُ أنْ يتعلَّم في هذه المرحلة تحمُّل المسؤوليَّة من خِلال أسلوب المحاولة والخطأ والتجربة واتِّخاذ القَرارات بنفسه.

7- كُنْ حياديًّا في التفكير إذا استَشارك ابنُك في أمرٍ ما، فوضِّح له إيجابيَّاته وسلبيَّاته بإيجازٍ وموضوعيَّةٍ، وبكلِّ حكمةٍ، وانْهِ الاستشارة بجملةٍ واحدة: افعَلْ ما تعتقدُ أنَّه في صالحك؛ فالمراهق يحتاجُ إلى العديد من الفُرَصِ ليتعلَّم من أخطائه قبلَ الاحتِكاك بالمجتمع، وقبل أنْ يجدَ نفسه مضطرًّا لحلِّ مشكلاته دُون مُؤازَرة.

8- لا تنسَ الهديَّة: ولها فعلُ السِّحر في نفْس المراهق، والهديَّة من الأب أو الأم تعني الكثير بالنسبة له، تعني الاهتمام الشخصي، وتعني الحب، وتعني أيضًا التقدير، وهي الطريق الأفضل لإيجاد الحبِّ بين الناس بصفةٍ عامَّةٍ، وبين الأهل والمراهق بصفةٍ خاصَّة.

9- ساعِدْه على التعبير عن الذات: بالسَّماح له بالتعبير عن أفكاره الشخصيَّة، والاستماع لآرائه الناقدة بأذنٍ صاغية، ومُناقَشته فيها، وعدم لَومِه أو الغضب منه بسببها، ومحاولة تصحيح ما يُمكِن تصحيحه منها في حال اقتِناع الوالدين بها.

10- تجنُّب رفْع الصوت إطلاقًا:

أي: عدَم التفاهُم في البيت بصفةٍ عامَّة بصوتٍ مرتفع، ونظرٍ حادٍّ للآخَرين؛ حتى لا يشيع هذا السُّلوك في البيت، ويعتاده الأبناء.

11- لا تُجرِّب معه أيَّ أسلوبٍ كـ(إدخاله السجن، وطرده من المنزل...) وما أشبَهَ ذلك؛ فهي أساليبُ تزيدُ المشكلة أضعافًا، وتُشعِره بعدَم الأمان تجاهك.‌

12- لا ترغمه على العودة إلى الدِّراسة أو غيرها، فقط أخبِرْه دومًا أنَّ هذا تحبُّ أنْ يفعَلَه؛ لأنَّه يعودُ نفعُه عليه هو وحدَه، وأنَّك لا تحبُّ أنْ تراه يومًا يندم على ذلك، وتحدَّث معه ولو برسالة حُبٍّ عمَّا سيعودُ عليه بالنَّفع إنِ التزَمَ أو عاد للدِّراسة، وأنَّك تُفكِّر بهذا لمصلحته فقط ولحبِّك له، وأخبِرْه بأنَّك تثق أنَّه سيَتجاوَز كلَّ ما يمرُّ به من آلامٍ، وسيُفكِّر وسترى منه أفضل نتيجة.

13- وأخيرًا: من الممكن أنْ تستعين بمرشدٍ نفسي يُساعِدك بخطواتٍ محدَّدة ويُتابِعُك في طريقة التعامُل معه، ويكون نوعًا من التنفيس لك وفهمك لما يحدُث.

 

وفَّقك الله، وجعَل ابنَك قُرَّةَ عينٍ لك في الدُّنيا والآخِرة.



aliabdallah77

الحمـدلله

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 364 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2013 بواسطة aliabdallah77
aliabdallah77
إذا نزل مؤمن وكافر إلى البحر فلا ينجو إلا من تعلم السباحة فالله لا يحابي الجهلاء فالمسلم الجاهل سيغرق والكافر المتعلم سينجو »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

626,344

لا تنسى ذكر الله

اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ