احمد الجنديل

 
 

 

 


إنْ كان هذا يرضيك، فلكَ الأمر من قبل ومن بعد يا عراق، وإن خمدت جذوة الكرامة في عروق الفرات، وانطفأ سراج الشرف في شرايين دجلة، فلا نملك غير خيمتك نلوذ بها، ندفن رؤوسنا في ترابكَ ذليلة خانعة، ونخرج مؤخراتنا قبيحة كالقردة للتفرج عليها.
في كل مساء، ندخل محرابكَ أذلاء، نقيم صلواتنا بين يديك يا عراق، بلا طهارة، ولا إيمان، ولا صدق، ونبتهل إلى خالقكَ بألسنة مجبولة بالخزي والزيف والكذب، من دون أن تمد يدك لتصفع من خانكَ، وتبصق في وجه من خذلكَ، وتسحق رؤوس الرعاديد الذين باعوكَ في سوق العمالة بثمن بخس، فما الذي دهاك يا منبع الحكمة؟ وواهب الخلود؟ ومعلم الكبار؟ وملهم الشعراء؟ ومهد الأنبياء والأوصياء الكرام؟ وملقن الأبطال دروس التضحية والبذل والعطاء؟
وفي كل صباح، يهرع الجراد إليك ليتلف خيراتك، وتنتشر الخنازير لتعبث في كنوزك، وتصول فئران السياسة والنجاسة لتنال من سمعتك، وتجول الثعالب الوطنية لتسرق حاضرك، وأنت لا تحفل بأنين الأرامل، ولا بصراخ الأيتام، ولا بذبح الطفولة، ولا بمصادرة الرجولة، أيها الواهب بركاته للصغار والكبار، الناثر طيبته للقريب والبعيد، الكريم من دون تكبر، الشجاع من دون غرور، الشريف من دون نرجسية، الحكيم برصانته، الخبير بأسرار الشعوب، المتصدي لكل عمل جبان.أقزام الشر، وأحفاد الأفاعي، والقادمون من سلالة الديناصورات الحجرية، يقذفون سهامهم نحو أبنائك، ويتهمونهم بالأممية تارة، وبالقومية أخرى، وبالدين ثالثة، وبالإلحاد رابعة، من دون أن يدركوا أنك المتعالي فوق كل الأحزاب والقوميات والأديان والطوائف. وكنّا يا سيدي نتلهف في كل لحظة إلى ثورتك، نصلي على شواطئ الفرات لكي يثور، ننام على شواطئ دجلة لكي تستيقظ، تعبت أرواحنا من كثرة الدعاء من دون أن نسمع صرختك المدوية، ومع تواصل حالات اليأس والقنوط، نهرب منك، فنراك عالقاً بدمائنا كالديدان الشوكية، ونكتشف بعد حين أنك المانح لأرواحنا سر البقاء، فنعود إليك صاغرين، متضرعين.أيها العراق العظيم، أما آن الأوان أن تضرب رقاب من أهانك، وسرق ثرواتك، واعتدى على كرامة شعبك؟
أما آن الأوان أن ترجع الصعاليك إلى حاضناتهم الدنيئة، وتكنس من أرضك كل الأوغاد الذين تآمروا عليك، وتعيد لجبينك بهاء الأنبياء الراقدين بين أحضانك، وتزمجر في وجه العالم الذي تجاهلك، وتعيد صرخاتك العظيمة في وجوه الطامعين والمنحرفين، وتقول للجميع: أنا العراق؟.. إلى اللقاء.

algoahri

اهلا وسهلا بكم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 29 مشاهدة
نشرت فى 8 نوفمبر 2015 بواسطة algoahri

nabil samara

algoahri
سيرة حياة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري : محمد مهدي الجواهري (1899 -1997) شاعر العرب الأكبر(متنبي العصر)، وهو من العراق ولد في النجف، كان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف، أراد لابنه أن يكون عالماً دينيا، لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة. ترجع اصول الجواهري إلى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,616