<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
حين تبلغ الإساءة مداها وتظهر بشكل مادي بيِّن؛ فإنّ المسلم يملك زمام نفسه وينتحل الأعذار لصاحبه، ولا يشغل خاطره بما وراء ذلك، قاطعاً كل مشوش عن قلبه. فبينما كان الربيع ابن خثيم يسير في الطريق؛ إذ أصابه حجر في رأسه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللّهمّ اغفر له فإنّه لم يتعمدني.
خذ مثلاً نراه في حياتنا اليومية أقل بكثير من هذا، حين يقود الرجل سيارته في الطريق فتقترب منه سيارة أخرى فتضايقه بعض الشيء، فما يكون من ذلك الرجل، كما هو معتاد أحياناً، إلا أن يغضب ويتذمر، ويدعو على الآخر أن يسقط في أقرب حفرة، أو يصطدم بعمود كهرباء، أو يدخل تحت شاحنة.. فيريح الله منه البلاد والعباد، ولم يتسع صدره لفعلة أخيه فيردد: اللّهمّ أصلح شأنه، اللّهمّ اغفر له فإنه لم يتعمدني.
هذا التعدي يقابله الربيع بن خثيم بالعفو والغفران، فالهم ليس لهذا الجسد، والعمل ليس لهذه الدنيا، فالقلب معلق في الآخرة، فيحاذر من كل زلة تعيق المسيرة، فيجمع الهمة لقطع الفلوات.
وشتمه رجل فقال: يا هذا، قد سمع الله كلامك، وإن دون الجنة عقبة إن قطعتُها لم يضرني ما تقول.
وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول.
- انحدارات وسمو:
وعندما تكون للمرء ثقة كبيرة في نفسه، ويحمل بين جوانحه قيماً ومبادئ ويعتد بها؛ فإنّه يترفع عن السلوكيات المشينة، ويرى أنها انحدارات لا يرتضي أن ينزل إليها، فيسمو بقدر نفسه ويتسع صدره لهنات الآخرين، ويرد بحلمه جهل الجاهلين.
قال النابغة الجعدي:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له **** بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له **** حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
ويعذر الناس من أنفسهم ويلتمس لهم المبررات لتجاوزاتهم وأغلاطهم، فينظر إليهم نظرة المشفق الحنون الذي يأسى لما أصابهم.
فلا تكون النظرة أنّه كثير الإساءة، وأنّه أقل منا أدباً وخلقاً، ولا يقيم للسلوكيات الحسنة ميزاناً، ويجب أن يُنبذ ولا يُقارب، ولم لا وليس هناك مصلحة مادية تربطنا به؟ كما أن هناك كثيرين غيره ممن يمكن مصاحبتهم ومعاشرتهم وقضاءالأوقات معهم، فتتقطع معه الأواصر وتضمحل الروابط، فتزداد الجفوة الشعورية، وقد تتبعها المقاطعة فينعزل عن المجموعة الخيّرة، فلا يجد من يعينه ويشد من أزره كي يصلح حاله، فهو مريض ولم يجد من يقدم له الدواء ويصبر على علته.
- شر واقع:
وهناك من الناس من طبع على الجفوة والغلظة في التعبير والأخذ بالشدة وسرعة التوجه للشر، ويأخذ من كل أمر جانبه العسر، وله دائماً في سوء الظن تعليل، بل وقد يعده يقيناً يبني عليه ما شاءت له أهواؤه المريضة.
ومن أراد الإصلاح لا يؤاخذ أمثال هؤلاء بما يتلفظون أو يتعجلون به وإن كانوا لها قاصدين، فالسلوك الحسن معهم يدفعهم – وإن طال الأمد – إلى الجنوح إلى الرفق ومحاولة جمح النزعات الدنيا.
ولاشك أن هذا صعب ويحتاج من الطيبين أن يتحملوا ويصبروا، وعند الله حسن جزائهم.
ولعلك تجد هذا المسيء، بعد إعذاره وطيب التعامل معه، يقف مواقفاً تطيب لها النفوس وتفرح لها القلوب.
ساحة النقاش