<!--<!--<!--[if gte mso 10]>
<style>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt;
mso-para-margin:0in;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:"Times New Roman";
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}
</style>
<![endif]-->أعطني أسرة فعالة أعطك مجتمعاً سوياً منتجاً متماسكاً»، طبعاً بتوافر بقية المقومات والاشتراطات لبناء المجتمعات وهندستها بشكل ذكي. ويمكن القول إن «المجتمعات الذكية تصنع بيئة تقلل فيها مخاطر حرمان الطفل من فرص النجاح في الحياة؛ من جراء انخفاض مستويات فعالية الأسرة التي ينتمي إليها هذا الطفل أو ذاك».
أما مجتمعاتنا العربية فتكاد تنعدم فيها فرص النجاح للأطفال في الأسر المعدمة، أو التي يقوم عليها أفراد غير أسوياء، في سياق اجتماعي يجعلنا نقرر دون عناء أن الفعالية الأسرية لدينا تشهد انخفاضاً مخيفاً؛ وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال.
المجتمعات الإنسانية -في رأيي المتواضع- مقبلة على خوض معركة أشد ضراوة في سبيل المحافظة على الدور المفترض أو التقليدي للأسرة، وقد بات جلياً لنا أن كل من يفرط في تدعيم ذلك الدور سيتحمل لا محالة تكاليف باهظة للغاية، وسيواجه مشاكل وأزمات قد تستعصي على الحل أو المعالجة، ولاسيما أننا نعيش عصراً يحمل بذور إضعاف أو حتى إفناء المهمة التقليدية للأُسَر من جراء عوامل عديدة، والواقع المعاش في العالم يؤكد تضعضع دور الأسر مقارنة بالعقود الماضية، مع وجود تفاوت بين المجتمعات بطبيعة الحال.
وعلى هذا فإنه يمكن القول إنه من المؤكد أننا بحاجة ماسة لقياس الفعالية الأسرية في مجتمعاتنا العربية؛ فالأسرة لها وظيفة محددة يجب أن تؤديها وفق مهام وإجراءات معينة كما نعلم جميعاً؛ ما يوجب علينا تحديد مستوى فعالية تأديتها لتلك الوظيفة.
ومن المعروف أن الأسرة إن هي فشلت في تأدية بعض المهام أو الإجراءات فإننا نحن المجتمع نتحمل تكاليف لا طاقة لنا بها، ومن ذلك أن بعض الأفراد يتحولون إلى مجرمين، أو مدمنين، أو أعضاء في مجموعات التطرف والعنف، أو عاطلين، أو «افتراضيين» بشكل مبالغ فيه، ونقصد بذلك أنهم قد يتحولون إلى أفراد منسحبين من عالمهم الواقعي ومجتمعهم الحقيقي إلى عالمهم أو مجتمعهم الافتراضي في الإنترنت (أي نشوء ميول انسحابية وهروبية)، وما يرتبط بذلك من تشكل «هويات افتراضية» أو «هويات إلكترونية»، ونحو ذلك من المظاهر الخطرة. وكل ما سبق يجعلنا نتكبد خسائر كبيرة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً.
ليس من السائغ -إذن- ترك الأسرة دون أن نحدد مستوى فعاليتها في رعاية أعضائها؛ فهي مسؤولة عنهم شرعياً وقانونياً، كما أنه ليس مقبولاً بعد اليوم أن نغفل عن تحديد المنظمات المسؤولة عن تلك القضية، ولو تطلب الأمر تأسيس منظمات جديدة، مع أنني أقول بأن ثمة منظمات يمكن أن تقوم بدور محوري في هذا السياق، وعلى رأسها وزارة الشؤون الاجتماعية؛ ولذلك فإني آمل من معالي الدكتور يوسف العثيمين أن يولي هذا الموضوع ما يستحقه من عناية واهتمام، وقد يتطلب الأمر تأسيس أو تطوير الهيكل التنظيمي في الوزارة للقيام بذلك بشكل فعَّال، مع التوصية بعدم إيجاد جهات متعددة تعنى بالفعالية الأسرية لئلا يحدث تشتت، كما هو مشاهد في بعض الملفات الأخرى، مع ضرورة التنسيق التكاملي مع الجهات ذات الصلة وفق آلية تنظيمية دقيقة وعملية.
ومن باب الشفافية أقول إنه من الواضح أن هنالك إهمالاً كبيراً لبعض المهام الاجتماعية من قِبل أعداد ليست بالقليلة من الأسر في مجتمعنا، ولاسيما في أوساط بعض الفئات أو الطبقات الاجتماعية، فمن يلحظ على سبيل المثال تواجد الأطفال والشباب في شوارعنا بطريقة عشوائية، وعبثهم بأوقاتهم بل بعقولهم وبالفضاء العام، لا يمكنه أن يجادل في وقوع ذلك الإهمال الذي نشير إليه، فضلاً عن عدم ذهاب بعض الأطفال والشباب إلى المؤسسات التعليمية والتأهيلية المناسبة، مع أنه يوجد قانون يجعل من الدراسة التأسيسية إجبارية على الجميع.
ولقد حسمت الدول المتقدمة خيارها تجاه مثل تلك المظاهر الاجتماعية الخطرة، من خلال سَنّ باقة من التشريعات المتكاملة التي تمنع الأُسَر من الإهمال في حق الأطفال، وتُجرِّم ذلك، وتتخذ إجراءات صارمة تجاهه، حتى لو تطلب الأمر تدخل الحكومات لرعاية الأطفال بشكل مباشر، وذلك بسحبهم من عائلاتهم المهملة، مع حرص تلك الدول على التأسيس والدعم الكافي لمنظمات تستهدف التأكد من تطبيق تلك التشريعات بشكل دقيق على الناس كافة، دون استثناء.
ولعلي أضع بعض الخطوات العملية المطلوبة في هذا الصدد. في اعتقادي أننا نحتاج إلى إجراء دراسة علمية تطبيقية شاملة تفضي إلى:
أولاً: إعداد مقياس دقيق لقياس مستوى فعالية الأسرة وفق الخطوات المنهجية الدقيقة لبناء المقاييس، على أن يصطبغ المقياس بالشمولية والتكامل.
ثانياً: هنالك حاجة ماسة إلى تشخيص مستوى فعالية الأسرة في جميع المناطق والمدن والمحافظات، وتدوين التوصيات المطلوبة، ويمكن إصدار دليل دوري لفعالية الأسر (كل ثلاث سنوات مثلاً).
ثالثاً: أن تتضمن الدراسة التشخيصية أجزاء من شأنها الإجابة عن أسئلة كثيرة، منها:
1. ما العوامل الديموغرافية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في مستويات فعالية الأسرة؟
2. ما أنماط «التنشئة الأسرية» و«التعامل الوالدي» في الأسر؟ وكيف تؤثر في الفعالية الأسرية في السياقات الاجتماعية المختلفة؟
3. ما التشريعات الاجتماعية التي يجب سنها لرفع مستوى فعالية الأسر، بما في ذلك العقوبات التي يجب أن تطول المقصرين؟
4. ما جهات الاختصاص القضائي للمسائل ذات العلاقة بالفعالية الأسرية وما يرتبط بذلك الأمر من إجراءات وخطوات عملية؟
5. ماذا ينقصنا لإكمال البنية المؤسساتية والتنظيمية لضمان رفع الفعالية الأسرية واستدامتها؟
6. ما اشتراطات تفعيل المؤسسات القائمة -كمراكز الأحياء- لتدعيم الفعالية الأسرية؟
7. ما المشاريع التي يتوجب تنفيذها لإكمال البنية التحتية الخدماتية والإنشائية لتدعيم الفعالية الأسرية في سائر المناطق والمدن والمحافظات؟
8. كيف يمكن لنا تنظيم النسل لدى بعض الفئات الاجتماعية التي تكثر منه بشكل عشوائي؟
9. كيف يمكن لنا الإفادة من التجارب الدولية الرائدة في مجال تعزيز الفعالية الأسرية (مقارنة مرجعية)؟
10. كيف يمكن تطوير المناهج الدراسية؛ لكي تكون معينة لنا بشكل أفضل لتعزيز الفعالية الأسرية؟
11. كيف يمكن تطوير برامج الدراسات العليا في جامعاتنا؛ لتعالج مسائل الفعالية الأسرية وما يرتبط بها من مسائل وفق منظور علمي حديث؟
12. ما البرامج التدريبية المطلوبة لسائر الفئات المستهدفة؟
13. ما الخدمات الاستشارية التي يتعين تقديمها في قوالب متنوعة تناسب احتياجات الفئات المستهدفة كافة؟
14. ما البرامج الإعلامية والتوعوية المطلوبة لرفع منسوب الفعالية الأسرية؟
15. كيف يمكن لنا تفعيل تقنية المعلومات والإعلام الجديد تدعيماً للفعالية الأسرية؟
وإني أجد فرصة مناسبة في هذا الفضاء لدعوة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية؛ لعقد جولة من الحوار الوطني، نتلمس فيها المسائل والقضايا والعوامل والأسباب والمظاهر والمعوقات والحلول والتكاليف والاستحقاقات ذات العلاقة بالفعالية الأسرية؛ فالتناول الشفاف لكل ما سبق يمكن أن يجرنا إلى اكتشاف مواطن العلل ومكامن الحل، خاصة أن ذلك الموضوع يختلط فيه الثقافي بالاجتماعي بالسياسي بالاقتصادي، وهو أمر يعيد مركز الحوار الوطني إلى معالجة المسائل الإشكالية بدلاً من انجراره إلى بعض المسائل المتخصصة، التي لا يناسبها حوار وطني عام، بقدر ما تحتاج إلى معالجات علمية متخصصة.
وما سبق يؤكد أهمية التعاون والدفع باتجاه عقد ندوات ومؤتمرات علمية في مجال الفعالية الأسرية باعتبار ذلك جزءاً من «التنمية المجتمعية الواجبة»، وربما يكون ذلك كله موجهاً لنا ولو بعد حين لوضع إستراتيجية وطنية للفعالية الأسرية، فهل نشهد تنادياً وطنياً لمعالجة الداء الأسري الذي نعاني منه؟ آمل ذلك، قبل فوات الأوان واستفحال الداء.
المصدر: الكاتب: د. عبد الله البريدي
نشرت فى 31 يوليو 2012
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,396,746
ساحة النقاش