لقد بقي اهتمام الانسان بشكل عام بالظواهر الطبيعية وما فوق الطبيعة اهتماما سطحيا حتى مجيء عصر النهضة العلمية في أوروبا حيث بدأ الانسان بدراسة ما يرى من ظواهر الطبيعة بشكل منهجي دقيق ، وبدأ بالتالي بالتخلص من كثير من مفاهيمه الخاطئة عن هذه الظواهر ليستبدلها بمفاهيم مبنية على دراسة منهجية ، وبهذا نجح في تطوير علوم عديدة مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها ، حتى وصلت الحضارة الى ما وصلت أليه اليوم من تقدم مذهل حقا. ألا أن هذا الاهتمام الجدي الذي جعل الانسان يفهم الظواهر الطبيعية لم يرافقه ، للأسف ، اهتمام مماثل بدراسة الظواهر فوق الطبيعية والقدرات الخارقة بشكل علمي يجعلها تلقي بأنوارها على زوايا المعرفة التي لا تستطيع الظواهر الطبيعية إلقاء الضوء عليها .

ان الظواهر الخارقة هي ظواهر استثنائية تختلف عن الظواهر الطبيعية على الأقل لكونها ظواهر نادرة وغير مألوفة ، الا أن هذا المظهر بالذات هو الذي يجعل منها ظواهر ذات قيمة استثنائية للعلوم المختلفة. اذ أن من يتتبع أن المعارف العلمية المختلفة كثيرا ما تطورت نتيجة لدراسة ظواهر نادرة الحدوث لاحظها العلماء مصادفة خلال دراستهم لظواهر أخرى مألوفة .

ويصنف العلماء الظواهر الخارقة الى صنفين رئيسيين هما:

(1) تحريك الخارق والإدراك الحسي الفائق. Psychokinesis

يستخدم مصطلح التحريك الخارق للإشارة الى القدرة الخارقة لبعض الأشخاص على التأثير على جسم ما عن بعد دون استخدام أي جهد عضلي أو نشاط للجهاز الحركي في الجسم . أي بعبارة أخرى ، هي القدرة على تحريك الأجسام من غير لمسها بشكل مباشر باليد أو بأي من أجزاء الجسم الأخرى ولا باستخدام أي شيء من الوسائط التقليدية لنقل التأثيرات الحركية الى الجسم كالاستعانة بآلة أو الهواء عن طريق النفخ .. الخ فالشخص الذي لديه قدرة التحريك الخارق غالبا يستطيع تحريك الأجسام عن بعد بالقيام بنوع من التركيز العقلي ، ولذلك فان هذه الظاهرة يشار أليها أيضا بالعبارة الشهيرة " العقل فوق المادة" Mind over matter وان كان هذا لا يعني بالضرورة ان العقل هو المؤثر الفعلي في الظاهرة .

(2)الإدراك الحسي الفائق :Extrasensory Perception

بالرغم من أن هذا المصطلح كان قد استخدم لأول مرة في منتصف العشرينات فان استخدامه بشكل واسع لم يبدأ ألا بعد أن نشر جوزيف راين في عام 1934 م كتابه المشهور الذي أسماه باسم هذه الظواهر "أي الإدراك الحسي الفائق" Rhine,1934 الذي تضمن حصيلة سنين من تجاربه العلمية على هذه الظواهر في جامعة ديوك . لقد كان لهذا الكتاب تأثير كبير على الوسط العلمي حيث ساعد في التعريف بهذه الظواهر وبين كيفية إخضاعها للبحث العلمي باستخدام أساليب ومناهج البحث العلمية التقليدية .

تقسم ظواهر الإدراك الحسي الفائق الى ثلاثة أنواع :

أولا: توارد الأفكار Telepathy

وهي ظاهرة انتقال الأفكار والصور العقلية بين شخصين من دون الاستعانة بأية حاسة من الحواس الخمس . لقد اهتم الباحثون بهذه الظاهرة بشكل استثنائي فاستحوذت على أكبر نسبة من البحث التجريبي الذي قام به العلماء على الظواهر الباراسكولوجية . ويعتقد غالبية العلماء أن توارد الأفكار هي ظاهرة شائعة بين عدد كبير نسبيا من الناس العاديين الذي ليست لهم قجدرات خارقة معينة . وفعلا نجد أن معظم الناس يعتقدون أن حوادث قد مرت بهم تضمنت نوعا من اوارد الفكار بينهم وبين أفراد آخرين . والملاحظة المهمة التي لاحظها العلماء من تجاربهم هي أن هذه الظاهرة تحدث بشكل أكبر بين الأفراد الذين تربط بينهم علاقات عاطفية قوية ، كالأم وطفلها والزوج وزوجته .

ثانيا: الإدراك المسبق :

هو القدرة على توقع أحداث مستقبلية قبل وقوعها. هنالك قدرة شبيهة بالإدراك المسبق تعرف بالإدراك الاسترجاعي Retrognition

 يقصد به القدرة على معرفة أحداث الماضي من دون الاستعانة بأي من الحواس أو وسائل اكتساب المعلومات التقليدية . ولما كانت الفيزياء الحديثة تعد "الزمن" بعدا رابعا الى الأبعاد الثلاثة التي تتحرك فيها الأجسام وتتشكل منها فان العديد من علماء الباراسيكولوجيا يعتقدون أن هاتين الظاهرتين تمثلان " تجاوزا أو تغلبا " على حاجز الزمن فالإدراك المسبق هو تجاوز الحاضر نحو المستقبل ، بينما الإدراك الاسترجاعي هو حركة عكسية في بعد الزمن نحو الماضي .

ثالثا : الاستشعار Chairsentience :

هو القدرة على اكتساب معلومات عن حادثة بعيدة أو جسم بعيد من غير تدخل أية حاسة من الحواس. وكما يعد الباحثون ظواهر الإدراك المسبق تجاوزا لحاجز الزمن ، فانهم يرون في الاستشعار تجاوزا لحاجز المكان . هذه الظاهرة أيضا هي من الظواهر التي تم إخضاعها لبحوث علمية مكثفة. ومن أشهر التجارب على هذه الظواهر تلك التي قلم بها عالمي الفيزياء هارولد بتهوف ورسل تارغ في مختبرات معهد بحث ستانفورد. حيث تم اختبار قابليات أحد الأشخاص الموهوبين حيث كان يطلب منه وصف تفاصيل مكان ما ، بعد أن يعطي موقع المكان بدلاله خطي الطول والعرض. كان هذان الباحثان يختاران أماكن تحتوي على معالم لا توضع عادة على الخرائط لضمان أن لا يكون الشخص الذي تحت الاختبار قد شاهدها الشخص قادرا على وصف الكثير من هذه الأماكن بدقة شديدة أكدت امتلاكه لقدرات فائقة .

وبالرغم من أن القدرات البراسيكولوجية تصنف الى الأنواع التي جري ذكرها، وهذا التصنيف يعتمده معظم الباحثين في هذا المجال فان تصنيف هذه القدرات هو في الحقيقة أصعب بكثير مما قد يبدو عليه للوهلة الأولى .

ان صعوبة تصنيف الظواهر الباراسيكولوجية يشير الى تعقيد هذه الظواهر ومحدودية المعرفة العلمية عنها حاليا. بل أن الأصناف أعلاه إذا كنت تشمل الغالبية العظمي من الظواهر الباراسيكولوجية المعروفة فأنها في الواقع لا تغطي كل تلك الظواهر .

ان مما لا شك فيه أن قدرات خارقة مثل تلك التي تم التطرق أليها أعلاه هي مما يثير اهتمام الناس ، والباحثين والأشخاص المثقفين والبسطاء كذلك .. أما بالنسبة للاهتمام العلمي بهذه الظواهر فان هدفه الرئيسي أن تساعد مثل هذه الدراسات على مزيد من الفهم لأنفسنا والعالم الذي نعيش فيه والواقع أن أهمية هذه الظواهر وما يمكن أن تقدمه لفروع المعرفة العلمية المختلفة يبدو جليا من خلال اهتمام علماء من مختلف الاختصاصات بدراسة هذه الظواهر .

كما أبدى الباحثون اهتماما باستكشاف أماكن وضع مثل هذه القدرات تحت سيطرة الانسان بشكل عام ، وهو أمر يمكن أن يأتي بفوائد كبيرة طبعا ن إذا كان هذا الحلم واقعيا . بل أن أهمية الظواهر الباراسيكولوجية جعلت منها إحدى مجالات البحوث السرية التي قامت بها الدول خلال فترة الحرب الباردة وبالذات خلال السبعينات ن اذ كانت هناك دراسات كثيرة في المعسكرين الغربي والشرقي لبحث استخدام مثل هذه القدرات لأغراض تجسسية .

ان هناك مؤشرات كثيرة على أن علم الباراسيكولوجيا يمكن أن يكون العلم الواعد الذي ستقوم على أسسه الحضارة الإنسانية الجديدة.

المصدر: د.علاء الدين بدوي فرغلي

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,398,563