بحسب الدراسة التي أجراها مؤخراً طبيبان نفسيان أمريكيان من جامعتي شيكاغو وهارفرد، وشملت خمسة آلاف شخص، فإنّ الوحدة يمكن أن تكون معدية مثل المرض. وتقول الدراسة حرفياً: "إنّ صديق الشخص الذي يعاني الوحدة معرض بنسبة 52 بالمئة لأن يعاني الوحدة، وصديق الصديق معرض لذلك بنسبة 25 بالمئة وصديق صديق الصديق معرّض بنسبة 15 بالمئة". لا تأتي الدراسة على ذكر كلمة "وباء"، إلا أنها تشبه كثيراً الفكرة الفانتازية التي تخيلها ساراماغو في روايته الشهيرة "العمى" والتي يصبح فيها العمى وباء يتفشى بين الناس، حتى تضطر السلطات إلى عزل المصابين كي لا يأتي المرض على المجتمع برمته.
غير أنّ الفرق بين الوحدة والعمى هو أنّ الثاني، مثل سواه من الأمراض العضوية، أمر قابل للتثبت والقياس، أمّا الوحدة، وسواها من العوارض والحالات النفسية، فهي أمر مجرد نسبي، لا يمكن رصده بالعين المجردة، ولكن يمكن لمس آثاره ونتائجه، وهذه النتائج لابدّ من أنها تتجاوز الحالات الفردية إلى الجسم الجماعي، حتى تدفع مثل هذين الطبيبين إلى إجراء مثل هذه الدراسة الواسعة والخروج بهذه النتائج.
ما وجدت منطقياً في هذه الدراسة هو إنّ الإنسان يمكن أن يعدي صديقه، تماماً مثلما يمكن أن يعديه بالإيجابية أو التفاؤل أو بحالات أخرى سلبية مثل الحزن واليأس.. لكن ما لم أفهمه هو كيف يمكن أن يعدي الإنسان جاره، إذ يفترض ذلك علاقة ما بين الجيران، وهي علاقة تتسع لتشمل شبكات إجتماعية أوسع. لكن الواقع هو أننا – في المجتمعات الحديثة – نعيش حالات عزلة عن بعضنا بعضاً، ولعلّ الوحدة التي يعانيها بعضنا أو كلّنا نابعة في أحد أشكالها من هذه العزلة المتفشية، إلى درجة أنّ الواحد منّا يمكن أن يعيش سنوات في شقته من دون أن يعرف جيرانه الذين يعيشون معه في الطابق نفسه. وبالتالي، لابدّ من أن ما تخلص إليه هذه الدراسة من فكرة إنتقال العدوى بين الجيران قائم على حقيقة الإنفصال القائم بينهم، لا على فكرة الإتصال، لنجد أنفسنا أمام نوع فريد من العدوى، تلك العدوى التي لا تحدث بأيّ شكل من أشكال الإتصال الجسدي والفيزيائي والنفسي بين الناس، بل إنها تحدث ببساطة لأنك لا تقوم بمثل هذا الإتصال، فربّما من الأفضل في نهاية المطاف أن يتشارك الإنسان وحدته مع صديقه وأن يعديه بها، على أن يبقى وحيداً بالكامل، وينقل العدوى إلى المجتمع برمته.
المصدر: سامر أبوهواش
نشرت فى 13 أغسطس 2011
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,397,925
ساحة النقاش