تلعب المشاحنات اليومية الصغيرة التي تحدث بين أي زوجين دورا واضحا في ترسيب المشاعر السلبية بينهما، وهي وان كانت لا تحوي قدرا كبيرا من العنف الا أنه يمكن اعتبارها الشرارة الاولى لتفجر المشكلات الكبيرة وربما العنف المؤدي للطلاق من منطلق أن معظم النار من مستصغر الشرر

وتؤكد البحوث الاسرية أن أغلب المشاحنات الزوجية تحدث في السنوات الخمس الاولى من الزواج والسبب في ذلك عدم المام كلا الزوجين بطباع وتفكير وتوجهات الآخر كما يؤكد المختصون أن أغلب تلك المشاحنات لا تعبر عن عيوب في أحد الزوجين بل في طريقة التواصل بينهما. ومن الاسباب الهامة للمشاحنات الزوجية الابتعاد عن الفهم الواقعي والعملي للحياة الزوجية ونقص المعلومات والثقافة عن العلاقات الزوجية والانسانية. وفي هذا الصدد يقول الاختصاصي النفسي الدكتور فاضل النشيط أن المشاحنات التي قد تصادف الزوجين في حياتهما اليومية تعبر عن شحنة زائدة ناتجة عن احباطات ومشكلات طارئة تفرغ ضد الطرف الآخر وقد تكون لسبب تافه لا علاقة للطرف الآخر به. ويشير الدكتور النشيط الى أن تلك المشاحنات لا تعبر بالضرورة عن وجود خطر ما يهدد العلاقة الزوجية ويمكن ان يمحوها الزمن بالصبر والحكمة الا أنه لا ينكر أنها قد تعتبر مرحلة مبكرة من مراحل العنف الاسري. ويوضح أن العنف الناتج عن تلك المشاحنات لا يكون ايذاء جسديا بالضرورة بل قد يكون برفع الصوت أو صفق الباب أو التلفظ بكلام لا يجوز التفوه به أو حتى الانسحاب الغاضب من المكان. ويؤكد أنه لا يوجد بيت يضم طرفين غريبين عن بعضهما لا يحوي شيئا من الاختلاف ولا يوجد توافق بنسبة مائة بالمائة وذلك يعبر عن اختلاف التوجهات والمستويات المادية والثقافية والاجتماعية ويؤكد أنه لابد من وجود عدم التوافق في بعض الامور نظرا لانه لا يوجد زوجان توأمان في الطباع والاخلاق والآراء. ويضيف الدكتور النشيط ان السؤال (هل يؤدي ذلك الى حدوث مشاحنات أم لا) يعتمد على المستوى الاجتماعي والتعليمي والمادي والمشاكل المادية الحالية وكيفية النظر لمختلف الامور والاحداث الطارئة في مسار الحياة الزوجية. ويمضي الدكتور فاضل النشيط قائلا: ان القاعدة في الزواج ليست حدوث المشاحنات والمشكلات لكن القاعدة هي وجود اختلاف فكري لا يؤثر على العلاقة الزوجية حيث تبقى مع وجوده سوية وطبيعية.

ويرى أن تدخل الاقارب أو أطراف اخرى عند حدوث سوء تفاهم بين الزوجين قد يكون ايجابيا عندما يكون المتدخل محترفا ويضيف أن التدخل قد يؤدي الى نتيجة عكسية وقد لا يتمتع بالسرية مما يجعله غير محبذ في حل ما يطرأ من خلافات بين الزوجين. ووفقا لتجاربه مع الحالات التي ترد اليه يرى الدكتور النشيط ان كثيرا من الحالات تأتي متأخرة بعد تأصل الخلاف كما أن الطرفين لا يفضلان عادة التكلم عن جذور المشكلة وأصلها بل يتطرقان الى ملابساتها السطحية فقد يكون الزوج عصبيا مثلا وتلك هي المشكلة الاساسية الا انهما يحومان حول النتائج المترتبة على هذه العصبية مما يجعلهما في حلقة مفرغة لا يمكن من خلالها حل المشكلة جذريا. ويبين الدكتور النشيط ان اتخاذ اسلوب الصمت ازاء أي خلاف قد يعني أن الطرف مغلوب على أمره أو أنه شاعر باليأس من ايجاد حل للمشكلة أو أنه يسعى بنوع من الحكمة الى تهدئة الموضوع لكن ذلك قد يوحي للطرف الاخر بالتجاهل مما يفاقم حجم المشكلة. ويضيف ان مجتمعنا كأي مجتمع عربي يعاني من قلة وعي وكثير من حالات عدم التوافق في اختيار شريك الحياة كما توجد العديد من المشكلات مثل كثرة الاولاد وضيق المكان والمستوى الثقافي المتدني. ان القاعدة في حل المشكلات الزوجية كما يشير الدكتور النشيط انه عندما يكون احد الاطراف او الطرفين ثائرا أو مشحونا فلا يمكن بأي حال النقاش وايجاد حل فلا بد أن تهدأ الامور ثم يناقش مصدر الخلاف كما يحبذ عقد جلسات حوارية والاستعداد للاخذ والعطاء واشراك أطراف عائلية كالاطفال لان أي مشكلة تؤثر على المحيط الاسري بأكمله. ولا يمكن عند البحث عن حلول لتخفيف حدة المشاحنات الزوجية اغفال خطورة اختلاق الاعذار والتهرب من المسئولية عن طريق تبرير التقصير والاخطاء لمجرد الخلاص من تحمل نتيجة الخطأ. وفي هذا الصدد تقول دراسة حديثة ان الاساليب الدفاعية النفسية عند الرجل أو المرأة أو كليهما تعتبر عاملا مساعدا مثاليا لترسيخ وتجذير سوء الفهم ويتلخص ذلك في اعتياد أحد الطرفين بشكل لا شعوري على التخفف من القلق الناتج عن ارتكاب خطأ بأن ينسبه لجهات خارجية وهذا يسمى في علم النفس عملية (الاسقاط). ومن جانبها تقول الباحثة الاجتماعية عائشة النعيمي ان حدوث الخلافات في الحياة الزوجية يعتبر أمرا صحيا كونها تشعرنا بقيمة الاستقرار كما أنه ليس بالضرورة أن يصبح أحد الزوجين نسخة من الآخر لان في ذلك مسخ لشخصيته. وترى ان الاختلاف في شخصيتي الزوجين مصدر غنى للحياة الزوجية شريطة ان يحترم كل منهما الآخر واختلافاته. وتشير النعيمي الى أن كلا الزوجين وليد بيئة اجتماعية مختلفة وله افكاره وقيمه واهتماماته واسلوب حياته وبالتالي فان وجود جوانب مشتركة بينهما لا يلغي الاختلافات الموجودة في جوانب أخرى والتي تبرز خلال الحياة المشتركة والاحتكاك اليومي في كل التفاصيل.

ويتطلب تجاوز سوء الفهم بين الزوجين اعتماد الاسلوب الذى يؤدي الى حله وليس تصعيده وأولى الخطوات هي ضبط النفس والتفكير في أسباب المشكلة وفي كل كلمة قبل التفوه بها ومن ثم مناقشة الطرف الاخر والاستماع لرأيه بهدف فهم وجهة نظره وليس الرد عليه وحسب ومن ثم يأتي دور تقييم الموضوع المختلف عليه بموضوعية وهذا يتطلب قدرا من المرونة والتسامح في العلاقة للوصول لقناعة مشتركة وليس فرض رأي والاصرار عليه. وتضيف النعيمي انه في حال عدم التوصل لقناعة مشتركة فلا بأس من تأجيل الموضوع لفترة وقد يجدي الصمت في حال كون أحد الطرفين في مزاج عصبي أو عندما لا يمتلك رؤية واضحة للموضوع المختلف عليه. وتؤيد الباحثة الاجتماعية بوزارة الصحة بشرى مطر وجهة النظر القائلة بضرورة التأسيس الصحيح للزواج قبل خوض تجربته وذلك باتخاذ جميع الاجراءات الوقائية في المرحلة السابقة للارتباط حيث يتوجب على كلا الطرفين التعرف بدقة على شخصية الآخر. ما تشدد على أهمية الاختيار العقلانى والا يقتصر التفكير في شريك الحياه على الناحية العاطفية مشيرة الى أنه لا وجود لانسان خال من العيوب أو ملاك لا يخطئ وان هذا الاعتقاد يجعل من الصعب التعايش مع الطرف الآخر على أنه شخص له من العيوب مثلما له من الميزات. وترجع مطر فشل الكثير من الزيجات القائمة على الحب لهذا السبب مضيفة ان الحب والتقارب عامل ايجابي في الزواج لكنه يكون سلبيا اذا وضع المحبوب في هالة من المثالية. وتلخص حلول الخلافات الزوجية في أن العلاقة بين زوجين هي علاقة تكيف مع الطرف الآخر ومع حياة جديدة مختلفة بما فيها من مسئوليات وأيضا بما فيها من ظروف متغيرة تتطلب من الفرد القيام باستجابات تكيفية. وتقسم مطر أنواع الاستجابات حيال الظروف الطارئة الى الهجوم والمواربة وتفادي المواجهة المباشرة والهرب والاستسلام وتختلف نوعية الاستجابة تبعا لشخصية الفرد والموقف الذي يواجهه. ومن واقع تعاملها مع العديد من الخلافات الزوجية تقول انه في معظم الحالات يرى كل طرف الآخر من منظاره الخاص كما أن الرجل غالبا ما يتوقع من زوجته أن تتقبل تصرفاته بنفس طريقته وليس كامرأة وبالتالي يشكو من أن زوجته تأخذ الامور بحساسية زائدة. وترى مطر أن الحوار الصريح البسيط في تعابيره المسالم الذي يعبر عن احساس الشخص دون انتقاد أو هجوم والقائم على الحب هو الاسلوب الامثل لتجنب المشكلات بالاحتواء وتجاوز الخلافات والمشاحنات البسيطة. ومن الملاحظات الواقعية في مجتمعاتنا أن هناك افراطا في تطبيق مفاهيم العين والحسد والسحر وتأثيراتها في الحياة الزوجية كما أن هناك ركونا الى الصمت والتجاهل في مواجهة المشكلات الزوجية مما يؤدي الى تفاقم تلك المشكلات وتطورها وعدم السير في طريق الحل الصحيح بينما يؤكد المختصون أهمية خلق حوار بين الزوجين ووضع أسس صحيحة لعلاج أي سوء فهم قد يطرأ وعدم الانتظار حتى تتراكم المشكلات وبالتالي المشاعر السلبية بينهما.

المصدر: بوابة المرأة

ساحة النقاش

هدى علي الانشاصي

alenshasy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

10,407,879