نحتاج جميعا لأناس يمكننا الوثوق بهم، وتقضية أوقات مرحة بصحبتهم. ومن خلال الأبحاث والدراسات الحديثة قد تتمكن من معرفة السبل الصحيحة في كيفية إقامة الصداقات وانتقاء الأصدقاء. عندما سئل’’أرسطو’’ ابرز فلاسفة الإغريق في القرن الرابع قبل الميلاد، عن وضع تعريف خاص ومحدد للصداقة قال، ‘’هي روح واحدة تسري في جسدين، وبدونها تستحيل الحياة، وان امتلكت جميع أسباب السعادة’’.
إلا أن الوضع اليوم في العام ,2006 يبدو أكثر تعقيدا، ووفقا للدراسات والأبحاث التي أجرتها صحيفة ‘’أمريكان سايكولوجيكل ريفيو’’ الاجتماعية الأميركية، فقد أفادت بأن ما نسبته 25% من الأميركيين لا يملكون حتى صديقا واحدا.
وقد يقول البعض، إن الظروف والمسؤوليات التي تفرضها الحياة الزوجية قد تجعلنا نخطئ، في إعتقادنا أننا لسنا بحاجة إلى الأصدقاء. إلا أن المتطلبات العصرية الكثيرة والمتشعبة تفرض أهمية وجود الصداقة وبقوة، وكلما ازدادت الضغوطات ازدادت حاجة الإنسان إلى وجود الأصدقاء.
ومؤخرا تم إصدار كتابين حديثين عن الصداقة، الأول بعنوان ‘’الصداقة المفعمة بالحيوية: أناس لا يمكنك العيش بدونهم لـ توم راث، الكاتب الأمريكي المشهور في صحيفة ‘’نيويورك تايمز’’ والذي تلقى إصداراته رواجا واسعا، والثاني لـ ليز سبنسر وراي باهل بعنوان ‘’ إعادة مفهوم الصداقة: التكافل المفتقد اليوم’’. ويقول توم راث في كتابه الأول، إذا كنت تتساءل عن السبب الذي يدفع الناس للبقاء خارج بيوتهم، أو الأسباب التي قد تؤدي إلى فشل الزيجات، أو ما الأسباب التي تشجع الآخرين على الأكل بشراهة، أو تغير نظام الأكل بشكل أكثر صحة، أو الإقدام على البدء بالانتظام في برنامج للرشاقة، فإن الأسباب في العادة لا صلة بينها وبين الفقر أو الرفاهية، إنما قد تعزى معظم الأسباب إلى إيقاع اللوم على الصداقات في حياتنا. كما أن راث وجد من خلال إصداره الحديث، أن الأشخاص المصابين بأمراض القلب تتضاعف فرص موتهم إذا ما افتقدوا إلى وجود ثلاث أو أربع علاقات اجتماعية مقربة جدا في حياتهم.
أما في الكتاب الثاني، فيرى سبنسر وباهل أن الأصدقاء يؤثرون وبشكل كبير على مدى شعورنا بالرضى في الحياة. فالشخص الذي يحيا وحيدا بدون أصدقاء حقيقيين في موقع عمله، يحقق معدل 1 من 12 من فرص الإحساس بالإنتماء الوظيفي. كما أن كم الأصدقاء لا يقل أهمية عن الكيفية التي ننتقي بها الأصدقاء، إلا أنها تعد قضية نسبية تتفاوت أهميتها بين الأفراد. فبعض الأشخاص قد يحظون بثلاثة أو أربعة أصدقاء ويكونون في غاية السعادة في حياتهم. وهناك في المقابل أشخاص آخرون يميلون إلى تكوين أعداد اكبر من الصداقات، قد تصل ما بين 10 إلى 15 صديقا، أو قد يكون العدد اكبر من ذلك بكثير. إلا أن الكاتبين يؤكدان أهمية وجود أكثر من مجرد صديق واحد لأي فرد، ليتمكن من تحقيق اكبر قدر ممكن من السعادة والرضى في الحياة.
كما أن الاعتقاد السائد بأن صديقا مقربا واحدا فقط يكفي الفرد بإمداده وتزويده بكل ما يريد ويتمنى، هو اعتقاد خاطئ، إلى جانب أن ذلك قد يتسبب في وقوع الكثير من المشاكل والصعوبات. وبالإضافة إلى ذلك، يرى سبنسر وباهل، انه على مدى العقود الخمسة الماضية، اعتدنا على انتقاء الأصدقاء، أكثر من فكرة تقبلهم بما هم عليه من جوانب ايجابية وسلبية. وكلما عمل الأفراد على تهيئة الظروف لإرساء مجتمع متصادق مع الجميع، كلما أصبح ذلك المجتمع قريبا كل القرب من السعادة والأمان والازدهار في شتى المجالات.
وإلى جانب هذين الإصدارين، تتحدث الدكتورة أنجيلا كارتر أستاذة علم النفس بجامعة شيفيلد قائلة، إن الإنسان يعتبر حيوانا اجتماعيا، ونتيجة لذلك فإننا كبشر في حاجة إلى تكوين الصداقات التي تمكننا من تقييم سلوكياتنا وتصرفاتنا في الحياة. فعلاقة الصداقة تقوم على مبدأ الشراكة، بحيث نتشارك مع الأصدقاء جوانب الحياة المختلفة، إلى جانب تقديم الدعم المتبادل. إلا أن أهم المبادئ والأهداف التي تسعى الصداقة إلى تحقيقها، هو مساعدتنا على التعرف على أنفسنا بحقيقتها وعن قرب، من خلال اكتشاف جوانب القوة والضعف في تكويننا الشخصي والبيولوجي والنفسي، وهو الهدف ذاته التي تسعى العائلة في الأسرة الواحدة إلى بلوغه، إلا أن أساليب الطرق قد تتفاوت بين الأصدقاء والأسرة في بلوغ ذلك الهدف، والتي عادة ما تكون أسرع وأوضح وأكثر صراحة وشفافية مع الأصدقاء. كما تركز الدكتورة كارتر على أهمية العمل بمبدأ انتقاء الأصدقاء بعناية فائقة، وقد تكون ابسط الطرق في العمل بذلك عن طريق طرح السؤال المبسط والمعقد في آن واحد وهو : ما الذي احتاج إليه من وراء اقامة مثل هذه الصداقات، وهل أنا صديق كفء في المقابل؟!!، أو عن طريق اتباع معادلة التماثل والتكامل في علاقات الأصدقاء، بحيث تجمعهم صفات وميول وهوايات وأفكار متشابهة، كما أنهم يكملون بعضهم البعض في الجوانب التي لأجلها وضعنا السؤال السابق في إقامة أية علاقة صداقة، بشكل عام.
صحيفة ‘’ذا اندبندنت اون سانداي’’
المصدر: ترجمة: أحلام العتبي
نشرت فى 11 يوليو 2011
بواسطة alenshasy
هدى علي الانشاصي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
10,407,861
ساحة النقاش