الفصام مرض ذو ألف وجه يتعذر وصف جميع جوانبه , ورغم التباين الشديد فى أعراضه إلا انه أمكن التميز بين عدد من أنماطه المختلفة .
ويظهر الفصام عادة بطريقتين رئيسيين تتميز الأولى بالانسحاب النفسى الذى يعكس موقف المريض من العالم يظهر فيها بوضوح والخوف من الناس وعدم ثقته بهم ورغبته فى الهروب من كل شىء ولا يريد المشاركة فى أما الطريقة الثانية فيتميز بعملية الاسقاط حيث تسيطر على المريض مجموعة منظومة من المعتقدات الزائفة فيرى أن أخطارا تحيق به وان هناك من يضطهده ويتآمر عليه ويعيش كل هذا كواقع شديد الإيلام .
أسباب الفصام :
على الرغم من أن معظم الأطباء النفسين لا يريدون الوقوع فى خطأ الاختزالية بمعنى انهم لا يريدون اختزال ما يرونه مشكلة معقدة عديدة الأبعاد الى مجرد سبب واحد وعلى الرغم أيضا من انه لا يوجد اتفاق على أسباب الحالات التى تعالجونها فليس معنى هذا ان العلاج النفسى يسوده التشوش أو عدم الثقة .
فالاختلاف فى مجالات العلاج النفسى لا تزيد بمجال من الاحوال عن مثيلاتها فى فروع الطب الأخرى وعلينا أن نتذكر جيدا أن عدم توفر المعرفة الكاملة لم يحل دون الوصول الى علاج فعال كما فى حالة مرض السكر حيث اننا لا نعرف سبب عدم قدرة البنكرياس على أفراز الأنسولين بقدر يكفى حاجة وقد اتفق العلماء على ان مرض الفصام يرتبط بأسباب ومستويات عديدة أى متعددة الأسباب على الرغم من أن الكثيرين من الأطباء النفسين قد يعطى أهمية كبيرة لسبب واحد من الاسباب ومن هذا السبب ينعكس علاج الطبيب والأسرة للمريض فقد ينظر للمريض على انه يعانى من خلل فى التمثيل الغذائى أو أنه يواجه مشاكل حياته بطريقة غير سليمة وسوية , وقد ينظر اليه بكل ذلك .
وعلى كل حال فإن أسباب الفصام ينظر اليها من ثلاث زوايا .
1ـ عوامل بيولوجية أو كميائية فسيولوجية :
وهى تتعلق بتكوين المريض العضوى وقد تكون موروثة .
2 ـ عوامل سيكولوجية :
وهى الخبرات التى تكتسب فى الطفولة أو بعدها والتى تتعلق بالأسرة وربما بأفراد من خارج أفراد الأسرة
3ـ عوامل اجتماعية :
وهى تلك التى تتعلق بالأحوال البئية عموما أو بالمجتمع الذى نشأ فيه المريض .
وتشابك هذه العوامل فيما بينها ويبدأ بعضها قبل الآخر أحيانا ولكنها فى النهاية تؤدى لصورة المريض التى أمامنا .
العوامل البيولوجية لما كان معدل حدوث الفصام مرتفعا فى أسر معينة ولوحظ هذا أكثر فى ثلاثة أجيال متتالية فقط جرى الاعتقاد بأن للفصام أساسا وراثيا . إلا ان الأمر لا يؤخذ بهذه البساطة فحسب قوانين مندل الوراثية والتى تنطبق على الكثير من الامراض الشائعة لم يتم اكتشاف أى اتحاد جينى معين قادر على تفسير توزيع الفصام على أفراد عائلة ما . وتدل الدراسات التى أجريت على التوائم المتماثلة وهى أدق الدراسات انه لو حدث وأصيب احد التوائم المتماثلة بمرض الفصام فإن الآخر سيصاب به فى وقت ما ينسبة 35 ـ40 % حتى لو نشأ كل منهما بعيدا عن الآخر , وهى نتيجة مدهشة بالتأكيد ولكن الأكثر إثارة للدهشة هو حقيقة ان 60% من التوائم المتماثلين الذين نشأوا بعيدا عن بعضهم البعض إذا أصيب أحدهم بمرض الفصام فإن الآخر لا يصاب به حاضرا ومستقبلا وهذا يجرنا الى الجزم بأن الفصال ليس وراثيا بحتا ولا يتعدى الدور الوراثى سوى تهيئة الفرد فإذا كانت الموروثات الجينية تحصل تلك الإمكانية فلا بد لها من أن تلقى بعوامل أخرى منشطة , ربما تحدث فى فترة لاحقة من الحياة الفرد
ثم نشأت لدى الكثير من الباحثين فكرة أن التهيئة الوراثية يمكن أن تنتقل من خلال بعض التغيرات فى النشاط الكميائى الحيوى للجهاز العصبى ووصل الأمر بكثير من منهم الى الاعتقاد بأن العملية الفصامية هى فى نهاية الأمر عملية كيميائية حيوية أيا كان السبب الأصلى للمرض واستدلوا على ذلك بأن وسيلة انتقال الرسائل بين الخلايا العصبية هى كيميائية حيوية بحتة بعد أن كان الاعتقاد قديما انها تتم عن طريق تيار كهربى واستدلوا أيضا بأن العلاج بالعقاقير الحديثة مثل الفينوثيازين يزيل أعراض المرض ويحسنه على الرغم من ان سبب المرض لا يشفى .
الأسباب والعوامل النفسية
تعتبر العوامل النفسية فى حياة المريض تؤثر على نفسية الفرد أو على عقليته بحيث تؤدى الى حدوث الفصام فى نهاية الأمر ما لم تتدخل عوامل تعويضية فى الوقت المناسب ولكنها تتطلب تهيئة بيولوجية معينة فى رأى كثير من الباحثين فالعوامل البيولوجية ليست علة كافية للفصام ما لم تؤازرها سلسة من الظروف النفسية غير المواتية
من العوامل النفسية الظروف التى تحيط بطفولة الفرد , وكيف تنشئه الأسرة وكيف تعامله وهناك دور كبير لاختلال التكوين الأسرى وشخصية الآباء والأمهات وافتقار كثير من البيوت الى القيم التربوية والمهنية والدينية فالأسرة فى الحياة أصبحت ذات أثر مدمر على الأطفال لأن دور الأم فيها تغير كثيراً عن دور أمهات الماضى المتزنات نفسيا القانعات الراضيات .
• تلعب الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة مع الشخصية الوالدين دورا خطيرا فى اكتساب الفرد لنمط شخصية معين يقابل به الحياة ويتفاعل معها .
• وشخصية الفصامى الانطوائية يكون فيها الفرد ميالا للانفراد والعزلة عن الآخرين قليل الانفعال الاهتمام قليل الاندماج شديد الحساسية يكبت انفعالاته يحتفظ بمسافة مادية بينه وبين المواقف يتميز هذا الطفل فى طفولته ومراهقته بهدوء الطبع يؤمن بأنه ما دام لا يفعل شيئأ فهو طفل جيد وترى هذا الشخص يتجنب النظر فى عيون الآخرين وكذلك نظراتهم اليه .
• هذه الأنماط قابلة للدخول فى المرض بسهولة وان كان الكثيرون منهم يعيشون حياة على الحافة المرض ويسميهم الأطباء مرحلة ما قبل المرض وتزداد عدم قدرتهم على التكيف وقد تدفعهم الظروف الحياتية والاجتماعية الى المرض فى ظل تهيئة بيولوجية .
• العوامل والأسباب الاجتماعية
من المعروف ان الفقر والحرمان والضغوط الاجتماعية والهجرة , والانتماء لأقلية اجتماعية قد تساعد على حدوث المرض النفسى من خلال إضعاف قدرة بعض الأفراد على أن يكونوا آباء أكفاء وتؤدى بالكثيرين الى الإقلال من تقدير الذات لديهم ...
بينما المجتمعات التى تسودها العدالة وتكافؤ الفرص ومستوى مرض من الحياة تقل فيها المشاكل النفسية .
وفى النهاية يمكننا القول فى حدود معارفنا الحالية ان الفصام حالة ذات أبعاد وأسباب متعددة متشابكة تتآزر فيها العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والثقافية تؤدى الى أشكال نكوصية من الأداء النفسى والسلوكى
ساحة النقاش