أسس وقواعد الرواية والدراما من القرآن .. فتحى حسان محمد

القضاء والقدرأو الجبر والاختيار فى المفهوم الدرامى الاسلامى

 

وبخاصة فى مفهوم القصة التراجيكمدى ( المحزنة المفرحة )

 

 


{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }النجم43] الله سبحانه أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه ، وأبكى من شاء بأن أحزنه

أولا : من المتسبب فى الحزن ؟!! ومن المتسبب فى الفرح ؟؟!!

 


{ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{38} وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى{40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى{41} وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى{42} وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى{43} وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا{44} [ النجم ] والمعنى أنه لا تؤخذ نفس بإثم غيرها ، ووزرها لا يحمله عنها أحد ، وأنه لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه، وأن المستكمل سعيه سوف يُرى ، فيميِّز الله حَسَنه من سيئه ؛ تشريفًا للمحسن وتوبيخًا للمسيء 0 مما يُجزى الإنسان على سعيه الجزاء لجميع عمله ، وأنه سبحانه وتعالى أضحك مَن شاء في الدنيا بأن سرَّه ، وأبكى من شاء بأن غَمَّه نتيجة عمله 0
وهنا الحزن المتسبب فيه هو الإنسان نفسه من جراء عمله فى معصية الله 0 أو مخالفة القوانين الوضعية التى تفرض عليه العقاب ، نتيجة سوء عمله وارتكابه خطأ ما أو جريمة ما ، فإن من دواعي الحكم هذا يجلب له الحزن والضيق والألم

0{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }الصافات102] رؤيا الأنبياء صدق وتكليف من الله بوحى غير مباشر- فما كان من الابن البار بوالده والذي يعرف أنه أمر الله واجب التنفيذ وقال لأبيه افعل ما تؤمر ستجدنى محتسبا ومتحملا وصابرا حتى تنفذ أمر ربك0
وهنا المتسبب فى الحزن الابتلاء والذى فرض و قدر وأمر من الله تعالى ، ولكنه لم يتم لاستيفاء مراد الله .

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا{2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{4} وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا{5} وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا{6} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} [الشمس ]

أقسم الله بالشمس ونهارها وإشراقها ، وبالقمر إذا تبعها في الطلوع والأفول ، وبالنهار إذا جلَّى الظلمة وكشفها ، وبالليل عندما يغطي الأرض بظلامه ، وبالسماء وبنائها المحكم ، وبالأرض وبَسْطها ، وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها - أنه تعالى بيَّن لها طريق الشر وطريق الخير ، قد فاز مَن طهَّر نفسه ونمَّاها بالخير ، وخسر مَن أخفى نفسه في المعاصي0


مما سبق لكى أستدل منه هنا فى موضع قضيتنا أن الله هو الذي يضحك الإنسان بأن يسره وأن يبكيه فيحزنه ، فهل هذا قضاء وقدر من الله على الناس ؟! أم تقدير وإلزام وفرض لا فكاك منه ؟! هذه هى الإشكالية الكبرى القضاء والقدر الذي هو من شعب الإيمان الستة ، قضية شائكة ، ولقد أسهب فيها العلماء والشراح والوعاظ وغيرهم وذهبوا إلى معان كثيرة شتتت الناس وحيرتهم ، ما بين أن الله يكتب كل شىء على الإنسان ، السعادة والشقاء ، والفرح والحزن والرزق والعمر ، الكفر والإيمان وغيره بما لا حصر له ولا دخل للإنسان فيه، حتى شك الناس أن أفعالهم ليسوا مسئولين عنها لأنها قدر أى فرض من الله عليهم حتى من يرتكب المعاصي يتعلل بذلك ، وهذا ليس صحيحا كل الصحة ، ثم التخويف الشديد لمن يقول نحن نمتلك حرية أنفسنا فنحن مخيرون ولسنا مسيرين نفعل ما نشاء , ولذا نحن مسئولون عن أعمالنا وأفعالنا ، وهذا قول فيه الكثير من الصحة والصواب أيضا ، أو من يزاوج بينهما وهذا فيه بعض الصواب أيضا 0 

 

 

المعنى الأول للقضاء والقدر:

 

 

القضاء هو الفصل فى القضايا والحكم فيها ، والقدر هو منطوق الحكم
{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65]أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك ، ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك ، ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا , مما انتهى إليه حكمك ، وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً ، فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شئون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم 0 القضاء هو ساحة الحكم ساحة العدالة ، الذي يفصل فيه فى القضايا وهذا هو المعنى الأعم ، والقاضي هو الذي يقضى بين الناس بالعدل أو يحكم بين المتخاصمين وهذا هو المعنى الأخص { إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ }ص22] وعبر الله بالأعم ونستدل منه نحن بالأخص إذ لا يمكن أن تكون هنالك ساحة قضاء أى محكمة ولا يكون فيها القاضي الذي يحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شئون الحياة!! ، وهذا المعنى مشاع ومعروف للعامة قبل الخاصة ولا خلاف ولا جدال فيه ، إن القضاء يتم فيه الفصل فى القضايا بالحكم فيها { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [المائدة: ٤8]

 

 

القدر: هو منطوق الحكم لهذه القضايا

{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }[ ص ] 

وهو محل عدم الفهم من البعض وجاء منه الالتباس ، ولذا جاء القدر ملازما للقضاء ولا ينفصلان أبدا، أى منطوق الحكم لا بد أن يكون تابعا ويلي الحكم ، وهذا يقودنا إلى حتمية الإيمان بالقضاء والقدر أى الإيمان بالحكم ومنطوق الحكم ؛

 إذ بالقضاء يتحقق العدل بين الناس ، بين المتخاصمين الفاصل بينهما كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فما بالك وأن الحاكم والفاصل والقاضي فى القضايا بين الخلق هو القاضي الأعظم الله الذي هو العدل نفسه وهو المشرع الذى سن القوانين وحده ، ولا ينبغي لأحد أن يضاد تشريعه00لذا صار القضاء والقدر المحققين من الله من شعب الإيمان الست ؛ لأن الله تعالى هو الحَكَمُ وهو القاضي ، هو من يفصل فى القضايا وهو واجد القضاء ، وهو من يصدر منطوق الحكم ، وهو مالا يجوز الشك فى حكمه لأنه عادل وعدله مطلق، لأنه عالم وعلمه مطلق ، وهو العدل وهو العادل ولذا حكمه أى قدره كذلك ، مما يستوجب على المحكوم عليه أن يرضى بهذا الحكم ولا يشك فيه قيد أنملة أن به شيئا من الهوى أو قدرا ضئيلا من الظلم ؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد وعملهم لا يزيد فى ملكه شيئا ، ولا ينقص من ملكه شيئا ، ولا هو تعالى يريد شيئا من العبد فلماذا لا يكون عادلا ؟! ومن أى باب يدخل الشك ؟! وهذا ما يستوجب الإيمان التام بحكمه أى القضاء وبمنطوق حكمه أى القدر ، ولذلك جعل الرضا بحكم الله من الإيمان ، وعليه ينصرف الإيمان فى جميع ما يحكم الله من قضايا وفى الأمور كلها عاجلها وآجلها ، لأن لديه علمه الكامل والإنسان لا يزال فى بطن أمه ، وكل شىء مكتوب فى اللوح المحفوظ الذى لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، ولذا عندما يحكم الله فى قضية لا يحتاج إلى شهود ، ومع ذلك يطلب الشهود - يوم القيامة يوم الحساب الأعظم - من أعضاء جسم الإنسان نفسه لا من {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[النور ] لتكون البينة والشهود أمام من يحاكم من نفسه التى لا يستطيع هو نفسه أن يكذبها ، ولذا لابد من الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وذلك بأن الله سبحانه لا شيء مثله لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته 0 وأن يحرص على بذل الجهد وعدم الكسل والتواني في العمل على ما ينفعه بمرضاة الله لأنه لن يتم إلا بمعونته وتوفيقه وتسديده سبحانه وتعالى دون أن يركن إلى العجز والتواكل0 فإن الإيمان بالقضاء والقدر يمنحان المؤمن القوة والعزة والمنعة والرضا والاطمئنان، فالمؤمن عزيز بإيمانه بالله وقدره فلا يذل لأحد إلا له سبحانه , لأنه علم وتيقن أن النافع والضار هو الله ، وأن الذي بيده ملكوت كل شيء هو الله وأنه لا شيء يحدث إلا بأمر الله { 000 أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }54 الأعراف] فالخلق خلقه وحده لا شريك له ، والأمر أمره فهو الواحد الأحد فهل يبقي لأحد شيء بعد ذلك فى نفسه أو فى غيره ؟ وهذا يحتم الصبر والتماسك وعدم الانهيار للمصيبة أو الحدث الجلل الذى يحل بالإنسان وهو الابتلاء حتمى الوقوع { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التغابن11] قال ابن عباس : "يهدي قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه " ولكن على الإنسان أن يوقن تمام اليقين بأن العاقبة للمتقين ، وهذا ما يجزم به قلب المؤمن بالله وقدره وأن الفرح من الصبر وأن مع العسر يسرا، وأن دوام الحال من المحال، وأن المصائب لا تعدو إلا أن تكون سحابة صيف لابد أن تنقشع وأن ليل الحزن لابد أن ينقشع بالفرح ، وهذا يستلزم من الإنسان عدم اليأس والقنوط المسبب للانهيار النفسى والبدنى والعقلى , وقد نهى الله عن ذلك { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف87] لأن الإنسان لا يعلم الغيب ولا يعرف ما هو مكتوب له { 000لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }الطلاق1] 

 

المعنى الثانى للقضاء والقدر :

 


هو الفرض أو الأمر أو الإلزام واجب التحقيق والتنفيذ ، وله وجهان :
الوجه الأول : فرض من الله على نفسه تجاه خلقه وجعله حقا من عباده عليه تعالى0 وهو نوع لا قدرة لأى مخلوق على دفعه أو رده أو منعه أو تغييره أو تحسينه أو تأجيله أو تأخيره أو التدخل فيه بأي صورة من الصور ، ويدخل في ذلك نواميس الكون وقوانين الوجود، وما يتعلق بالرزق والأجل والعمر، والصورة التي خلق عليها الإنسان وغيره ، أى ما أوجبه الله على نفسه تجاه جميع الخلائق الإنسان منها والحيوان وحتى الجماد ، ومنها كفل الرزق والحياة والعمر والموت وغيره مما يجعل الإنسان لديه الحدود التى يستطيع أن يعيش بها ويؤدى الفرائض ويُمْتَحَن فيها { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2] الله الواحد الأحد الذي خلق كل شيء – جميع الخلائق - فسوَّاه على ما يناسبه من الخلق وَفْق ما تقتضيه حكمته دون نقص أو خلل ، وهذا فرض على الله للمخلوق ومن ثم فهذا النوع من الأقدار لا يحاسب عليه العبد لأنه خارج عن إرادته وقدرته في دفعه أو رده ، وكذلك الشمس آية وعلامة وبيان أمام أعيننا الشمس تجري فى مجراها ، فى طريقها المرسوم لها ، تقدير الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه ولا تغيره ولا تعدله ؛ لأن ذلك فرض العزيز الذي لا يغالَب ، العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء0 الله وحده المتحكم فى الرزق يوسِّع الرزق لمن يشاء من عباده ، ويضيِّق على مَن يشاء منهم وليس لنا أن نسأل لماذا { وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ }النحل71] الله فَضَّل بعضنا على بعض فيما أعطانا في الدنيا من الرزق، فمنا غني ومنا فقير ذلك تقدير الله علينا ، والكل لابد أن يرضى بما قسمه الله له وتقدير الله له على ما أعطاه لحكمة منه لا يجوز أن نتجاوز حدودنا ونسأل لماذا { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185] فرض على العمر له نهاية ، والتحقيق كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت 0

الوجه الثانى : الله أوجب أو قدر أو فرض أو سن على الإنسان الابتلاء وهو حق الله على عباده ، وهو ما يصيب الإنسان بالبلوى أو المصيبة العظيمة كل على قدر إيمانه , وما من أحد بوسعه الفكاك من هذا القدر أى الفرض أبدا { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } البقرة155] من أجل أن يعرف الله المحسن من المسيء ، المؤمن من الكافر ، والصابر الطائع من المتسرع العاصى ، وهو علام الغيوب ولكى يقيم الحجة علينا0ﭽ{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } محمد31 ] وليجزى المؤمن بإيمانه فى الدنيا بأن يسره منطوق الحكم من أنه نجح فى الابتلاء فله السعادة فى الدنيا والآخرة بالجنة 0 ويعاقب الكافر بكفره فى الدنيا بأن يغمه منطوق الحكم هذا ويجعله يحزن لخسارته وسقوطه فى الامتحان وفى الآخرة النار0 { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2] الذي خلق الموت والحياة ؛ ليختبركم أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء ، الغفور لمن تاب من عباده0 وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات والنجاح فى الابتلاء ، وزجر عن اقتراف المعاصي والسقوط في الابتلاء ، لأن الابتلاء سنة مؤكدة مفروضة من الله على جميع خلقه من البشر ؛ لأن الإنسان وحده هو الذي قبل حمل الأمانة , وكما وضحناها فى كتابنا أسس وقواعد الأدب والرواية وأثبتنا أنه عقل المخ المميز به الإنسان عن سائر المخلوقات ، كما بينا أن جميع المخلوقات تشترك فى عقل القلب {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124 ] اختبر الله سيدنا إبراهيم بمجموعة من الاختبارات أو الامتحانات أو البلاء أو الابتلاءات , كما سنوضحها واحدة تلو الأخرى عند تناول المأسملهاة الشخصية ، فأدَّاها وقام بها خير قيام ، وحكم الله له أنه نجح فى الامتحانات بجدارة منقطعة النظير ، ومنطوق الحكم هذا من الله سر إبراهيم ، وسرور وفرح الله منه للدرجة التى قال له: إني جاعلك قدوة للناس0 قال إبراهيم : ربِّ اجعل بعض نسلي أئمة تفضلا منك ، فأجابه الله سبحانه أنه لا تحصل للظالمين الإمامةُ في الدين ولكن ستكون الإمامة من الصالحين من ذريتك ، وكما نعلم أن الأنبياء جميعا – بعد إبراهيم - جاءوا من نسل سيدنا إبراهيم ، أنبياء العجم اليهود - من ابنه إسحاق ، والنبي الخاتم من العرب محمد - صلى الله عليه وسلم - من ولده إسماعيل0
وعد من الله أوجبه على نفسه نظرا لما فرضه وقرره وألزم به خلقه من امتحان شاق وصعب أنه من يزل منهم أثناء الامتحان ، أى يخطئ غير عامد ولا قاصد أن يغفر له هذه الزلة وتكون القصة مأسملهاة ، وسنشرحها فى أسس القصة 0 أما إذا زل وهو قاصد ومتعمد فتصبح خطيئة كبرى لا تغتفر وسيحاسبه الله وسينزل به العقاب لا محالة فى الدنيا والآخرة وتكون القصة مأساة سوداء ، وهذا حتمى يعرفه كل الناس المؤمنين منهم والعاصين وحتى الكافرين 0 
وعليه فأن الإنسان فى حالة ارتكابه الجرم أو الخطيئة عامدا متعمدا أوجب على نفسه العقاب من الله { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38] , لأن كل نفس بما كسبت من أعمال الشر والسوء محبوسة مرهونة بكسبها وفعلها وقولها ، ولا يفك رهنها وأسرها حتى تؤدي ما عليها من الحقوق والعقوبات0 أما إذا ما ارتكب الخطيئة غير عامد ولا قاصد منحه الله فرصة أخرى بأن فتح له بابا للتوبة ، فله أن يتوب لأن الله تواب رحيم { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة104]

ثانيا : نستلهم ونستدل بالدليل القاطع أن الحزن من الإنسان نفسه من قوله وفعله وإيمانه أو كفره ، طاعته أو معصيته 0 أن الله يسر الإنسان فى الدنيا عندما ينجح فى الابتلاء الذي أحزنه ، ومع ذلك سلك فيه الطريق القويم الصالح مؤمنا بالله وسنة نبيه غير مخالف ولا عاص لهما ، صابرا محتسبا شاكرا لله على ما ابتلاه به ، مقاوما للشيطان ولم يطعه ، فيثيبه الله الجزاء بأن يحكم له أنه نجح فى الابتلاء ، ولذا منطوق الحكم هذا يسر ويسعد ويفرح المبتلى الناجح فيه 0 بينما من سقط فى الابتلاء الذي لم يتحمله ولم يصطبر وأجهد وتسرع وسلك الطريق المعوج الفاسد عاص لله ولرسوله غير قابض على دينه ، حكم الله عليه أنه سقط فى الامتحان ، مما يستلزم العقاب ومنطوق الحكم هذا يحزن ويغم ويؤلم المبتلى الذي سقط فيه0
إذن الإنسان يعرف ويعلم تماما أن الله قدر أى فرض عليه الابتلاء حتى يعرف حقيقة إيمانه ومنه يستطيع حساب نتاج عمله وفعله وقوله وطرقه التى يسلك ، فإن نجح فى الابتلاء فسينعم ويسر ويفرح بحكم الله وسيكون سعيدا ، يحقق السعادة - ويعينه الله فيها - بنفسه ولنفسه ولله الذي أسعده وأفرحه إيمان عبده به وبحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم 0 بينما لو سقط أوجب على نفسه العقاب – وسيشدد الله عليه - وأقله الحزن والغم والآلام والمعاناة فى الدنيا ظاهرة له فى نفسه بالأمراض مثلا ، وفى ماله بفقده وخسرانه، أو ولده بأن يكون عاقا له أو غيره ، المهم أنه سيعرف أن الله غاضب عليه ، وأن الله يزيده فى الحزن إن لم يرتدع ويتوب ويستغفر الله0 وتكون تلك القاعدة الحاكمة الفيصل التى لا تقبل الشك ولا التأويل ، أن الإنسان مخير ويمتلك قرار نفسه ، ويعمل بإرادته الحرة ، ومفروض عليه الامتحان تقدير وأمر وفرض وسنة من الله أنه سيحزنه ويغمه فى سبب سعادته ، والإنسان لا يستطيع رد ذلك مهما فعل ومهما استعد وغاية ما يأمله أن يخفف الله عنه آثار الابتلاء ، حتى نحن جميعا جبلنا على الدعاء الذى نقول فيه : اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه ، وهو حزن واقع بنا لا يستطيع أحد الفكاك منه إلا ويدخل غماره وهو غير مسلوب الإرادة و لا غير عارف وعالم بما يجب أن يفعله وما يتركه ويتجنبه لينجح فى الاختبار ؛ وقد منحه الله الحرية والاختيار والتصريف والتفضيل بين الأشياء ، وبين له الطريقين أيهما يسلك وأيهما يترك 0 
ها أنت أيها المؤلف قد عرفت وتيقنت أن الإنسان فى الواقع وبطل قصتك كذلك - يعرف ويعلم تمام العلم ، كما تعرف أنت – يجب أن تعرف - أنك تسير فى الدنيا وتعمل وأنت حر ولكن تتهدد حياتك وسعادتك فاجعة أو مصيبة أو بلية فى صحتك أو ولدك أو مالك أو أى شىء آخر , الله أعلم به ، فأنا مثلك تماما أعرف ما يتهدد سعادتي بما ذكره الله فى القرآن الكريم وصار معلوما لنا بالضرورة وأشياء أخرى من الابتلاء غير منصوص عليها فيها غيبية لا نعرفها ، لذا نحن نعيش فى الدنيا ولا نعرف للبلوى موعدا ولا زمانا ولا مكانا ولا إشارة ولكن لها علامة تعرف أنت – وأنا - سبب سعادتك ، وهى مبعث خوفنا وقلقنا وانتظارنا متى يحدث هذا التهديد الذي هو واقع بنا لا محالة ، أما مبعث بعض الطمأنينة للمؤمنين منا الماسكين على دينهم المتبعين لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم والمحافظين عليها ، مستعدين قانعين منتظرين ملتحفين بالصبر متدثرين بالإيمان متيقنين أن البلوى ترفع عنهم ذنوبهم مداومين على الذكر والدعاء والاستغفار ليكون ذلك زادنا للتحمل والصبر والنجاح إن شاء الله ؛ لأن الله تعالى حال الذكر والتضرع له يخفف عن المحتسب الذي يقول عند وقوع المصيبة حسبنا الله ونعم الوكيل ، فنحن نوكل الله فى قضاء الله ، ولذا يخفف الله من وقع البلية على المحتسب بأن ينعم عليه بالصبر إذن سلوانا نحن المحتسبين الظانين بالله ظن الخير أن يساعدنا فى تحمل الصبر وتحمل الصبر الذي يعيننا الله عليه هو نوع من رفع البلية وتيسيرها ؛ لأن فى الصبر مشقة ولا يقدر عليه إلا أولو العزم من الرسل لا منا ، فما بالك بنا ؟!! إنه حقا ابتلاء عظيم !! كلُُ على قدر إيمانه ، امتحان صعب وشاق لأن نتيجته بيدنا وهذا ما يصعبه علينا أكثر وأكثر ؛ لأننا حال السقوط فيه لا قدر الله لا نستطيع أن نلوم أحدا أو نلقى بفشلنا على أحد ، فالواحد منا هو المسئول الأول والأخير عن النجاح أو الرسوب فى مدى تحمل البلوى، ففي النجاح يعوضنا الله ويبدلنا من بعد حزننا سعادة وسرورا ويعوضنا الله بأسباب سعادة أخرى أو ربما تكون هى نفس السبب السابق ، وفى السقوط نرفل فى الأحزان والآلام والمعاناة 0 هذا هو حالى وحالك وحال جميع الناس أننا نصارع ونجابه قدرا من الله يهدد سعادتنا وواقع بنا لا محالة ، هذا غير الحزن الذى تجنيه من فعلك بمخالفتك القوانين الوضعية ولا يحتاج إلى تعليق 0
نطرح السؤال بصورة ليس بها أى مواربة أو تورية :
هل سعادة الإنسان مهددة ؟ نعم0

 

 

aldramainquran

أسس القصة بصفة العموم الروائية والدرامية: البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية القواعد : الصراع - الحبكة - التغير - الانقلاب - اللغة المكونات : الاحداث - المكان - الزمان - المؤثرات - الفكر - الفكرة

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 581 مشاهدة
نشرت فى 9 إبريل 2011 بواسطة aldramainquran

ساحة النقاش

nazrat

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية للصديق والأخ فتحي , القضية قديمة قدم التاريخ , وهناك ما يخفف وطأة إمعان الفكر والنظر في مقدماتها ونتائجها ألاهو الذكر نعم فنعمة ذكر الله لايعلوها من النعم مطلقا سوى نعمة أن خلقنا مسلمين ففي الذكر استغفار وتوبة من الذنوب أيا كانت مداها فيما عدى الشرك بالله ثم الثقة في استجابة الله للدعاء ( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب ) سبحانه وتعالى , أيضا القاعدة الحياتية الرائعة ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون , ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الصابرين ) وهنا مناط وحكمة التسليم والمبناة على ( هو سماكم المسلمين .. ) ومن المسمي ؟إنه ابراهيم عليه الصلاة والسلام ولما لايكون الله المسمي ؟ وروعة الحكمة أن تأتي التسمية من عبد وليس أي عبد بل عبد كريم من عباده ألا هو النبي ابراهيم خاصة بعدما رأى من آيات الله ما رأى بداية من تتبع لحركة الكواكب الى أرني كيف تحيي الموتى ؟ الى تحطيم الأصنام ؟ فأصبح مسلما بقدرة الله عز وجل وعليه انطلق لسانه العذب بالتسمية الخالدة , وعن المسير والمخير ألا يكفي العبد أن ينتهي عن ذلك الجدل ويستشعر الحرية في نفسه أنه ينعم بنعمة العقل والفكروينأى عن الاسراف في كونه أن ينتهي قدره الى ما لارغبة له فيه فهنا باب ومتسع لاينتهي للشيطان وفسحة له أن ينال من الانسان ما ينال حتى يقع في الكفر والشرك بسهولة وهنا تجيئ الاجابة على السؤال المطروح : هل سعادة الانسان مهددة ؟ أقول نعم في هذه الحالة فقط

فتحى حسان محمد

aldramainquran
أديب روائى ودرامى وكاتب سيناريو، مؤلف كتابيى أسس وقواعد الأدب والرواية من القرآن الكريم ، وأسس وقواعد الدراما من القرآن الكريم ، ومجموعة من سيناريوهات الافلام والمسلسلات التى فى عقالها. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

125,714