عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

الناشر ومدير الموقع / نصرالزيادي.. حريتنا في التعبير .. سقفها المسؤولية الدينية والأخلاقية .

عالم السياسة والثقافة الإخباري .. محمود أبو هلال

 

الصفقة الصفعة 

 

    رحب الجانب الإيراني وحليفيه العربييان ( العراق وسوريا ) بالاتفاق مع مجموعة (5+1) والذي هو اتفاق أمريكي إيراني أساسا واعتبرت إيران الاتفاق صفقة رابحة للسياسة الإيرانية .
    في حين بدت الدول العربية كمن تلقى صفعة افقدته توازنه ، لذا بدت ردود الفعل متضاربة ومتفاوتة ، فالصحفي السعودي جمال خاشقجي اعترف بهلع السعوديين وخوفهم من الاتفاق الأمريكي الإيراني ، في حين صدم البعض واستهجن البعض الآخر وبقي البعض تائه ، فلا هو قادر أن يرفض اتفاقا وقعته أمريكيا ( الحليف ) ولا هو بالقادر على القبول باتفاق وقعته إيران ( العدو ).
    وبعد أن بلعت بعض الدول ريقها بدأت بالترحيب بالاتفاق على استحياء ، فقد رحبت الإمارات تبعتها قطر فالبحرين والأردن .

 

** الهدف الإيراني 

 

 

 

    إن استراتيجية إيران في المنطقة معروفة ، فهي تسعى لأن تكون اللاعب الأساسي في النمطقة وصاحبة كلمة - إن لم نقل الكلمة الأولى - وتريد بالأساس اعترافا أمريكيا وعالميا بهذا الدور وبكل ما يترتب علىه .
    هذا هو الهدف الأساسي لإيران ، ولهذا هي تعتبر أن المسألة النووية مجرد مدخل لتحقيق هذا الهدف.
    ولنا ان نتوقف كمثال بصفة خاصة أمام المواقف التي عبر عنها الرئيس الإيراني روحاني.
    في الحديث الذي أجراه معه ديفيد اجناتيوس ونشرته صحيفة "واشنطن بوست" قال روحاني أن حل المسألة النووية هي نقطة البداية. واضاف أنه بعد ذلك فإن الولايات المتحدة وإيران يمكنهما مناقشة قضايا أخرى أبعد من ذلك لتطبيع العلاقات . وقال : " نحن بحاجة الى نقطة بداية بمجرد تسوية المسألة النووية يمكننا أن ننتقل الى القضايا الاخرى".
    وفي الخطاب الذي ألقاه في جمعية آسيا أثناء زيارته لأمريكا، قال روحاني إن إيران قوة إقليمية كبرى ، وأنها قادرة على حل صراعات المنطقة ، وعلى إقرار الأمن والسلام في المنطقة والعالم.
    هذه المواقف لروحاني تمثل كما نرى رؤية واضحة لما تريده إيران وما يمكن أن تدفعه وتكسبه من أجل الاعتراف بها كقوة كبرى في المنطقة ، وبانها قادرة على أن تكون شريكا لأمريكا في المنطقة وهذا يعني أن الاتفاق او الصفقة مع أمريكا ليس المسألة النووية بقدر ما هي مجرد بداية أو نقطة انطلاق. 
    وهذا ما قاله بالضبط أوباما " إن حل المسألة النووية يمكن أن يشكل خطوة كبرى نحو طريق طويل لعلاقات مختلفة قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل " ومن الملاحظ التقارب الشديد بين الرؤية الأمريكية والرؤية الإيرانية فيما يتعلق بأفق المفاوضات .
    لنلاحظ أن هذا الذي قاله يقترب جدا مما طرحه الإيرانيون من حيث اعتبار أن المسألة النووية مجرد مقدمة أو بداية للهدف الأهم المتعلق بدور إيران الإقليمي وموقف أمريكا منه.
    وهذا ما قاله عبد الله العسكر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى السعودي " أخشى أن تكون إيران ستتخلى عن شيء في برنامجها النووي لتحصل على شيء آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليمية . أشعر بالقلق بشأن إتاحة مساحة أكبر لإيران " .

 

 

** كيف وصلت إيران لهذا الاتفاق ؟؟

 

 

 

    وضعت إيران نصب عينيها بأن تكون دولة إقليمية معترف بها وبدورها بالمنطقة ، ولكي تصل لما تريد فقد عملت لهذا الاتفاق والى ما بعد الاتفاق والى ما بعد بعد الاتفاق وعلى الصعيدين الخارجي والدخلي ،
فخارجيا تدرك إيران ومعها الدول العربية أن " اسرائيل " محور المنطقة وقد سلم الجميع بذلك لكن الاختلاف في كيفة التعامل معها ، ففي حين رأت بعض الدول العربية أن لا مفر من الإنبطاح رأت ايران غير ذلك ، فأعلنت عدائها " لاسرائيل " ودعمت حزب الله وحركة حماس وكانت على استعداد لدعم أيّة جهة تعلن عدائها " لاسرائيل " ، وبدأت بجمع الكثير من الأوراق حتى تلك التي ألقتها بعض الدول العربية ، وهنا اتذكر قول الملك حسين رحمه الله حين سئل بعد أن أبرم إتفاق السلام مع " اسرائيل " لماذا تبقي على حركة حماس؟ قال :" أن نقبل بالسلام لا يعني أن نلقي السلاح ". 
    وبذلك جمعت ما أمكنها جمعه من عناصر القوة التي مكنتها من التفاوض والوصول للصفقة ولصفقات قادمة بأن ثبتّت أقدامها بالعراق وسوريا ولبنان ، في حين تلقت الدول العربية صفعة وربما صفعات قادمة لانها فرطت بالعراق وسوريا ولبنان وكل حركات المقاومة التي كانت بمتناول اليد ، لا بل حاربتها تزلفا وتقربا من " اسرائيل " وكأنهم جهلة لا يعرفون أن العالم يحترم القوي ومن بيده أوراق قوة .
    وداخليا حصنت إيران جبهتها الداخلية وعملت على تقوية جيشها تسليحا وتدريبا ، واطلقت يد علمائها للبحث والانجاز والتقدم ، فيما الدول العربية افسدت جيوشها مخافة أن ينقلبوا عليهم وادخلوهم لعبة المال والاستثمار ، فاصبحوا دون أي عنصر قوة لا خارجيا ولا داخليا.
فهل اصبحوا يقلبوا ايديهم ندما ؟ أم أنهم ما زالوا يستكبرون ؟

 

 

** ( الكثير والكثير ) نظام إقليمي جديد !!

 

 

 

    على ضوء هذا العرض لما تريده إيران ، وللرؤية الأمريكية اجمالا ، يمكن القول أن المبدأ الأساسي الذي يحكم الاتفاق أو الصفقة المحتملة ، روحا ومضمونا ، هو ما أطلق عليه محللون امريكيون "مبدأ الكثير في مقابل الكثير " وهذا ما قاله جورج بيركوفيتش - الخبير النووي في مؤسسة كارنيجي الأمريكي - في تحليل مؤخرا " يجب أن يكون جوهر المحادثات بين أمريكا وإيران هو الكثير في مقابل الكثير". وقال إن قبول أمريكا بهذا المبدأ أمر مهم.
    ويعني هذا أنه كي تنجح المفاوضات ويتم التوصل الى صفقة ، فلا بد أن تقوم على استعداد أمريكا لتقديم الكثير مما تطالب به إيران ، واستعداد إيران بالمقابل لتقديم الكثير مما تطالب به أمريكا.
    قلنا أن الكثير الذي تطلبه إيران هو الاعتراف بها كدولة إقليمية مما يعني البحث معها والوصول الى تفاهمات واتفاقات حول القضايا في المنطقة والتي هي بالغالب قضايا عربية!!
    أما الكثير الذي تطلبه أمريكيا فهو الاعتراف بالدور الإقليمي لأمريكيا وبالتالي " لإسرائيل " بمعنى أن أي اتفاق أو صفقة يجب أن تقوم بقبول إيران بالدور " الاسرائيلي " في المنطقة ، وبالمقابل تقر أمريكا بأن لإيران دور إقليمي كذلك .
    وهذا بالضبط ما عبر عنه فرانك ويزنر - السفير الأمريكي السابق - بقوله: " أن الصفقة يجب أن تضمن قبول إيران بموقع الولايات المتحدة في المنطقة، وبشرعيتة ، وأن نقبل نحن بشرعية موقع إيران في المنطقة ".
    الأمر هنا باختصاران المطروح ليس مجرد ايجاد حل للأزمة النووية كما أشرنا ، ولا مجرد تحسين العلاقات الثنائية بين أمريكا وإيران.
    المطروح هو اقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة يقوم في جوهره على التحالف الأمريكي الإيراني ، والتسليم بالهيمنة الإيرانية " الاسرائيلة " إقليميا ، وأن تكون هما القوتان الأكبر في تقرير شئون المنطقة والكل تحت العبائة الأمريكية .
    هذا هو بالطبع ما تريده أمريكيا وهذا ما تريده " إسرائيل " ولو أن " اسرائيل " لا تريد الاتفاق لما تم ، ولكنها أبدت امتعاضها لذر الرماد في العيون ، ولانها بالعادة تطلب اكثر من الكثير وليست على استعداد لتقديم أقل القليل .

 

    وهنا تأتي شيطنة الولايات المتحدة ، إذ تعتقد جازمة أن على العالم العربي أن يلتحق بأحد الطرفين وسريعا ، وهنا جاء التطمين " لإسرائيل " بأن العالم العربي وتحديدا الخليجي سيهرول لها لمواجهة الخطر الإيراني !! مما يعني عزل إيران مع دخول العالم العربي بالحلف " الاسرائيلي " نهاية المطاف !! 

 

 

 

** ما العمل إذاً ؟

 

 

 

    إذا سلمنا أن هذا الاتفاق يشكل خطرا على الدول العربية فلا يجب أن نسلم بالاتفاق بحد ذاته ، وليس معنى أن أمريكا وإيران تخططان للتوصل الى مثل هذه الصفقة ، أنهما سوف ينجحان بالضرورة في ذلك. 
    فهناك تيارا قويا في أمريكا معارضا لسياسة أوباما تجاه إيران في تحولاتها هذه ، ورافضة لمثل هذه الصفقة. 
    هذا التيار تعبر عنه قوى قوية في دوائر شتى ، وفي داخل الكونجرس الأمريكي ، وأيضا في أوساط محللين ومراكز أبحاث مؤثرة.
وعلى الدول العربية أن تراجع أجندتها ( الموحدة ) لا بل إستبدالها بأجندة تضع في عناوينها الرئيسة عناصر القوة والمنعة ، وتقوية الجيوش فعليا ، لا في صفقات أسلحة وهمية ، وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة في تقرير مصيرهم وحمايتهم ، واعادة تعريف للعدو وحصره " بإسرائيل "، والتعامل معها في هذا الإطار ، ودعم حركات المقاومة ، والتواصل مع كل دولة تتوافق مع مصالحها ، وتسخير فائض القوة المالية في خدمة ذلك ، وبخلاف ذلك ما على العرب إلا تهيئة وجوههم لصفعات قادمة والالتحاق بأحد القوتين بالمنطقة كأتباع . 

 

 

محمود ابو هلال

 

 

المصدر: عالم السياسة والثقافة الإخباري .. محمود أبو هلال
alam-asiyasa

عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا ) .. نصر الزيادي .. " المواد المنشورة ليس بالضرورة ان تعبر عن رأي صحيفتنا الالكترونية " حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع عالم السياسة والثقافة الإخباري ( ع . س . ا )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 159 مشاهدة

عالم السياسة والثقافة الإخباري

alam-asiyasa
( ع . س . ا ) صحيفة الكترونية شاملة .. إخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية »

البحث فى الموقع

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

251,869

عالم السياسة والثقافة الإخباري

عالم السياسة والثقافة الإخباري

      ( ع . س . ا )


 صحيفة الكترونية شاملة .. اخبارية سياسية ،، ثقافية واجتماعية


* تعنى بالشأن السياسي المحلي والعالمي  
* تعنى بنقل الخبر بمصداقية وشفافية
* تعنى بالشؤون الاجتماعية والثقافية
* تسمح بالنقاشات الهادفة وتبادل الاراء 
* تقوم على استفتاء الجمهور بمواضيع ذات اهمية
* الأستقلالية ونبذ التبعية الفكرية 
* الحرية في التعبير سقفها المسؤولية الدينية والاخلاقية .