<!--
<!--<!--<!--
شعراء منسيون من بلادي
8
الشاعر حسين مردان
بقلم : علاء الأديب
*ولد الشاعر المرحوم حسين مردان عام 1927 ، في قضاء طويريج التابع للهندية محافظة الكوت عام 1927 لابوين عراقيين، وكان والده عريفا في شرطة السكك قضى طفولته حتى الخامسة من عمره في هذه المدينة ثم استقر المقام باسرته في قضاء الخالص قرية (جديدة الشط) التابعة لمحافظة ديالى. قدم الى بغداد عام 1947 ومارس العمل الصحافي فيها ، عاش حياته بين التمرد والانفعال الوجداني وهذا ما أدى به الى ترك الدراسة لينشغل مع همومه الذاتية ، وقد انغمس بالعمل الوطني حتى سجن عام 1952 لمواقفه السياسية الوطنيّة التي لم ترق لنظام الحكم آنذاك .
لا لن اتوب
وهل يتوب مفكرُ
حر على قول الحقيقة مجبرُ
هبني سجنت فلست أول ثائر
يرمى باعماق السجون ويقبرُ
هبني شنقت فلست اول مصلح
اودت بفكرته حبال تذعرُ
اني لالعن من يعيش ببلده
يعلو الغبي بها ولا يتفجرُ
*تميّز حسين مردان عمّن سواه من شعراء عصره بصراحته العميقة مع ذاته وحتى مع قرائه رغم كثرتهم وكان أغلبهم من المثقفين .
حتى إنّه كتب لقرائه عن ديوانه الشهير (قصائد عاريّة ) :
(ثق ايها القارئ المحترم انك لا تفضلني على الرغم من قذارتي وانحطاطي وتفسخي إلا بشيء واحد ، هو أني احيا عاريا" بينما تحيا ساترا" ذاتك بألف قناع ، فنصيحة مني ان لا تقدم على قراءة هذا الديوان اذا كنت تخشى حقيقتك وتخاف رؤية الحيوان الرابض في اعماقك).
عاش حسين مردان مع ابناء عصره زمنا مليئا بالفاقة والحاجة وعسر الحال وغنيّا بالفن والأدب والجمال والعفويّة. فقد عاصر ممن عاصرهم بلند الحيدري وجواد سليم وغيرهم من ابناء ذلك الزمن الجميل.
كثيرا ما كان يتخذ حسين مردان من مقبرة الأنجليز في بغداد مكانا يأوي اليه وكثيرا ما نام فيها لياليه فلم تكن الفاقة تسمح له أن يستأجر مكانا يأويه.
ورغم كلّ هذا فقد كان هاجس الشعر مبررا قويا للإستمرار والبسمة التي لم تكن تفارق وجهه.
أطفالنا ... هل تفهمين سيضحكون
أذ يبصرون الموت في صمت القبور
وسيصعدون الى النجوم
ويهبطون مع المطر
ويزرعون الورد في ارض القمر
وبعينيك الزرقاء دود
وفمي يموج به الصديد
والارض ويحك
نفس هذه الارض غرقى بالهنا
فلقد مضى عنها الشقاء
ليس فيها عبيد
المرأة كانت موضوعه في شعره ونقده وقصصه القصيرة ومقالاته وأقواله.
براكين
أنا لم أر براكانآ يتفجر أشد مما يتفجر به صدر امرأة..
حسين مردان
ضقت بالارض والسماء فثوري
يابراكين نقمتي وشروري
وإشربي كل ما تبقى بكأسي
يا ليال من شراب طهور
وإخنقي كل نغمة في فؤادي
واستبدي بما يحوك غروري
وأملئي كل فجوة من خلايا
عقلي الفذ بالفناء المرير
وإرضعي كل قطرة من شبابي
وإقتلي كل نبضه من شعوري
وإرقصي رقصه البلى فوق حلم
شاخ يأسآ في مقلة الديدور
ما حياتي ولم أجد في حياتي
غير حزن يذيب صم الصخور
ما حياتي وفجر عمري ولى
وكوت صفرت الذبول زهوري
ياليالي لم أعد اتشهى
كل ثغر مضمخ بالعطور
كرهت نفسي الوجود وملت
عشرة الارض في ظلال الفجور
أنا من جف كأسه في يدية
وهو ما زال ظامئآ للخمور
ياليالي لم أكن غير خط
أسود اللون في جبين الدهور
فأمسحي ظله الكرية ليفنى
عطر ذكراي في بطون العصور
كان الشاعر محبّا للحياة وكارها للموت.
كتب الشعر المنثور بطريقة متمردة على كلّ طرائق من سواه . وقد أفلح في ذلك حتى أعتبر مجددا في هذا المجال . فقد كانت قصائده حافلة بالمفارقات والصور المتضادة التي خلق منها ما يستعيض به عن موسيقى الشعر الكلاسيكي .
الكابوس
فوق المصباح الشاحب.
كان يقف العصفور الأسود.
إن البحر وراء الشارع.
قف..
واجتاحني الرعب.
من أي جانب يقبل هذا
الصوت!
ونظرت إلى الليل.
إلى عروقه المنتفخة بالظلمة.
أين كنت قبل الآن!
وشعرت بنسمة باردة
كحد الموسى.
ارجع. أيها الشبح.
ومرّت سيّارة إسعاف
مسرعة، ثم اختفت.
وعاد الصمت إلى الأفق.
أنا لا أعرف المكان الذي
أسير إليه.
لقد قال.. أيّها الشبح!!
ولكني لم أمت.
وتقدمت خطوة أخرى
وخيّل إليّ أنّ لقدمي رنّة
الطبل.
ألا تكتفي بالموت مرة واحدة!
إن الأشباح تموت أيضا.
آه..
ورأيت العصفور يرفرف
بجناحيه
إنه يحلّق في الفضاء.
ويقترب من وجهي.
هل هو..
لقد كان يحمل وجهي.
لماذا تريد أن تعرف
الحقيقة.. هه.
يا لك من أعمى.
سينتهي الشارع، ولم يبق
غير البحر.
وفجأة انطفأ المصباح
وارتفع غناء خافت.
الماء يخاطب الشاعر،
يطلبه،
يتمنى جسده الذابل.
وترنحت.
تلك هي جثتي مطروحة
على الرصيف.
وانبثق حولي الضجيج.
من الذي جاء به إلى هذه
الأرض؟
اذهبوا به إلى الأعلى،
إنه ثمل.
وصرخت بغضب هائل،
أنا مخدّر بالحب.
وزحفت إلى الأمام.
لقد اشتعل المصباح.
واختفى الطائر.
ثم..
ثم وصلت إلى البحر.
تميّز حسين مردان بكتابة القصيدة الرومانسيّة الثوريّة التي جمعت بين الحب والسياسية ببوتقة واحدة . ومن تلك البوتقة ينبعث عطر جديد أزكى محيطه فاتسعت رقعة قرائه ومعجبيه.
سأتركُ الحبَ إلى حينٍ
إلى أن نجد العسلَ لكلِ طفلٍ
وعندئذٍ سأعود
الى حبيبتي الجميلة كقنديل من ماس
وإلى جسمها القهوائي .
ورغم محاولة الشاعر أن يصمد بابتسامته ولا مبالاته بوجه الفقر والفاقة إلاّ إنّ قسوتهما عليه كانت ظاهرة وجليّة في العديد من قصائد الإحباط التي كان يكتبها.
والتي كان يسعى من خلالها إلى تعرية من كان سببا فيهما حتى يصل فيما يكتب إلى تعرية انظمة الحكم التي كانت تسود البلاد آنذاك.
أنا لا أبحث عن الحبَ
لأني لا أعرف الربيع
أعرف الجوع
الجوع الذي يلتصق بنفسي
والجوع الذي يعيش في معدتي
والجوع الذي يدور في رأسي
تأثر حسين مردان تأثرا كبيرا بالوجوديّة من خلال ايمانه ب (سارتر) وما قرأه لسارتر
حيث كانت الوجوديّة في تلك الفترة من الزمن محطّ اهتمام الكثيرين من النخب المثقفة في العراق إيمانا منهم بأنها ليست فلسفة اباحية وضيعة قدر ما أنها مرحلة فكرية تسعى إلى تحرير العقل البشري من القيود والتقاليد بما يتناسب مع تطور الفكر البشري. والارتقاء بالإنسان الى درجة تجعله يكون مسئولا عن اخطائه لوحده دون أن يجد لها ما يعلقها عليه.
قصيدة جراثيم
"أدوس على الوجود وساكنيهِ
وأبصق فوق سكّان القبورِ
واُقسم لو رأيت " الله " يوما
صرختُ بوجهه بيدي مصيري
أساطيرٌ ملفقة ودنيا
يكبّلها الزنا أبد العصور
دعيني أعبد الشيطان وحدي
وأعبث في الحياة بلا ضميرِ
فلست بمدع شرفا كبيرا
إذا فاخرتُ بالشرف الكبيرِ
فأنت وكلّ أهل الأرضِ طُراً
جراثيمٌ تعيش على البثورِ
أأزعم أنني رجلٌ شريفٌ
وروح " أبيك " في دميَ الحقيرِ
رويدك كلنا جيَـفٌ ولكنْ
أراكَ شبعتَ من عطرِ البخورِ " .
ومن هنا تظهر علامات الاضطراب على من يؤمن بالوجوديّة في مجتمع تسوده الأعراف والتقاليد .مجتمع متديّن بدين يعتبر الوجوديّة كفرا وإلحادا.
وكان حسين مردان ممن ظهرت عليهم علامات هذا الاضطراب المتمثل بالتوهان بين الشك واليقين. فكانت كثيرة قصائده التي زخرت بالتساؤلات الحيرى .
" كل ما في الكون شيءٌ تافهٌ
كل ما في الكون لايعجبني
أنا في ذاتي سر مغلقٌ
لا أرى في الناس من يفهمني
أنا شيء أنا لاشيء أنا
صرخة الأرض بناي الزمنِ
بعت للشيطان روحي ، فالذي
لم يرَ الشيطان لايعرفني
مات في اعماقيَ اللهُ فلا
أعرف الخير ولايعرفني
فاترع الكأس فقد لانلتقي
في غد ! فاشرب وغنِّ ، واسقني
كلما فكرت بالدنيا وما
مر بي من عابسات الزمنِ
لاح لي خلف ابتسامات المنى
شبح القبر ولون الكفنِ .
لم يتزوج حسين مردان رغم أنه قد أحب.
ودّع الحياة فجر الأربعاء 4 أكتوبر- تشرين الاول 1972
نتيجة احتشاء العضلة القلبية مع ارتجاف البطين، ومكان وفاته مدينة الطب ببغداد،
وكانتصورة قيد وفاته صادرة من مديرية الاحصاء بوزارة الصحة
تحت الرقم (4/ 1/ 10873) .
أنا وانت والعدم
لم أشعر بالحزن بعمق
الا بعد أن عرفت أن الموت
أحد قوانين الطبيعة التي
لا يمكن نقضها .
أيامنا مرت سدى وضحكنا قد انتهى
ولم نزل نغور في طين الاسى
ونتبع الصدى
يرن في المدى
لن يرجع الضحى
أنت عين تتلضى بلا سنا
ومبسم بلا منى
يحلم بالرجوع او بالملتقى
وعنكبوت الموت في وادي البلى
يصيح في وادي البلى
أيامنا مرت سدى
مرت سدى
وضحكنا قد أنتهى
وكل ما نحملة من الثرى
الى الثرى
مؤلفاته
"قصائد عارية" 1949
"اللحن الأسود" 1950
"صور مرعبة" 1951
"الربيع والجوع" 1953
"مقالات في النقد الادبي" 1955
"أغصان الحديد" 1961
"الأزهار تورق داخل الصاعقة" 1972.
وإلى شاعر منسي آخر من بلادي
أستودعكم الله
علاء الأديب