جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
فصل ومن أمراض القلوب الحسد كما قال بعضهم في حده إنه أذى يلحق بسبب العلم بحسن حال الاغنياء فلا يجوز أن يكون الفاضل حسودا لأن الفاضل يجرى على ما هو الجميل وقد قال طائفة من الناس إنه تمنى زوال النعمة عن المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها بخلاف الغبطة فإنه تمنى مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط والتحقيق أن الحسد هو البغض والكراهة لما يراه من حسن حال المحسود وهو نوعان أحدهما كراهة للنعمة عليه مطلقا فهذا هو الحسد المذموم وإذا أبغض ذلك فإنه يتألم ويتأذى بوجود ما يبغضه فيكون ذلك مرضا في قلبه ويلتذ بزوال النعمة عنه وإن لم يحصل له نفع بزوالها لكن نفعه بزوال الألم الذي كان في نفسه ولكن ذلك الألم لم يزل إلا بمباشرة منه وهو راحة وأشده كالمريض فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود وأعظم منها وقد يحصل نظير تلك النعمة ما أنعم به على النوع ولهذا قال من قال إنه تمنى زوال النعمة فإن من كره النعمة على غيره تمنى زوالها و النوع الثاني أن يكره فضل ذلك الشخص عليه فيجب أن يكون مثله أو أفضل منه فهذا حسد وهو الذي سموه الغبطة وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حسدا في الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ورجل آتاه الله مالا وسلطه على هلكته في الحق هذا لفظ ابن مسعود ولفظ ابن عمر رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه
في الحق آناء الليل والنهار ورواه البخاري من حديث أبي هريرة ولفظه لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه الليل والنهار فسمعه رجل فقال يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل يا ليتني أوتيت مثل ما أوتي هذا فعملت فيه مثل ما يعمل هذا فهذا الحسد الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلا في موضعين هو الذي سماه أولئك الغبطة وهو أن يحب مثل حال الغير ويكره أن يفضل عليه فإن قيل إذا لم سمي حسدا وإنما أحب أن ينعم الله عليه قيل مبدأ هذا الحب هونظره إلى إنعامه على الغير وكراهته أن يفضل عليه ولولا وجود ذلك الغير لم يحب ذلك فلما كان مبدأ ذلك كراهته أن يفضل عليه الغير كان حسدا لأنه كراهة تتبعها محبة وأما من أحب أن ينعم الله عليه مع عدم التفاته إلى أحوال الناس فهذا ليس عنده من الحسد شيء ولهذا يبتلى غالب الناس بهذا القسم الثاني وقد يسمى المنافسة فيتنافس الإثنان في الأمر المحبوب المطلوب كلاهما يطلب أن يأخذه وذلك لكراهية أحدهما أن يتفضل عليه الآخر كما يكره المستبقان كل منهما أن يسبقه الآخر والتنافس ليس مذموما مطلقا بل هو محمود في الخير قال تعالى المطففين إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوهم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فأمر المنافس أن ينافس في هذا النعيم لا ينافس في نعيم الدنيا الزائل وهذا موافق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه نهى عن الحسد إلا فيمن أوتي العلم فهو يعمل به ويعلمه ومن أوتى المال فهو ينفقه فأما من أوتي علما ولم يعمل به ولم يعلمه أو أوتي مالا ولم ينفقه في طاعة الله فهذا لا يحسد ولا يتمنى مثل حاله فإنه ليس في خير يرغب فيه بل هو معرض للعذاب ومن ولي ولاية فيأتيها بعلم وعدل وأدى الأمانات إلى أهلها وحكم بين الناس بالكتاب والسنة فهذا درجته عظيمة لكن هذا في جهاد عظيم كذلك المجاهد في سبيل الله والنفوس لا تحسد من هو في تعب عظيم فلهذا لم يذكره وإن كان المجاهد في سبيل الله أفضل من الذي ينفق المال بخلاف المنفق والمعلم فإن هذين ليس لهما في العادة عدو من خارج فإن قدر أنهما لهما عدو يجاهدانه فذلك أفضل لدرجتهما وكذلك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المصلى والصائم والحاج لأن هذه الأعمال لا يحصل منها في العادة من نفع الناس الذي يعظمون به الشخص ويسودونه ما يحصل بالتعليم والإنفاق والحسد في الأصل إنما يقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة وإلا فالعامل لا يحسد في العادة ولو كان تنعمه بالأكل والشرب والنكاح أكثر من غيره بخلاف هذين النوعين فإنهما يحسدان كثيرا ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم اتباع من الحسد مالا يوجد فيمن ليس كذلك وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله فهذا ينفع الناس بقوت القلوب وهذا ينفعهم بقوت الأبدان والناس كلهم محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا ولهذا ضرب الله سبحانه مثلين مثلا بهذا فقال النحل ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم والمثلان ضربهما الله سبحانه لنفسه المقدسة ولما يعبد من دونه فإن الأوثان لا تقدر لا على عمل ينفع ولا على كلام ينفع فإذا قدر عبد مملوك لا يقدر على شيء وآخر قد رزقه الله رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوي هذا المملوك العاجز عن الإحسان وهذا القادر على الاحسان المحسن إلى الناس سرا وجهرا وهو سبحانه قادر على الإحسان إلى عباده وهو محسن إليهم دائما فكيف يشبه به العاجز المملوك الذي لا يقدر على شيء حتى يشرك به معه وهذا مثل الذي اعطاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار والمثل الثاني إذا قدر شخصان أحدهما أبكم لا يعقل ولا يتكلم ولا يقدر على شيء وهو مع هذا كل علىمولاه أينما يوجهه لا يأت بخير فليس فيه من نفع قط بل هو كل على من يتولى أمره وآخر عالم عادل يأمر بالعدل ويعمل بالعدل فهو على صراط مستقيم وهذا نظير الذي أعطاه الله الحكمة فهو يعمل بها ويعلمها للناس وقد ضرب ذلك مثلا لنفسه فإنه سبحانه عالم عادل قادر يأمر بالعدل وهو قائم بالقسط على صراط مستقيم كما قال تعالى آل عمران شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وقال هود هود إن ربي على صراط مستقيم ولهذا كان الناس يعظمون دار العباس كان عبد الله يعلم الناس وأخوه يطعم الناس فكانوا يعظمون على ذلك ورأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وهو يفتيهم فقال هذا والله الشرف أو نحو ذلك هذا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه نافس أبا بكر رضي الله عنه الإنفاق كما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال فجئت بنصف مالي قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة لكن حال الصديق رضي الله عنه أفضل منه وهو خال من المنافسة مطلقا لا ينظر إلى حال غيره وكذلك موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له ما يبكيك فقال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي أخرجاه في الصحيحين وروى في بعض الألفاظ المروية غير الصحيح مررنا على رجل وهو يقول ويرفع صوته أكرمته وفضلته قال فرفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام فقال من هذا معك يا جبريل قال هذا أحمد قال مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته قال ثم اندفعنا فقلت من هذا يا جبريل قال هذا موسى بن عمران قلت ومن يعاتب قال يعاتب ربه فيك قلت ويرفع صوته على ربه قال إن الله عز وجل قد عرف صدقه وعمر رضي الله عنه كان مشبها بموسى ونبينا حاله أفضل من حال موسى فإنه لم يكن عنده شيء من ذلك وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه كانوا سالمين من جميع هذه الأمور فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة وإن كان ذلك مباحا ولهذا استحق أبو عبيدة رضي الله عنه أن يكون أمين هذه الأمة فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما ائتمن عليه كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته ولهذا يؤتمن على النساء والصبيان الخصيان ويؤتمن على الولاية الصغرى من يعرف أنه لا يزاحم على الكبرى ويؤتمن على المال من يعرف أنه ليس له غرض في أخذ شيء منه وإذا ائتمن من في نفسه خيانة شبه بالذئب المؤتمن على الغنم فلا يقدر أن يؤدي الأمانة في ذلك لما في نفسه من الطلب لما ائمتن عليه وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه قال كنا يوما جلسوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة قال فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوء قد علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه و مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل حاله فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم اتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال نعم قال أنس رضي الله عنه فكان عبد الله يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير انه إذا تعار وانقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم إلى صلاة الفجر فقال عبد الله غير أني لم اسمعه يقول إلا خيرا فلما فرغنا من الثلاث وكدت أن أحقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوى إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما هو إلا ما رأيت غير أنني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشا ولا حسدا على خير أعطاه الله إياه قال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق فقول عبد الله بن عمرو له هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق يشير إلى خلوه وسلامته من جميع أنواع الحسد وبهذا أثنى الله تعالى على الأنصار فقال الحشر ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون قال المفسرون لا يجدون في صدروهم حاجة أي حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون ثم قال بعضهم من مال الفيء وقيل من الفضل والتقدم فهم لا يجدون حاجة مما أوتوا من المال ولا من الجاه والحسد يقع على هذا وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند الله ورسوله أحب الآخرون ان يفعلوا نظير ذلك فهو منافسة فيما يقربهم إلى الله كما قال المطففين وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وأما الحسد المذموم كله فقد قال تعالى في حق اليهود البقرة ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق يودون أي يتمنون أرتدادكم حسدا فجعل الحسد هو الموجب لذلك الود من بعد ما تبين لهم الحق لأنهم لما رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل بل مالم يحصل لهم مثله حسدوكم وكذلك في الآية الأخرى النساء أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا وقال تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقت ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها نزلت بسب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه سحره لبيد بن الأعصم اليهودي فالحاسد المبغض للنعمة على من أنعم الله عليه بها ظالم معتد والكاره لتفضيله المحب لمماثلته منهي عن ذلك إلا فيما يقربه إلى الله فإذا أحب أن يعطى مثل ما أعطى مما يقربه إلى الله فهذا لا بأس به وإعراض قلبه عن هذا بحيث لا ينظر إلى حال الغير أفضل ثم هذا الحسد إن عمل بموجبه صاحبه كان ظالما معتديا مستحقا للعقوبة إلا أن يتوب وكان المحسود مظلوما مأمورا بالصبر والتقوى فيصبر على أذى الحاسد ويعفو ويصفح عنه كما قال تعالى البقرة ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصحفوا حتى يأتي الله بأمره وقد ابتلى يوسف بحسد إخوة له حيث قالوا يوسف ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين فحسدوهما على تفضيل الأب لهما ولهذا قال يعقوب ليوسف يوسف لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ثم إنهم ظلموه بتكلمهم في قتله وإلقائه في الجب وبيعه رقيقا لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكا لقوم كفار ثم إن يوسف ابتلى بعد أن ظلم بمن يدعوه إلى الفاحشة ويراوده عليها ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك فاستعصم واختار السجن على الفاحشة وآثر عذاب الدنيا على سخط الله فكان مظلوما من جهة من أحبه لهواه وغرضه مفاسد فهذه المحبة أحبته لهوى محبوبها شفاؤها وشقاؤها إن وافقها وأولئك المبغضون ابغضوه بغضة أوجبت أن يصير ملقى في الجب ثم أسيرا مملوكا بغير اختياره فأولئك أخرجوه من انطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره وهذه ألجأته إلى أن اختار أن يكون محبوسا مسجونا باختياره فكانت هذه أعظم في محنته وكان صبره هنا اختياريا اقترن به التقوى بخلاف صبره على ظلمهم فإن ذلك كان من باب المصائب التي من لم يصبر عليها صبر الكرام سلا سلو البهائم والصبر الثاني أفضل الصبرين ولهذا قال يوسف إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان وإن لم يفعل أوذي وعوقب فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه إما الحبس وإما الخروج من بلده كما جرى للمهاجرين حين اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين وكانوا يعذبون يؤذون وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبرا اختياريا فإنه إنما يؤذي لئلا يفعل ما يفعله باختياره وكان هذا أعظم من صبر يوسف لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة وإنما عوقب إذا لم يفعل بالحبس والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه وأهون ما عوقب به الحبس فإن المشركين حبسوه وبني هاشم بالشعب مدة ثم لما مات أبو طالب اشتدوا عليه فلما بايعت الأنصار وعرفوا بذلك صاروا يقصدون منعه من الخروج ويحبسونه هو وأصحابه عن ذلك ولم يكن احد يهاجر إلا سرا إلا عمر بن الخطاب ونحوه فكانوا قد الجأوهم إلى الخروج من ديارهم ومع هذا منعوا من منعوه منهم عن ذلك وحبسوه فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه وهذا أشرف النوعين وأهلها اعظم بدرجة وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب بمصائبه فإن هذا أصيب وأوذي باختياره طاعة لله يثاب على نفس المصائب ويكتب له بها عمل صالح قال تعالى التوبة ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين بخلاف المصائب التي تجري بلا اختيار العبد كالمرض وموت العزيز عليه وأخذ اللصوص ماله فإن تلك إنما يثاب على الصبر عليها لا على نفس ما يحدث من المصيبة وما يتولد عنها والذين يؤذون على الايمان وطاعة الله ورسوله ويحدث لهم بسبب ذلك حرج أو مرض أو حبس أو فراق وطن وذهاب مال وأهل أو ضرب أو شتم أو نقص رياسة ومال وهم في ذلك على طريقة الأنبياء وأتابعهم كالمهاجرين الأولين فهؤلاء يثابون على ما يؤذون به ويكتب لهم به عمل صالح كما يثاب المجاهد على ما يصيبه من الجوع والعطش والتعب وعلى غيظة الكفار وإن كانت هذه الآثار ليست عملا فعله يوقوم به لكنها متسببة عن عفله الاختياري وهي التي يقال لها متولدة وقد اختلف الناس هل يقال أنها فعل فاعل السبب أو لله أو لا فاعل لها والصحيح أنها مشتركة بين فاعل السبب وسائر الأسباب ولهذا كتب له بها عمل صالح والمقصود أن الحسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس ولهذا يقال ما خلا جسد من حسد لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه وقد قيل للحسن البصري ايحسد المؤمن فقال ما أنساك أخوة يوسف لا أبا لك ولكن عمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدا ولسانا فمن وجد في نفسه حسدا لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك من نفسه وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود فلا يعينون من ظلمه ولكنهم أيضا لا يقومون بما يجب من حقه بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه مفرطون في ذلك لا معتدون عليه وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضا في مواضع ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود وأما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه كما جرى لزينب بنت جحش رضي الله عنها فإنها كانت هي التي تسامى عائشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب لا سيما المتزوجات بزوج واحد فإن المرأة تغار على زوجها لحظها منه فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها وهكذا الحسد يقع كثيرا بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطا من ذلك وفات الآخر ويكون بين النظراء لكراهة أحدهم أن يفضل الآخر عليه كحسد إخوة يوسف وكحسد ابني آدم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون أن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان هذا فحسده على ما فضله الله من الايمان والتقوى كحسد اليهود للمسلمين وقتله على ذلك ولهذا قيل أول ذنب عصى الله به ثلاثة الحرص والكبر والحسد فالحرص من آدم والكبر من إبليس والحسد من قابيل حيث قتل هابيل وفي الحديث ثلاث لا ينجو منهن احد الحسد والظن والطيرة وسأحدثكم بما يخرج من ذلك إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وهي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين فسماه داء كما سمى البخل داء في قوله وأي داء أدوأ من البخل فعلم أن هذا مرض وقد جاء في حديث آخر أعوذ بك من منكرات الخلاق والأهواء والأدواء فعطف الأدواء على الاخلاق والأهواء فإن الخلق ما صار عادة للنفس وسجية قال تعالى القلم وإنك لعلى خلق عظيم قال ابن عباس وابن عيينة وأحمد ابن حنبل رضي الله عنهم على دين عظيم وفي لفظ عن ابن عباس على دين الإسلام وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن وكذلك قال الحسن البصري ادب القرآن هو الخلق العظيم وأما الهوى فقد يكون عارضا والداء هو المرض وهو تألم القلب والفساد فيه وقرن في الحديث الأول الحسد بالبغضاء لأن الحاسد يكره أولا فضل الله على ذلك الغير ثم ينتقل إلى بغضه فإن بغض اللازم يقتضي بغض الملزوم فإن نعمة الله إذا كانت لازمة وهو يحب زوالها وهي لا تزول إلا بزواله أبغضه واحب عدمه والحسد يوجب البغي كما أخبر الله تعالى عمن قبلنا آل عمران أنهم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم فلم يكن اختلافهم لعدم العلم بل علموا الحق ولكن بغى بعضهم على بعض كما يبغي ا الحاسد على المحسود وفي الصحيحين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر اخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من رواية أنس أيضا والذي نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وقد قال تعالى النساء وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما فهؤلاء المبطئون لم يحبوا لإخوانهم المؤمنين ما يحبون لأنفسهم بل إن أصابتهم مصيبة فرحوا باختصاصهم وإن أصابتهم نعمة لم يفرحوا لهم بها بل أحبوا أن يكون لهم منها حظ فهم لا يفرحون إلا بدنيا تحصل لهم أو شر دنيوي ينصرف عنهم إذ كانوا لا يحبون الله ورسوله والدار الآخرة ولو كانوا كذلك لأحبوا إخوانهم وأحبوا ما وصل إليهم من فضله وتألموا بما يصيبهم من المصيبة ومن لم يسره ما يسر المؤمنين ويسوؤه ما يسوء المؤمنين فليس منهم ففي الصحيحين عن عامر الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه و الشح مرض و البخل مرض والحسد شر من البخل كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار وذلك أن البخيل يمنع نفسه والحسود يكره نعمة الله على عباده وقد يكون في الرجل إعطاء لمن يعينه على أغراضه وحسد لنظرائه وقد يكون فيه بخل بلا حسد لغيره والشح أصل ذلك قال تعالى الحشر و التغابن ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وكان عبد الرحمن بن عوف يكثر من الدعاء في طوافه يقول اللهم قني شح نفسي فقال له رجل ما أكثر ما تدعو بهذا فقال إذا وقيت شح نفسي وقيت الشح والظلم والقطيعة والحسد يوجب الظلم فصل فالبخل والحسد مرض يوجب بغض النفس لما ينفعها بل وحبها لما يضرها ولهذا يقرن الحسد بالحقد والغضب وأما مرض الشهوة والعشق فهو حب النفس لما يضرها وقد يفترن به بغضها لما ينفعها والعشق مرض نفساني وإذا قوى أثر في البدن فصار مرضا في الجسم إما من أمراض الدماغ كالماليخوليا ولذلك قيل فيه هو مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك والمقصود هنا مرض القلب فإنه أصل محبة النفس لما يضرها كمريض البدن الذي يشتهى ما يضره وإذا لم يطعم ذلك تألم وإن أطعم قوى به المرض وزاد كذلك العاشق يضره اتصاله بالمعشوق مشاهدة وملامسة وسماعا بل ويضره التفكر فيه والتخيل له وهو يشتهى ذلك فإن منع من مشتهاه تألم وتعذب وإن أعطى مشتهاه قوى مرضه وكان سببا لزيادة الألم وفي الحديث إن الله يحمى عبده المؤمن الدنيا كما يحمى احدكم مريضه الطعام والشراب وفي مناجاة موسى المأثروة عن وهب التي رواها الإمام احمد في كتاب الزهد يقول الله تعالى إني لأذود أوليائي عن نعيم الدنيا ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة وإني لأجنبهم سكونها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة وما ذلك لهوانهم على ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطفئه الهوى وإنما شفاء المريض بزوال مرضه بل بزوال ذلك الحب المذموم من قلبه والناس في العشق على قولين قيل إنه من باب الإرادات وهذا هو المشهور قيل من باب التصورات وإنه فساد في ا لتخييل حيث يتصور المعشوق على غير ما هو به قال هؤلاء ولهذا لا يوصف الله بالعشق ولا أنه يعشق لأنه منزه عن ذلك ولا يحمد من يتخيل فيه خيالا فاسدا وأما الأولون فمنهم من قال يوصف بالعشق فإنه المحبة التامة والله يحب ويحب وروى في أثر عن عبد الواحد بن زيد أنه قال لا يزال عبدي يتقرب إلى يعشقني وأعشقه وهذا قول بعض الصوفية والجمهور لا يطلقون هذا اللفظ في حق الله لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الحد الذي ينبغي والله تعالى محبته لا نهاية لها فليست تنتهي إلى حد لا تنبغي مجاوزته قال هؤلاء والعشق مذموم مطلقا لا يمدح في محبة اخلالق ولا المخلوق لأنه المحبة المفرطة الزائدة على الحد المحدود وأيضا فإن لفظ العشق إنما يستعمل في العرف في محبة الإنسان لامرأة أو صبي لا يستعمل في محبة كمحبة الأهل والمال والجاه ومحبة الأنبياء والصالحين وهو مقرون كثيرا بالفعل المحرم إما بمحبة امرأة أجنبية أو صبي يقترن به النظر المحرم واللمس المحرم وغير ذلك من الأفعال المحرمة وأما محبة الرجل لامرأته أو سريته محبة تخرجه عن العدل بحيث يفعل لأجلها ما لا يحل ويترك ما يجب كما هو الواقع كثيرا حتى يظلم ابنه من امرأته العتيقة لمحبته الجديدة وحتى يفعل من مطالبها المذمومة ما يضره في دينه ودنياه مثل أن يخصها بميراث لا تستحقه أو يعطى أهلها من الولاية والمال ما يتعدى به حدود الله أو يسرف في الإنفاق عليها أو يمكنها من أمور محرمة تضره في دينه ودنياه وهذا في عشق من يباح له وطؤها فكيف عشق الأجنبية والذكران من العالمين ففيه من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها وعرضه ثم قد تفسد عقله ثم جسمه قال تعالى الأحزاب فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ومن في قلبه مرض الشهوة وإرادة الصورة متى خضع المطلوب طمع المريض والطمع يقوى الإرادة والطلب يقوي المرض بذلك بخلاف ما إذا كان آيسا من المطلوب فإن اليأس يزيل الطمع فتضعف الإرادة فيضعف الحب فإن الإنسان لا يريد أن يطلب ما هو آيس منه فلا يكون مع الإرادة عمل أصلا بل يكون حديث نفس إلا أن يقترن بذلك كلام او نظر ونحو ذلك فأما إذا ابتلى بالعشق وعف وصبر فإنه يثاب على تقواه لله وقد روى في الحديث أن من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات كان شهيدا وهو معروف من رواية يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا وفيه نظر ولا يحتج بهذا لكن من المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا وكتم ذلك فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلام محرم اما شكوى إلى المخلوق وإما إظهار فاحشة وإما نوع طلب للمعشوق وصبر على طاعة الله وعن معصيته وعلىما في قلبه من ألم العشق كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر و من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين يوسف وهكذا مرض الحسد وغيره من أمراض النفوس وإذا كانت النفس تطلب ما يبغضه الله فينهاها خشية من الله كان ممن دخل في قوله النازعات وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى فالنفس إذا أحبت شيئا سعت في حصوله بما يمكن حتى تسعى في أمور كثيرة تكون كلها مقامات لتلك الغاية فمن احب محبة مذمومة أو أبغض بغضا مذموما وفعل ذلك كان آثما مثل أن يبغض شخصا لحسده له فيؤذي من له به تعلق إما بمنع حقوقه أو بعدوان عليهم او لمحبة له لهواه معه فيفعل لأجله ما هو محرم أو ما هو مأمور به لله فيفعله لأجل هواه لا لله وهذه أمراض كثيرة في النفوس والإنسان قد يبغض شيئا فيبغض لأجله أمورا كثيرة بمجرد الوهم والخيال وكذلك يحب شيئا فيحب لأجله أمورا كثيرة لأجل الوهم والخيال كما قال شاعرهم أحب لحبها السودان حتى أحب لحبها سود الكلاب فقد أحسب سوداء فأحب جنس السواد حتى في الكلاب وهذا كله مرض في القلب في تصوره وإرادته فنسأل الله ان يعافى قلوبنا من كل داء ونعوذ بالله من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء والقلب إنما خلق لأجل حب الله تعالى وهذه الفطرة التي فطر الله عليها عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه اقرءوا إن شئتم الروم فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله أخرجه البخاري ومسلم فالله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له وحده لكن تفسد فطرته من مرضه كأبويه يهودانه أو ينصرانه وهذه كلها تغير فطرته التي فطره الله عليها وإن كانت بقضاء الله وقدره كما يغير البدن بالجدع ثم قد يعود إلى الفطرة إذا يسر الله تعالى لها من يسعى في إعادتها إلى الفطرة والرسل صلى الله عليهم وسلم بعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها لا لتغيير الفطرة وتحويلها وإذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين لم يبتل بحب غيره فضلا أن يبتلى بالعشق وحيث ابتلى بالعشق فلنقص محبته لله وحده ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين لم يبتل بذلك بل قال تعالى يوسف كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها فلذلك ابتليت بالعشق وما يبتلى بالعشق أحد إلا لنقص توحيده وإيمانه وإلا فالقلب المنيب إلى الله الخائف منه فيه صار فإن يصرفانه عن العشق أحدهما إنابته إلى الله ومحبته له فإن ذلك ألذ وأطيب من كل شيء فلا تبقى مع محبة الله محبة مخلوق تزاحمه والثاني خوفه من الله فإن الخوف المضاد للعشق يصرفه وكل من احب شيئا بعشق أو بغير عشق فإنه يصرف عن محبته بمحبة ما هو احب إليه منه إذا كان يزاحمه وينصرف عن محبته بخوف حصول ضرر يكون ابغض إليه من ترك ذاك الحب فإذا كان الله احب إلى العبد من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء لم يحصل معه عشق ولا مزاحمة إلا عند غفلة أو عند ضعف هذا الحب والخوف بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فكلما فعل العبد الطاعة محبة لله وخوفا منه وترك المعصية حبا له وخوفا منه قوى حبه له وخوفه منه فيزيل ما في القلب من محبة غيره ومخافة غيره وهكذا أمراض الأبدان فإن الصحة تحفظ بالمثل والمرض يدفع بالضد فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل وهو ما يورث القلب إيمانا من العلم النافع والعلم الصالح فتلك أغذية له كما في حديث ابن مسعود مرفوعا وموقوفا إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن والآدب المضيف فهو ضيافة الله لعباده آخر الليل وأوقات الأذان والإقامة وفي سجوده وفي أدبار الصلوات ويضم إلى ذلك الاستغفار فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متعه متاعا حسنا إلى اجل مسمى وليتخذ وردا من الأذكار في النهار ووقت النوم وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه ويكتب الإيمان في قلبه وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس باطنة وظاهرة فإنها عمود الدين وليكن هجيراه لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال ولا يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا ولم ينل أحد شيئا من ختم الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر والحمد لله رب العالمين وله الحمد والمنة على الاسلام والسنة حمدا يكافئ نعمه الظاهرة والباطنة وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه امهات المؤمنين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا بسم الله الرحمن الرحيم ومما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله في أمراض القلوب وشفائها الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم قد ذكرنا في غير موضع أن صلاح حال الإنسان في العدل كما ان فساده في الظلم وأن الله سبحانه عدله وسواه لما خلقه وصحة جسمه وعافيته من اعتدال اخلاطه واعضائه ومرض ذلك الانحراف والميل وكذلك استقامة القلب واعتداله واقتصاده وصحته وعافيته وصلاحه متلازمة وقد ذكر الله مرض القلوب وشفاءها في مواضع من كتابه وجاء ذلك في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى عن المنافقين البقرة في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا وقال فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم وقال تعالى التوبة ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم وقال يونس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وقال تعالى الإسراء وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وقال تعالى فصلت قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء وقال تعالى الأحزاب ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقال الحزاب لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم وقال الأحزاب وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرروا وقال النبي صلى الله عليه وسلم هلا سألوا إذ لم يعلموا فإن شفاء العي السؤال وقال الرشيد الان شفيتني يا مالك وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود أن أحدا لا يزال بخير ما اتقى الله وإذا شك في تفسير شيء سأل رجلا فشفاه وأوشك أن لا يجده والذي لا إله إلا هو وما ذكر الله من مرض القلوب وشفائها بمنزلة ما ذكر من موتها وحياتها وسمعها وبصرها وعقلها وصممها وبكمها وعماها لكن المقصود مرض القلب فنقول المرض نوعان فساد الحس وفساد الحركة الطبيعية وما يتصل بها من الإرادية وكل منهما يحصل بفقده ألم وعذاب فكما أنه مع صحة الحس والحركة الإرادية والطبيعية تحصل اللذة والنعمة فكذلك بفسادها يحصل الألم والعذاب ولهذا كانت النعمة من النعيم وهو ما ينعم الله به على عباده مما يكون فيه لذة ونعيم وقال التكاثر لتسألن يومئذ عن النعيم أي عن شكره فسبب اللذة إحساس الملائم وسبب الألم إحساس المنافي ليس اللذة والألم نفس الإحساس والإدراك وإنما هونتيجته وثمرته ومقصوده وغايته فالمرض فيه ألم لا بد منه وإن كان قد يسكن احيانا لمعارض راجح فالمقتضى له قائم يهيج بأدنى سبب فلا بد في المرض من وجود سبب الألم وإنما يزول الألم بوجود المعارض والراجح ولذة القلب وألمه أعظم من لذة الجسم وألمه أعني ألمه ولذته النفسانيين وإن كان قد يحصل فيه من الألم من جنس ما يحصل في سائر البدن بسبب مرض الجسم فذلك شيء آخر فلذلك كان مرض القلب وشفاؤه اعظم من مرض الجسم وشفائه فتارة يكون من جملة الشبهات كما قال الأحزاب فيطمع الذي في قلبه مرض وكما صنف الخرائطي كتاب اعتلال القلوب بالأهواء ففي قلوب المنافقين المرض من هذا الوجه من جهة فساد الاعتقادات وفساد الإرادات والمظلوم في قلبه مرض وهو الألم الحاصل بسبب ظلم الغير له فإذا استوفى حقه اشتفى قلبه كما قال تعالى التوبة ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم فإن ذهاب غيظ القلب إنما هو لدفع الأذى والألم عنه فإذا اندفع عنه الأذى واستوفى حقه زال غيظه فكما أن الإنسان إذا صار لا يسمع بأذنه ولا يبصر بعينه كان ذلك مرضا مؤلما له بما يفوته من المصالح ويحصل له من المضار فكذلك إذا لم يسمع ولم يبصر ولم يعلم بقلبه الحق من الباطل ولم يميز بين الخير والشر والعي والرشاد كان ذلك من أعظم أمراض قلبه وألمه وكما أنه إذا اشتهى ما يضره مثل الطعام الكثير في الشهوة الكلية ومثل أكل الطين ونحوه كان ذلك مرضا فإنه يتألم حتى يزول ألمه بهذا الأكل الذي يوجد ألما أكثر من الأول فهو يتألم إن أكل ويتألم إن لم يأكل فكذلك إذا بلى بحب من لا ينفعه بعشق ونحوه سواء كان لصورة او لرياسة أو لمال ونحو ذلك فإن لم يحصل على محبوبه ومطلوبه فهو متألم ومريض سقيم وإن حصل محبوبة فهو اشد مرضا وألما وسقما كما أن المريض إذا كان يبغض ما يحتاج إليه من الطعام والشراب كان ذلك الألم حاصلا وكان دوامه على ذلك يوجب من الألم اكثر من ذلك حتى يقتله أو يزول ما يوجب بغضه لما ينفعه ويحتاج إليه فهو متألم في الحال وتألمه فيما بعد إن لم يعافه الله اعظم وأكبر فبغض الحاسد لنعمة الله على المحسود كبغض المريض لأكل الأصحاء لأطعمتهم وأشربتهم حتى لا يقدر أن يراهم يأكلون ونفرته عن أن يقوم بحقه كنفرة المريض عما يصلح له من طعام وشراب فالحب والبغض الخارج عن الاعتدال والصحة في النفس كالشهوة والنفرة الخارجة عن الاعتدال والصحة في الجسم وعمى القلب وبكمه عن أن يبصر الحقائق ويميز بين ما ينفعه ويسره كعمى الجسم وخرسه عن أن يبصر الأمور المرئية ويتكلم بها ويميز بين ما ينفعه ويضره وكما أن الضرير إذا أبصر وجد من الراحة والعافية والسرور أمرا عظيما فبصر القلب ورؤيته الحقائق بينه وبين بصر الراس من التفاوت مالا يحصيه إلا الله وإنما الغرض هنا تشبيه أحد المرضين بالآخر فطب الأديان يحتذي حذو طب الأبدان وقد كتب سلمان إلى أبي الدرداء أما بعد فقد بلغني أنك قعدت طبيبا فإياك أن تقتل والله أنزل كتابه شفاء لما في الصدور وقال تعالى الإسراء وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ذلك أن الشفاء إنما يحصل لمن يتعمد الدواء وهم المؤمنون وضعوا دواء القرآن على داء قلوبهم فمرض الجسم يكون بخروج الشهوة والنفرة الطبيعية عن الاعتدال إما بشهوة مالا يحصل أو يفقد الشهوة النافعة وينفر به عما يصلح ويفقد النفرة عما يضر ويكون بضعف قوة الإدراك والحركة كذلك مرض القلب يكون بالحب والبغض الخارجين عن الاعتدال وهي الأهواء التي قال الله فيها القصص ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله وقال الروم بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم كما يكون الجسد خارجا عن الاعتدال إذا فعل ما يشتهيه الجسم بلا قول الطبيب ويكون لضعف إدراك القلب وقوته حتى لا يستطيع أن يعلم ويريد ما ينفعه ويصلح له وكما أن المرضى الجهال قد يتناولون ما يشتهون فلا يحتمون ولا يصبرون على الأدوية الكريهة لما في ذلك من تعجيل نوع من الراحة واللذة ولكن ذلك يعقبهم من الآلام ما يعظم قدره او يعجل الهلاك فكذلك بنو آدم هم جهال ظلموا أنفسهم يستعجل أحدهم ما ترغبه لذته ويترك ما تكرهه نفسه مما هو لا يصلح له فيعقبهم ذلك من الألم والعقوبات إما في الدنيا وإما في الآخرة ما فيه عظم العذاب والهلاك الأعظم و التقوى هي الاحتماء عما يضره بفعل ما ينفعه فإن الاحتماء عن الضار يستلزم استعمال النافع وأما استعمال النافع فقد يكون معه أيضا استعمال الضار فلا يكون صاحبه من المتقين وأما ترك استعمال الضار والنافع فهذا لا يكون فإن العبد إذا عجز عن تناول الغذاء كان مغتذيا بما معه من المواد التي تضره حتى يهلك ولهذا كانت العاقبة للتقوى وللمتقين لأنهم المحتمون عما يضرهم فعاقبتهم الإسلام والكرامة وإن وجدوا ألما في الابتداء لتناول الدواء والإحتماء كفعل الأعمال الصالحة المكروهة كما قال تعالى البقرة كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ولكثرة الأعمال الباطلة المشتهاة قال تعالى النازعات وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى وكما قال الانفال وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم فأما من لم يحتم فإن ذلك سبب لضرره في العاقبة ومن تناول ما ينفعه مع يسير من التخليط فهو أصلح ممن احتمى حمية كاملة ولم يتناول إلا شيئا يسيرا فإن الحمية التامة بلا اغتذاء تمرض فهكذا من ترك السيئات ولم يفعل الحسنات وقد قدمنا في قاعدة كبيرة أن جنس الحسنات أنفع من جنس ترك السيئات كما أن جنس الاغتذاء من جنس الاحتماء وبينا أن هذا مقصود لنفسه وذلك مقصود لغيره بالانضمام إلى غيره وكما أن الواجب الاحتماء عن سبب المرض قبل حصوله وإزالته بعد حصوله فهكذا أمراض القلب يحتاج فيها إلى حفظ الصحة ابتداء وإلى إعادتها إن عرض له المرض دواما والصحة تحفظ بالمثل والمرض يزول بالضد فصحة القلب تحفظ باستعمال أمثال ما فيها وهو ما يقوى العلم والايمان من الذكر والتفكر والعبادات المشروعة وتزول بالضد فتزال الشبهات بالبينات وتزال محبة الباطل ببغضه ومحبة الحق ولهذا قال يحيى بن عمار العلوم خمسة فعلم هو حياة الدين وهو علم التوحيد وعلم هو غذاء الدين وهو علم التذكر بمعاني القرآن والحديث وعلم هو دواء الدين وهو علم الفتوى إذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه منها كما قال ابن مسعود وعلم هو داء الدين وهو الكلام المحدث وعلم هو هلال الدين وهو علم السحر ونحوه فحفظ الصحة بالمثل وإزالة المرض بالضد في مرض الجسم الطبيعي ومرض القلب النفساني الديني الشرعي قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم الروم فطرة الله التي فطر الناس عليها أخرجاه في الصحيحين قال تعالى الروم وله من في السموات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض إلى قوله بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم إلى قوله فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون فأخبر الله أنه فطر عباده على إقامة الوجه حنيفا وهو عبادة الله وحده لا شريك له فهذه من الحركة الفطرية الطبيعية المستقيمة المعتدلة للقلب وتركها ظلم عظيم اتبع اهله اهواءهم بغير علم ولا بد لهذه الفطرة والخلقة وهي صحة الخلقة من قوت وغذاء يمدها بنظير ما فيها مما فطرت عليه علما وعملا ولهذا كان تمام الدين بالفطرة المكملة بالشريعة المنزلة وهي مأدبة الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن ومثله كماء أنزله الله من السماء كما جرى تمثيله بذلك في الكتاب والسنة والمحرفون للفطرة المغيرون للقلب عن استقامته هم ممرضون للقلوب مسقمون لها وقد أنزل الله كتابه شفاء لما في الصدور وما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب بمنزلة ما يصيب الجسم من الألم يصح به الجسم وتزول أخلاطه الفاسدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه وذلك تحقيق لقوله النساء من يعمل سوءا يجز به ومن لم يطهر في هذه الدنيا من هذه الأمراض فيئوب صحيحا وإلا احتاج إلى أن يطهر منها في الآخرة فيعذبه الله كالذي اجتمعت فيه أخلاطه ولم يستعمل الأدوية لتخفيفها عنه فتجتمع حتى يكون هلاكه بها ولهذا جاء في الأثر إذا قالوا للمريض اللهم ارحمه يقول الله كيف أرحمه من شيء به أرحمه وقال النبي صلى الله عليه وسلم المرض حطة يحط الخطايا عن صاحبه كما تحط الشجرة اليابسة ورقها وكما أن من أمراض الجسم ما إذا مات الإنسان منه كان شهيدا كالمطعون والمبطون وصاحب ذات الجنب وكذلك الميت بغرق او حرق او هدم فمن أمراض النفس ما إذا اتقى العبد ربه فيه وصبر عليه حتى مات كان شهيدا كالجبان الذي يتقى الله ويصبر للقتال حتى يقتل فإن البخل والجبن من أمراض النفوس إن أطاعه أوجب له الألم وإن عصاه تألم كأمراض الجسم وكذلك العشق فقد روى من عشق فعف وكتم وصبر ثم مات مات شهيدا فإنه مرض في النفس يدعو إلى ما يضر النفس كما يدعو المريض إلى تناول ما يضر فإن أطاع هواه عظم عذابه في الآخرة وفي الدنيا أيضا وإن عصى الهوى بالعفة والكتمان صار في نفسه من الألم والسقم ما فيها فإذا مات من ذلك المرض كان شهيدأن هذا يدعوه إلى النار فيمنعه كالجبان تمنعه نفسه عن الجنة فيقدمها فهذه الأمراض إذا كان معها إيمان وتقوى كانت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه اجمعين فهرس أمراض القلوب وشفاؤها التحفة العراقية في الاعمال القلبية تأليف شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن تيمية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أما بعد فهذه كلمات مختصرة في أعمال القلوب التي تسمى المقامات والأحوال وهي من أصول الايمان وقواعد الدين مثل محبة الله ورسوله والتوكل على الله وإخلاص الدين له والشكر له والصبر على حكمه والخوف منه والرجاء له وما يتبع ذلك اقتضى ذلك بعض من أوجب الله حقه من أهل الإيمان واستكتبها وكل منا عجلان فأقول هذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق المأمورين في الأصل باتفاق أئمة الدين والناس في
مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك
الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب
ساحة النقاش