رغبة فى تدمير أى نوع من المشروعات الجمعية - غير مشروعنا - سنبيد العمل الجمعى فى مرحلته التمهيدية ((أى أنهم بدل أن يتركوا الطلبة يتخرجون فى الجامعات حاملين الأفكار التى لا تناسب اليهود، فسيضعون برامج لها يتلقونها فيتخرجون فيها كما يريدون لهم، و هذا ما حدث بالفعل فى روسيا الشيوعة اليهودية. انظر كتاب " آثرت الحرية " المترجم الى العربية)) أى أننا سنغير الجامعات، و نعيد إنشاءها حسب خططنا الخاصة.
و سيكون رؤساء الجامعات و أساتذتها معدين إعداداً خاصاً وسيلته برنامج عمل سرى متقن سيهذبون و يشكلون بحسبه، و لن يستطيعوا الانحراف عنه بغير عقاب. و سيرشحون بعناية بالغة، و يكونون معتمدين كل الاعتماد على الحكومة. و سنحذف من فهرسنا كل تعاليم القانون المدنى مثله فى ذلك مثل أى موضوع سياسى آخر. و لن يختار لتعلم هذه العلوم إلا رجال قليل من بين المدربين، لمواهبهم الممتازة. و لن يسمح للجامعات أن تخرج للعالم فتياناً خضر الشباب ذوى أفكار عن الإصلاحات الدستورية الجديدة، كأنما هذه الإصلاحات مهازل Comedies أو مآس Tragedies، و لن يسمح للجامعات أيضاً أن تخرج فتياناً ذوى اهتمام من أنفسهم بالمسائل السياسية التى لا يستطيع و لو آباؤهم أن يفهموها.
إن المعرفة الخاطئة للسياسة بين أكداس الناس هى منبع الأفكار الطوباوية Utopian ideas، و هى التى تجعلهم رعايا فاسدين. و هذا ما تستطيعون أن تروه بأنفسكم فى النظام التربوى للأمميين (غير اليهود). و علينا أن نقدم كل هذه المبادئ فى نظامهم التربوى، كى نتمكن من تحطيم بنيانهم الاجتماعى بنجاح كما قد فعلنا. و حين نستحوذ على السلطة سنبعد من برامج التربية كل المواد التى يمكن أن تمسخ عقول الشباب، و سنصنع منهم أطفالاً طيعين يحبون حاكمهم، و يتبينون فى شخصه الدعامة الرئيسية للسلام و المصلحة العامة.
و سنتقدم بدراسة مشكلات المستقبل بدلاً من الكلاسيكيات Classics و بدراسة التاريخ القديم الذى يشتمل على مثل سيئة أكثر من اشتماله على مثل حسنة ((أى أن اليهود سيدرسون يومئذ للشباب صفحات التاريخ السود ليعرفوهم أن الشعوب عندما كانت محكومة بالنظم القديمة كانت حياتها سيئة و لا يدرسون لهم الفترات التى كانت الشعوب فيها سعيدة، لكى يقنعونهم بهذه الدراسة الكاذبة الزائفة أن النظام الجديد أفضل من القديم، و هذا ما جرى فى روسيا الشيوعية، و فى كل بلد عقب كل انقلاب سياسى))، و سنطمس فى ذاكرة الإنسان العصور الماضية التى قد تكون شؤماً علينا، و لا نترك إلا الحقائق التى ستظهر أخطاء الحكومات فى ألوان قاتمة فاضحة. و تكون فى مقدمة برنامجنا التربوى الموضوعات التى تعنى بمشكلات الحياة العملية، و التنظيم الاجتماعى، و تصرفات كل إنسان مع غيره، و كذلك الخطب التى تعدى و تسبب الشر و كل ما يشبهها من المسائل الأخرى ذات الطابع الفطرى. هذه البرامج ستكون مرتبة بخاصة للطبقات و الطوائف المختلفة، و سيبقى تعليمها منفصلاً بعضها عن بعض بدقة.
و إنه لأعظم خطورة أن نحرص على هذا النظام ذاته. و سيفرض على كل طبقة أو فئة أن تتعلم منفصلة حسب مركزها و عملها الخاصين. إن العبقرية العارضة Chance قد عرفت دائماً و ستعرف دائماً كيف تنفذ الى طبقة أعلى، و لكن من أجل هذا العرض الاستثنائى تماماً لا يليق أن نخلط بين الطوائف المختلفة، و لا أن نسمح لمثل هؤلاء الرجال بالنفاذ الى المراتب العليا، لا لسبب إلا أنهم يستطيعون أن يحتلوا مراكز من ولدوا ليملئوها ((يريدون بذلك اليهود، لاعتقادهم باحتكار السيادة و العبقرية لهم أصلاً من عند الله، فإذا ظهرت لغيرهم، فهى عارضة أو بالمصادفة لا أصيلة، و يجب عليهم حربها لأنهل خطر عليهم، و أن قوة العبقرية فوق كل قوة)) ؛ و أنتم تعرفون بأنفسكم كيف كان هذا الأمر شؤماً على الأمميين، إذ رضخوا للفكرة ذات الحماقة المطلقة القاضية بعدم التفرقة بين الطبقات الاجتماعية.
و لكى ينال ملكنا مكانة وطيدة فى قلوب رعاياه، يتحتم أثناء حكمه أن تتعلم الأمة، سواء فى المدارس و الأماكن العامة أهمية نشاطه و فائدة مشروعاته.
إننا سنمحو كل أنواع التعليم الخاص. و فى أيام العطلات سيكون للطلاب و آبائهم الحق فى حضور اجتماعات فى كلياتهم كما لو كانت هذه الاجتماعات أحاديث تبدو كأنها خطب حرة فى مسائل معاملات الناس بعضهم بعضاً، و فى القوانين، و فى أخطاء الفهم التى هى على العموم نتيجة تصور زائف خاطئ لمركز الناس الاجتماعى. و أخيراً سيعطون دروساً فى النظريات الفلسفية الجديدة التى لم تنشر بعد على العالم. هذه النظريات سنجعلها عقائد للإيمان، متخذين منها مستنداً Stepping – stone على صدق إيماننا و ديانتنا.
و حينما أنتهى من رحلتكم خلال برنامجنا كله - و بذلك سنكون قد فرغنا من مناقشة كل خططنا فى الحاضر و المستقبل - عندئذ سأتلوا عليكم خطة تلك النظريات الفلسفية الجديدة. و نحن نعرف من تجارب قرون كثيرة أن الرجال يعيشون و يهتدون بأفكار، و أن الشعب إنما يلقن هذه الأفكار عن طريق التربية التى تمد الرجال فى كل العصور بالنتيجة ذاتها، و لكن سنراقب ما قد بقى من ذلك الاستقلال الفكرى الذى نستغله استغلالاً تاماً لغاياتنا الخاصة منذ زمان مضى. و لقد وضعنا من قبل نظام إخضاع عقول الناس بما يسمى نظام التربية البرهانية Demonstrative education ((المراد بالتربية البرهانية أو التعليم بالنظر، تعليم الناس الحقائق عن طريق البراهين النظرية و المناقشات الفكرية، و المضاربات الذهنية لا التعليم عن طريق ملاحظة الأمثلة و إجراء التجارب عليها للوصول الى الحقائق أو القواعد العامة. و التربية فى أكثر مدارسنا برهانية تهتم بإثبات الحقيقة بالبرهان النظرى فقط، و من شأن هذه الطريقة أن تفقد الإنسان ملكة الملاحظة الصادقة، و الاستقلال فى إدراك الحقائق، و فهم الفروق الكبيرة أو الصغيرة بين الأشياء المتشابهة ظاهراً. و هى على العكس من طريقة التربية بالمشاهدة و الملاحظة و دراسة الجزئيات، و هذه الطريقة الأخيرة تعود الإنسان على حسن الملاحظة و الاستقلال الفكرى و التمييز الصحيح بين الأشياء. و التربية البرهانية غالباً استدلالية، و الثانية غالباً استقرائية تجريبية. و لم تتقدم العلوم و تنكشف الحقائق منذ عصر النهضة إلا باتباع الطريقة الاستقرائية التجريبية. و ضرر التربية البرهانية أكثر من نفعها، فهى تمسح العقل و تمد له فى الغرور و العمى و الكسل و التواكل)) - التعليم بالنظر - الذى فرض فيه أن يجعل الأمميين غير قادرين على التفكير باستقلال، و بذلك سينتظرون كالحيوانات الطيعة برهاناً على كل فكرة قبل أن يتمسكوا بها. و إن واحداً من أحسن وكلائنا فى فرنسا و هو بوروى Bouroy: واضع النظام الجديد للتربية البرهانية.
أن احتراف القانون يجعل الناس يشبون باردين قساة عنيدين, و يجردهم كذلك من كل مبادئهم, و يحملهم على أن ينظروا إلى الحياة نظرة غير إنسانية بل قانونية محضة. انهم صاروا معتادين أن يروا الوقائع ظاهرة من وجهة النظر إلى ما يمكن كسبه من الدفاع. لا من وجهة النظر إلى الأثر الذي يمكن أن يكون لمثل هذا الدفاع في السعادة العامة. لا محامي يرفض أبدا الدفاع عن أي قضية, أنه سيحاول الحصول على البراءة بكل الأثمان بالتمسك بالنقط الأحتيالية الصغيرة في التشريع, و بهذه الوسائل سيفسد ذمة المحكمة.
و لذلك سنجد نطاق عمل هذه المهنة، و سنضع المحامين على قدم المساواة مع الموظفين المنفذين, و المحامون مثلهم مثل القضاة لن يكون لهم الحق في أن يقابلوا عملاءهم, و لن يتسلموا منهم مذكراتهم إلا حينما يعينون لهم من قبل المحكمة القانونية، و سيدرسون مذكرات عن عملاءهم بعد أن تكون النيابة قد حققت معهم, مؤسسين دفاعهم عن عملاءهم على نتيجة هذا التحقيق, و سيكون أجرهم محدودا دون اعتبار بما إذا كان الدفاع ناجحا أو لا. انهم سيكونون مقررين بسطاء لمصلحة العدالة, معادلين النائب الذي سيكون مقررا لمصلحة النيابة.
و هكذا سنختصر الإجراءات القانونية اختصارا يستحق الاعتبار, و بهذه الوسائل سنصل إلى دفاع غير متعصب, و لا منقاد للمنافع المادية بل ناشئ عن اقتناع المحامي الشخصي, كما ستفيد هذه الوسائل أيضا في وضع حد لأي رشوة أو فساد يمكن أن يقعا اليوم في المحاكم القانونية في بعض البلاد.
و قد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين من الأمميين في أعين الناس, و بذلك نجحنا في الأضرار برسالتهم التي يمكن أن تكون عقبة في طريقنا. و أن نفوذ رجال الدين على الناس يتضاءل يوما فيوما. اليوم تسود حرية العقيدة في كل مكان, و لن يطول الوقت إلا سنوات قليلة حتى تنهار المسيحية بددا انهيار تاما. و سيبقى ما هو أيسر علينا للتصرف مع الديانات الأخرى*((* أن استطاع اليهود القضاء على المسيحية كان قضاؤهم على الديانات الأخرى أيسر, لأن أتباع المسيحية أكثر عددا و أعظم قوة, وهم لذلك يختصونها بالجانب الأكبر من حربهم, وهم يهدفون إلى تنصيب باباوات الكنائس المسيحية من مسيحيين أصلهم يهود < اليوم بابا الفاتيكان مسيحي من أصل يهودي و هذا يدل على نجاح مخططاتهم حتى الآن.>.))، على أن مناقشة هذه النقطة أمرا سابق جدا لأوانه.
سنقصر رجال الدين و تعاليمهم له على جانب صغير جدا من الحياة, و سيكون تأثيرهم وبيلا سيئا على الناس حتى أن تعاليمهم سيكون لها أثر مناقض للأثر الذي جرت العادة بأن يكون لها.
حينما يحين لنا الوقت كي نحطم البلاط البابوي تحطيما تاما فان يدا مجهولة, مشيرة إلى الفاتيكان ستعطي إشارة الهجوم, و حينما يقذف الناس أثناء هيجانهم بأنفسهم على الفاتيكان سنظهر نحن كحماة لوقف المذابح. و بهذا العمل سننفذ إلى أعماق قلب هذا البلاط, و حينئذ لن يكون لقوة على وجه الأرض أن تخرجنا منه حتى نكون قد دمرنا السلطة البابوية. أن ملك إسرائيل سيصير البابا الحق للعالم, و بطريرك الكنيسة الدولية.
و لن نهاجم الكنائس القائمة الآن حتى تتم إعادة تعليم الشباب عن طريق عقائد مؤقتة جديدة, ثم عن طريق عقيدتنا الخاصة, بل سنحاربها عن طريق النقد الذي كان و سيظل ينشر الخلافات بينها, و بالإجمال ستفضح صحافتنا الحكومات و الهيئات الأممية الدينية و غيرها عن طريق كل أنواع المقالات البذيئة, لنخزيها و نحط من قدرها إلى مدى بعيد لا تستطيعه إلا أمتنا الحكيمة.
أننا سنعرف كل شئ بدون مساعدة البوليس الرسمي. الذي بلغ من إفسادنا إياه على الأمميين أنه لا ينفع الحكومة إلا في أن يحجبها عن رؤية الحقائق الواقعية. و سيستميل برنامجنا فريقا ثالثا من الشعب لمراقبة ما قد ينبغي من إحساس خالص بالواجب و من مبداء الخدمة الحكومية الاختيارية.
و يومئذ لن يعتد التجسس عملا شائنا, بل على العكس من ذلك سينظر إليه كأنه عمل محمود. و من الجهة الأخرى سيعاقب مقدموا البلاغات الكاذبة عقابا صارما, حتى يكف أصحاب البلاغات عن استعمال حصانتهم استعمالا سيئا.
و سيختار وكلائنا من بين الطبقات العليا و الدنيا على السواء, و سيتخذون من بين الإداريين و المحررين و الطابعين و الكتبة و العمال و الخدم, و أمثالهم. و هذه القوة البوليسية لن تكون لها سلطة تنفيذية مستقلة, ولن يكون لها الحق في اتخاذ إجراءات حسب رغبتها الخاصة, و إذن فسينحصر واجب هذا البوليس الذي لا نفوذ له انحصارا تاما في العمل كشهود و في تقديم بلاغات و سيعتمد في فحص بلاغاتهم مضبوطا تهم الفعلية على فرق من مفتشي البوليس المسئولين, و سيجري فحص مضبوطا تهم الفعلية على أيدي الجندرمه و ليس بوليس المدينة. و إذا حدث تقصير في تبليغ أي مخالفة تتعلق بالأمور السياسية فإن الشخص الذي كان عليه تبليغها سيعاقب بتهمة الإخفاء العمد للجريمة, إذا كان ممكنا إثبات أنه مجرم بمثل هذا الإخفاء. و على مثل هذه الطريقة يجب أن يتصرف إخواننا الآن. و هكذا يكون واجب رعايانا في حكومتنا العالمية أن يخدموا حكامهم بإتباع الأسلوب السابق الذكر.
و من الوسائل العظيمة الخطورة لإفساد هيئات الأمميين, أن نسخر وكلاء ذوي مراكز عالية يلوثون غيرهم خلال نشاطهم الهدام بأن يكشفوا و ينموا ميولهم الفاسدة الخاصة, كالميل إلى إساءة استعمال السلطة و الإطلاق في استعمال الرشوة.
حينما يتاح لنا الوقت كى نتخذ إجراءات بوليسية خاصة بأن نفرض قهراً نظام " أكهرانا - Okhrana " الروسى الحاضر (أشد السموم خطراً على هيبة الدولة) - حينئذ سنثير اضطرابات تهكمية بين الشعب، أو نغريه بإظهار السخط المعطل Protracted و هذا ما يحدث بمساعدة الخطباء البلغاء. إن هؤلاء الخطباء سيجدون كثيراً من الأشياع Sympathizers ((أى من يشاركونهم مشاركة وجدانية فى إحساسهم و نزعاتهم))، و بذلك يعطوننا حجة لتفتيش بيوت الناس، و وضعهم تحت قيود خاصة، مستغلين خدمنا بين بوليس الأمميين. و إذ أن المتآمرين مدفوعون بحبهم هذا الفن: فن التآمر، و حبهم الثرثرة - فلن نمسهم حتى نراهم على أهبة المضى فى العمل. و سنقتصر على أن نقدم من بينهم - من أجل الكلام - عنصراً إخبارياً Reporting element. و يجب أن نذكر أن السلطة تفقد هيبتها فى كل مرة تكتشف فيها مؤامرة شعبية ضدها. فمثل هذا الاكتشاف يوحى الى الأذهان أن تحدس و تؤمن بضعف السلطة، و بما هو أشد خطراً من ذلك ؛ و هو الاعتراف بأخطائها. و يجب أن يعرف أننا دمرنا هيبة الأمميين الحاكمين متوسلين بعدد من الاغتيالات الفردية التى أنجزها وكلاؤنا: و هم خرفان قطيعنا العميان الذين يمكن بسهولة إغرائهم بأى جريمة، مادامت هذه الجريمة ذات طابع سياسى. ((يفرق فى الأمم لاسيما الديمقراطية بين الجريمتين العادية و السياسية إطلاقاً، فيترخص مع الثانية فى العقاب دون الأولى.. و الحق أن التفرقة بينهما من أعوص المشكلات و أدقها أمام رجال القانون فقهاء و قضاة و محامون و غيرهم. و من الواجب التفرقة بين العادية الخالصة، فقد تظهر الجريمة سياسية و ليس لها من السياسة إلا الطابع لا الجوهر، و إن اتخاذها الصورة السياسية يهون على صاحبها ارتكابها، إذ يجعله فى نظر نفسه و نظر الناس بطلاً، بينما هو فى دخيلة نفسه ممسوخ الطبيعة ملتوى العقل، شرير بفطرته، و إن إجرامه كامن يكفى أن يهيجه فيه أن الجريمة سياسية الطابع، و لا بأس بالترخص مع الجريمة السياسية عنصراً و طابعاً يرتكبها إنسان فاضل تكرهه الظروف إكراهاً على ارتكابها و هو فى ذاته أريحى كريم نبيل الدوافع أولاً، و مسوغ الغاية بعد ذلك. و الأمر الذى يجب أن يدرس أولاً هو الدوافع ثم الغاية، لأن الدوافع لا الغايات هى محركات الحياة، و رب جريمة يفلت المجرم فيها من العقاب و هو مجرم بفطرته، لأنه يرتكبها باسم العدل أو باسم المحافظة على الأمن أو نحو ذلك، كما فعل عبيد الله بن زياد و أعوانه مع الحسين، و كما يفعل كثير من أولى الأمر مع المحكومين فى بعض البلاد، منذ قام الحكم بين الناس، و كذلك يفعل كثير من المدرسين أو الآباء مع الصغار، و نحو ذلك)) إننا سنكره الحاكمين على الاعتراف بضعفهم بأن يتخذوا علانية إجراءات بوليسية خاصة، " أكهرانا Okhrana " و بهذا سنزعزع هيبة سلطاتهم الخاصة. و إن ملكنا سيكون محمياً بحرس سرى جداً، إذ لن نسمح لإنسان أن يظن أن تقوم ضد حاكمنا مؤامرة لا يستطيع هو شخصياً أن يدمرها، فيضطر خائفاً الى إخفاء نفسه منها. فإذا سمحنا بقيام هذه الفكرة - كما هى سائدة بين الأمميين - فإننا بهذا سنوقع صك الموت لملكنا: إن لم يكن موته هو نفسه فموت دولته Dynasty ((المراد بالدولة ليس رقعة الأرض المحكومة أو الناس عليها، و إنما سلسلة الحاكمين المنتسبين إليها مثل أمية فى الدولة الأموية، و العباس فى الدولة العباسية، و فاطمة فى الدولة الفاطمية)). و بالملاحظة الدقيقة للمظاهر سيستخدم ملكنا سلطته لمصلحة الأمة فحسب، لا لمصلحته هو و لا لمصلحة دولته. و بالتزامه مثل هذا الأدب سيمجد رعاياه و يفدونه بأنفسهم: إنهم سيقدسون سلطة الملك Sovereign مدركين أن سعادة الأمة منوطة بهذه السلطة " لأنها عماد النظام العام ". إن حراسة الملك جهاراً تساوى الاعتراف بضعف قوته. و إن حاكمنا دائماً وسط شعبه، و سيظهر محفوفاً بجمهور مستطلع من الرجال و النساء يشغلون بالمصادفة - دائماً حسب الظاهر - أقرب الصفوف إليه ((أى هذا الحرس سيكون سرياً لا يحمل شارات تدل عليه فيسير حول الملك فى مسيرته و كأن الملك بلا حرس بين رعيته، فيعتقد الناس الذين يجهلون هذا السر أن الملك بلغ من ثقته بالشعب و من حب الشعب إياه أنه لا يخاف من مسيرته بين رعيته مجرداً من الحراس)) مبعدين بذلك عنه الرعاع، بحجة حفظ النظام من أجل النظام فحسب. و هذا المثل سيعلم الآخرين محاولة ضبط النفس. و إذا وجد صاحب ملتمس بين الناس يحاول أن يسلم الملك ملتمساً، و يندفع خلال الغوغاء، فإن الناس الذين فى الصفوف الأولى سيأخذون ملتمسه، و سيعرضونه على الملك فى حضور صاحب الملتمس لكى يعرف كل إنسان بعد ذلك أن كل الملتمسات تصل الملك، و أنه هو نفسه يصرف كل الأمور. و لكى تبقى هيبة السلطان يجب أن تبلغ منزلتها من الثقة الى حد أن يستطيع الناس أن يقولوا فيما بين أنفسهم: " لو أن الملك يعرفه فحسب " أو " حينما يعرفه الملك " ((المعنى أن الناس سيقولون: لو أن الملك يعرف هذا الضرر المشكو منه لما وافق عليه أو لعاقب عليه إذا كان جرى، و حاول إزالة آثاره الضارة، و حينما يعرف الملك هذا الأمر سيعمل لما فيه الخير و المصلحة من وجهة نظر صاحبه)). إن الصوفية Mysticism التى تحيط بشخص الملك تتلاشى بمجرد أن يرى حرس من البوليس موضوع حوله. فحين يستخدم مثل هذا الحرس فليس على أى مغتال Assassin إلا أن يجرب قدراً معينا من الوقاحة و الطيش كى يتصور نفسه أقوى من الحرس، فيحقق بذلك مقدرته، و ليس عليه بعد ذلك إلا أن يترقب اللحظة التى يستطيع فيها القيام بهجوم على القوة المذكورة. إننا لا ننصح الأمميين (غير اليهود) بهذا المذهب و أنتم تستطيعون أن تروا بأنفسكم النتائج التى أدى إليها اتخاذ الحرس العلنى. أن حكومتنا ستعتقل الناس الذين يمكن أن تتوهم منهم الجرائم السياسية توهماً عن صواب كثير أو قليل. إذ ليس أمراً مرغوباً فيه أن يعطى رجل فرصة الهرب مع قيام مثل هذه الشبهات خوفاً من الخطأ فى الحكم. و نحن فعلاً لن نظهر عطفاً لهؤلاء المجرمين. و قد يكون ممكناً فى حالات معينة أن نعتد بالظروف المخففة Attenuating circumstances عند التصرف فى الجنح Offences الإجرامية العادية، و لكن لا ترخص و لا تساهل مع الجريمة السياسية، أى لا ترخص مع الرجال حين يصيرون منغمسين فى السياسة التى لن يفهمها أحد إلا الملك، و أنه من الحق أنه ليس كل الحاكمين قادرين على فهم السياسة الصحيحة.
إننا سنحرم على الأفراد أن يصيروا منغمسين فى السياسة، لكننا من جهة أخرى، سنشجع كل نوع لتبليغ الاقتراحات أو عرضها مادامت تعمل على تحسين الحياة الاجتماعية و القومية كى توافق عليها الحكومة، و بهذه الوسيلة إذن سنعرف أخطاء حكومتنا و المثل العليا لرعايانا، و سنجيب على هذه الاقتراحات إما بقبولها، و إما بتقديم حجج قوية - إذا لم تكن مقنعة - للتدليل على تصور قصير النظر للأمور.
إن الثورة Sedition ليست أكثر من نباح كلب على فيل، ففى الحكومة المنظمة تنظيماً حسناً من وجهة النظر الاجتماعية لا من وجهة النظر الى بوليسها، ينبح الكلب على الفيل من غير أن يحقق قدرته. و ليس على الفيل الا أن يظهر قدرته بمثل واحد متقن حتى تكف الكلاب عن النباح، و تشرع فى البصبصة ((بصبص الكلب اذا حرك ذنبه لإظهار خضوعه أو غير ذلك)) بأذنابها عندما ترى الفيل.
و لكى ننزع عن المجرم السياسى تاج شجاعته سنضعه فى مراتب المجرمين الآخرين بحيث يستوى مع اللصوص و القتلة و الأنواع الأخرى من الأشرار المنبوذين المكروهين.
و عندئذ سينظر الرأى العام عقليا الى الجرائم السياسية فى الضوء ذاته الذى ينظر فيه الى الجرائم العادية، و سيصمها وصمة العار و الخزى التى يصم بها الجرائم العادية بلا تفريق.
و قد بذلنا أقصى لصد الأمميين (غير اليهود) عن اختيار هذا المنهج الفريد فى معاملة الجرائم السياسية. و لكى نصل الى هذه الغاية - استخدمنا الصحافة و الخطابة العامة، و كتب التاريخ المدرسية الممحصة بمهارة، و أوحينا إليهم بفكرة أن القاتل السياسى شهيد، لأنه مات من أجل فكرة السعادة السياسية. و إن مثل هذه الإعلان قد ضاعف عدد المتمردين، فانتفخت طبقات وكلائنا بآلاف من الأمميين.
سأتكلم اليوم فى برنامجنا المالى الذى تركته الى نهاية تقريرى. لأنه أشد المسائل عسراً، و لأنه يكون المقطع النهائى فى خططنا. و قبل أن أناقش هذه النقطة سأذكركم بما أشرت من قبل إليه، و أعنى بذلك أن سياستنا العامة متوقفة على مسألة أرقام.
حين نصل الى السلطة فإن حكومتنا الأوتقراطية - من أجل مصلحتها الذاتية - ستتجنب فرض ضرائب ثقيلة على الجمهور، و ستتذكر دائماً ذلك الدور الذى ينبغى أن تلعبه، و أعنى به دور الحامى الأبوى.
و لكن مادام تنظيم الحكومة سيتطلب كميات كبيرة من المال فمن الضرورى كل الضرورة أن تتهيأ الوسائل اللازمة للحصول عليه، و لذلك يجب أن نحاول بحرص عظيم بحث هذه المسألة، و أن نرى أن عبء الضرائب موزع بالقسط.
و بحيلة وفق القانون - سيكون حاكمنا مالكاً لكل أملاك الدولة " و هذا يوضع موضع التنفيذ بسهولة ". و سيكون قادراً على زيادة مقادير المال التى ربما تكون ضرورية لتنظيم تداول العملة فى البلاد.
و من هنا سيكون فرض ضرائب تصاعدية على الأملاك هو خير الوسائل لمواجهة التكاليف الحكومية، و هكذا تدفع الضرائب دون أن ترهق الناس و دون أن يفلسوا، و أن الكمية التى ستفرض عليها الضريبة ستتوقف على كل ملكية فردية.
و يجب أن يفهم الأغنياء أن واجبهم هو التخلى للحكومة عن جانب من ثروتهم الزائدة، لأن الدعامة المالية الضرورية للحكومة, و سترى هذه الطبقات أن الأغنياء هم حماة السلام و السعادة العامة، لأن الطبقات الفقيرة ستفهم أن الأغنياء ينفقون على وسائل إعدادها للمنافع الاجتماعية.
و لكيلا تبالغ الطبقات الذكية، أى دافعو الضرائب، فى الشكوى من نظام الضرائب الجديد - سنقدم لهم كشوفاً تفصيلية توضح طريق إنفاق أموالهم، و يستثنى منها بالضرورة الجانب الذى ينفق على حاجات الملك الخاصة و مطالب الإدارة.
و لن يكون للملك ملك شخصى، فإن كل شئ فى الدولة سيكون ملكاً له، إذ لو سمح للملك بحيازة ملك خاص فسيظهر كما لو كانت كل أملاك الدولة غير مملوكة له.
و أقارب الملك - إلا وارثه الذى ستتحمل الحكومة نفقاته - سيكون عليهم كلهم أن يعملوا موظفين حكوميين، أو يعملون عملاً آخر لينالوا حق امتلاك الثروة، و لن يؤهلهم امتيازهم بأنهم من الدم الملكى، لأن يعيشوا عالة على نفقة الدولة.
و ستكون هناك ضرائب دمغة تصاعدية على المبيعات و المشتريات، مثلها مثل ضرائب التركات Death duties. و إن أى نوع انتقال للملكية بغير الدمغة المطلوبة سيعد غير قانونى. و سيجبر الملك السابق Former على أن يدفع عمالة بنسبة مئوية Percentage على الضريبة من تاريخ البيع.
و يجب أن نسلم مستندات التحويل " للملكية " أسبوعياً الى مراقبى الضرائب المحليين Local مصحوبة ببلاغ عن الاسم و اللقب Surname لكل من المالكين الجديد و السابق، و العنوان الثابت لكل منهما أيضاً.
إن مثل هذا الإجراء سيكون ضرورياً من أجل المعاملات المالية حين تزيد على مقدار معين، أعنى حين تزيد على مقدار يعادل متوسط النفقات اليومية الضرورية الأولية Prime، و سيكون بيع الأشياء الضرورية مدموغاً Stamped بضريبة دمغة محدودة عادية.
و يكفى أن تحسبوا أنتم كم ضعفاً سيزيده مقدار هذه الضرائب على دخل حكومات الأمميين.
إن الدولة لابد لها من أن تحتفظ فى الاحتياطى بمقدار معين من رأس المال، و إذا زاد الدخل من الضرائب على هذا المبلغ المحدود فسترد الدخول الفائضة الى التداول. و هذه المبالغ الفائضة ستنفق على تنظيم أنواع شتى من الأعمال العامة.
و سيوكل توجيه هذه الأعمال الى هيئة حكومية. و بذلك ستكون مصالح الطبقات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصالح الحكومة و مصالح ملكهم، و سيرصد كذلك جزء من المال الفائض للمكافآت على الاختراعات و الانتاجات.
و من ألزم الضروريات عدم السماح للعملة Currency بأن توضع دون نشاط فى بنك الدولة إذا جاوزت مبلغاً معيناً ربما يكون القصد منه غرضاً خاصاً. إذا أن العملة وجدت للتداول. و إن أى تكديس للمال ذو أثر حيوى فى أمور الدولة على الدوام، لأن المال يعمل عمل الزيت فى جهاز الدولة، فلو صار الزيت عائقاً إذن لتوقف عمل الجهاز.
و ما وقع من جراء استبدال السندات بجزء كبير من العملة قد خلق الآن تضخماً يشبه ما وصفناه تماماً. و نتائج هذه الواقعة قد صارت واضحة وضوحاً كافياً.
و كذلك سننشئ هيئة للمحاسبة. كى تمكن الملك من أن يلتقى فى أى وقت حساباً كاملاً لخرج Expenditure الحكومة و دخلها. و ستحفظ كل تقريرات الشهر الجارى و المتقدم.
و الشخص الوحيد الذى لن تكون له مصلحة فى سرقة بنك الدولة، سيكون هو مالكه، و أعنى به الملك، و لهذا السبب ستوقف سيطرته كل احتمال للإسراف أو النفقة غير الضرورية. و إن المقابلات التى يميلها أدب السلوك - و هى مضيعة لوقت الملك الثمين - ستكون معدومة، لكى تتاح له فرصة عظمى للنظر فى شئون الدولة. و لن يكون الملك فى حكومتنا محوطاً بالحاشية الذين يرقصون عادة فى خدمة الملك من أجل الأبهة، و لا يهتمون إلا بأمورهم الخاصة مبتعدين جانباً عن العمل لسعادة الدولة ((من المؤسف أن كثيراً من الحكام فى الأمم المتأخرة يحاطون بأمثال هذه الحاشية من الإمعات و الانتهازيين الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الذاتية، مثلهم مثل كلاب الصيد التى لا يهمها لمصلحتها إلا إرضاء سادتها، و ليسوا على شئ من قوة الخلق و لا المقدرة السياسية، و لا الإخلاص للمصحة العامة، و لا مصلحة سادتهم الحقيقية المرتبطة بمصلحة شعوبهم)).
إن الأزمات الاقتصادية التى دبرناها بنجاح فى فى البلاد الأمميية (غير اليهودية) - قد أنجزت عن طريق سحب العملة من التداول، فتراكمت ثروات ضخمة، و سحب المال من الحكومة التى اضطرت بدورها الى الاستنجاد بملاك هذه الثروات لإصدار قروض، و لقد وضعت هذه القروض على الحكومات أعباء ثقيلة اضطرتها الى دفع فوائد المال المقترض مكبلة بذلك أيديها.
و إن تركز الإنتاج فى أيدى الرأسمالية قد امتص قوة الناس الإنتاجية حتى جفت، و امتص معها أيضاً ثروة الدولة.
و العملة المتداولة فى الوقت الحاضر لا تستطيع أن تفى بمطالب الطبقات العاملة، إذ ليست كافية للإحاطة بهم و إرضائهم جميعاً.
إن إصدار العملة يجب أن يساير نمو السكان، و يجب أن يعد الأطفال مستهلكى عملة منذ أول يوم يولدون فيه. و إن تنقيح العملة حيناً فحيناً مسألة حيوية للعالم أجمع.
و أظنكم تعرفون أن العملة الذهبية كانت الدمار للدول التى سارت عليها، لأنها لم تستطع أن تفى بمطالب السكان، و لأننا فوق ذلك قد بذلنا أقصى جهدنا لتكديسها و سحبها من التداول.
إن حكومتنا ستكون لها عملة قائمة على قوة العمل فى البلاد، و ستكون من الورق أو حتى من الخشب.
و سنصدر عملة كافية لكل فرد من رعايانا، مضيفين الى هذا المقدار عند ميلاد كل طفل، و منقصين منه عند وفاة كل شخص.
و ستقوم على الحسابات الحكومية حكومات محلية منفصلة و مكاتب إقليمية (ريفية).
و لكيلا تحدث مماطلات فى دفع الأموال المستحقة للحكومة، سيصدر الحاكم نفسه أوامر عن مدة دفع هذه المبالغ، و بهذا ستنتهى المحاباة التى تظهرها أحياناً وزارات المالية نحو دولة معينة ((من المؤسف أن بعض الحكومات تحتمل مماطلة كثير من الرأسماليين الأغنياء فى دفع الضرائب المفروضة عليهم حتى تضيع بمضى المدة، أو تصالحهم على دفع جزء منها و ترك جزء، على حين أنها تتشدد فى معاملة الصغار، و ربما يكون دفع الصغار الضريبة المطلوبة كافياً لتعطيل عملهم أو إفلاسهم و خراب بيوتهم)).
ستحفظ حسابات الدخل و الخرج معاً، لكى يمكن دائماً مقارنة كل منهما بالأخرى.
و الخطط التى سنتخذها لإصلاح المؤسسات المالية للأمميين (غير اليهود) ستقوم بأسلوب لن يمكن أن يلحظوه. فسنشير الى ضرورة الإصلاحات التى تتطلبها الحالة الفوضوية التى بلغتها الماليات الأممية. و سنبين أن السبب الأول لهذه الحالات السيئة للمالية يكمن فى حقيقة أنهم يبدءون السنة المالية بعمل تقدير تقريبى للميزانية الحكومية، و أن مقدارها يزداد سنة فسنة للسبب التالى: و هو أن الميزانية الحكومية السنوية تستمر متأخرة حتى نهاية نصف السنة، و عندئذ تقدم ميزانية منقحة، ينفق مالها بعامة فى ثلاثة أشهر، و بعد ذلك يصوت لميزانية جديدة، و فى نهاية السنة تقرر حسابات بتصفية الميزانية. إن الميزانية لسنة واحدة تقوم على جملة النفقة المتصلة فى السنة السابقة، و على ذلك فهناك عجز فى كل سنة نحو خميسن من مائة من المبلغ الاسمى. فتتضاعف الميزانية السنوية بعد عشر سنوات ثلاثة أضعاف. و بفضل هذا الإجراء الذى اتبعته الحكومات الأممية الغافلة استنفدت أموالهم الاحتياطية عندما حلت مواعيد الديون، و أفرغت بنوك دولتهم ((أى ما يسمى بنك الدولة، لا البنوك الأخرى الموجودة فى الدولة)) و جذبتهم الى حافى الإفلاس.
و سوف تفهمون سريعاً أن مثل هذه السياسة للأمور المالية التى أغرينا الأمميين باتباعها، لا يمكن أن تكون ملائمة لحكومتنا.
إن كل قرض ليبرهن على ضعف الحكومة و خيبتها فى فهم حقوقها التى لها. و كل دين - كأنه سيف دامو كليز Damocles ((كان هذا السيف معلقاً بشعرة فى السقف فوق رأس دامو كليز، و عرضة لأن يسقط عليه فى أى لحظة فيقتله)) - يعلق على رءوس الحاكمين الذين يأتون الى اصحاب البنوك منا، و قبعاتهم فى أيديهم، بدلاً من دفع مبالغ معينة مباشرة عن الأمة بطريقة الضرائب الوقتية.
إن القروض الخارجية مثل العلق الذى لا يمكن فصله من جسم الحكومة حتى يقع من تلقاء نفسه، أو حتى تتدبر الحكومة كى تطرحه عنها هذا العلق، بل هى بدلاً من ذلك، فإنها تزيد عدده، و بعد ذلك كتب على دولتهم أن تموت قصاصاً من نفسها بفقد الدم. فماذا يكون القرض الخارجى إلا أنه علقة ؟ القرض هو إصدار أوراق حكومية توجب التزام دفع فائدة تبلغ نسبة مئوية من المبلغ الكلى للمال المقترض. فإذا كان القرض بفائدة قدرها خمسة من مائة، ففى عشرين سنة ستكون الحكومة قد دفعت بلا ضرورة مبلغاً يعادل القرض لكى تغطى النسبة المئوية. و فى أربعين سنة ستكون قد دفعت ضعفين، و فى ستين سنة ثلاثة أضعاف المقدار، و لكن القرض سيبقى ثابتاً كأنه دين لم يسدد.
ثابت من هذه الإحصائية أن هذه القروض تحت نظام الضرائب الحاضر (1901) تستنفذ آخر المليمات النهائية من دافع الضرائب الفقير، كى تدفع فوائد للرأسماليين الأجانب الذين اقترضت الدولة منهم المال، بدلاً من جمع الكمية الضرورية من الأمة مجردة من الفوائد فى صورة الضرائب.
و قد اكتفى الأغنياء - طالما كانت القروض داخلية - بأن ينقلوا المال من أكياس الفقراء الى أكياس الأغنياء، و لكن بعد أن رشونا أناساً لازمين لاستبدال القروض الخارجية بالقروض الداخلية - تدفقت كل ثروة الدول الى خزائننا، و بدأ كل الأمميين (غير اليهود) يدفعون لنا ما لا يقل عن الخراج المطلوب.
و الحكام الأمميون - من جراء إهمالهم، أو بسبب فساد وزرائهم أو جهلهم - قد جروا بلادهم الى الاستدانة من بنوكنا، حتى أنهم لا يستطيعون تأدية هذه الديون. و يجب أن تدركوا ما كان يتحتم علينا أن نعانيه من الآلام لكى تتهيأ الأمور على هذه الصورة.
سنحتاط فى حكومتنا حيطة كبيرة كى لا يحدث تضخم مالى، و على ذلك لن نكون فى حاجة الى قروض للدولة إلا قرضاً واحداً ذا فائدة قدرها واحد من المائة تكون سندات على الخزانة، حتى لا يعرض دفع النسبة المئوية البلاد لأن يمتصها العلق.
و ستعطى الشركات التجارية حق إصدار السندات استثناء. فإن هذه الشركات لن تجد صعوبة فى دفع النسبة المئوية من أرباحها، لأنها تقترض المال للمشروعات التجارية، و لكن الحكومات لا تستطيع أن تجنى فوائد من المال المقترض، لأنها إنما تقترض دائماً لتنفق ما أخذت من القروض ((لتلاحظ براعة هذه الخطة، فالشركات التجارية إنما تقترض للإنشاء و التعمير المربح، فيزداد بذلك رأس مالها بما تربح، و الحكومة تقترض للاستهلاك غالباً فتخسر بالقرض، و لكن ليلاحظ من ناحية أخرى خطأ هذه الفكرة, فإن الحكومات يطلب منها نحو الشعب خدمات أكثر مما يطلب أصحاب الأسهم والأمة من الشركات)).
و ستشترى الحكومة أيضاً أسهماً تجارية، فتصير بهذا دائنة بدل أن تكون مدينة و مسدودة للخراج Tribute كما هى الآن. و إن إجراء كهذا سيضع نهاية للتراخى و الكسل اللذين كانا مقيدين لنا طالما كان الأمميون (غير اليهود) مستقلين، و سيصيران بغيضين فى حكومتنا.
و يكفى للتدليل على فراغ عقول الأمميين المطلقة البهيمية حقاً، أنهم حينما اقترضوا المال منا بفائدة خابوا فى إدراك أن كل مبلغ مقترض هكذا مضافاً إليه فائدة لا مفر من أن يخرج من موارد البلاد. و كان أيسر لهم لو أنهم أخذوا المال من شعبهم مباشرة دون حاجة الى دفع فائدة. و هذا يبرهن على عبقريتنا، و على حقيقة أننا الشعب الذى اختاره الله. إن من الحنكة و الدربة أننا نعرض مسألة القروض على الأمميين فى ضوء يظنون معه أنهم وجدوا فيها الربح أيضاً.
إن تقديراتنا Esimates التى سنعدها عندما يأتى الوقت المناسب، و التى ستكون مستمدة من تجربة قرون، و التى كنا نمحصها عندما كان الأمميون يحكمون - إن تقديراتنا هذه ستكون مختلفة فى وضوحها العجيب عن التقديرات التى صنعها الأمميون، و سترهن للعالم كيف أن خططنا الجديدة ناجحة ناجعة. إن هذه الخطط ستقضى على المساوىء التى صرنا بأمثالها سادة الأمميين، و التى لا يمكن أن نسمح بها فى حكمنا، و سنرتب نظام ميزانيتنا الحكومية حتى لن يكون الملك نفسه و لا أشد الكتبة Clerks خمولاً فى مقام لا يلاحظ فيه اختلاسه لأصغر جزء من المال، و لا استعماله إياه فى غرض آخر غير الغرض الموضوع له فى التقدير الأول (فى الميزانية).
و يستحيل الحكم بنجاح إلا بخطة محكمة إحكاماً تاماً. حتى الفرسان و الأبطال يهلكون إذا هم اتبعوا طريقاً لا يعرفون الى أين يقودهم، أو إذا بدءوا رحلتهم من غير أن يتأهبوا الأهبة المناسبة لها.
إن ملوك الأمميين الذين ساعدناهم، كى نغريهم بالتخلى عن واجباتهم فى الحكومة، بوسائل الوكالات (عن الأمة) Representation و الولائم Entertainments و الأبهة و الملاهى الأخرى - هؤلاء الملوك لم يكونوا إلا حجباً لإخفاء مكايدنا و دسائسنا.
و إن تقريرات المندوبين الذين اعتيد إرسالهم لتمثيل الملك فى واجباته العامة قد صنعت بأيدى وكلائنا، و قد استعملت هذه التقريرات فى كل مناسبة كى تبهج عقول الملوك القصيرة النظر، مصحوبة - كما كانت - بمشروعات عن الاقتصاد فى المستقبل. " كيف ما استطاعوا أن يقتصدوا بضرائب جديدة ؟ " هذا ما استطاعوا أن يسألوا عنه قراء تقريراتنا التى يكتبونها عن المهام التى يقومون بها، و لكنهم لم يسألوا عنه فعلاً.
و أنتم أنفسكم تعرفون الى أى مدى من الاختلال المالى قد بلغوا بإهمالهم الذاتى. فلقد انتهوا الى الإفلاس رغم كل المجهودات الشاقة التى يبذلها رعاياهم التعساء.
ساحة النقاش