<!--
<!--<!--
1- عيسى يعلّم إبليس أنه لا سجود إلا لله، وأن الله هو الرب وحده سبحانه وتعالى:
في إنجيل متى فقرة 4:
(ثم صعد الروح بيسوع إلى البرية، ليجرّب من قبل إبليس، وبعدما صام أربعين نهاراً، وأربعين ليلة، جاع أخيراً، فتقدم إليه المجرب وقال له: "إن كنت ابن الله، فقل لهذه الحجارة أن تتحول إلى خبز!" فأجابه قائلاً: "قد كتب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله!" ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على حافة سطح الهيكل، وقال له: "إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك، فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر!" فقال له يسوع: "وقد كتب أيضاً لا تجرب الرب إلهك!".
ثم أخذه إبليس أيضاً إلى قمة جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم وعظمتها، وقال له: "أعطيك هذه كلها إن جثوت وسجدت لي!" فقال له يسوع: "اذهب يا شيطان! فقد كتب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد!".
فتركه إبليس، وإذا بعض الملائكة جاءوا وأخذوا يخدمونه).
وفي هذا النص من الأدلة على عبودية المسيح لله ما يلي:
1- أن روح القدس (وهو ملاك الرب الذي ينزل بالوحي من الله للأنبياء) أصعد عيسى إلى البرية ليمرنه ويجربه على عصيان إبليس والرد عليه، ويعرفه بأساليبه في الغواية ليحذرها، ويستحيل لو كان عيسى هو الله أو أنه الله كما تدعي النصارى أن يأخذه الملاك ليعلمه!! كيف يتقي شر الشيطان، فهل يحتاج خالق للسماوات والأرض إلى تعليم؟!
2- صام عيسى أربعين يوماً وليلة وجاع.. فهل الرب يصوم ويجوع!! أم أن الرب الإله لا بد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه.. قال تعالى في القرآن في بيان بطلان كون عيسى وأمه إلهين: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} فمن يحتاج إلى الطعام لا يكون إلهاً ورباً وخالقاً، لأن الإله الرب لا بد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه، ولا شك أن من يأكل من البشر ويشرب ويبول ويتغوط.. فهل يوصف الإله بذلك؟ أليس لمن يقول بألوهية المسيح وربوبيته من عقل يميزون بين الرب الإله الخالق المنزه عن كل نقص وبين الإنسان المحتاج الفقير العاجز؟؟
3- تقدم الشيطان إليه ليجربه بقوله له: إن كنت ابن الله حقاً اقلب هذه الأحجار إلى خبز.. أي لتأكل منها بعدما جعت، ورد عيسى عليه بأنه (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله). ومعنى أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان أي أن الحياة الحقيقية ليست بما يحيي الجسد فقط، وإنما الحياة الحقيقية بما يحيي الروح فمن آمن بالله وعمل بكلماته فهو الحي حقيقة، وأما الكافر الذي يعيش لبطنه فقط فهو ميت في ظاهر حي كما قال تعالى في القرآن: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} أي لا يستوي هذا وهذا.. فمن كان ميتاً أي بالكفر فأحيينا أي بالإيمان وجعلنا له نوراً أي هداية وشريعة يعرف بها الحلال من الحرام والحق من الباطل، والهدى من الضلال، والشرك من التوحيد، والصلاح من الفساد، ليس يستوي هذا ومن هو ضال لا يهتدي يعيش للدنيا فقط ولا يميز بين شرك وتوحيد، وهدي وضلال، وخير وشر.
معنى ابن الله كما ورد في النص:
4- ألفاظ ابن الله التي جاءت في الأناجيل والكتب المقدسة عند النصارى من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم فإن هذه اللفظة (ابن الله) استخدمت في عيسى، وفي أتباعه، وفي كل مؤمن بالله غير كافر به.. وقد ادعاها كل من اليهود والنصارى جميعاً كما قال تعالى في القرآن: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه}.
وهذه الكلمة تحتمل معنيين: بنوة الهداية، والإيمان، والتشريف، وهو ما يسمونه بالبنوة الروحية، ويقال في مقابلها: أبناء الشيطان، وأبناء الأفاعي كما جاء في الإنجيل في وصف اليهود: (يا أبناء الأفاعي)، والكل يعلم أنهم ليسوا أبناء الأفاعي من النسب، ولا الشيطان من الصلب، وإنما نسبوا إلى الأفاعي لمكرهم وخطرهم، وسمومهم، وإلى الشيطان لتلبيسهم، وكذبهم.
والنسبة إلى الله بالأبناء للهداية، والتوفيق، والعمل بشريعة الله، والسير على هداه، والإستضاءة بنوره المنزل على عباده المرسلين.
والمعنى الثاني نبوة النسب، والإبن الذي هو قطعة من أبيه، وبضعة منه.
ولا شك عند كل ذي لب، وإيمان، وبصيرة، وتمييز بين الخالق، والمخلوق أن المعنى الثاني منتف عن الله سبحانه وتعالى، فليس بين الله وأحد من خلقه بنوة نسب قط، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإذا كانت هذه اللفظة: (ابن الله) دائرة في المعنى بين بنوة الشريف، والإيمان، والتقديس، والمحبة.. وبين بنوة النسب، والولادة، والجزئية، فتكون هذه اللفظة هنا من المتشابه الذي يجب أن يحمل على المحكم الذي لا يتغير معناه، واللفظ المحكم هو ما لا يكون معناه إلا واحداً، ولا يختلف أهل اللسان فيه، ولا أهل العقل حول حقيقة معناه.
ونحن نورد هنا عشرات من الأدلة من الإنجيل نفسه أن لفظ (ابن الله) الوارد في الأناجيل، وفي كتب رسل المسيح -عليه السلام- ما أريد بها إلا بنوة التشريف، والتقديس، والرفعة، والمحبة، وأنها لا تنتمي إلى بنوة النسب، والولادة بأي حال تعالى الله عما يقول الجاهلون الكافرون الضالون علواً كبيراً.
فقول إبليس المتكرر.. (إن كنت ابن الله) هو من هذا الباب. ومن ذلك قول عيسى لتلاميذه:- (وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويضطهدونكم لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات) (متى 6/45).
وقوله عليه السلام: (فعندما تصلي فادخل غرفتك، وأغلق عليك بابك، وصل إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يكافئك) (متى 6/7).
ومثل هذا كثير جداً من الكلام المنسوب إلى المسيح عليه السلام، وكله شاهد أنه كان يستعمل اسم (الأب) في التعبير عن الله بمعنى المربي، والذي يكلأ عباده المؤمنين وليس بمعنى أبوة النسب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
5- قول إبليس لعيسى: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر"!! فقال عيسى: (وقد كتب أيضاً: لا تجرب الرب إلهك)!! .
في هذا النص إقرار عيسى لإبليس على النص السابق من كلام الله، وأنه هو المقصود به، وإذا كان هو المقصود بذلك، فكيف يكون هو ابن الله أو الله كما يدعون ويزعمون أن صفاته وأعماله هي صفات الرب وأعماله ثم يقال عنه: (يوصي ملائكته بك)!!
فهل يحتاج الإله الرب أن يُوَصَّى عليه، وأن يكون الملائكة حفظٌ له، وحماية له ألا يصطدم قدمه بحجر!!، وهل يكون من يحتاج أن تحميه الملائكة من السقوط إلا عبداً محتاجاً ذليلاً فقيراً؟!!
6- قول عيسى –عليه السلام- رداً على إبليس وقد كتب أيضاً: "لا تجرب الرب إلهك"!!
فهذا من أعظم الأدلة على أن عيسى يعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو ربه، وهو إلهه وأنه لا يحسن به أن يجربه بمعنى أن يطلب منه شيئاً لينظر أيقدر عليه أم لا؟ فإذا كان عيسى –عليه السلام- هو الله كما يزعمون فمن يجرب؟! هل يجرب أباه؟! فينظر أيحميه من الحجارة أم لا؟ أم يجرب نفسه فينظر هل يستطيع إذا قفز من فوق الهيكل أن يحمي نفسه من السقوط أم لا؟ تباً لعقول تقرأ ولا تفقه!!.
هل هناك أصرح من هذا الدليل في أن عيسى -عليه السلام- يتبرأ من الحول، والقوة، ويجعل الله وحده هو صاحب الحول، والقوة، وأنه هو وحده ربه وإلهه.
7- دعوة إبليس للمسيح -عليه السلام- أن يسجد له!! وقوله له بعد أن أراه من فوق جبل عال جداً جميع ممالك العالم، وعظمتها: "أعطيك هذه كلها إذا جثوت، وسجدت لي"! وقول عيسى عليه السلام رداً عليه: (اذهب يا شيطان، وقد كتب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) فيه من الأدلة على فساد معتقد النصارى في ألوهية المسيح وربوبيته الشيء الكثير فمن ذلك:-
أ- عرض إبليس عليه ممالك الدنيا، وإيراءه إياها، واطلاعه عليها، ولو كان عيسى هو الله، أو ابن الله لقال له: أنا مالكها، وخالقها، وهي لي، وتحت تصرفي؟ بل ما كان لإبليس أن يتجرأ أصلاً ليقول للإله، أعطيك هذه إن سجدت لي!!..
ب- عجباً أن يأمر إبليس خالق السماوات والأرض أن يسجد له!! ألا يستحي النصارى وهم يقرأون هذا الكلام!! ألا يستحون أن من يعتقدون فيه الألوهية، والربوبية أن يصحبه إبليس، ويعرض عليه السجود له مقابل أن يملكه الدنيا.
ج- لو كان عيسى هو الله أو ابن الله لما كان رده على عرض إبليس هذا أن يقول: لا قد نزل في كتب الأنبياء السابقين: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".
هل هناك أصرح من هذا في أن عيسى دعا إلى عبادة لله خالق السماوات، والأرض، وأن عيسى لا يعبد إلا الله، ولا يسجد إلا له سبحانه وتعالى.
يكفي هذا الدليل لكل من يريد بصيرة في الدين أن عيسى عليه السلام جاء ليقول كما قال الله عنه: {وقال المسيح يا بني إسرائيل: اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.
د- يأس الشيطان من عيسى، وذهابه عنه، وعدم قدرته عليه حق لعصمة الله له تحقيقاً لقول امرأة عمران أم مريم عندما وضعت مريم: {رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم.. وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}، وليس من ذرية مريم إلا عيسى عبدالله ورسوله، وقد أعاذه الله الشيطان الرجيم صغيراً وكبيراً.
8- وقول الإنجيل: "فتركه إبليس، وإذا بعض الملائكة جاءوا إليه وأخذوا يخدمونه" دليل جديد على عبودية المسيح، فالذي يحتاج إلى الخدمة هو العبد الفقير المحتاج، وهم جاءوه، ولم يستدعهم، وهذا مما يدل على أن الله أرسلهم إليه، وهم كانوا يخدمونه، ولم يأتوا ليعبدوه، والرب سبحانه وتعالى تعبده الملائكة، ولا تخدمه، لأنه الحي القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره، فالملائكة تحتاجه، وهي فقيرة إليه، وأما هو فغني عن الجميع سبحانه وتعالى.
ساحة النقاش