<!--<!--<!--

سلمنا لكم بأن الإسلام يشتمل على جميع الأسس الصالحة للحياة ، وأنه دين الأجيال كافة والمجتمعات كافة ، ولكن الفقه الإسلامي في المسائل الاقتصادية قد تعطل في القرون الأربعة الأخيرة بسبب انكماش العالم الإسلامي . فلماذا لا نأخذ الإسلام عقيدة تهذب الضمائر وتنظف الأفكار ، ونأحذ الشيوعية نظاماً اقتصادياً بحتاً لا صلة له بأي شيء آخر في نظام الدولة وكيان المجتمع ، فنكون بذلك قد حافظنا على أخلاقنا وتقاليدنا وعاداتنا ، وأخذنا بأحدث النظم في عالم الاقتصاد ؟

شبهة خبيثة يلعب بها الشيوعيون منذ عهد بعيد . فقد كانوا بدأوا نشاطهم في الشرق بمحاربة الإسلام جهرة ، وإذاعة الشبهات حوله ، فلما وجدوا ذلك قد زاد المسلمين تمسكاً بإسلامهم لجأوا إلى هذا الباب الماكر فقالوا : إن الشيوعية لا تتعارض مع الإسلام ، فهي في صميمها عدالة اجتماعية ، وكفالة من الدولة لكل أفراد الشعب ، فهل يكره الإسلام العدالة الاجتماعية ؟ !

نفس الطريقة الماكرة التي اتبعها الاستعمار الغربي من قبل . بدأوا بمهاجمة الإسلام ، فتنبه المسلمون وتيقظوا . ولم يكن ذلك هو المطلوب . فلجأوا إلى الطريق الآخر ، وقالوا للناس إن الغرب لا يهمه سوى إدخال " الحضارة " في الشرق . فهل الإسلام يكره الحضارة وهو أبو الحضارة ؟ !

تستطيعون أن تظلوا مسلمين - أي تصلوا وتصوموا وتقيمون الأذكار والطرق الصوفية - وتأخذوا في ذات الوقت بالحضارة الغربية . وكانوا يعلمون علم اليقين أنه حين يأخذ المسلمون بهذه الحضارة فلن يظلوا مسلمين ، وستطويهم تلك الحضارة الزائفة في أجيال قليلة فإذا هم على غير وعي منهم مستعبدون . وكذلك كان … ونشأت أجيال لا تعرف الإسلام بل تنفر منه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .

واليوم يكرر الشيوعيون نفس الخدعة . فلتظلوا أيها المسلمون في إسلامكم - تصلون وتصومون وتقيمون الأذكار والطرق الصوفية - ولن نتعرض لعقائدكم . كل همنا هو إدخال الشيوعية الإقتصادية ، وهي قطعة من صميم الإسلام تبلورت على يد علماء أوربا وشعوبها فلتتقبلوها مطمئنين ! وإنهم ليعلمون علم  اليقين أن المسلمين إن أخذوا بالشيوعية فلن يظلوا مسلمين ، وستطويهم الشيوعية في سنوات قليلة ( فنحن في عصر السرعة ) فإذا هم على غير وعي منهم منحرفون عن الإسلام منسلخون .

ومع ذلك فكثير من " المسلمين " تستهويهم هذه الخدعة الماكرة . لأنها تمثل لهم حلاً مريحاً ينقذهم من المشاكل ، ويريحهم من البحث والاستنباط وجهد البناء ، وهم قاعدون يحلمون ، كما يحلم السابحون في الملكوت على دخان الحشيش وانسجام الأفيون !

*     *     *

ونحب أن نقرر من حيث المبدأ أن الأصول الإسلامية العامة تقبل أن ينشأ على أساسها أي نظام تطبيقي يلبي الحاجات المتجددة للجماعة الإسلامية ما دام لا يخالف هذه الأصول .

ولكن الأمر الواقع أن الشيوعية لا تلتقي مع الأصول الإسلامية وإن التقت معها عرضاً في بعض جزئياتها ، وأنه لا يستطيع مجتمع مسلم ، يملك النظام الأفضل ، وأن يعدل عنه إلى الشيوعية أو غيرها من النظم كالرأسمالية أو الاشتراكية المادية ، ولو شابهته في بعض التفصيلات ، لأن الله يقول له صراحة : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " .

ولم يقل : ومن لم يحكم بمثل ما أنزل الله أو بشبيه بما أنزل الله !

*     *     *

وهل نستطيع حقاً أن نكون شيوعيين ثم نظل مسلمين ؟

إننا إذا طبقنا الشيوعية - الاقتصادية كما يسمونها - فلا بد أن تصطدم مع الإسلام من الوجهة التصورية والوجهة العملية كلتيهما ، ولا مناص من هذا الاصطدام .

فأما من الوجهة التصورية فهناك عدة أمور :

الأمر الأول : أن الشيوعية قائمة على فلسفة مادية بحتة . لا تؤمن إلا بما تراه الحواس فقط . وكل مالا تدركه الحواس فهو خرافة لا وجود لها ، أو على الأقل شيء ساقط من الحساب . يقول انجلز " إن حقيقة العالم تنحصر في ماديته " ويقول الماديون : " إن العقل ما هو إلا مادة تعكس الظواهر الخارجية " ويقولون كذلك إن ما يسمونه الروح " ليست جوهراً مستقلاً وإنما هي من نتاج المادة " . وهكذا نعيش مع الشيوعية في جو مادي خالص يسخر بالروحانيات ويعتبرها حقائق غير علمية ! والعقيدة الإسلامية تأبى أن تنحصر في هذا المحيط الضيق الذي يهبط بكرامة الإنسان ، و يحوله من كائن رفيع يسير على الأرض بجسمه وهو يتطلع إلى السماء بروحه وفكره ، إلى مخلوق مادي حيواني كل همه إشباع " المطالب الأساسية " التي حددها كارل ماركس بالغذاء والمسكن والإشباع الجنسي ! ولا يقولنّ أحد : إننا غير مقيدين بهذه الفكرة المادية ، ولا ملزمين بها إذا أخذنا الاقتصاد الشيوعي ، إذ ستظل لنا عقائدنا ، وإلهنا ورسلنا ، وروحانياتنا ، والاقتصاد كيان منفصل عن كل هؤلاء . لا يقولن ذلك أحد ، لأن الشيوعيين أنفسهم هم الذين قرروا استحالة ، إذا ربطوا ربطاً وثيقاً بين النظام الاقتصادي وبين العقائد والأفكار والفلسفات المصاحبة له ، على أساس أن النظام الاقتصادي هو الذي ينشىء العقائد والأفكار والفلسفات ، وإذن فلا يمكن لنظام اقتصادي قائم على فلسفة مادية صريحة ( كما يقرر إنجلز وماركس ) أن ينشىء فلسفة روحية أو ينسجم مع فلسفة روحية .

والشيوعيون – مثلاً - يؤمنون بالمادية الجدلية ، وبأن صراع المتناقضات هو وحده العنصر الكامن وراء التطور الاقتصادي والبشري ، من الشيوعية الأولى إلى الرق إلى الإقطاع إلى الرأسمالية إلى الشيوعية الثانية والأخيرة ، ويقرنون قيام الشيوعية الاقتصادية بصحة هذا المنطق الجدلي ، ويربطون ربطاً " علمياً " بين هذا وذاك . وهذه المادية الجدلية لا مكان فيها لتدخل الله في خط سير البشرية ، ولا مكان للرسل و رسالاتهم . لأن هذه الرسالات - في وهمهم - لا يكن أن تجيء سابقة للتطور الاقتصادي ولا منشئة له ، وإنما هي تجيء فقط في مكانها المرسوم من هذا التطور ، وبهذا تفقد قيمتها التوجيهية من وجهة النظر الإسلامية . وفضلاً عن ذلك فهذه المادية الجدلية التي تحصر أسباب كل التطورات البشرية في تغير وسائل الإنتاج تعجز عن تفسير ظهور الإسلام ذاته . فأي شيء كان قد تغيّر في وسائل الإنتاج في الجزيرة العربية أو في العالم أجمع قبل الإسلام ، فكان من نتيجته بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بنظامه الجديد ؟ !

كيف إذن يمكن التوفيق بين هذه النظرة وتلك ؟ وكيف لا تتأثر عقائد المسلمين الذين يؤمنون برعاية الله لخلقه ، وإرشاده لهم على يد رسله ، وبأن الإسلام لم يكن خاضعاً للضرورات الاقتصادية .. كيف لا تتأثر عقائدهم حين نأخذ بنظام اقتصادي نقول في كل مرحلة من مراحل تطوره إنه يتطور حسب صراع المتناقضات الذي لا مجال فيه لله ، ولا محرك له غير الضرورات الاقتصادية ؟ !

والأمر الثاني : أن الإنسان في عرف الفلسفة الشيوعية كائن سلبي لا إرادة له إزاء قوة المادة وقوة الاقتصاد . يقول كارل ماركس : " في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علاقات محدودة لا غنى عنها . وهي مستقلة عن إرادتهم . ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم ، ولكن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم " .

والإنسان في عرف الإسلام كائن إيجابي له إرادة - خاضعة بطبيعة الحال لإرادة الله - يقول القرآن : " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ( ) " فيقرر أن الإنسان هو القوة العليا في الأرض ، وأن القوى المادية والاقتصادية مسخرة لإرادته ، وليس هو المسخر لإرادتها . ومصداق ذلك هو الإسلام ذاته . فهو لا يسير حسب التطور الحتمي الذي يرسمه مبدأ المادية الجدلية . وحين كان الناس مسلمين - في صدر الإسلام - لم يشعروا أن التطور الاقتصادي قوة جبرية تخضعهم لها وهي " مستقلة عن  إرادتهم " كما يقول ماركس . وإنما أحسوا أنهم هم يصنعون الاقتصاد كما وجههم الله على يد رسوله ، وهم ينشئون العلاقات الاجتماعية على هدي الإسلام ، فيحررون الرقيق بغير موجب اقتصادي يحتم عليهم تحريره ويحولون دون الإقطاع مع أنه ظل قائماً مئات السنين في أوربا وفي غير العالم الإسلامي .

وحين نأخذ الاقتصاد الشيوعي ، فسنأخذ معه – حتماً - تلك الفلسفة التي تجعل الإنسان مترقباً للتطور الاقتصادي يأخذ سبيله " مستقلاً عن إرادة الناس " ولا يسعى ولا يفكر في تغييره بإرادته - أو بإرادة الإسلام - لأن هذا مستحيل !

والأمر الثالث هو ما أسلفناه في فصل " الملكية الفردية " من إستحالة الفصل بين أي نظام اقتصادي والفلسفة الاجتماعية الكامنة وراءه . فحين نأخذ الاقتصاد الشيوعي لا بد أن نأخذ معه الفلسفة الاجتماعية التي تقوم على أساس أن المجتمع هو الأصل والفرد لا كيان له إلا باعتباره فرداً في القطيع . وذلك مخالف في أساسه للتربية الإسلامية التي تعنى عناية شديدة بالفرد ، وتكل إليه - بعد تهذيب ضميره - القيام بتبعات المجتمع وهو شاعر أنه جزء حي مريد موجه ، يختار عمله بنفسه ، ويختار المكان الذي يعمل فيه ، ويملك حرية توجيه الحاكم والخروج عليه إذا خرج هذا الحاكم عن شرع الله . والإسلام - بهذه التربية الفردية داخل رقابة المجتمع - يقيم من كل فرد حارساً أخلاقياً يرعى أخلاق المجتمع ويحول دون وقوع المنكر فيه . وهو مالا يمكن - نفسياً وعملياً - أن يحدث حين يصبح الفرد ذرة تائهة في كيان المجتمع ، يطيع الدولة في شئون الاقتصاد ، ثم يطيعها - تبعاً لذلك - في جميع الأمور .

والأمر الأخير أن الفلسفة الشيوعية قائمة على أن العامل الاقتصادي هو الوحيد ، أو هو على الأقل صاحب الأولوية المطلقة في تصريف شئون المجتمع وإقامة علاقاته .

والعقلية الإسلامية لا تنكر أهمية الاقتصاد ، ولا ضرورة إقامة المجتمع على أسس اقتصادية سليمة ، ليمكن إقامة الفضائل الخلقية والاجتماعية فيه ولكنها مع ذلك لا تؤمن بأن الحياة كلها اقتصاد . ولا أن الحلول الاقتصادية تحل كل مشاكل المجتمع .

فهذان – مثلاً - شابان قد سوينا بينهما في الوضع الاقتصادي . ولكن أحدهما غارق - بطبيعة مزاجه - في الشهوات لا يكاد يفيق منها ، ولا يملك منها قياد نفسه ، والآخر مترفع يأخذ نصيبه المعقول من المتاع وينفق ما تبقى من طاقة في الآفاق العليا من علم أو فن أوعقيدة . هل يستويان مثلاً ؟ وهل تستقيم الحياة بهذا كما تستقيم بذاك ؟

وهذا رجل له شخصية ، يقول فيستمع له الناس وينفذون توجيهاته ، وآخر لا شخصية له هو سخرية أصحابه . هل يحل الاقتصاد مشكلة هذا الأخير ؟ وهل تستقيم الحياة بهذا كما تستقيم بذاك ؟

وهذه امرأة جميلة وأُخرى عاطلة من الجمال . هل يحل الاقتصاد مشكلتها ؟ وهل تستقبل الحياة كما تستقبلها الأخرى ؟

ومن هنا تهتم العقلية الإسلامية بالقيم الأخرى - غير الاقتصادية - وخاصة القيم الخلقية ، لإيمانها بأن في الحياة قيماً غير اقتصادية في جوهرها ، وأنها تحتاج إلى مجهود إيجابي لتنظيمها لا يقل عن المجهود الموجه لتنظيم الاقتصاد . وتهتم بإيجاد صلة دائمة بين العبد والرب ، لأن هذه هي الوسيلة المثلى لتثبيت القيم الخلقية ، ورفع الناس من عالم الضرورة وما يدور فيه من خصومات وأحقاد ، إلى عالم طليق يغلب فيه الخير والمودة .

ومن جهة أخرى تؤمن العقلية الإسلامية بأن الطاقة الروحية في الإنسان طاقة ثمينة كبيرة الأثر في الحياة البشرية ، وأنها حين توجه إليها العناية ويبذل الجهد في تربيتها ، لا تقل أثراً عن العوامل الأخرى مجتمعة ، بما فيها العامل الاقتصادي . بل قد تكون أحياناً من الضخامة بحيث ترجح تلك القوى جميعاً . ويجد المسلمون في تاريخهم مصداق هذه الحقيقة في موقف رجل مثل أبي بكر من الردة ، فقد وقف وحده مصراً على قتال المرتدين ، والمسلمون جميعاً بما فيهم عمر بن الخطاب ذاته لا يؤيدونه في موقفه . فعلى أية قوة كان يعتمد ؟ القوة المادية ؟ قوة الاقتصاد ؟ القوة البشرية ذاتها ؟ كل ذلك يخذله عن القتال . ولكن القوة الروحية العجيبة التي وصلت روح أبي بكر بخالقه فاستمد منه العون والعزم ، هي وحدها التي حولت المتخاذلين إلى متحمسين ، وحولت قوة المشاعر إلى قوة مادية واقتصادية لا مثيل لها في التاريخ ! كما يجدون مصداقها في موقف رجل مثل عمر بن عبد العزيز من الظلم السياسي والاجتماعي الذي بدأه بنو أمية ، فقد وقف في وجه هذا الظلم ورد الأمور إلى نصابها كما ينبغي أن تكون في المجتمع المسلم ، حتى حدثت في عهده معجزة اقتصادية تاريخية ، هي وجود مجتمع ليس فيه فقراء .

لذلك تهتم العقلية الإسلامية بالطاقة الروحية لأنها لا تحب أن تضيع على البشرية فرصة الاستفادة من معجزاتها ، وإن كانت في الوقت ذاته لا تنفض يدها من العمل في حدود الطاقة " الواقعية " انتظاراً لتلك المعجزات . وإنما يكون شعارها دائماً : " إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " .

 وليس في طوق الإنسان أن يصرف اهتمامه إلى الشئون الاقتصادية على الطريقة الشيوعية ، ثم تبقى لديه الطاقة أو الاهتمام الذي يوجهه للقيم الخلقية والجوانب الروحية . لأن " التضخم الاقتصادي " الذي تعنيه الشيوعية ، هو كالتضخم الذي يصيب بعض أجزاء الجسم كالقلب أو الكبد . فلا العضو المتضخم يؤدي وظيفته كاملة ، ولا هو يدع بقية الأعضاء تؤدي وظيفتها على الوجه الصحيح .

*     *     *

وأنا أعلم أن البعض قد ضجروا من هذا العرض الذي قدمناه للجانب الفكري من الإسلام والشيوعية ، لأنهم لا يؤمنون بالمسائل النظرية ، ويحسبونها " دردشة " فارغة ، أو يحسبون أن المسائل العملية وحدها هي التي تستحق العناية ، وأن كل شيء يمكن تسويته إذا أمكن التطبيق العملي ، ولذلك فهم يتلهفون إلى معرفة الاصطدام العملي بين الإسلام والشيوعية .

ونحن لا نقرهم على الاستهانة بالجانب النظري أو التصوري ، لأنه لا انفصال بينه وبين الجانب العملي ، ولكنا مع ذلك نجيبهم إلى ذكر أوجه الخلاف العملية . وهي كذلك تشتمل على عدة أمور .

الأمر الأول : أن الإسلام يعتبر الوظيفة الأولى للمرأة هي رعاية الإنتاج البشري . ولا يستريح إلى خروجها من مملكتها إلى المصانع والمزارع إلا في حالة الضرورة . والضرورة هي عدم وجود عائل يكفلها سواء أكان أباً أم أخاً أم زوجاً أم قريباً .

ولكن الشيوعية - الاقتصادية - تحتم اشتغال المرأة ساعات كاملة كالرجل سواء . وبصرف النظر عن حماقة الفلسفة الشيوعية في هذا الباب ، وإنكارها للتفرقة بين الرجل والمرأة في الوظيفة والكيان النفسي ، فإن الاقتصاد الشيوعي ذاته قائم على أساس زيادة الإنتاج المادي إلى الحد الأقصى ، وهذا لا يتوفر إلا باشتغال جميع أفراد الشعب في المصانع والمعامل والمزارع ، وعدم احتجاز المرأة عن العمل إلا في شهور الولادة فقط . والمحاضن بعد ذلك تتولى الإشراف على الأطفال على طريقة الإنتاج الكبير  Mass Production  ( ) .

فإذا طبقنا الشيوعية الاقتصادية فستخرج المرأة ـ كل امرأة ـ للعمل . ونخرج بذلك عن ركن ركين من التصور الإسلامي الذي يقيم كل نظامه الاجتماعي والخلقي - والاقتصادي أيضاً - على أساس اختصاص المرأة بشئون الأسرة الداخلية ، وإختصاص الرجل بشئونها الخارجية ، توزيعاً للعمل ومراعاة للاختصاص ( ) . فإذا قال قائل : ليس من الضروري أن تعمل المرأة في المصنع ، فقد خرج إذن من الشيوعية ( والذي يقول ذلك هم الشيوعيون أنفسهم لا نحن ) وأصبحت المسألة مجرد زيادة الإنتاج ، وهو هدف حيوي أصيل دون شك ، ولكنه لا يحتاج إلى اعتناق الشيوعية - الاقتصادية - لأن الشيوعية ذاتها قد تعلمت زيادة الإنتاج من أوربا الرأسمالية ( ) . وقيام حكم إسلامي لن يمنع استخدام أحدث الوسائل لزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي دون حاجة إلى عمل المرأة في المصنع .

   والأمر الثاني : أن النظام الاقتصادي الشيوعي قائم على الدكتاتورية الكاملة . فالدولة هي التي تعين الأعمال ، وتوزع عليها العمال حسبما ترى هي بصرف النظر عن رغبة العامل في نوع العمل أو المكان الذي يشتغل فيه ، وهي التي ترسم السياسة العامة وتجبر الناس على تنفيذها ، ولا يتم هذا إلا بأن تصبح الدولة هي المشرف الوحيد على جميع الأعمال والأفكار والأقوال والاجتماعات والتوجيهات ، لأن الحرية لو تركت في جانب ، فستصل حتماً إلى حرية نقد النظام أو نقد الحاكم وهو ما لا تسمح به الدولة بحال . ويجب أن نفرق هنا بين دكتاتورية الحاكم ودكتاتورية الدولة . فقد يكون الحاكم ذاته رجلاً متواضعاً لا يستبد بالرأي ، ولكن هذا لا علاقة له بدكتاتورية الدولة في تسيير النظام الاقتصادي والإشراف عليه بالقوة . وهو ما تعترف به الشيوعية صراحة في تسميتها نظام الحكم " بدكتاتورية البروليتاريا " .

يضاف إلى هذا كله أن الشيوعية نظام لا يزال يتخبط . فقد بدأ بإلغاء الملكيات جميعاً وتسوية الأجور بين العمال جميعاً . ثم وجد تحت ضغط الواقع أنه يحسن السماح بقدر معين من الملكية الفردية ، وقدر من التفاوت في الأجور حسب همة العمال . فارتد بذلك عن مبدأين أساسيين من مبادئ ماركس ، واقترب خطوتين من التصور الإسلامي ! فكيف يجوز لنا أن نترك الأصل الذي ترجع إليه البشرية كلما جربت تجربة جديدة ، لنلحق بقطار متخبط، مهما تكن السرعة الخاطفة التي ينهب بها الطريق ؟

لا يصنع هذا شخص في رأسه عقل ولا في نفسه ثقة بكيانه . إنها الهزيمة الداخلية تتخذ صوراً شتى ومبررات شتى . ولكنها هزيمة لا يقدم عليها إلا الضعفاء والخائرون

(محمد قطب)

==================

akramalsayed

مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 113 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2011 بواسطة akramalsayed

ساحة النقاش

اكرم السيد بخيت (الطهطاوي)

akramalsayed
ثقافي اجتماعي ديني »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

861,311