<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

الإسلام … والصدقات

أَوَهذه هي العدالة الاجتماعية التي تمنوننا بها يا دعاة الإسلام ؟ أن يعيش الشعب عالة على الصدقات التي يدفعها المحسنون من الأغنياء ؟ وتسمون هذه عدالة ؟ وترضون لكرامة الناس هذا الهوان ؟

كذلك يقول لك الشيوعيون والذين استعبد الاستعمار أرواحهم وأفكارهم فلم يعودوا يفقهون ما يقولون . وأبرز خطئهم وأخطره هو ظنهم أن الزكاة صدقة يتفضل بها الأغنياء على الفقراء . ولا يمكن أن يتصور المسألة على هذا الوضع إنسان له عقل سليم يرى الأمور في واقعها ، لا كما يريد له السادة الذين يحركونه كما تحرك لعبة " الأراجوز " !             فأبسط قدر من المنطق كفيل بأن يقنعهم أن الإحسان تطوع لا يفرضه حاكم ولا تشريع. والزكاة فريضة يقررها الشرع وتقاتل عليها الدولة الممتنعين عن أدائها ، وتقتلهم إذا أصروا على امتناعهم ، لأنهم حينئذ يعتبرون مرتدين . فهل يمكن أن يحدث شيء من ذلك في الإحسان المتروك لدافع الضمير ؟ !

إن الزكاة ـ من جانبها المالي ـ هي أول ضريبة نظامية في تاريخ الاقتصاد في العالم. فقد كانت الضرائب قبل ذلك تفرض حسب هوى الحكام وبقدر حاجتهم إلى الأموال لتنفيذ مآربهم الشخصية ، وكان حملها يقع دائماً على الفقراء أكثر مما يقع على الأغنياء ، أو عليهم وحدهم دون الأغنياء .

وجاء الإسلام فنظم جباية الأموال ، فجعل لها نسبة معينة لا تتجاوزها ـ في الأحوال العادية ـ وجعل حملها على الأغنياء والمتوسطين وأعفى منها الفقراء .

هذه هي الحقيقة الأولى التي ينبغي أن تقر في أذهاننا بشأن الزكاة . وهي بديهية لا تحتاج في الواقع إلى جدل ولا برهان .

والحقيقة الثانية أن الذي يوزع حصيلة الزكاة على الفقراء هو الدولة ذاتها لا الأغنياء بأشخاصهم . الدولة هي التي تجمعها وهي التي توزعها . وليس بيت المال إلا وزارة المالية التي تجمع الميزانية العامة ثم تعيد توزيعها على مختلف مرافق الدولة . فإذا كانت الدولة تقوم بكفالة المحتاجين ـ بسبب عجزهم الكامل عن الكسب ، أوعدم كفاية مواردهم للحياة الكريمة ـ فليس هذا تفضلاً وإحساناً ، وليس فيه ما يغض من كرامة المحتاجين . وهل يحس الموظفون الذين تمنحهم الدولة معاشاً أو العمال الذين تصرف لهم تأميناً أنهم متسولون يعيشون على حساب الأغنياء ؟ والأطفال والشيوخ العاجزون عن الكسب .. هل يخدش كرامتهم أن تنفق الدولة عليهم من مالها ما دامت تقوم بذلك أداءً لواجبها ؟ إن مبدأ كفالة الدولة هوأحدث المبادئ التي اهتدت إليها البشرية بعد تجارب كثيرة ، وبعد تخبط طويل في الظلم الاجتماعي . فمن مفاخر الإسلام أنه قرره في وقت كانت أوربا تعيش في الظلمات . أم إن النظام يصبح جميلاً وبراقاً حين يأتينا من الغرب أو الشرق ، ولكنه تأخر وانحطاط حين ينادي به الإسلام ؟

والحقيقة الثالثة أنه إذا كانت حياة الناس في صدر الإسلام قد اقتضت أو تقبلت أن يأخذ الفقراء الزكاة نقداً أوعيناً في أيديهم ، فليس في الإسلام ما ينص على أن هذه هي الطريقة الوحيدة لتوزيع الزكاة . وليس هناك ما يمنع من إعطائها لمستحقيها في صورة مدارس مجانية يعلمون فيها أبناءهم ، ومستشفيات مجانية يتداوون فيها ، وجمعيات تعاونية تسهل لهم وسائل العيش ، ومصانع أو مؤسسات يرتزقون منها رزقاً دائماً . إلى آخر ما يوحيه العصر الحديث من وسائل الخدمة الاجتماعية . فلا تعطى الزكاة نقداً إلا للعاجزين بسبب المرض أو الشيخوخة أو الطفولة .

ويأخذها غيرهم في صورة عمل وخدمات تحقق قوله تعالى : " وفي سبيل الله " .

والحقيقة الرابعة أنه ليس أصلاً من أصول المجتمع الإسلامي أن يكون فيه فقراء يعيشون من أموال الزكاة . وقد وصل المجتمع الإسلامي إلى صورته المثالية في عهد عمر بن عبد العزيز حيث كانت الزكاة تجبى فلا يجد عمالها فقراء يوزعونها عليهم أو أحداً يقبلها منهم ، وفي ذلك يقول يحيى

 ابن سعيد : " بعثتي عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها ، وطلبت فقراء نعطيها لهم ، فلم نجد فقيراً ولم نجد من يأخذها منا ، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس " .

وإنما الفقر أو الحاجة أمر يعرض لكل مجتمع ، فلا بد من تشريع لمواجهته ؛ وقد كان الإسلام يضم إليه باستمرار مجتمعات جديدة غير متوازنة الثروة ، فكان لا بد من هذا التشريع حتى يصل بهذه المجتمعات رويداً رويداً إلى حالتها المثالية التي وصلت إليها في عهد عمر بن عبد العزيز .

*     *     *

ذلك شأن الزكاة . أما " الصدقات " الحقيقية ، أي الأموال التي يخرجها الأغنياء تبرعاً وإحساناً ، فقد أقرها الإسلام فعلاً ودعا إليها وجعل لها صوراً شتى . فمن إنفاق على الوالدين والأقربين ، إلى إنفاق على المحتاجين عامة ، إلى تصدق بالعمل الطيب والكلمة الطيبة .

ولا يقول أحد إن الإنسان حين يكرم أهله يكون مسيئاً لمشاعرهم ، محقراً لهم ، وإنما هو الود والتعاطف وجمع الشمل وتأليف القلوب . وحين تعطي أخاك هدية أو تولم لأقاربك وليمة تحييهم فيها وتقوم على خدمتهم ، فلن تستثير بذلك حقدهم وكراهيتهم ، أو شعورهم بالذلة والإنكسار .

 أما إعطاء المساكين هبة عينية ، فشأنه شأن الزكاة في صدر الإسلام ، كانت الحياة تتقبله في ذلك الحين كوسيلة كريمة لإغاثة المحتاج وإعانة المكروب . ولكنه ليس سبيلاً واحدة مكتوبة فلا تبديل لها ولا فرار منها ، وإنما السبل إليه شتى . ويمكن أن يأخذ شكل هبات للجمعيات أو المؤسسات التي تقوم بخدمة اجتماعية ، ويمكن أن يساعد الدولة المسلمة في كل ما تحتاج إليه من أموال لتنفيذ مشروعاتها .

ثم إن شأنه شأن الزكاة في ناحية أخرى . فما دام في المجتمع فقراء فلا بد من إعانتهم بكل السبل للاستمتاع بالحياة . ولكن ليس المفروض في المجتمع الإسلامي أن يكون فيه فقراء. فحين يصل إلى حالته المثالية فيستغني ـ كما حدث من قبل ـ عن الزكاة ، فهو يستغني كذلك عن الإحسان ، وتبقى لهذا وتلك مصارف محدودة لا يستغني عنها أي مجتمع في الأرض ، وهي كفالة العاجزين عن العمل لأي سبب من الأسباب.

*     *     *

وإنما الحقيقة الكبرى التي يجب أن نذكرها هي أن الإسلام لم يجعل حياة أهله قط قائمة على الإحسان . وقد ذكرنا مبدأ كفالة الدولة للعاجزين ، وارتفاعه عن أن يكون تفضلاً وإحساناً . ونذكر كذلك أن الدولة في الإسلام مكلفة بإيجاد عمل لكل قادر . ذهب رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يسأله ما يعيش به فأعطاه فأساً وحبلاً وأمره أن يذهب فيحتطب ، فيبيع ما احتطبه ويعيش منه ، وأمره أن يعود إليه فيخبره بما صنع . وقد يحسب الذين لا يرون الأمور إلا بصورتها في القرن العشرين أن هذا مثال فردي لا دلالة له ، فضلاً عن أن كل مشتملاته أته هي فأس وحبل ورجل واحد ، بينما الحياة اليوم مصانع هائلة ، وملايين من العمال المتعطلين ، ودولة منظمة ذات فروع مختلفة الاختصاص ! وهذا تفكير ساذج . فلم يكن مطلوباً من الرسول أن يتحدث عن المصانع أو يشرع لها قبل نشأتها بأكثر من ألف عام ، ولو فعل ذلك لما فهم عنه أحد . إنما حسبه أن يضع الأسس العامة للتشريع ، ويترك لكل جيل أن يستنبط التطبيقات المناسبة له في حدود هذه الأسس . وفي المثال الذي ذكرناه أسس صريحة : هي تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم أن ولي الأمر من واجبه إيجاد عمل لمن يحتاج إليه ، وقد أكََّد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المسئولية بقيامه بإيجاد العمل لذلك الرجل ـ حسب طبيعة البيئة يومئذ ـ وبطلبه منه العودة إليه وإخباره بحاله . وهذه المسئولية هي التي اهتدت إليها أحدث النظريات في السياسة والاجتماع . فأما حين تعجز الدولة عن إيجاد العمل لسبب خارج عن إرادتها ، فهناك بيت المال تكفل منه المحتاجين حتى تذهب الحاجة عنهم ، وهم كرماء على أنفسهم وعلى الدولة وعلى الناس .

 ( محمد قطب )

akramalsayed

مرحبا بك اخي الزائرنرجو ان ينال الموقع اعجابك الكلمة الطيبة جواز مرور إلى كل القلوب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2011 بواسطة akramalsayed

ساحة النقاش

اكرم السيد بخيت (الطهطاوي)

akramalsayed
ثقافي اجتماعي ديني »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

861,988