جامعة الإبداع الأدبي والنقد المعاصر

<!--

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;} </style> <![endif]-->

ماذا لو بقيت صفر؟

أفترض أنك الآن تملك كل شيء، بيت، زوجة، وأولاد، صحتك عال العال، منصب محترم، وسيارة،...، لكن هل تخيلت يوما لو بقيت صفر؟

أعرف أني لن أجانب الصواب إذا قلت بأن الكثير منا تفوته فرصة أن يسأل نفسه هذا السؤال، وتختلف الأسباب عند كل شخص، هناك مثلا من يستبعد حدوث هذا الشيء في الأساس، وهناك من يخاف أن يواجه نفسه بحقيقة الزوال، فكل شيء في هذه الدنيا معرض لأن يزول لأنها فانية، وعلى كل واحد منا أن يسأل نفسه  هذا السؤال حتى لا يصطدم إن وقع المحذور وأن يجيب عن بعض الأسئلة

ماذا سأفعل لو بقيت صفر؟، هل سأنهار؟ هل سأكون قادرا  على أن أبدأ من جديد، هل أملك القوة للمواجهة؟..

ولكي نكون قادرين على طرح هذه الأسئلة والإجابة عليها، يجب أن لا ننظر للصفر على أنه لا شيء، بل انظر إليه على أنه بداية العد، الصفر هو بداية لأعداد، نحن نقول: صفر،واحد، اثنان،...، عشرة، ....إلا مالا نهاية

نعم تعلم أن تنظر إلى الصفر على أنه نقطة انطلاق وليس العدم، ولا نهاية العالم، وبهذه الطريقة فقط تستطيع أن تتغلب على كل المصاعب التي تواجهك في الحياة

الخريف بداية لحياة جديدة وبراعم جديدة، الشتاء بداية الربيع، الليل بداية الفجر، الموت بداية الحياة الآخرة، كل ما ينقصنا عندما نكون صفر، هو قليل من الإرادة، وهذا ليس مستحيلا انظر من حولك وفتش لا بد أن تجد الكثير من النماذج التي استطاعت أن تتفلت من كابوس الصفر، أشخاص فقدوا كل شيء وبدؤوا من جديد...، وفي النهاية علينا أن نتذكر بأن الحياة إلى زوال: {{كل شيء فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}} 

على أنغام أوزيريس

الخاطرة الأولى: أنوبيس والندى

زعم القدماء في أساطيرهم الغريبة، أن للندى إلهة جميلة، ناعمة، اسمها أنوبيس، إنها تشبه في بهائها شعاع النجوم، تكشف عن ساقيها كل صباح، وتبدأ بجمع الندى في أباريقها الأربعة  وهي تغني في رقة وعذوبة ثم تحملها لتحمّم بها أبا الآلهة رع الذي كان قد فتح عينيه فبزغ الفجر، واتجه ليأخذ حمامه البارد،  حيث تأتيه أنوبيس بنداها فتسكبه عليه، ويدلك حورس جسده، ويجفف توت ساقيه، وما إن ينته توت من عمله حتى يلبس رع ثيابه المتلألئة ويمضي إلى شؤون عباده، وخطر لي ذات يوم أن إلهة الندى أنوبيس غضبت ذات يوم، فلم تخرج لجمع الندى، وتساءلت عما كان سيحدث بعدها، بدى لي أن رع لن يأخذ حمامه، ولن يدلك حورس جسده ولن يجفف توت ساقيه، وينتهي الأمر به ألا يخرج ليرعى شؤون عباده، كما السلسلة كل حلقة متصلة بأخرى فإذا سقطت واحدة تفرقت حبات العقد ولم يعد العقد عقدا

هكذا هي الحياة، هذه الآلهة التسعة لا تمثل الألوهية التي هي من حق الإله الواحد الأحد الذي هو الله، بقدر ما ترمز للمسؤولية التي يجب على كل أحد أن يتحملها، لتستمر الحياة، وتنتعش، فالكون خلق بنظام معين، وكذلك انتظمت الأفراد والمجموعات البشرية، وأدرك العقل الإنساني في أولى مراحله هذه الحقيقة فسعى لتجسيديها في الأساطير والحكايا الخرافية تواقا إلى عالم منتظم متكامل يشبه خلية النحل، ومع تطور العلم تبلور الفكر الإنساني بصفة أكبر، وأصبح قادر ا على صياغة قوانين وأنظمة وضعية تمكنه من تحقيق حلمه، مستندا إلى القوانين السماوية أحيانا والعقائد الاجتماعية أحيانا أخرى، لكننا برغم ذلك لا نزال نتحدث كثيرا عن الفوضى وعن الانزياح الاجتماعي، ونشتكي من شرور البلاء، قد نسميه ربيع أو خريف لكنها تأخذ شكلا واحدا ونمطا مرفوضا عند الإنسانية، فهل غضبت أنوبيس حقا؟،أم أنها تكاسلت عن أداء واجبها، عندما نامت على ألحان الفجر؟

الصخرة التي على ظهورنا

يقال في الأساطير القديمة إن سيزيف قد عذب، فتسلطت عليه صخرة يحملها ويتسلق بها جبل ثم تسقط ويعود وهكذا، فلما تأملت في حال الإنسان وجدته يعاني معاناة سيزيف، كل واحد منا يحمل الصخرة على ظهره ويمضي، هناك من يحمل أحلامه ويسعى إلى تحقيقها رغم كل تلك الصعوبات التي تواجهه، يضعف أحيانا وينهض أخرى، وهناك منا من يحمل الأعراف على ظهره، حتى تتحول تلك المعتقدات المتجذرة في ذهنية المجتمع الذي يعيش فيه إلى صخرة  عملاقة على عاتقه يشق بها عباب العصر الذي تختمض أمواجه كل لحظة، وهناك من يتحول القدر إلى كتلة كبيرة تعيقه في تحقيق طموحاته وأحلامه، فكلما يريد أن يصنع شيئا يصطدم بالقضاء والقدر فيقف عاجزا أمام هذه القدرة الغيبية، فيستسلم حينا ويواجهها حينا آخر، وهناك من يحمل أفكاره ومبادئه على ظهره ويمضي بها في عالم يرفضها ويمقتها فتسقط أحيانا منه ويلتقطها ثم يعود ويمشي بها من جديد، ..... وهناك من يحمل حياته بأكملها على ظهره ويمشي بها في هذه الدنيا التي لم تجعل له منها حظا ولكنه يقاوم من أجل البقاء حينا ومن أجل الأفضل أحيانا أخرى....، هذه هي قصة الإنسان  الحزينة  في دار البلاء والابتلاء، كلنا في هذه الحياة نحمل صخرة سيزيف وإن تغيرت أشكالها وتنوع حضورها، وليس المهم أن نستطيع أن نرمي الصخرة ونتحرر منها، بل الأهم أن نتعلم كيف نصل إلى نهاية الطريق بالرغم من ثقلها وألا نتوقف أبدا عن المحاولة،  "وعدنا خريف، جميعنا سيزيف" 

الهدوء ما بعد العاصفة

لطالما كنا نسمع عبارات كثيرة لا نلقي لها بالا أو نأخذها مأخذ المسلم به فلا نكلف أنفسنا أن ننظر إلى ما يخالفها، فنتجاهلها، ومن هذه العبارات المتداولة عندنا بكثرة عبارة، "الهدوء ما قبل العاصفة" ويعني هذا القول بأن الهدوء الذي يخيم على وضع  أو حالة ما في أي مجالات الحياة ينبئ بقدوم عاصفة، وهذا المفهوم لم يأت اعتباطيا إنما هو نتيجة خبرات وتجارب نخوضها أو خاضها آخرون قبلنا في معركة الحياة، فالكون لا يقبل السكون إنه دائم الحركة، ودوام الحال من المحال كما يقال، وكذلك الحياة نستطيع أن نقول بأنها عبارة عن فصول تشبه فصول الطبيعة تماما، فيها الممتع والمؤلم والمفرح والمحزن.... ولذلك ترسخ عندنا هذا المفهوم الذي بلورته مقولة :"الهدوء ما قبل العاصفة" وقد تجدر عندنا هذا المفهوم إلى درجة أن الكثير منا تغافل عن مقولة أخرى كان من الممكن أتناظر هذه المقولة، وهي "الهدوء ما بعد العاصفة"

ويتساءل الشخص هنا، المقولتان  تفترض حقيقة وجود حالتين، هدوء وعاصفة، وإذا افترضنا بأنه كان هناك هدوء ثم جاءت العاصفة، ثم ساد الهدوء من جديد، هل يمكن أن نقول بأن الوضع عاد إلى ما كان عليه حقا، لكي نجيب عن هذا السؤال يجب أن نمعن النظر في فصول الطبيعة، إذا كان هناك صيف ثم جاء الخريف ماذا سيحدث، هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟

طبعا لا، لا بد أن الأوراق تتساقط وتتطاير، والأشياء تتغير، ولنفرض مثلا أنه إذا كان هناك يوم ربيعي مشرق، وكنا في جلسة عائلية في حديقة البيت، تنعشنا رائحة الأزهار، ويطربنا حفيف الأشجار ، وتمتعنا زقزات العصافير وفجأة هبت عاصفة، ماذا سيحدث؟

هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟، الجواب طبعا لا، لا بد أن فوضى عارمة ستحل بالمكان، ولا بد أن سيحتاج لإعادة تنظيم تعيده إلى حالته الأولى، لكن يمكن أت نفقد أشياء جميلة لا يمكن أن نسترجعها كأن تكون تحطمت بسبب العاصفة، ماذا سنفعل في هذه الحالة؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال، لا بد أن نثير نقطة أكثر أهمية، وهي علاقة النفس الإنسانية  بكل خباياها بهذا الموضوع،

الحقيقة كما تمر الطبيعة بأحوال مختلفة تتطلب منا أو من نظام الكون بعض الإصلاحات، كذلك الإنسان، تمر به حالات وظروف تغير من طبيعته، سواء كانت هذه الظروف إيجابية أو سلبية، وإن كانت الثانية هي الأكثر تحديدا في هذا الموضع،

فالإنسان معرض في هذه الدنيا للابتلاء، وقد يقصر هذا الابتلاء وقد يطول، وتختلف درجاته من شخص إلى آخر بل إن الابتلاء ذاته يختلف تأثيره من شخص إلى آخر، حسب قوة الشخص وشخصيته وإرادته في مواجهة هذه الظروف القاسية واستعداده لها وحساسيته تجاهها، وحسب البناء النفسي عنده، ولا ننسى البيئة والمحيط اللذين يلعبان دورا مهما في شخصية الإنسان، ولكن مهما يكون هذا الشخص لا بد أن تكون هنالك تأثيرات لهذه المآسي وبالتالي ردود الأفعال، وقديما قالوا: "دخول الحمام ليس كخروجه"

فعندما تمر هذه الظروف على شخص ما تترك في داخله ذكريات أليمة وأفكار سلبية عن الحياة وعن المحيط، وعندما تمر العاصفة ويأتي نصر الله الذي وعد به عباده، كما قال في كتابه الكريم: "إن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا" ، "سيجعل الله بعد عسر يسرا" وغيرها من الآيات الدالة على حقيقة وجود الفرج، في أحيان كثيرة يجد الإنسان نفسه لا يستطيع التأقلم مع الوضع الجديد، نذكر مثال، إنسان يمر بمرض صعب، إعاقة مثلا وخاصة إذا كانت مفاجأة، في غالب الأحيان ينتج عنها العزلة، العصبية، الحساسية، وغيرها، فيشتم هذا ويكره ذاك، هذا ضحك مني، وذاك أشفق علي، وذاك لم يقدر حالتي، وذاك عيرني، وذاك وذاك، مع مرور الوقت يصبح عندنا شخص سلبي تماما، فلنفرض أن الله عزوجل أنعم عليه بالشفاء فجأة، كيف سيعالج كل تلك الأفكار وكل تلك الأخطاء، لا بد أن سيجد نفسه قد خسر الكثير من الأصدقاء ومن الأشخاص الذين يحبونه بصدق، كما لم يقصر البتة في الناس الذين فعلا أساؤوا إليه، ثم سيجد نفسه متعودا على سلوكات معينة اكتسبها في تلك الفترة، وأصبحت عنده عادة والعادة يصعب على الإنسان تغييرها بسهولة كما نعلم، إنه لا يستطيع كتم غيضه، إنه لا يستطيع أن يحسن الظن بمن حوله، إنه لا يستطيع أن يكون اجتماعيا ولا فاعلا في مجتمعه، هذا مثال وقس عليه في كل الظروف القاسية، ماذا سيفعل الإنسان في هذه الحالة، إذا هو  بقي على ما هو عليه فإنه لا محالة لن يحس للفرج طعم ولن يهنئ به، وإن أراد التغيير فالطريق طويلة جدا لفعل ذلك ومحفوفة بالصعوبات

ورغم ذلك لا بد أن يحاول، كما ينبغي علينا إصلاح ما أفسدته العاصفة في حديقتنا لتصبح جميلة كما كانت عليه، أو ربما تصبح أجمل، ينبغي علينا إصلاح ما أفسده الدهر،

لكن السؤال ألا نستطيع تجنب ذلك كله؟

الجواب، قد لا نستطيع أن نحافظ على كل شيء ولكن يمكن التقليل من الخسائر، الأمر يشبه أن يتنبأ الإنسان بحدوث فيضان بعد مدة، هل يترك الفيضان حتى يحدث وبعدها يصلح الأضرار، أو أن يبادر بإنجاز كل ما من شأنه أن يقلل من أضرار هذه الكارثة، ثم بعدما تحدث يكون ضررها قليلا، فيمكن تعويضه بما هو أجمل ، كأن تسقط سارية، أو لا فتة، أو بيت قصديري مثلا، فنصنع سارية أقوى ولافتة أجمل وبيت أحصن وأبهى من البيت القصديري،

وهكذا الإنسان، عندما يكون في الابتلاء، عليه أن يعرف صديقه من عدوه، فالصديق الذي يبقى وقت الضيق معك ويريد أن يساندك عليك أن تحافظ عليه لأقصى درجة وألا تسمح للأفكار الخاطئة بتشويش عقلك،

على الإنسان أيضا أن يشغل نفسه بالعمل، إن العمل هو العلاج الأمثل في وقت الضيق والحزن، بل إذا أردت وصفة سحرية لعلاج القلق والاكتئاب فعليك بإثنان: العمل والرياضة، ثم جملهما بالأحلام التي بالإمكان تحقيقها

هكذا تمر الليالي الحالكة بسرعة،  وعندما تهدأ العاصفة  ويطلع الفجر سيجد وردة متفتحة تلألأ فوقها قطرات الندى فتشرق الشمس وتزيدها بهاء ونظارة، ولا تجدك وردة ذابلة فيتجاوزها الصباح إلى براعم الغد، وتذرك في حسرة وألم

كن كالماء الجاري:

في الحياة عوائق كثيرة، وفي المقابل فيها الكثير من الأشياء السارة والممتعة، وكما نتقبل الأشياء السارة بسرور وتفاءل، كذلك يجب أن نتقبل الأمور السيئة بقلب صابر محتسب وإرادة قوية

أعلم بأنكم تقولون هذا صعب جدا، أنا أقول إن الأمر ليس صعب بل هو أصعب مما يتخيله الإنسان، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {{ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}}

لكن يجب أن نحاول، المحاولة دائما خير من الاستسلام للأمر الواقع، ولنعلم أن الله سبحانه خلقنا في أحسن خلقة وأمر الملائكة بأن تسجد لنا إكراما وتحية، وهو لا يكلفنا إلا بما نطيق، وهذا الجزع يأتي به الشيطان والنفس الضعيفة، وليس لأن ذلك فوق استطاعتنا، لكن السؤال كيف نستطيع أن نكون أقوياء ونتغلب على كل ما يصيبنا من البلاء،

الإجابة سهلة جدا وهي أن نكون كالماء الجاري، الماء سر الحياة، إنه ملك الحياة، {{وجعلنا من الماء كل شيء حيا}}، ومع ذلك هو مرن، شفاف، يسمح لكل شيء بالعبور من خلاله، ويعبر هو من خلال كل شيء، فيبقى دائما صافيا لئلائا، دع الأحداث تمر بهدوء من خلالك، ستبقى كما أنت ولن تفقد شيئا، بل ستكون أقوى مع الأيام، وستكسبك الحياة خبرات وتجارب وتجعلك أكثر حنكة، ولا تكن كالماء العفن الذي يقبع في مكان فينتن،

إذا أغلقت على نفسك مع ألمك في زنزانة الأحزان ولم تطلقها لتذهب ستكون مثله تماما،.

الأشياء الحلوة لا تأتي إلا بعد جهد وعناء وصبر، أنظر إلى الفراشة، تحتمل كل ذلك الألم والضيق في شرنقتها لتصبح مخلوقا جميلا لطيفا يأسر العيون بجماله......،

وتذكر الحياة حلوة جدا تعلم أن تعيشها ولا تفرط فيها مهما كانت الظروف والمآسي،

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 4 سبتمبر 2017 بواسطة akilameradji

أَبو فروة الظريف

akilameradji
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

20,492