كثيرة هى القصائد التى تنبأت يالثورة فى مصر وكثرت فى الفترة الأخيرة الإشارات إلى قصائد وشعراء كثر تنبأوا بالثورة, بعضها صحيح وبعضها مضاف فى تعنت بعد ثورة 25 يانير, والنبوءة الشعرية مصطلح ظهر مؤخرا فى الدراست النقدية الحديثة, وهذاالمصطلح يعنى قدرة الشاعر على استشراف المستقبل والإخبار عته من خلال ابداعه الشعرى,ولا يعنى أن الشاعر ممكن أن يصل الى مرتبة النبوة,والشاعر بحسه الشعرى وقرائته لواقع أمته السياسى والثقافى والتاريخى يستطيع أن يرسم صورة المستقبل لأنه من أهم المتابعين والراصدين لحركة الأمة على كل المسيويات ,وبالتالى يمكن له أن يجازف ويعلن بما سوف يكون عليه الستقبل, ويبدأ على هذا الأساس يتعامل مع واقعه فنيا على اعتبار ما سوف يكون على حد تعبير علماء البلاغة القدامى,وإن كان هذا المصطلح ظهر حديثا فى الأطروحات النقدية وتحديدا بعد هزيمة 67 بدأ النقاد يتحدثون عن قصيدة الشاعر أمل دنقل التى تنبأت بالهزيمة وهى قصيدة "بين يدى زرقاء اليمامة"والتى اعتمد فيها الشاعر على توظيف اسطورة زرقاء اليمامة العربية والتى كان معروفا عنها أنها ترى لمسافات بعيدة استطاع الشاعر من خلال هذه الأسطورة أن يرى ان الهزيمة آتية لا محالة ,ومن هنا ابتكر النقاد العرب مايسمى بالنبوءة الشعرية , والحقيقة اذا كان ذلك كذلك فإن أبا تمام كان اسبق من أمل دنقل فى النبوءة الشعرية هذا اذا تركنا الحديث عن المتنبى ونبواءته التى يثور حولها جدل كبير حتى الآن ,فأبو تمام رفض نبوءة المنجمين فى فتح عمورية واعتمد على نبوءته الشعرية حين قال :

السف اصدق إنباء من الكتب فى حده الحد بن الجد واللعب

بيض الصفائح لاسودالصحائف فى متنوهن جلاء الشك والريب

ولقد نجحت نبوءة أبى تمام وانتصر الجيش فى عمورية رغم تشاؤم نبوءة المنجم

والشاعر جميل عبد الرحمن واحد من أهم الشعراء الذين قرأوا الواقع بكل تفاصيله, وأرخوا له شعرا, فهو راصد لكل الأحداث التى تمور فى الوطن, مهموم به ومسكون بواقعه العربى ,وربما كان هذا سببا فى غزارة شعره ودليلا على عمق ثقافته ورهافة حسه,  وكثير من قصائد الشاعر تشير إلى أنه قد قرأ الواقع قبل الكتابة عنه والنبوءة الشعرية تعتبر نتيجة تفضى إليها مقدمات, وهذه المقدمات الراصدة لتردى الواقع المصرى والتى تشكل عنصر قراءة الواقع ورصد تناقضاته كثيرة فى شعر جميل عبد الرحمن والتى اعتمد فيها الشاعر على اسلوب  صدم واعي المتلقى من خلال وضعه مباشرة أمام هذا الواقع العفن ففقى قصيدة"الجواد" يقول الشاعر:

الجواد الذى كان

كل الرهان عليه

أوهنته السنون العجاف

شربت من نضارته

ماءها

فاستحال الرواء

بقايا بروز عروق وعظم

ويباس جفاف

هى حالة من اليأس وفقدان الأمل وخسران الرهان, لأن الواقع صار يحكم سيطرته ويعتم الصورة حتى تصبح الرؤية ضبابية, ومن ثم فلا رهان على جواد مخلص  فكل الرهانات خاسرة فى ظل هذا الواقع المؤسف ولذلك ف

الجواد كبا

والسنون انخساف

هل تراه يموت بغير اعتراف؟

ونموت حواليه اسرى سبايا

بصاعقة الوهن والارتجاف

وهذه الرؤية فرضت على الشاعر توظيف الرمز واستخدام الأسلوب المشهدى فى رسم ملامح الواقع وحزن الذات المسكونة بالوطن, لكن الشاعر لايفقد الأمل نهائيا ومن ثم فإنه حين ختم قصيدته بهذا التساؤل المرجف إنما يرمى من وراءه البحث عن بديل ولابد من مخلص و حتى إن كبا هذا الجواد فرس الرهان الحالى فإن غيره سوف يأتى ولن يكبو وإننا لابد أن نوجد المخرج, وكأن الشاعر هنا يقف على حافة الاستشراف أو يقترب من النبوءة

وفى قصيدة " الأوغاد" يصبح الشاعر أكثر جرأة واقترابا من مركزية الفساد ومنطقة الغليان أيضا راصدا ما يمكن أن نسميه الفعل الفردى السلطوى مركز الفساد

من شقوق الأرض جاءوا

وتخفوا بين طيات الليالى

ورعوا كالدود فى بطن الجبال

واستخفوا بالقيم

فى مدارات الدتنى

حقا هم الأوغاد الجدد إان كان الشاعر ذكيا فى إهداء القصيدة إلى المماليك الجدد ليس بقصد توظيف التاريخ والذاكرة الثقافية, وإنما بقصد تحديد هوية شخوصه فى النص هؤلاء الذين استولوا على خيرات البلاد وحطموا قيمها من أجل المنفعة الشخصية دون رادع واستدعاء المماليك هنا فيه فطنة جميلة واختزال التاريخ بين زمنين متشابهين, وفيه تقريب صورة الأوغاد من واعية المتلقى, ويستمر الشاعر فى فضح ممارسات هؤلاء الاغبياء الجدد الذين وصفهم "ج . اتش. ويلز" بقوله:" إنهم أشد خطرا من الوباء ومن آثار الحروب", ولذلك يقول الشاعر:

يا مماليك الزمان

يا ثعابين المكان

ها جثمتم فوق صدر الأرض

فى هذى البلاد

واحتبلتم ضرعها فى كل واد

هاهم السفلة والاوغاد

زادوا فى المقام واستخفوا بالأصيل

وهذا الرصد لأفعال هؤلاء الأ وغاد الذين دمروا واقع البلاد واظلموا مستقبلها جعل الشاعر يقترب بشكل أكبر من استشراف المستقبل والنبوءة الشعرية بوعى شعرى وثقافى منظم ليجعل خطابه الشعر أكثر تأثيرا فى الذاكرة الجمعية, فهذه الأفعال لابد أن تفضى إلى تحرك جمعى أو شعبى يقضى على هؤلاء الاوغاد ويعيد البلاد الى سيرتها الأولى حيث يقول الشاعر فى نهاية القصيدة

عد مكانك

سوف تدنو دورة للارض فيها

الزمان المستحيل

ايها المختال افسح

لزمان فيه ميزان من العدل الجميل

ولذلك يرصد الشاعر بحسه الشعرى الزمان الجديد الذى يثور على زمان القهر السياسى ويتنبا بمجيئ فضلاء جدد ينشرون العدل ويقيمون الحق, وهنا يمكننا القول أن الشاعر كان مشاركا فى صنع الثورة بما ينشر من وعى شعرى من شأنه ان يججد وعى المتلقين والتمحسين للوطن ويدفعهم أيضا الى الثورة إذ يبصرهم بسوزء الواقع ويحذرهم من مسقبل غامض ويدفعهم بالتحريض الشعرى إلى التغيير

وفى قصيدة " إنه العقم لكنه لا يدوم" يضعنا الشاعر أمام اقتراب التفجر واختزال الزمن الرديئ فيشعر أن البلاد قد أوشكت على الفوران والثورة آتية لامحالة حين يقول:

والبلاد تنادى فتاها

منذ غاب سنينا وتاها

هل ترى يولد الآن من رحم الغيب

والمستحيل

ام تشكله صاخبات الرعود

والنيازك والشهب فى صبرها المستطيل

والآماسى رجوم

إنه العقم لكنه لا يدوم

وكأنى بالشاعر قد قرأ الواقع وتخيل الثورة و استحضر نجاحها بل ذهب إلى أبعد من ذلك, حين تخيل أن الثورة سوف يدخلها السوس وأن المتسلقين على أكتافها كثر وهو يحذرهم من هذا حيث يقول فى قصيدة" من يملك يا لحم ارضى المبعثر؟":

كيف أدخلتم السوس

سوس الخديعة الخيانة

بين صفوفكمو الملهمة

ودروبكمو المعلمة

واختفت فى اختلال الرؤى

لحظات المرحمة

هنا يبدو الشاعر فى حالة الوجد الصوفى باستشراف رصد وتكوين الثورة فى عمق الشاعر وفى مخيلته وكان أكثر وعيا ممن تنبأوا فى أنه تنبأ ايضا باختلاف الرؤى وهذا عمق ثقافى بعيد وحس وطنى عميق فالقصيدة كتبت فى 20 -21/6/ 2007 وهى تمثل حالة خاصة بين قصائد الاستشراف أو توقع الثورة أو حتى توقع التغيير بل تجاوزت هذا كله الى توقع تفاصيل الثورة وما يحدث فيها حتى إنه يستصرخ الثوار قائلا

ايها الواهبون الروح لبلاد

مصابيح ارواحكم

ونشيد بنادقكم

واختلاج الشرايين بالعشق

يزهو بكم

ما الذى ادخل السوس فى صفكم؟

كيف هانت عليكم دماء الشهيد؟

ودماء البنات اللواتى

دخلن لعرس الشهادة

هنا نتوقف عند حس وطنى عال وعمق ثقافى شفاف وقدرة على التنبؤ ناتجة من ذاكرة شاعر مملوءة بتفاصيل الوطن مسكونة بعشقه وهنا تفوق شعرى ووطنى لا يملكه الا الموهبون المتعمقون فى اتون التاريخ والجغرافيا الضاربون فى عمق ثافو عربية اصيلة مثل جميل محمود عبد الرحمن

 

المصدر: عبدالحافظ متولى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 238 مشاهدة
نشرت فى 7 أكتوبر 2011 بواسطة akhbar

شبكة ساقية دار السلام الإليكترونية

akhbar
»

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

58,933

الحلم الذى أصبح حقيقة

  ساقية دار السلام ... 

من فكرة بسيطة راودت رئيس نادى الأدب بدار السلام الشاعر حاتم السمان  إلى حقيقة على أرض الواقع  مهدت الطريق أمام إكتشاف أجيالا جديدة من المبدعين فى شتى المجالات وفى عام واحد فقط وبإمكانات أقل ما يقال عنها أنها ضعيفة أستطاعت أن تجذب إنتباه كل من سمع بها وأستطاعت أن تسرق كل  قلوب متابعيها.. عشقها أعضاءها فبادلتهم عشقا بعشق وحبا بحب...

أشرف السبع