الكاتب  :  د.الخضر عبد الباقي محمد: نيجيريا

نشط المشهد الثقافي في البلدان الأفريقية غير العربية, وشهد حالة من التحسن والتنامي في السنوات الأخيرة, بعد عقود عجاف من الجمود والركود الدائمين، وقد توقفت الحياة الثقافية العربية في أفريقيا بعد سلسلة ضربات قوية تلقتها من الهجمة الاستعمارية والاحتلال الغربي لها، ومعلوم أن الحضارات تقوى وتضعف بحسب قوة عناصرها المتمثلة في العمران والعلوم والفنون والأنساق الاجتماعية والثقافية بشكل عام، فقد استمرت حالة الجمود تلك إلى أن هُيئت فرص الانتعاش والحيوية للثقافة العربية مجدداً, وتبجست نفحات وعيون عذبة مكنت أصحابها من المستعربين من التذوق والتوسع في الإبداع والتأليف والنشر بالعربية في فنون الثقافة والفكر والأدب.
بداية الجمودبدأ الجمود يدب في المشهد الثقافي العربي في بلدان غرب أفريقيا بعد أن تعرض التراث العربي الأفريقي الضخم إلى أكثر من كارثة، عبر العصور التاريخية المختلفة، بداية بالتدمير الذي تعرض له التراث الثقافي العربي الأفريقي في القرن العاشر الهجري، وكانت الكارثة الكبرى التي حلت بالتراث العلمي ومصادر الثقافة العربية في المنطقة تمثلت في الهجوم الوحشي من القوات الاستعمارية الأوروبية التي داهمت ودمرت المدن والإمبراطوريات الإسلامية الزاهرة في غرب أفريقيا، وقضت على الأخضر واليابس من تلك الآثار، فمن آثارها الخبيثة المسخ الثقافي والغزو الفكري الذي تداعياته على القارة في تصاعد مستمر، سواء على الحريات العامة أو المعتقدات والمبادئ والأخلاق، ومحاولات دائمة للتعدي على الوعي الجماعي لشعوبها عن طريق استخدام منطق التعامل النفسي معها، وبانتهاكات مستمرة لخصوصياتها الحضارية، الأمر الذي تمخض عنه حالة الوهن المعنوي والعجز المادي المتمثلين في الشعور بالدونية وارتضاء حالة الاستضعاف، هذا ما فعله الاستعمار الغربي الذي مهد للتغريب والاختراق الثقافي فيما يتعلق بالتشكيل الفكري لأبناء القارة ومقوماتهم المعنوية المرتكزة على الإسلام وثقافته العربية، الأمر الذي ألحق الضعف بواقع منظومة المسيرة الحضارية للإسلام في أفريقيا وبالتحديد الثقافة العربية وروادها، وقد كان مثل التهميش وعدم الاعتراف بالمثقفين بالعربية من الأفارقة عاملاً ضاغطاً على معنوياتهم وبطبيعة الحال على حركة الإبداع والتأليف بالعربية، وكذلك التضييق على وسائل التواصل مع الحركة الثقافية في البلدان العربية, وبالتالي عدم القدرة على مواكبة تطورات المشهد الثقافي فيها. كما يذكر في هذا السياق عدم وجود الوسائل الفنية المعينة على نشر الكتابات والمؤلفات للمستعربين الأفارقة من قبل المطابع ودور النشر، تلك كلها عوامل ساعدت على استمرار حالة الجمود والركود للمشهد الثقافي العربي في أفريقيا.
 مؤشرات الحراك والتجديد ظهرت بوادر إيجابية في الأفق تحرك معها المشهد الثقافي العربي تحديداً منذ مطلع الألفية الجديدة على خلفية تطورات داخلية وأخرى خارجية، تمثلت العوامل الداخلية في إنشاء جامعات أهلية من ناحية, وتغير موازين القوى في عدد من البلدان الأفريقية, بصعود تيار الإسلام السياسي في بعض دولها من ناحية أخرى، مما انعكس إيجابياً على وضعية المستعربين وحالة الثقافة العربية بشكل أخص، فعلى سبيل المثال صعود نجومية كوادر أفريقية من المنتمين للثقافة العربية بتوليهم مناصب قيادية في الجامعات وغيرها الأمر الذي أفسح المجال أمام حركة ثقافية فكرية نشطة باللغة العربية في الوسط الأكاديمي بتشجيع إقامة منتديات أدبية ثقافية متنوعة -حالة نيجيريا مثلاً. كما مثلت الثورة التقنية التي شهدها مجال الاتصال والمعلومات واحدة من العوامل الخارجية لهذا التطور، لأنها أزالت الحواجز المادية والمعنوية المعرقلة لمثل هذا التطور. ولا شك أن تجديد المشهد الثقافي العربي في أفريقيا غير العربية يمثل حاجة ملحة لاستنهاض المستعربين وتوجيه طاقاتهم الإبداعية على أسس منهجية وخطط واعية لاستيعاب وضع الجمود القائم والمستعصي، وقد أفادت محاولات التطور من الحركية المتنامية والظروف المواتية في هذا الصدد وأسفرت عن تحسنات في الحركة الإبداعية في التأليف والنشر والتواصل المباشر بين المستعربين الأفارقة ونظرائهم العرب، حيث ولجوا أبواباً جديدة فكتبوا في أجناس وألوان أدبية مختلفة، ونورد هنا بعض الشواهد ومؤشرات التطور في الكتابة الإبداعية والأدبية في الساحة النيجيرية على سبيل المثال لا الحصر. ففي مجال القصة القصيرة صدرت مجموعات قصصية كثيرة لأدباء نيجيريين معاصرين من الشبان المستعربين، مثل: (السنة) لمرتضى عبد السلام الحقيقي عام 2006م, (خادم الوطن) لحامد محمود إبراهيم الهجري و(أهل التكرور) لآدم يحيى عبد الرحمن الفلاني، وقصة (على الطريق) 2008م للكاتب نفسه، وفي مجال المسرح, هناك:  (العميد المبجل) لزكريا حسين التي كتبها في 1994م، (السيد المحاضر) لمرتضى عبد السلام الحقيقي، و(الطالب المغتر) لإبراهيم ليرى أمين 2009م, و(تحت الظل الممدود) (2008م) لإبراهيم سعيد أحمد الغمبري، وهي مسرحية شعرية. وفي مجال الرواية: (خادم الوطن) لإبراهيم حامد عام 2009م, و(رحلة البحث عن الإنسان) لكمال الدين بالوغن 2009م. كما نشطت حركة الترجمة من وإلى العربية, فقد ترجم عبد الرحيم عيسى الأول، رواية (الانتخاب مؤامرة) عام 2009م، وكتاب (واكا إلورن) من الشعر اليورياوي للعربية لمشهود جمبا عام 2000م. وفي مجال أدب الرحلات كتاب (من إلورن إلى تمبكتو.. رحلة في صحراء أفريقيا) لمشهود جمبا عام 2009م. وفي السيرة الذاتية: (مذكرات إمام وخطيب جامع) لمحمد الأول أبو بكر عام 1995م.وفي مجال الشعر العربي النيجيري صدرت دواوين شعرية كثيرة، منها: ديوان الرياض (2005م) لعيسى ألبى أبوبكر, يضم نحو مئة وسبع عشرة قصيدة، وديوان السباعيات (2008م) للشاعر نفسه, وبه مئة وسبعون قصيدة, من منشورات المركز النيجيري للبحوث العربية، وديوان (سمات البحر من نغمات الشعر) (2005م) لعبداللطيف سعيد أولاومي، وديوان (قطرات الخاطر) للشاعر نفسه، وديوان القلائد (الجزء الأول) 2007م لعبد الواحد جمعة أريبي, وديوان (صدف العواطف) (2009م) لإبراهيم سعيد أولاومى، وديوان (الميمية المحمدية في محاكاة البردة البوصيرية (2009م) لعباس عبدالله القوروي. يضاف إلى ذلك عشرات الدواوين لشعراء نيجيريين في المعارضة والمناقشة والمناظرة والجدل العلمي بين التيارات الفكرية والاجتهادات الفقهية وجماعات المصالح. كما يذكر في هذا السياق كتابات في الدراسات الأدبية النقدية مثل: كتاب (محمد النويهي والنقد الأدبي) لمحمد أول أبوبكر عام 2002م, وكتاب (البلاغة القرآنية لدى عبدالله بن فودي) لعبد الباقي شعيب أغاكا، وكتاب (صور من الاتجاهات الفنية في أدبنا العربي النيجيري المعاصر) لمؤلفه محمد أمين الله آدمو الغمبري الصادر عام 2003م، وكتاب (تاريخ الأدب العربي في مدينة إلورن من العصر الإسلامي إلى عصر ما بعد الاستقلال) لعثمان عبدالسلام محمد الثقافي، 2009م، وكتاب (الشعر العربي النيجيري بين الماضي والحاضر) الذي نشر عام 2009م لمؤلفه الأستاذ عبدالوهاب دنلاد شيث. ومن الأعمال الأدبية المتميزة من نوعها كتاب (المقامات) الذي ألفه محمد الأول عبد السلام عام 2008م على منوال مقامات الحريري الشهيرة، وكتاب (معايير النقد الأدبي) لعبد الواحد جمعة, وصدر عام 2007م.ورغم هذا التحسن وتلك التطورات فتحديات الأوضاع وتزايد الاحتياجات تتطلب مزيداً من الحركة والعمل الدؤوب, لاسيما من الإخوة العرب لتشجيع المستعربين بالوقوف بجانبهم من خلال الدعم المادي والمعنوي، ونشدد في هذا المجال على أن الدعم المعنوي قد يكون له تأثير أكبر وأقوى في بعض الحالات من غيره، فالزيارات الميدانية الأخوية من المثقفين والمفكرين والأكاديميين العرب إلى إخوانهم المستعربين في أفريقيا لا تقل عطاءً, بل تدعم موقفهم ورسالتهم في مجتمعاتهم، كذلك دعوتهم في المناسبات العلمية والتظاهرات الثقافية المختلفة، ونشر كتاباتهم وإنتاجاتهم كلها حوافز داعمة لحركة الثقافة العربية في أفريقيا.

المصدر: المجلة العربية
ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 380 مشاهدة
نشرت فى 1 مارس 2013 بواسطة ahmedsalahkhtab

أحمد صلاح خطاب

ahmedsalahkhtab
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

634,852