براءةٌ
لم يبقَ على عودتِهِ لِلوطنِ؛ سوى شهورٍ تسعةٍ، بِحوزتِهِ من الأجهزةِ؛ ما يكلفُهُ الكثيرَ، هو الذي اقتصدَ في الغُربةِ؛ حدَّ الكفافِ، أيضيعُ مدخراتِهِ على الجماركِ؛ والضرائبِ؟ قدحَ زنادَ فكرِهِ، اهتدَى إلى حيلةٍ عبقريةٍ، أحصَى أهلَ بلدتِهِ المغتربين معَهُ، وطدَ صلتَهُ بِهم، أرسلَ معَ كلِّ عائدٍ منْهم؛ خطابًا وأحدَ الأجهزةِ، بعضُهم قَبِلَ حياءً، والبعضُ رغبًا؛ ورهبًا، فقدْ كان من أعيانِ البلدةِ، واتخاذُ يدٍ عندَهُ؛ سيفيدُ حتمًا؛ إنْ عاجِلًا أو آجِلًا، بقِي أكثرُ الأجهزةِ تكلفةً، اختصَّ بِها أشدَّهم غفلةً؛ وأكثرَهم طِيبةً: "مسعودَ الأسيوطِّي"، سلمَهُ الحقيبةَ الرخيصةَ، وأوصَاهُ أنْ يُسلِّمَها؛ يدًا بِيدٍ؛ لِلحاجِّ متولِّي - شخصيًا- وليسَ لِأحدٍ غيرِهِ، لِأنَّ فيها؛ هاتفًا لاسلكيًا؛ وعدةَ هواتفٍ محمولةٍ، في الميناءِ؛ سألَهُ مسئولُ الجماركِ؛ عن الأجهزةِ؛ التي في حوزتِهِ؛ فردَّ مسعودٌ بِبراءةٍ:
_تليفونُ لاسلكي؛ وأجهزةُ محمولٍ!
أطالَ الموظفُ التحديقَ في أسمالِهِ الباليةِ؛ المتسخةِ؛ من جرَّاء النَّومِ؛ عدةَ ليالٍ؛ على رصيفِ الميناءِ؛ وسطحِ الباخرةِ، وقلَّبَ الملابسِ الرخيصةِ؛ التي بِصحبتِهِ، ثم انفجرَ ضاحِكًا؛ وأجازَهُ؛ بِلا رسومٍ.
قضَى مسعودٌ أجازتَهُ، ثمَّ عادَ لِلعملِ، أسرعَ إليه؛ يسألُهُ في لهفةٍ:
_ ماذا صنعتَ بالحقيبةِ؟
بِبساطةٍ مدَّ مسعودٌ يدَهُ؛ تحتَ السريرِ المتهالِكِ، وأخرجَ الحقيبةَ، ودفعَها إليْهِ قائلًأ:
_ البقاءُ للهِ! الحاجُ متولِّي تعيشُ أنتَ!