بقلم محمد سلومه
جرت العادة على تعريف المجتمع المدني بأنه تلك المؤسسات التي تملأ الفراغ أو الفجوة بين الحاكم والمحكوم، حيث يقوم المجتمع المدني في صورته الفعالة على العمل كحلقة وصل بين ما يقدم من قبل الحاكم وبين مطالب المحكوم للوصول إلى حالة وسطى بين ما هو مأمول من قبل المحكوم وبين ما هو موجود بالفعل لدي الحاكم.
ومن هنا كانت أهمية دور المجتمع المدني في إيجاد حالة من التوازن بالمجتمع. وهذا ما يثير التساؤل حول ما إذا كان هناك مجتمع مدني فعال وحقيقي في مجتمعنا المصري أم لا؟ وهذا تساؤل يُحير كل العاملين والمهتمين وخبراء العمل الاجتماعي في مصر. فهل مؤسسات المجتمع المدني هي ابن شرعياً تستمد شرعيتها وقانونية عملها من الدستور المصري والذي ينص على الحريات العامة وحق تكوين المؤسسات والجمعيات الأهلية، أم هو دمية تتلاعب بها الحكومات المتعاقبة أو قماشه (لترزية) القوانين كحقل تجارب غير قابل للنجاح؟
فأساس العمل الأهلي يرتكز على مبدأ هام هو البعد عن البيروقراطية الحكومية مع تبسيط الإجراءات والتركيز على الفائدة الحقيقية والاحتياجات الماسة للمجتمع الذي يُفترض أن القائمين على العمل الأهلي من قيادات هم الممثلين الطبيعيين لهذا المجتمع. ولكن ينغص حلق المهتمين بالعمل للاجتماعي هي المحاولات المستميتة من الحكومات المتعاقبة لفرض الوصاية علي العمل الأهلي وسحبه تحت عباءة البيروقراطية الحكومية متمثلة في سن القوانين الصارمة لتحجيم دور المؤسسات غير الحكومية وإفساد ثمرتها التي تقدمها للمجتمع متجاهلين أن إضافة البيروقراطية للعمل الأهلي تحت مسمى حماية المجتمع لا تجعل هناك فارق بين العمل الأهلي والعمل الحكومي بل وتحمّل العمل الأهلي بموروث الجمود الحكومي وعيوبه التي عانت منها الشعوب. وتناسوا أن العمل الأهلي هو الضمانة الحقيقية لأمن وحماية المجتمع.
من هنا أصبح هناك تشكك في الفائدة العائدة على المجتمع من مؤسسات المجتمع المدني والتي تتمثل في حوالي 27 ألف جمعية أهلية في مصر حسب آخر التقديرات الحكومية. والذي يغفل عنه الجميع هو وجود هذا الرقم المخيف الذي برغم ضخامته تجاهله أصحاب القرار.
ومن المبكيات المضحكات أن هذه المؤسسات الأهلية أصبحت في الوقت الحاضر بعد سقوط النظام هي الوحيدة صاحبة الشرعية وهى الحل السحري لما يعانيه المجتمع المصري حالياً من مشاكل واحتياجات نظراً لامتلاك المؤسسات الأهلية إمكانيات ضخمة تجعل منها الشريك الأساسي في التمنية الشاملة، والقاطرة التي تقود المجتمع نحو مستقبل أفضل.
حيث أن من المتعارف عليه أن العمل الأهلي هو أحد الأضلع الثلاث للتنمية بالشراكة مع القطاع العام والقطاع الخاص، ونظراً لما يعانيه القطاع العام حالياً من كوارث وحاجة إلى إعادة صياغته ليرجع كي يؤدي دوره الطبيعي في التنمية. ويتزامن ذلك مع تخوف القطاع الخاص من الظروف الراهنة وبخاصة التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر وهروب الاستثمار وتباطؤ دورة. وبذلك لم يصبح لدينا سوى العمل الأهلي الذي استمر في العطاء والريادة ولم تعطله التغيرات الحالية على الساحة المصرية في أن يؤدي دوره المجتمعي برغم تجاهل السلطة له في مصر.
وهذا نابعاً من أن العمل الأهلي هو ملك المجتمع ومرتبطا باحتياجاته وعلاقتهم علاقة مصير لا تقبل الاستقلالية، فلا حياة للمجتمع بدون مؤسسات أهلية تخلق توازن بين أفراده، ولا حياة لعمل أهلي بدون مجتمع يفرز قيادات لمؤسسات العمل الأهلي.
والمتأمل لمطالب ثورة 25 يناير في مصر يجد أن مطالب الثورة هي إعادة صياغة مؤسسات المجتمع المدني التي هي خاتم سليمان لتحقيق هذه المطالب. وهي مطالب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإعادة التوازن في المجتمع، وعلاج الخلل الناتج عن تغييب دور مؤسسات المجتمع المدني فيه مما أدى إلى حدوث فجوة عميقة بين طبقات المجتمع وتآكل الطبقة الوسطى. الأمر الذي أوجد المعادلة الشهيرة بأن 80% من الدخل القومي يتحصل عليه 20% من عدد السكان، وأن 20% من الدخل القومي يقتات عليه 80% من عدد السكان.
وهي الترجمة الحقيقية للحالة الموجودة الآن في مصر والتي تنادي بـ عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية، ونحن نختصرها في تسول.... مجتمع مدني.. لله. —
نشرت فى 18 أكتوبر 2015
بواسطة abkr
عدد زيارات الموقع
8,072