دع العالم الذي بداخلك يرحل
ذات مرة استيقظ أحد الرجال ليجد نفسه يقود سيارته عبر مكان يبدو أنه مسكون بالأشباح. لم يكن يعرف بالضبط المكان الذي هو فيه. كل ما كان يعرفه هو الظلام الحالك الذي يتسم به هذا المكان وأنه كان يتحرك في اتجاهه دون اختيار. والأكثر سوءًا من هذا أنه كان يعرف أن أفظع وأبشع الأشياء التي يمكن تخليها، يمكن أن تقفز إليه من أي ركن. وكان على وشك أن يثب من سيارته ويجري ملتمسًا المساعدة، لكنه سمع صوتًا مطمئنًا وقويًا يتحدث إليه بشكل مباشر قائلاً:
"ابقَ في سيارتك. لا تخف. هذا الظلام غير حقيقي وكذلك تلك المخلوقات الغريبة. لست في حاجة لأن تكون شجاعًا، لكن إذا كنت ترغب في الخروج من هذا المكان المرعب، ينبغي أن تبقى في السيارة حتى تنتهي الرحلة. إذا قفزت من سيارتك الآن، فكل ما سيحدث هو أنك ستخرج إلى هذا الظلام الحالك. أنصت إلي. ضوء الشمس أمامك. كل ما أنت بحاجة إليه هو إكمال المسيرة إلى نهايتها".
لقد علم أن شيئًا غير مألوف كان يحدث، لأن تفكيره المعتاد كان من المفترض أن يهديه إلى الخروج من سيارته والجري كالمجنون نحو أي شيء يمكن أن يكون بمثابة مخرج أو حتى شبيهًا به. وبطريقة غامضة شعر أنه كان في هذا الموقف من قبل وانه يتعين عليه التصرف بشكل مختلف تمامًا هذه المرة.
لذلك بدلاً من أن ينصت إلى مشاعره الهائجة، قرر أن يتبع التعليمات الغريبة التي جاءته للتو. ومرت بعد ذلك بعض اللحظات العصيبة ليجد نفسه بعدها قد خرج إلى ضوء الشمس، تمامًا كما وعه هذا الصوت إن هو استمر في القيادة. لقد أدرك أن هذه كانت مجرد رحلة شاقة وانتهيت. والآن إليك التفسير الداخلي لهذه القصة وهذا الجزء. واصل المسيرة نحو حريتك.
كل جهد تبذله كي تخرج من ذاتك وتغير نوع الكائن البشري الذي أنت هو، سوف يثير بداخلك مجموعة من الأفكار والشاعر المتلهفة لأن تخبرك بالسلبيات وبعدم إمكانية القيام بهذا. جميعنا سمع انتحابها بداخله وهي تصيح فيه قائلة: "لا مفر"، و "لمَ المحاولة؟"، و"هذا أمر شاق للغاية"، وغير ذلك من الوساوس التي لا تتوقف. وهذه الأصوات الداخلية، إذا لم تُفحص ويتم التنبه إليها، تجد مرتعها الخصب في عقولنا. لكننا إذا لن نثابر على رغبتنا في السمو فوق ذاتنا بالرغم من كل هذا الصخب والإلحاح، فسوف تكون نفس هذه الاستجابات المقاومة مجبرة على أن تكشف نفسها على أنها قوى جبارة من الخوف واليأس كما اعتادت أن تكون! إنها ليست صديقة لك. وفي الواقع، فإن المهمة الوحيدة المنوطة بها هي أن تضمن عودتك وانسحابك. هذه الهواجس والوساوس الخادعة عادة ما تنجز مهمتنا عن طريق إقناعك بأنك لا تستطيع أن تتقدم أكثر من هذا.
والآن يأتي أفضل جزء. هنا يتجلى جمال الدور المنقذ الذي تلعبه معرفة الذات السامية. لست في حاجة لأن تتقدم أكثر من ذلك. وكما الحال في قصة الرحلة المخيفة التي قام بها الرجل عبر ذلك المكان المسكون بالأشباح، فإن كل ما أنت في حاجة إلى فعله هو أن تصغي إلى صوت الحقيقة وأن تقوم بما تخبرك به. أنصت الآن. لست في حاجة إلى القيام بأي شيء بخصوص تلك الوساوس التي تحاول أن تزعجك في رحلتك خارج ذاتك. ومثل ذلك الرجل في قصتنا، لا يتعين عليك القيام بشيء سوى أن تبقى في سيارتك. أنت في أمان هناك وليس في الهروب من أي شك مخيف لتقع في قبضة شك آخر. تدرب على هذا الدر الجديد في نوع سام من الصبر الذاتي. فلو أنك واصلت المسيرة وتجاهلت تلك المشاعر والأفكار المخيفة، لصارت عدمًا كالعدم الذي نشأت منه في الأساس. لكي تكتشف العالم الرائع الموجود خارج ذاتك، دع العالم الموجود داخلها يرحل. لا تتوقف عما تقوم به. وسيأتيك النصر تمامًا كما يأتي ضوء الشمس.
ساحة النقاش