حين تذهب إلى التاريخ تتلقى منه تلقي التلميذ المتعلم ، وليس تلقي التلميذ المتحجر المكابر ، يروعك أنك تقرأ نفسك ومجتمعك وأحداث عصرك في بعض صفحاته ، وتكاد تحس بأن ما يدور حولك ليس إلا آخر طبعة من كتاب التاريخ ، وأن الذين يظنون أنفسهم آخر حلقات التاريخ - أي أفضلها - أو يظنون أنفسهم خارج دائرة التاريخ . . هؤلاء وأولئك قوم مخدوعون ، يمتازون بالغباء الشديد والسذاجة المفرطة .
إن قصة خروجنا من الأندلس لم تكن قصة عدو قوي انتصر علينا بقدر ما كانت قصة هزيمتنا أمام أنفسنا . . قصة ضياعنا وأكلنا بعضنا بعضا كما تأكل الحيوانات المنقرضة بعضها بعضا .
وكان سقوط ( قرطبة ) أكبر معاقل الإسلام في الأندلس سنة 633هـ النهاية لسقوطنا التام في الأندلس .

وقد اضطر ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة إلى أن يهادن ملك قشتالة الصليبي، وأن يعقد معه صلحا لمدة عشرين سنة ، وأن يسلم له - بناء على شروط الصلح - مدينة جيان وما يلحق بها من الحصون والمعاقل ، وأن ينزل عن أرجونة وبيع الحجار وقلعة جابر وأرض الفرنتيرة . . واعترف بالطاعة لملك قشتالة وتعهد بأن يؤدي إليه جزية سنوية قدرها مائة وخمسون ألف مرافيدي ( العملة الإسبانية ) وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه ( المسلمين ) ! وعندها استغل ملك قشتالة هذا الصلح ليتفرغ لضرب المسلمين الآخرين ، هاجم مدينة إشبيلية قاعدة غربي الأندلس كله . . وكانت هناك كتيبة إسلامية أرسلها ابن الأحمر تهاجمها معه ( باسم التقدمية ! ! ) فسرعان ما سقطت إشبيلية الإسلامية حاضرة الثقافة الإسلامية الرفيعة - بيد فرناندو الثالث ملك قشتالة سنة 646هـ وبمعونة ابن الأحمر 0- مؤسس مملكة غرناطة العظيم ، ولم تعد إشبيلية إلى الإسلام منذ ذلك اليوم ! !
وعندما كاد أمد الصلح بين ابن الأحمر وبين ملوك قشتالة ينتهي بعد ( العشرين سنة ) سعى ابن الأحمر لتجديد الصلح . . وفي سبيل ذلك تنازل لقشتالة عن عدد كبير من بلاد الإسلام قيل إنها بلغت أكثر من مائة بلد وحصن !
وأنا لا ألوم ابن الأحمر وحده . . إنما ألوم ملوك الطوائف جميعا . . لقد كان كل شيء ممكنا بالنسبة لهم - وفي عرفهم - عدا شيئا واحدا . .
كان الترامي في أحضان العدو ممكنا . . وكان التنازل له عن الأرض ممكنا . . وكان الخلاف بين بعضهم وبعض لدرجة الاستنجاد بالعدو ممكنا . . أجل . . كان كل هذا ممكنا إلا شيئا واحدا . . إلا العودة إلى الإسلام الصحيح الخالي من حب السلطة واستعباد الدنيا . . . والأمر بالاعتصام بحبل الله وحده وعدم التفرقة . . كل شيء كان ممكنا - في عرفهم - إلا هذا .
وبالطبع . . فإن لنا أن نتوقع ظهور كثير من الحركات التقدمية والقومية والجدلية في مثل هذا المناخ الفاسد . . وبالتأكيد . لولا بروز مثل هذه النزعات التي لا شك في أن النصارى قد ساعدوا على ترويجها ، لولا هذا لأصبح المكان خاليا وملائما لبروز الحل الوحيد الصحيح . . الحل الإسلامي .
وفي الشرق الأندلسي كان شيء من هذا يحدث على نحو أعتى وأقسى ، ففي " بلنسية " . . كان آخر أمراء الموحدين هناك " أبو زيد بن أبي عبد الله " يلجأ بعد انهيار ملكه في بلنسية تحت ضربات منافسه " أبي جميل زيان " . . وكان هذا الموحدي العاق الجاحد يشهد مع ملك أرجوان كل غزواته ضد المسلمين . . ولم يكتف بهذا المصير التعس . . فاتخذ قراره الثوري الحاسم " باعتناق النصرانية " . . . ! !
وبينما كانت مدن بلنسية الكبرى وقراها وحصونها تتداعى ما بين سنوات ( 63-636هـ ) كان ( أبو زيد ) يبذل جهوده مع النصارى في حروبهم ضد الإسلام . . ويعاونهم في التعرف على نقاط الضعف لدى أبناء دينه السابق . وفي الوقت نفسه كان ابن الأحمر يساعد ملك قشتالة بكتائبه ضد إخوانه المسلمين .
وتسألني لماذا طردنا من الأندلس ؟ فأقول لك : لأن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون . . ثم أقول لك عبرة التاريخ . . قانون سقوطنا : " حين يبحث كل عضو منا عن نفسه تسقط سائر الأعضاء " .

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 71 مشاهدة
نشرت فى 27 مايو 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

298,577