جمال سلطان
17
ديسمبر
2012
03:56 PM



المحافظات التى شهدت وقائع الجولة الأولى من الاستفتاء تمثل مراكز الثقل التقليدية للمعارضة وفلول النظام السابق، ومع ذلك نجحت قوى الاستقرار والبناء فى أن تكسر ذلك الحاجز، ففى الشرقية فازت "موافق" بفارق ملحوظ، وكانت إحدى النقاط التى حقق فيها الفلول مفاجأة فى انتخابات الرئاسة لصالح الفريق أحمد شفيق، وفى الإسكندرية حققت "موافق" أيضًا تفوقًا واضحًا، وفى الدقهلية أيضًا حققت "موافق" تفوقًا ملحوظًا، وفى أسيوط وسوهاج كان اكتساح "موافق" مفهومًا ومتوقعًا وهو نفس ما حدث فى انتخابات الرئاسة، أما فى القاهرة التى تمثل بعض أحيائها مراكز حشد مسيحى كثيفة ومناطق نفوذ لرجال أعمال مبارك وشريحة من الطبقة الوسطى المتحفظة تجاه التيار الإسلامى، ففازت فيها "غير موافق" بفارق ليس كبيرًا، وربما أقل من الفارق الذى تحقق فى انتخابات الرئاسة، وفى الغربية أيضًا تفوق طفيف لـ"غير موافق" ربما بفعل الحساسية الزائدة من التيار السلفى فى منطقة لها جذور صوفية عميقة، ووفق هذه النتائج فإن المرجح أن تشهد الجولة الثانية تفوقاً أعلى للموافقين على الدستور، لأن هناك مناطق ثقل كبيرة يمكن أن تحدث الفارق بوضوح كافٍ كما أحدثته فى انتخابات الرئاسة، وخاصة مناطق الكثافة مثل الجيزة والفيوم وبنى سويف ودمياط، ولكن تبقى كل هذه الرؤى مجرد توقعات تتوقف فاعليتها على الجهد الذى يبذله كل فريق فى محاولة إقناع المواطنين بوجهة النظر الداعمة للدستور أو الرافضة له.

والحقيقة أن موافقة الشعب المصرى على الدستور لا يمكن أن تكون مفاجأة بأى معيار، بل المفاجأة الكبرى فعلا ـ لو حدثت ـ فهى أن يرفض الشعب الدستور، لأنه بعيدًا عن سفسطة المثقفين وجدل الفضائيات وخناقات النخب المؤدلجة حتى النخاع، فإن المنطق البسيط والبديهى للمواطن العادى يجعل من القبول بالدستور، حتى وإن كان فيه بعض ما لا نرضى عنه، بوابة للأمل والإنقاذ الوطنى الحقيقى، لأن الموافقة تفتح الباب أمام برنامج عمل وطنى محدد الملامح والخطوات ومفعم بالخير، فأنت بالموافقة ستكون قد حصلت للأمة على أول دستور حقيقى تختاره بنفسها ويعبر بنسبة هائلة عن أشواقها للحرية والكرامة والعدالة وتقطع الطريق على مسلسل الإعلانات الدستورية المثيرة للجدل والاضطراب والغموض، ثم فى خلال شهرين من إنجاز الدستور سنكون أمام انتخابات برلمانية ليولد برلمان وطنى حقيقى منتخب يعبر عن كل أطياف المجتمع وتياراته السياسية لينتقل الحراك السياسى من فوضى الشوارع إلى رصانة المؤسسات وفاعليتها، فنربح الدستور والبرلمان الذى يستعيد سلطة التشريع من الرئيس للشعب، ثم يعقب ذلك تشكيل حكومة ائتلافية منتخبة، وهى أول حكومة منتخبة من الشعب مباشرة منذ أكثر من ستين عامًا لها مساحة استقلال واسعة عن رئيس الجمهورية للمرة الأولى أيضًا، ثم فى أعقاب ذلك يتم انتخاب مجلس الشورى، أو الشيوخ، ثم يعقب ذلك انطلاق مشروعات البناء والعمل وجذب الاستثمارات ودخولها بقوة إلى أسواق يعرف العالم كله أنها واعدة وبها مميزات ضخمة، بما يعنى رفع معدلات التنمية وفتح فرص عمل جديدة وإنقاذ للبنية الأساسية وتطويرها وتحسين الأجور والرعاية الصحية والتعليمية والإسكانية ومحاصرة مساحات الفقر والمعاناة الاجتماعية وغير ذلك، هذا البرنامج الوطنى محدد الخطوات والملامح إذا تمت إجازة الدستور والموافقة عليه، أما فى حالة رفض الدستور فأنت تفتح أبواب الوطن على المجهول، ولا يوجد من يعرف ـ يقيناً ـ ما هى الخطة الثانية بعد رفضه، هل تتم الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية انتخابًا حرًا من الشعب؟ وهل ستقبل المعارضة ذلك بما يجعل احتمالية تشكيل الجمعية الجديدة بأكثر من 80% من المشايخ وقادة التيار الإسلامى والأحزاب والشخصيات القريبة منهم؟ أم يرفضون الاحتكام للصندوق من جديد؟ أم يطعنون على الصندوق ويقولون أنه مزور؟ أم يخرج لنا الحاج أحمد الزند ليقول إن القضاة سيقاطعون؟ أو يطعن أحدهم فى محكمة تهانى الجبالى فيتم وقف الإجراءات؟ أو غير ذلك من دوامات وعبث بلا نهاية؟ أم نأخذ المسار الآخر ونبحث عن "التوافق" فى تشكيلها؟ وهو توافق سيحتاج إلى خمس سنوات تقريبًا ـ على الأقل ـ باعتبار أنه لا توجد قضية واحدة فقط تم التوافق عليها بين القوى السياسية المختلفة منذ نجاح ثورة يناير وحتى الآن، حسناً، توافقنا على الجمعية التأسيسية الجديدة ـ بعد عمر طويل ـ كيف ستدار أعمالها؟ ومن يرأسها؟ وكيف يتم اعتماد صيغتها؟ هل بالتوافق أم بالتصويت؟ هل سيشترط الإجماع وهو مستحيل بين الكنيسة والدعوة السلفية؟ أم بالأغلبية فنعود إلى نقض ما ناضلنا من أجله وهو ضرورة أن يكون الدستور توافقيًا؟ ولا داعى لأن أذكرك بأنه خلال هذه الأعوام التى تتم فيها تلك "الحلقة المفرغة" التى لا تدرى أولها من آخرها، كيف تكون سلطة التشريع والرقابة على الحكومة؟ وكيف يكون اقتصاد البلد المعلق بانتظار دستور؟ وأين تذهب الاستثمارات المحلية والأجنبية التى تنتظر أن ترى "دولة"؟ وهل سنشهد إعلانًا دستوريًا سادسًا أو سابعًا لملأ الفراغ؟ وما هى شرعيته؟ وماذا إذا انتهت مدة الرئيس خلال هذه المعمعة؟ هل سنجرى انتخابات رئاسية جديدة؟ وعلى أى أساس؟ أم يصدر إعلان دستورى بمد عمل الرئيس لحين الانتهاء من إنجاز الدستور؟.. هل عرفنا لماذا يذهب المواطن البسيط لكى يقول "موافق" على الدستور الجديد معطيًا ظهره لهوس الفضائيات وسفسطة النخبة؟

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 73 مشاهدة
نشرت فى 18 ديسمبر 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,379