الرئيسية مقالات اليوم

شيوخ السلطة..؟!


test test test 6 Share on print سعيد إسماعيل على 04 نوفمبر 2012 05:10 PM

 

لو عكست ترتيب طرفي عنوان المقال بحيث يصبح: سلطة الشيوخ، لكأنك تشير إلى فئتين من علماء الدين... فئة تنصر الحق، مهما كلفها ذلك من تضييق قد يصل بأصحابها إلى السجن، لكن، مع ذلك تصبح لهم سلطة على قلوب الناس وعقولهم، حتى وهم وراء القضبان، أو مجمدون في بيوتهم، حيث يستمدون هذه السلطة من سلطة الحق والواجب اللذين يؤكد الدين عليهما، وقبل هذا وبعده: سلطة العلم، لأن العلم في الدين، هو طريق هداية ونور، وعروة وثقى تربط العالِم بالطريق إلى الله، وقد عرضنا في مقال سابق لطرف من هؤلاء، عندما وقفوا بجانب الثورة  العرابية، حتى عندما فشلت وبدأت أبواب السجون تفتح لهم الأبواب، وسياط غضب السلطان تُلهب ظهورهم عن طريق جلاديه، وكلابه البوليسية المتمثلة أشكال وصور بشرية!

   أما الفئة الثانية، فلا يملك أصحابها أسباب السلطة الحقيقية، لأنهم نسوا سلطة العلم ووظيفته وحقيقة الدين، على الرغم مما يتمتعون به من علو المناصب الدنيوية، والقرب من أبواب الحكام، وأنهار مال ورياش تتقاطر إليهم وعليهم.. إنهم يستسلمون لسلطة الحاكم: يلهثون وراء ذهب المعز، ويفرون من سيفه... هذه الفئة هي موضوع حديثنا هذه المرة..

   وبطلنا هنا كان عالمًا كبيرًا، شاءت له الظروف التعسة للتعليم في ظل الاحتلال البريطاني أن يكون أحد الأقطاب الذين يقودون ويأمرون وينهون... إنه الشيخ حمزة فتح الله.

   كتب الرجل مقالاً في جريدة كانت تصدر زمن الثورة العرابية اسمها (الاعتدال) كله هجوم شديد على الثوار، وافتراء عليهم باسم الدين، ودعوة إلى إلقاء السلاح، وعدم حمله في وجه الإنجليز، كتب هذا الشيخ غير المأسوف عليه، كما سجلنا في كتابنا (دور الأزهر في السياسة  المصرية):

   "ربنا لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا. عباد الله لستم تجهلون أنني طالما ناديت في جريدة البرهان  بأن لا سبيل لنجاح الأمة الإسلامية سوى إقامة الدين المبني على مكارم الأخلاق، والذي من مقتضياته حسن المعاملة، والرفق بالذميين والمستأمنين والمعادين والمصالحين، وهى الأقسام الأربعة التي قدمنا أن جميع الأجانب في البلاد الإسلامية لم تخرج عنها..".

   فهو هنا يسمى الثوار "بالسفهاء"، ويضرب على وتر الدين، وأنه يطلب منّا معاملة الأجانب معاملة حسنة، وهو يقيم كلامه على قياس مغلوط، فالأجانب ليسوا كلهم سواء، إذ ماذا يكون الأمر عندما يسعى هؤلاء الأجانب إلى استغلالنا، واحتلال أراضينا؟ إن الإسلام يقف من المسلم نفسه موقفًا واضحًا وصريحًا: إن بغى وظلم، بمعاقبته عقابًا صارمًا بصور تختلف باختلاف الجرم الذي ارتكبه، فما بالنا بالأجنبي عندما لا يحترم بلد الذين أحسنوا في البداية ضيافته، وبدأ يُسفر عن وجهه القبيح؛ فيريد احتلالاً واستغلالاً ويستهدف سرقة وظلمًا؟!

   ويمضى شيخ السلطة ليُفَقِّه موقف الخيانة فيقول:

   "ومن مقتضياته أيضًا إعداد ما يستطاع من القوة ومن رباط الخيل، وأنه لا ريب في أنه يدخل في القوة المدافع وغيرها من أنواع العُدد الحربية الجديدة المناسبة لكل زمان ومكان، وكذا، جميع ما يتصور العقل أن فيه نكاية للخصم. غير أنه لسوء الحظ كأن تلك الآية الكريمة الآمرة بإعداد ما ذُكر إنما نزلت على خصوص الأجانب فعملوا بها دوننا، ورفضناها نحن كغيرنا... من شعائر ديننا وحدود ربنا تبارك وتعالى حتى بلغ من تضلع البغاة الجهال من الفنون الحربية وخبرتهم بطرق النكاية للعدو أن يقابلوا الآلات الإنجليزية الحديثة العهد المصنوعة منذ أشهر وأسابيع، بآلات عتيقة مضى عليها من الأجيال ما أكلها به الصدأ.. فأواه ثم أواه!!

   ولكن هو الجهل حتى  ينبح الكلب مولاه!!

   فلو أننا فرضنا المستحيل من كون هذه الحرب دينية، والحالة هذه، وأنها بأمر الخليفة الأعظم (العثماني) أو نائبه الخديوي الأكرم( توفيق)، لوجب شرعًا مخالفة أمرهما بها لأنها حينئذ عبارة عن المخاطرة بالبلاد والعباد، وقد نهانا الله تعالى عن أن نلقي بأيدينا إلى التهلكة..".

   والنتيجة المنطقية المترتبة على هذه المقدمات، هي أن نلقي السلاح، ونقلع عن مقاومة الغزاة، ما دام السلاح قديمًا!

   ثم يوجه الخطاب إلى عرابي بكلمات مسيئة يتهمه فيها بأنه مغرور، ولا يعي إلا مصلحة نفسه.. عرابي، الذي وقف على حصانه مواجهًا سلطة الخديوي لأول مرة في التاريخ المصري الحديث، حتى ذلك الوقت، ويردد على مسامعه، قولة الخليفة العظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟

   قال شيخ السلطة، حمزة فتح الله: "إنك يا عرابي لما وقفت في يدك ويد جهالك الآلات الحربية وصرفتم نفس القوة التي من شأنها أن تكون عونًا للحكام على تثبيت النظام وردع الأشرار، وليس للحكومة إذ ذاك قوة أخرى تكسر بها شوكتكم، امتلأت نفسك الخبيثة بالشرور، فطمعت في المستحيل، وما ليس إليه سبيل، واستعملت أنت وحزبك للحصول على ذلك جميع الوسائل، ولكنهم صاروا بعناية التوفيق كلما أوقدوا نارًا لهذه الحرب أطفأها الله..."!!

   ولم يسأل شيخ السلطة نفسه: ومن المسئول عن عدم تسليح الجيش المصري بأسلحة متطورة حديثة، أليس هو حاكم البلاد، وبالتالي، فإذا استخدم المنطق نفسه، يكون هذا الحاكم هو الذي يلقي بمصر والمصريين إلى التهلكة؟

   وهل غاب عن ذاكرة شيخ السلطة، أن حاكم مصر محمد علي، وهو جد توفيق، سبق أن سلح جيش مصر بالسلاح الجديد، وصارت مصر قوية يخشى بأسها كثيرون، ثم إذا بقوى الاستعمار تتضافر لتكسر شوكته، وترجع بمصر إلى الوراء، فتصبح بهذه الحال التي يعيبها الشيخ؟ 

   إن المأساة هنا، لا تقف حدودها عند نزعة التخاذل والخيانة لهذا الشيخ، وإنما المأساة أنه قال ما قال، باسم الدين، والدين منه براء... وهنا مكمن الخطورة في كل زمان، والباب الذي يدلف منه غير الإسلاميين، ليحذروا من "تديين" السياسة، خاصة في مصر، حيث هذه النزعة التدينية لدى المصريين، التي تدفعهم إلى الامتثال إلى ما يقول به عالم الدين.

   لكن ما يُدخل الطمأنينة إلى قلوبنا، هو وجود مثل هذا الفريق الآخر الذي سبق أن أشرنا إليه، الذي يعتبر أصحابه أنهم جند مرابطون على ثغور الأوطان يذودون عن حياضها، ويستندون في ذلك بفهم مختلف لتوجيهات الدين وأوامره وتعاليمه، فما كان لدين الله أن يرضى بالاستسلام لقوى البغي، خارجيًا كان أو داخليًا...وما كان لدين الله أن يرضى لأتباعه بأن يقفوا موقف ضعف، فالذين يتقاعسون عن اتخاذ أسباب القوة، هم مخالفون لأوامر الله وتعاليمه، وخاصة من يقفون موقف السلطة.

   ومثل هذا الموقف المتخاذل، في أواخر القرن التاسع عشر، يتكرر مثله، على طول التاريخ، ولعلنا نذكر ما كان عليه الأمر في تاريخنا المعاصر، من قِبل الدكتور محمد السيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، وهو الآن بين يدي المولى سبحانه وتعالى، وكيف آثر أن يتخذ موقف المساند لسلطة باغية فاسدة، فآثر أن يغلو في المسايرة، لا المغايرة، إلى درجة أن يقوم بعملية "تطبيع" مع رجال دين إسرائيليين، فيفتح لهم أبواب الأزهر الشريف كي يدنسوه.. فلما انتقده العالم المفكر العظيم، الدكتور محمد العوا.. قال الشيخ في حقه كلامًا لا نقبله - من سوء أدبه وخشونة ألفاظه- من رجل عادى، فما بالنا ممن يقف على رأس الأزهر؟ كل ذلك لأنه تأكد أن الحاكم القائم "كنز استراتيجي" لكيان العدو الصهيوني، بل وتمادى طنطاوي فأقبل فرحًا ليصافح في أحد الملتقيات الخارجية رئيس الكيان الصهيوني، وزعم أنه لم يكن يعرف شكله، وهو مما ينطبق عليه القول المشهور: إن كنت تدرى فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدرى فالمصيبة أعظم!

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 5 نوفمبر 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,234