authentication required

الرئيسية رأي


Share on print د. عثمان عبد الرحيم القميحى 31 يوليو 2012 05:53 PM

 

ثمة رجال أحاطوا بالصحوة الإسلامية وكان لهم أثر كبير فى مسيرتها من حيث التأثير أو التطوير الفكرى والعلمى لمسيرتها والارتقاء بمفاهيم العمل الدعوى والتى وضح أنها تتطور بتوالى الأحداث وإعمال منظومة فقه النتائج والمآلات غير أنهم حظهم من الذكر قليل ومن الشهرة نذر يسير، وذلك يعود إلى أسباب عديدة من أهمها عدم اعتناء هؤلاء الرجال بالشهرة والأضواء لديانة فيهم أو لطبع فى سيماهم ومنها قلة الطلاب والأتباع الذى يؤطرون أفكارهم لتكون فى النهاية (مذهبا أو مدرسة فكرية) أو كثرتهم مع قلة عنايتهم برصيد شيوخهم، وفى هذا قال الشافعى: «كان الليث بن سعد أفقه من مالك بن أنس، إلا أنه ضيعه أصحابه)، ومن هذه الأسباب أيضا عدم انتماء كثير من هؤلاء الرجال أو العلماء إلى جماعات حركية تقوم بتلميعهم أو تسعى إلى نشر اجتهاداتهم.

من الضرورى فى هذه المرحلة من تاريخ النضج الدعوى إلقاء الضوء على جملة من هؤلاء ممن التقيتهم وتعلمت على يديهم الكثير ومن أجل هدف واحد هو الاطلاع على مناهجهم وكيفية الإفادة منها فى تطوير الفكر الدعوى أو السياسى لتكون نتاجا علميا مستحضرا أمام الأمة بعيدا عن تلميع الجماعات واهتمام الفضائيات.

 وسيكون حديثى عن الأستاذ الدكتور صلاح الصاوى،

يعرفه جيدا رجال الصحوة الإسلامية، فقد جمع بين العلم الشرعى الرصين وخاصة فقه كبار علماء الأمة والتضلع بأفكارهم كابن تيمية وابن القيم والشاطبى والجوينى، وبين القلم المتدفق والأسلوب الأدبى الراقى  والاطلاع على الواقع الحركى للجماعات الدعوية  بالإضافة إلى نظمه للشعر وحفظه للكثير من قصائده، وأكثر ما يميزه فى سيماه الشخصية ربانيته الصافية وبساطة معشره وقرب شخصه مع من يعايشه، وفى، صبور، نحسبه كذلك والله حسيبه.

ولأنى أتحدث عن (المنهج) الذى هو اهتمامى الأول والذى إذا غاب حضر الخلل والخطأ وجزا الله شيخنا الشاهد البوشيخى حينما جعل اهتمامه الأكبر فى حياته هو تأطير المنهج بل وأنشا فى سبيل ذلك معهد الدراسات المصطلحية بفاس.

 أقول ولأنى أتحدث عن منهج هؤلاء الرجال قبل الحديث عن شخوصهم فأقول إن لصلاح الصاوى منهجا واضحا فى مسيرته الحياتية مع الإقرار بتطوره المنهجى والموضوعى والتراكم العلمى عبر مسيرته الحياتية. ومن أهم ملامح هذا المنهج: النقد الدقيق للصحوة الإسلامية، صحيح أنه ألف كثيرا عن الصحوة ومآثرها، ولكنها مؤلفات بعضها غلبت عليها الصبغة التاريخية الوصفية التى تسجل المواقف والأحداث ولا تنقد المواقف ولا تقوم الأساليب، والبعض الآخر من الكتابات طغى عليه أسلوب المدح والثناء وتسجيل الشكر والعرفان لرواد الصحوة ومنح شهادات التقدير لرجالها، وحتى عندما ظهر جيل ترشيد النقد ليكون نقدا موضوعيا مجردا من حظوظ النفس وأغراض الهوى على يد كثيرين ممن كتبوا فى قضايا النقد والتقويم هامسين فى آذان المنتسبين إلى أبناء الصحوة والعاملين فى مدارسها ومؤسساتها بما وضعوا أيديهم عليه من أمراض وعلل دون تعيير أو تشفٍّ، أقول حتى عندما ظهر هذا النوع من النقد كان نقدا عاما مجملا غير معنى بالتفاصيل الحركية أو الاجتهادية الواقعية، فجاء صلاح الصاوى فى كتابه (مدخل إلى ترشيد العمل الإسلامى) ليقدم للصحوة نقدا علميا مفصلا يقوم على العلم الشرعى المتمكن والمزاوجة بينه وبين مقتضيات المنظومة الاجتهادية فى الإسلام المعتمدة على تحقيق المناط وتوظيف الحكم الشرعى فى محله مع إعلاء شأن مقاصد الإسلام فى الحفاظ على ما أتى به الإسلام من تحقيق المصالح أو تكثيرها ودفع المفاسد أو تقليلها، كل ذلك فى ضوء إدراك دقيق بواقع الأطر الفكرية والمدارس الدعوية الموجودة على الساحة، فرأيناه يتحدث عن ترشيد فكر التبليغ والمجموعات السلفية والجهادية والقطبية، وكأنه كان واحدا منهم، وهذا ما افتقدته كثير من مؤلفات النقد للصحوة والتى كانت تتوجه دوما إلى الأفكار العامة والتى عن التحقيق نجد أنها أفكارا قديمة وغير واقعية أو حدث لها تطور فكرى وحركى واضح.

 وقد استفادت الجماعة الإسلامية المقاتلة كثيرا من أفكاره فى مجال الترشيد وذكرت كثيرا من أقواله فى مراجعاتها الأخيرة. 

كما يعد سعى الدكتور صلاح الصاوى إلى تجسيد فكره فى صورة أعمال مؤسسية من أهم اهتماماته فقد ألح الصاوى كثيرا على ضرورة السعى والعمل على المساهمة فى تحقيق وحدة الأمة من خلال تكاملية جهود القوى الإسلامية العاملة وأنه ليس بالضرورة أن يكون العامل المشترك فيها هو الانتماء الفكرى الضيق أو الانتماء الحزبى المنظم طالما أن المعتقد المجمل لهذه القوى داخل إطار أهل القبلة مع إعلاء فقه المقاصد والمآلات فى الاجتهادات الفكرية الواقعية، وقد ذكر أساس هذا الفكر فى كتابيه المدخل والثوابت والمتغيرات، غير أن الجديد فى هذا الأساس الفكرى هو عدم الاكتفاء بالتأصيل النظرى المجرد وإنما سعى إلى إقامة كيانات علمية ودعوية بالتعاون مع شخصيات ليس بينها ولا بينه صلات فكرية أو تنظيمية، بل وبذل حياته لتجسيد هذا الفكر ليؤكد للعاملين فى الحقل الإسلامى إمكانية تحقيق الوحدة من خلال العمل المؤسسى وليس التنظيمى الضيق للجماعات الدعوية، فأنشأ الجامعة الأمريكية المفتوحة، ثم مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وأخيرا الجامعة الإسلامية بأمريكا الشمالية (مشكاة).

الفكر المؤسسى للعمل الإسلامى فكرة جديرة بالتفكير والتطوير وقد قعد لها الدكتور سامى الدلال باعتبارها الفكرة البديلة للعمل الجماعى القائم على الانتماء الفكرى والالتقاء حول مجموعة من الاختيارات الفقهية للمستجدات.

 وأتصور أن المستقبل للعمل المؤسسى لاسيما بعد زوال عصور الاستبداد والتى كان وجودها سببا رئيسيا فى تباين الأفكار الدعوية والحركية، فلا ينكر أحد زوال الفروق - من ناحية التأصيل المنهجى - بين المجموعات السلفية وبين الجماعة الإسلامية والمجموعات الجهادية الأخرى بعد زوال سبب الاختلاف، وهو النظام المستبد الذى كان جعل كثيرا من تلك المجموعات تختلف فيما بينها فى كيفية القضاء عليه أو تغييره لأن الخلاف لم يكن فى شرعية الأصول الشرعية كالجهاد والتربية وتغيير المنكر، وإنما كان فى أمور أخرى متعلقة بالواقع وتحقيق مناطه مثل الأسبقيات والنتائج والتوقيت والموازنات بين المصالح والمفاسد وغير ذلك مما ليس له علاقة بأصل التشريع.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 108 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,429