الرئيسية مقالات اليوم


2 Share on print محمود سلطان 30 يوليو 2012 07:53 PM

 

"نظرية الفراغ".. يعرفها كل دارس لعلم الفيزياء، وتستخدم الآن فى علم الاجتماع السياسى، وتقوم على فكرة "أن الطبيعة تمقت الفراغ".

وجود الفراغ، يعنى ـ فى المقابل ـ وجود قوة أخرى ستتمدد لتشغله.. وهذه القاعدة الفيزيائية، تحدث يوميًا، دون أن يستشعر بها أحد، ربما لمنطق "اللطف".. أو بحكم "الإلف".. فلا يكاد ينتبه إليها الناس.

علم الاجتماع السياسى، يستخدم تلك النظرية فى تفسير الكثير من الظواهر السياسية والاجتماعية.. وأذكر أن الصديق د. وحيد عبد المجيد، عندما سئل ـ ذات يوم ـ عن سبب تنامى ظاهرة ما يسمى بـ"الإسلام السياسى" فى مصر، لفت إلى أنه عندما تنسحب الدولة من دورها فى الدفاع عن الدين.. فإنها تترك فراغًا تتمدد فيه قوى دينية أخرى، لتدافع عنه، وتكتسب شرعيتها بحكم "الأمر الواقع".. أو بـ"ملء الفراغ"، الذى تركته الدولة.

فى ثورة يناير، ترك مبارك الدولة وقد انهارت مؤسساتها بالكامل، ما خلف "فراغًا" مؤسساتيًا هائلاً، تمددت لشغله المؤسسة الوحيدة التى ظلت متماسكة وقادرة على شغله، وهى المؤسسة العسكرية.. واستمدت شرعيتها من "ملء الفراغ" أو"الأمر الواقع".. أو "وضع اليد".

بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومع تنامى ظاهرة التحرش الجماعى، بمقر مجلس الشعب، ومحاولة محاصرته من قبل محتجين أو مشاغبين، تنازلت الدولة عن دورها فى الدفاع عنه، وأسندت إلى تيارات سياسية كبيرة ومنظمة، مهمة حماية منشآت الدولة المنتخبة.. وهى خطوة كانت بالغة الخطورة، لأنها تعنى ترك فراغ أمنى كبير، لتشغله "لجان شعبية" تابعة للجماعات السياسية المنظمة.. ما يمكن أن يفضى ـ حال تركه بلا أسقف ـ إلى تأسيس مليشيات مسلحة تابعة للأحزاب السياسية، تعمل كقوى أمن موازية للسلاح "الشرعى" المرخص قانونًا للجيش والشرطة.

أية سلوك "رسمى" صادر من الدولة، يتعمد افتعال حالات فراغ معينة، حتى لو كان من قبيل المناورات أو الأوراق التى يتلاعب بها صانع القرار مع القوى السياسية المناوئة له.. هى لعبة خطيرة جدًا، لأنها تهدد وحدة الدولة، وتحيل البلد إلى كيان تتنازعه شرعيات وسلطات متعددة، وهى مقدمة لتصنيفه دوليًا كـ"دولة فاشلة.

وما يحدث الآن، بشأن التواجد الأمنى فى الشوارع، هو أقرب إلى الاتفاق على افتعال "فراغ أمنى".. ربما يكون المقصود منه، "معاقبة" الثورة، التى استهدفت الجهاز الأمنى المدنى الوحشى الذى كان مهيمنًا على كل مفاصل الدولة قبل 28 يناير 2011 وتفكيكه.. وترك البلطجية وقطاع الطرق يستبيحون حياة وأعراض وممتلكات الناس بلا رحمة.. غير أن ما لا يفهمه رجال الشرطة، أن الفراغ لن يشغله فقط "الحرامية" الذين تتوقع الأجهزة الأمنية، أنه يمكن "لمهم" فى عدة حملات جادة وجسورة، وإنما يمكن ـ عند نقطة معينة ـ أن تتمدد فيها "مليشيات" تابعة للجماعات السياسية الكبيرة، لفرض الأمن على البلاد، ولملء الفراغ، الذى تصر الشرطة على تركه.

عندئذ.. ستتخلق "شرعية جديدة" تكتسبها تلك المليشيات.. وربما تضطر الدولة لاحقًا، إلى تشكيل جهاز أمنى جديد وبديل، يتكون قوامه الأساسى من تلك المليشيات اهتداء بتجارب دول عدة، مرت بظروف مشابهة لما تمر به مصر الآن.

[email protected] 

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 239 مشاهدة
نشرت فى 31 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,496