الرئيسية مقالات اليوم

مصر يا قلعة الإسلام ومعهد القرآن

8 Share on print عبدالله بن عمر البكرى 19 يوليو 2012 07:44 PM

 

{قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، لا إله إلا الله ما أعظمه وما أحكمه، وما أعدله وما أرحمه، كم فى الدهر من تقلبات، وكم فى تقلباته من عبر وعظات، منذ نحو عام كان على عرش مصر طاغية ظالم متجبر، وكان بعض المصلحين فى غياهب سجونه، وجريمته أنه يسعى لإقامة دين الله وتحكيم شرع الله، ويدور دولاب الزمن فإذا بالطاغية ذليلا مهينا يطاف به فى مشافى السجون وهو فى أرذل العمر، وإذا بالسجين المظلوم رئيسًا، رغم أنف الحاقدين والماكرين، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِين}، كم فى هذه الحادثة من آثار قدرة الله لمن يعتبر بأيام الله!

إن مصر الإسلام مصر العزة والكرامة والقوة، هى الصخرة التى تحطمت عليها الحملات الصليبية والغزو التترى والحملات المتوالية للاستعمار الغربى، وهى الشجرة الباسقة، التى ظلت ديدان التغريب تنخر فى جذعها وأطرافها أكثر من مائة سنة، ومع ذلك مازالت واقفة، وها هى الحياة بدأت تدب فيها من جديد بإذن الله.. وإن الحديث عن فضائل مصر ومزايا أهلها، حديث شيق وطويل، كتب فيه المؤرخون الكتب الكبار، فكم لمصر وأهلها من فضائل ومزايا لا يستوعبها هذا المقام، وكم لها من فى الإسلام من تاريخ عظيم وبطولات جسام. وهذه كلمة وفاء لمصر، هدية لأهلها، واعتراف بفضلها وفضل أهلها، فلمصر وأهلها فى قلب كل مسلم مكانة عالية ومحبة صادقة، كيف لا ولأسودها فى رفع راية الإسلام والذب عن حياضه ملاحم لا تُنسى، كيف لا وقد جاء ذكرها فى أكثر من ثلاثين موضعا من كتاب الله، تصريحا أو تلميحا، وفى ذلك تشريف لها وتكريم، وجاء ذكرها صريحا فى مواضع أربعة، منها قوله جَلَّ وعلا: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } فهى دار عبادة وإيمان، وقوله سبحانه على لسان نبيه يوسف عليه السلام: { ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ } فهى دار سلام وأمان.. وقال جَلَّ من قائل: { وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أكرمى مثواه }.. ومما جاء ذكرها فيه بالإشارة قوله تعالى { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِى الْمَدِينَةِ }، وقوله تعالى: { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا } وقوله تعالى قاصًّا قول الرجل الناصح لموسى عليه السلام: { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ } والمدينة فى هذه الآيات هى مصر أو بعض مصر . وفى قوله عز وجل: { اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } قولان لأهل التفسير، فقيل المعنى مصر من الأمصار غير معين بقرينة صرفها، وقيل أراد البلد مصر بعينها، على قراءة من قرأ (مصرَ) بغير تنوين .

وقد وصف سبحانه وتعالى أرض مصر أحسن وصف، فقال جل من قائل فى بيان هلاك طغاة مصر الأوائل: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين } فى سورة الدخان ونحوه فى سورة الزخرف . 

قال المؤرخ الكندى فى ( فضائل مصر المحروسة ): " لا يُعلم بلد فى أقطار الأرض أثنى الله عليه فى القرآن بمثل هذا الثناء ولا وصفه بمثل هذا الوصف ولا شهد له بالكرم غير مصر ". وقال ابن عبد الحكم: " كانت الجنات بحافتى النيل من أوله إلى آخره من الجانبين مابين أسوان إلى رشيد". 

وقال سبحانه وتعالى قاصًّا قولَ يوسف عليه السلام: { قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ } فوصف ثروة مصر بأنها خزائن الأرض، وما ذاك إلا لكثرة خيراتها، وطيب أرضها وهمة أهلها . وجاءت الإشارة إلى نيلها فى قوله عز وجل: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ } قال المفسرون: اليم هنا: هو نيل مصر.. وقال عز وجل: { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها } نقل أبو حيان عن الليث ابن سعد أنه قال: "هى مصر"، وقيل مصر والشام. 

وفى مصر الربوة التى أوى إليها عيسى بن مريم وأمه على أحد أقوال المفسرين فقد قال ابن وهب وابن زيد وابن السائب فى تفسير قوله سبحانه وتعالى: { وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } أنها فى مصر. وقد ذكر الطبرى فى تاريخه أن عيسى ابن مريم وأمه قدما إلى مصر، هربا من ملك بيت المقدس من قبل قيصر: هيردوس الكبير (1/355) . ودخل مصر من الأنبياء إبراهيم وموسى وهارون وعيسى ويوسف وأبوه يعقوب عليهم جميعا الصلاة والسلام.

وفى السُنة أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيرًا، فقال: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا".. وفى لفظ: "فإن لهم ذمة وصهرًا" (صححه الألبانى)، قال النووى رحمه الله: "أما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم".. ولذلك قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما: قبط مصر أخوال قريش مرتين. 

وأما حديث: أهل مصر خير أجناد الأرض.. فرواه ابن عبد الحكم فى فتوح مصر بلفظ: إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد. فقال أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة.. فقد أخرجه ابن عبد الحكم فى فتوح مصر والدار قطنى فى المؤتلف والمختلف ومن طريقه ابن عساكر فى تاريخ دمشق وابن زولاق فى فضائل مصر وابن عساكر فى تاريخ دمشق من طريقين عن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما. وإسنادُه ضعيف ولهذا الجزء من الحديث شاهدٌ من حديث أبى سالم الجيشانى، أخرجه ابن عبد الحكم أيضاً، وإسناده ضعيف لأنَّ مدراه على ابن لهيعة أيضاً". ولكن الواقع أن جند مصر كانوا دروعًا للإسلام ولها فى ذلك المشاهد، التى لا تُنكر.

وفى صحيح مسلم عن سعد بن أبى وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة).. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما فهم فى هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام وهم من أحق الناس دخولا فى الطائفة المنصورة، التى ذكرها النبى بقوله فى الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة، وفى رواية لمسلم لا يزال أهل الغرب والنبى تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية فغربه ما يغرب عنها وشرقه ما يشرق عنها فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية إذ كل بلد له شرق وغرب ولهذا إذا قدم الرجل إلى الإسكندرية من الغرب يقولون سافر إلى الشرق وكان أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل الغرب ويسمون أهل نجد والعراق أهل الشرق، كما فى حديث ابن عمر قال قدم رجلان من أهل المشرق فخطبا وفى رواية من أهل نجد ولهذا قال أحمد بن حنبل أهل الغرب هم أهل الشام يعنى هم أهل الغرب كما أن نجدا والعراق أول الشرق وكل ما يشرق عنها فهو من الشرق وكل ما يغرب عن الشام من مصر وغيرها فهو داخل فى الغرب .

مجموع الفتاوى (28|532(.

وأما فى كتب التاريخ فقال الكندى رحمه الله: "وأجمع أهل المعرفة: أن أهل الدنيا مضطرون إلى مصر يسافرون إليها، ويطلبون الرزق بها، وأهلها لا يطلبون الرزق فى غيرها، ولا يسافرون إلى بلد سواها، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا، لغَنِى أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.."وقال كعب الأحبار: "لولا رغبتى فى الشام لسكنت مصر؛ فقيل: ولم ذلك يا أبا إسحاق؟ قال: إنى لأحب مصر وأهلَها؛ لأنها بلدة معافاة من الفتن، وأهلها أهل عافية، فهم بذلك يعافَون، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه". 

كان أهل الدنيا يطلبون الرزق فى مصر، وفى ذلك عبرة لكل غر ظن أن العز قد ألقى عصاه ببابه وضرب حوله أطنابه، وإنما هى أيام يداولها العزيز الحكيم بين خلقه ليبتليهم فشاكر كريم، وجاحد مغرور.

وأما عن منظرها فى أيام عافيتها، فقال كعب الأحبار: "من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى مصر إذا أخرفت وإذا أزهرت، وإذا اطردت أنهارها، وتدلت ثمارها، وفاض خيرها، وغنت طيرها".. وورد عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أنه قال: "من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها وتغنى أطيارها". 

 وقال ابن ظهيرة: "وأجمع المسافرون والسائحون فى بلاد الله تعالى الشاسعة، وأرضه الواسعة أنه ليس فى الدنيا تحت السماء من مشرقها إلى مغربها مدينة أعمر بكثرة الخلق منها، لا يكاد ينقطع الزحام بشوارعها العظيمة، وهى ضيِّقة لكثرة الناس والدواب حتى إلى الليل، وبعد العشاء بكثير، ولا تشق فيهم إلا بالكتف، ومن لم يكن متيقظًا يداس بسرعة...".

والقبط فى التاريخ هم جميع أهل مصر من أسلم ومن بقى على كفره، وهذا هو اسم مصر فى اللغة اللاتينية وما تفرع عنها، وليس اسما لنصارى مصر وحدهم، كما يظن البعض فى زماننا، وهذا يوهم أن من ليس نصرانيًا ليس من أهل مصر الأقدمين، والتاريخ يكذب ذلك فإن أهل مصر لما رأوا عدل الإسلام ورحمته اختاروا الدخول فيه كغيرهم من أهل البلدان المفتوحة، وبقى منهم قلة بقيت على دينها السابق ولم يُكرهوا يومًا على الإسلام وهم على دينهم إلى هذا اليوم، فمسلمو مصر اليوم هم مجموع من أسلم من المصريين القدماء، ومن استوطن مصر من العرب الفاتحين، ومن وفد على مصر من غيرهم.. ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مصر ما ورد عنه أنه قال: "اللهَ اللهَ فى قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا فى سبيل الله". وقد كانوا كذلك، فكم لأسود مصر من ملاحم فى نصرة الإسلام.

وفى مصر الوادى المقدس طوى، والجبل الذى كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام، وفيها الجبل الذى تجلى الله تعالى له فانهد وصار دكًّا.. ومصر هى مبوأ الصدق الذى قال الله تعالى فيه: { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ }، قال القرطبى فى تفسير المبوأ الصدق: "أى منـزل صدق محمود مختار، يعنى مصر"  وقال الضحاك: "هى مصر والشام".. وفى أرضها يجرى نهر النيل المبارك الذى قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم: "النيل وسيحان وجيجان والفرات من أنهار الجنة" رواه مسلم.

وفى مصر كانت الآية العظيمة والمعجزة الباهرة بانشقاق البحر لموسى عليه السلام وغرقِ الطاغية فرعون وجنده.. ومصر من أعظم خزائن الأرض وأطيبها تربة وهواء، لذا كانت "ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة"، كما قال عمرو بن العاص رضى الله عنه، فجعل كل بلاد الإسلام فى كفة، ومصر فى كفة.. ومصر أرض الخير والبركة والرزق الوافر، قال سعيد بن أبى هلال: "إن مصر مصورة فى كتب الأوائل، وقد مدت إليها سائر المدن يدها تستطعمها؛ وذلك لأن خيراتها كانت تفيض على تلك البلاد"، وقال رحمه الله وهو من التابعين: "مصر أم البلاد وغوث العباد".. وقال الجاحظ: "إن أهلها يستغنون عن كل بلد حتى لو ضُرب بينها وبين بلاد الدنيا سور، لغنى أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا".. فقبح الله من ظلم أهلها وأذلهم وأفقرهم وهم أعزة كرام وتحتهم كنوز تكفيهم وتزيد، وقد مُسحت أرضُ مصر أيام ولاية هشام بن عبد الملك فوجدوا أن ما يصله الماء منها مائةَ مليون فدان. 

وفى مصر ثغر الإسكندرية الذى رابط فيه ما شاء الله من العلماء والعباد والزهاد والأبطال والشجعان، قال فيها التابعى أبو الزناد رحمه الله "خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية"، وقال سفيان بن عيينة فى الإسكندرية: "تلك كنانة الله يجعل فيها خير سهامه".. وفى مصر جامع عمرو بن العاص رضى الله عنه الوالى الحكيم، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذى ساس بمصر بعدل الإسلام ورحمته فأحبه أهل مصر مؤمنهم وكافرهم، وجامعه أول جامع بُنى فى قارة إفريقيا.. وفى مصر الجامع الأزهر الذى كان لعلمائه اليد الطولى فى العلم والفضل وحراسة الشريعة، ونصرة الإسلام وأهله، يوم كان الأزهر أزهر، وقد عدت عليه عوادى الزمان ومسته يد الطغيان حتى كاد يضمحل ذكره وينطفئ نوره ويتلاشى دوره، ولعل الله أن يعيد له مجده وعزه وأن يطهره من كل سوء.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز * الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور }.

وكما كانت مصر درعا للمسلمين وحصنا للإسلام، فقد كانت كذلك معهدا للقرآن، فلايزال فيها - منذ أن أشرقت بنور الإسلام - القراء الكبار، ومازالت أعداد حفظة كتاب الله فيها فى تزايد بحمد الله، ولا شك أن أمور التعليم الشرعى بعد سقوط حكم الطغيان ستكون أفضل بإذن الله.

إن مصر من جنان الدنيا ومن أعظم أرض الله بركة وخصبًا، وكانت للإسلام كهفا وحصنا، فهى معقل الإسلام ومعهد القرآن، وأهلها هم حماة الإسلام وجنده، وقد حرص الماكرون على التلاعب بالعامة فعظموا فى أنفسهم حضارة الفراعنة المجرمين الذين ساموا المصريين سوء العذاب وسخروهم لرغباتهم ونزواتهم فمات فى بناء الأهرامات ألوف كثيرة كما يذكر المؤرخون، ومع ذلك نجد من يتغنى بتاريخ أولئك الطغاة ويفتخر بالانتساب إلى من ظلم أسلافه ونكل بهم، وتغافل عن حضارة الإسلام التى عَرف بها المصريون ربهم الواحد الأحد، فعبدوه ووحدوه وتحرروا من جبروت الفراعنة وظلم الرومان، وقد كان الفتح الإسلامى لمصر تحرير لأهل مصر من استعباد الرومان وبطشهم، ولا يزال عقلاء النصارى والمنصفون منهم يعترفون بذلك ويشكرون للمسلمين تحريرهم من استبداد الرومان وبطشهم فقد كان المصريون فى ضيق شديد من حكم الرومان إذ نكلوا بهم وضيقوا عليهم فى دينهم وهدموا بعض كنائسهم لاختلاف المذهب فجاء الإسلام فرد عليهم كنائسهم وأمنهم على أنفسهم وأموالهم وترك لهم حرية اختيار دينهم مع دعوتهم إلى الدين الحق وإرشادهم إلى التوحيد الخالص فنجى من نجا وهلك من هلك. 

وأخيرًا، فقد تحررت مصر من عصابة الطغيان، أو كادت ولم يبق إلا بعض أشواك على الطريق، وهى بحاجة لبعض الوقت لتسترد عافيتها، فإنّ الطغاة الذين توالوا على حكم مصر قد ملأوا الأرض ظلما وجورا وفسادا، وبذرت فى كلّ شبرٍ من مصر بذور الظلم والفساد، أفسدوا فيها كل شىء، فقد أفسدوا على أهل مصر دينهم ودنياهم، وصغروا مصر الكبيرة وأصبح طغاتها وكلاء لأعداء الأمة ينفذون خططهم ويتجسسون لهم بل ويعذبون المساجين نيابة عنهم. 

وظلت مصر لعقود طويلة أسيرة بيد المقبوح المشؤوم وصبيته وعسكره وسماسرته. وكان من مساوئ طغاة مصر المتتابعين أنهم زرعوا فى بعض العامة الريبة من حكم الشريعة والنفرة من سيادتها فى أرض الله والعياذ بالله، وقتلوا فيهم الولاء للإسلام، ونشروا فيهم ثقافة الولاء للطين بدل الدين، والإخاء لأعداء الدين، وتعظيم المشاهد الفرعونية والتماثيل الوثنية، ونشروا الفسق والمنكر حتى غدا المعروف منكرا والمنكر معروفاً. 

لقد تحررت ثروة مصر أو كادت من سطـو اللصوص الذين أفقروها وأذلوها عقودا طويلة، وتحرر أبناؤها أو كادوا من الخوف والإفقار والإذلال.. وفرح المؤمنون بتباشير صبح الإسلام فى مصر العزة، وشرِق به المنافقون، فمنهم من كتم غيظه، ومنهم من راح يهذى هذيان المحموم فى انفعال طفولى عبر تغريدات حاقدة بلهاء، بل نعيق وعواء.. وتشردت أفاعى الطغيان تبحث عن أوكار جديدة تنفث منها سموم حقدها على الدين وحماته وتواصل فيها خدماتها لأعداء الملة. 

ولما كان شكر المحسن من شكر الله عز وجل فلا يسع مسلم منصف إلا أن يشكر دولة قطر على ما قامت به من دور عظيم وفاء لأهل مصر وقياما بواجب الأخوة الإسلامية، ودعما لأهل مصر فى اختيارهم التحرر من رق الظلم الطغيان.

إن لمصر دَينا فى ذمة كل مسلم، فيجب على الجميع من أهل مصر وغيرهم التعاون لإعادة مصر إلى سابق عهدها، حصنا للإسلام وأهله، وألا تكون مصر بعد اليوم وكرا للتجسس لصالح أعداء الأمة، ولا صندوقا خيريا يتصدق بالغاز على مغتصبى فلسطين، ستعود مصر بإذن الله حصنا للإسلام ودرعا للسنة وأُماً لبلاد المسلمين، وسيعود أزهرها شامخا بإذن الله ينشر العلم الصحيح، وينير الدنيا بأنوار الكتاب والسنة.

اللهم جنب مصر وأهلها مكر الماكرين وكيد الكائدين وألاعيب المخادعين، وافتح لأهلها خزائن فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين وأنعم عليها بالأمن والإيمان والرخاء والاطمئنان، وطهرها من كل خَبَث يا عزيز يا منان، ومكن لشريعتك فى أرضك يا رحيم يا رحمن.

  • المدير العام لمؤسسة حمد بن خالد آل ثانى لتعليم القرآن الكريم

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 90 مشاهدة
نشرت فى 21 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

298,671