الرئيسية مقالات اليوم

شعرة عمر سليمان

1 Share on print فراج إسماعيل 20 يوليو 2012 06:14 PM

مات الصندوق الأسود قبل أن يعرف المصريون الكثير عن ملفات مدرجة في دهاليزه. مات خارج مصر وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم نعرف بأمره وجوده فيها إلا مع خبر مفارقته الدنيا في أحد مستشفياتها.

كنا نعلم القليل عن مرض اللواء عمر سليمان ولم نعرف لماذا توفي فجأة أثناء فحوصات طبية عادية، مما جعل نظرية المؤامرة تطغي على الأحاديث، فطالبت الجماعة الإسلامية بتشريح جثته لاعتقادها أنه تم التخلص منه لإخفاء ما في جعبته من أسرار، وذهب آخرون أبعد من ذلك فاتهموا الإخوان والأمريكيين بقتله لدفن صندوقه الأسود الذي هدد به قبل استبعاده من الانتخابات الرئاسية.

الفترة التي تولى فيها سليمان رئاسة جهاز المخابرات، من يناير 1993 إلى 29 يناير 2011 حين عينه مبارك نائبا له، تحفل بالكثير من الأسرار والخفايا، وبالدور الذي لعبته القاهرة في ملفات إقليمية ودولية، وفي أكثر من حرب، لكني لا أتصور أن هذا الجهاز الخطير الذي كان في وقت من الأوقات من أهم الأجهزة الاستخباراتية وأكثرها ذكاء في المنطقة، يترك كل ذلك أسيرا لشخص واحد حتى لو كان رئيسه وفي حجم اللواء سليمان.

كانالرجل غامضا، لا يشي وجهه بأي علامة. لم يسمع الشعب صوته الجهوري المميز إلا مرة واحدة عندما أعلن في ثوان قليلة تنحي رئيسه وقائده مبارك الذي تعرض لمحاولة اغتيال في أديس أبابا التي جاءها لحضور قمة أفريقية، لعب سليمان دورا كبيرا في انقاذ حياته منها عن طريق السيارة المصفحة التي نصحه باصطحابها معه.

من يومها كُتب الكثير عما تكنه الأسرة الرئاسية المباركية له من حب وتقدير، فقد أبقى لهم حلم التوريث حيا نابضا ببقاء حسني مبارك على قيد الحياة.

حلم التوريث ذاك هو الشعرة التي ربطت الأسرة بعمر سليمان، وهي أبدا لم تكن مثل شعرة معاوية، ولذلك كان القائد المخابراتي الذكي يحس بدنو النهاية كلما تحدثت تقارير عن امكانية خلافته لمبارك، فيسارع فورا إلى نفيها ودحضها. وعندما انتشرت ذات يوم ملصقات في القاهرة تحمل التأييد له كخليفة محتمل، قيل إنها كانت صادمة له وذهبت الدوائر القريبة منه إلى المبالغة في استنكارها بشدة.

غضبت السيدة الأولى السابقة سوزان ثابت، فهي الرأس المفكر للتوريث، وتحدث القريبون من القصر عن جفاء بينها وبين عمر سليمان تسببت فيها تلك التقارير والملصقات.

ثم تردد في ذلك الحين أنه لن يكون سوى رئيس محلل لجمال مبارك، مجرد محطة انتقالية ستؤمن وصول النجل إلى سدة الحكم بطريقة تبدو للآخرين ديمقراطية لا وراثية.

لكن شعرة الأم والنجل مع سليمان انقطعت بتعيينه نائبا عشية جمعة الغضب التي هزت نظام مبارك بشدة، فقد تعرض عمر سليمان لمحاولة اغتيال عقب خروجه من فندق قريب من نقطة للشرطة العسكرية في شارع الخليفة المأمون، ويظن معظم الذين التصقوا بهذه المرحلة أن جمال مبارك هو العقل المدبر.

رحل سليمان عن الدنيا تاركا رئيسه المريض متشبثا بها في مستشفى سجن طرة. مفارقة عجيبة أن يموت العقل الأمني للنظام السابق في أمريكا التي فشلت كما فشل جهازه المخابراتي في توقع ثورة 25 يناير واسقاط مبارك في 18 يوما فقط، ولعل هذا وراء الزخم الذي اكتسبته نظرية المؤامرة خلال الساعات الماضية.

عاش عمر سليمان غامضا وترك مصر في رحلة شابها الغموض الكبير. وحتى موته أبى إلا أن يكون غامضا.

[email protected]

 

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 91 مشاهدة
نشرت فى 21 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

298,690