الرئيسية رأي


7 Share on print على حسن فراج 05 يوليو 2012 08:04 PM

 

تكشف لنا الأحداث يومًا بعد يوم مدى زيف شعارات النخبة الليبرالية العلمانية، وأن تحققها بمبادئها، التى تعتنقها وتنادى بها - إنْ هو إلا ادعاء لا حقيقة تحته إلا فيما ندر، وأنها تتاجر بالليبرالية والديمقراطية، وغير ذلك من الشعارات، التى ترفعها سلاحًا جاهزًا فى وجه مخالفيها، وأنها جديرة بما ترمى به مخالفيها من أبناء التيار الإسلامى كنعتِها لهم بالمتاجرة بالمبادئ واتخاذها سبيلا للوصول للمقاصد، أو التركيز على القشور والمظاهر دون اللب والجوهر؛ فكل ذلك أثبتت الأحداث التى أعقبت ثورة يناير مدى تحقق النخبة به، وانغماسها فيه إلا ما شاء الله.

فمثلاً ما إنْ أجريت الانتخابات البرلمانية السابقة وأسفرت عما أسفرت عنه من نتائج حتى راح آباء الليبرالية فى مصر ودعاة الديمقراطية يلعنون الديمقراطية بلسان حالهم، ويهاجمون اختيار الشعب وإرادته، ويشككون فى نزاهة الانتخابات، وينتقصون المجلس النيابى ويشنون عليه حملات شعواء لتشويهه، ولمّا أصدرت المحكمة الدستورية حكمها بحل المجلس نتيجة خطأ إجرائى فى الانتخابات -طاروا فرحًا وتهليلا بالحكم مع كونه جاء بدوافع سياسية أكبر منها قضائية.

وكم مرة قبل ذلك طفق بعض أساطين النخبة يُغرى العسكر بالبقاء فى السلطة تارة، أو اختيار الجمعية التأسيسية تارة أخرى بعيدًا عن الهيئات المختصة المنتخَبة.

ولمّا أجريت الانتخابات الرئاسية، وآلت جولتها الثانية إلى انحصار المواجهة بين مرشح ذى خلفية إسلامية ومرشح فلولى من أعمدة النظام الديكتاتورى البائد - هرع كثير من أبناء النخبة إلى مناصرة المرشح الفلولى والترويج له بدعوى أنه سيجسد الدولة المدنية! 

وصدَقُوا! فالدولة المدنية فى عُرفهم ليست الدولة ذات الشفافية والديمقراطية والحرية السياسية، بل هى الدولة البوليسية القمعية المستبدة لكن بشرط أن تتخلى عن هويتها الإسلامية وتجنح فى سلوكيات مجتمعها وعاداته إلى النموذج الغربى، ومهما ارتكبت من قمع واستبداد وسرقة ونهب لشعبها فهى مدنية، وتقابل فى الاصطلاح الدولة الدينية التى يحاربونها بزعمهم!

أما من حيث وقوف النخبة مع المظاهر والديباجات الليبرالية الفارغة فحدّث ولا حرج! فبين يدى معارك الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التى كان ينافس فيها أكثر من مرشح إسلامى شنت الميليشيات الليبرالية الإعلامية حملة واسعة لمناصرة حرية "البكينى" و"الخمر" التى يتهددها وصول أحد الإسلاميين للحكم، فى بلد يعيش أكثر أبنائه تحت خط الفقر، ولا يجدون الماء النظيف ليشربوه، ولا المسكن الآدمى ليأووا إليه!

ونفخت الآلة الإعلامية الليبرالية فى الموضوع وألصقته بالحريات العامة التى تُزهق الأرواح فى الدفاع عنها، ولم تر أن فى إثارة هذه القضية - التى ما هى إلا ترف تمارسه طبقة مخملية نسبتها محدودة جدًا إلى السواد العام للمجتمع- مع وجود قضايا كبرى كالدستور ونحوه، ومخاطر جمة تحدق بالوطن الغارق فى مشكلات لا حصر لها - لم تر أن فى ذلك اهتمامًا بالسفاسف والقشور دون المهمات والملمات. 

الأشد غرابة من ذلك أن تنحدر النخبة - التى تدافع عن الحريات الشخصية وتريد منا احترام وتقدير حرية كل امرأة فى أن تلبس ما تشاء وإن خدش الحياء وحرّك الاشتهاء، وأن نعتبر أن تلك المرأة الكاسية من غير ثياب قد تحمل أخلاقًا نبيلة وفكرًا متنورًا وشخصية محترمة ولا رابط البتة بين جوهرها ومظهرها، بل ربما كانت أشرف من المحجبة والمنتقبة- بزعمهم - انحدرت هذه النخبة إلى درجة تشنيع بعض أفرادها على لباس زوجة الرئيس الجديد؛ لأنها - للأسف-  ترتدى خمارًا ولا تبدى لهم شعرها ولا تكشف عن ساقيها، وهذه رجعية لا تليق بمنصب قرينة الرئيس التى ينبغى أن تكون مثالاً تحتذيه سيدات مصر فى نظرهم.

فلا ندرى: هل صار البكينى و(المينى جيب) و(الميكرو جيب) من جملة الحريات المقدسة التى تنبرى الكتائب العلمانية والليبرالية للذب عنها والموت دونها، بينما يكون الحجاب والخمار خارجًا عن تلك المنظومة، بل مناقضًا لها يستوجب فاعله أن يعتدى الليبراليون على حريته ويطاردونه ويحتقرونه.

وهل وُضِع تقسيم جديد لبنى البشر صارت بموجبه الساقطات والعاهرات والراقصات ذوات حق أصيل فى أن يلبسن ما شئن ويتصرفن كيف شئن، ولهن كامل الحرية التى تحميها جلالة الليبرالية وسعادةُ الليبراليين، بينما العفيفات والمحجبات محرومات من ذلك الحق، وداخلات بذلك فى عداوة مع الليبرالية ومعارك حامية الوطيس مع الليبراليين؟!

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 6 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,786