الرئيسية رأي


2 د. أحمد عبد الدايم محمد حسين 27 يونيو 2012 07:43 PM

 

 عقب إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فوزه بمنصب الرئيس عصر يوم الأحد الموافق 24 يونيه 2012 بساعات، انطلق أستاذ الهندسة الدكتور محمد مرسى، الحائز على المنصب ليوجه خطابه الأول من استديوهات التليفزيون المصرى لجموع الشعب الغفيرة، مستخدماً لغة شيخ الإسلام أبى بكر الصديق تارة، ولغة الدولة الحديثة ومفرداتها تارة أخرى، ليقدم رسالة العرفان والتقدير والمحبة لكل من انتخبوه.. داعياً إلى وجوب التصالح بين قطاعات المجتمع والدولة.. مسهباً فى ذكر المناطق والفئات الاجتماعية، كما لو كان يريد أن يشكر المصريين فرداً فرداً على الثقة التى أولوها له.. ورغم أن هذا يعد أفضل أداء لمرسى منذ ظهوره على الساحة السياسية، إلا أنه لا يمكننا فصل لغة الخطاب الهادئة والمتزنة بعيداً عن المنشأ الاجتماعى والفكرى والدينى والاقتصادى، الذى شب فيه الرجل وتعلم.. حيث تجلت أصوله الاجتماعية وشخصيته وتعليمه وفكره ومواقفه فى كل ثنايا الخطاب.. واعتقد أن الناس لو فهمت لغة الخطاب جيداً وأدركتها، واستمر هم على نفس الوتيرة ولم يتشيطن باقترابه من شياطين السياسة فى الداخل والخارج، أنه سيرتفع قدره لدى الناس جميعاً فى مصر والعالم العربى.. فقد حاول الرجل أن يقدم نفسه بأنه يعى العبء الثقيل الذى وقع على كاهله، وأنه يعمل فى فريق ويقبل العمل مع الآخرين. 

ورغم أن هناك من استنكر خطاب العهد والشكر للقوات المسلحة والشرطة والقضاء، كل باسمه وبفساده وتآمره على الثورة، منطلقاً فى الاستعداد للنضال من أجل تيار مدنى ديمقراطى وطنى مستقل بعيداً عن الاعتصام للمجىء بصلاحياته الكاملة، إلا أن استهلال مرسى خطابه بالوفاء لدماء الشهداء، وأنه ما كان له أن يأتى رئيساً لولا تضحيات الشعب المصرى.. تعد طمأنة لكل هؤلاء الذين لم يصوتوا له، وأولئك المتخوفين من حكمه.. فقد خطابه ليقنع هؤلاء وأولئك بجدارته، وأنه خادم لهم جميعاً.. طالباً منهم أن يكون مراقبين له ومحاسبين، وألا يصنعوا منه ديكتاتوراً يقهرون به بعضهم البعض.

  ولو قسمنا خطابه لوجدناه يتضمن جزءين: أحدهما، يهتم بالشق الداخلى.. والآخر، بالشق الخارجى.. ففى الجزء الداخلى جاء خطابه مسهباً ومفصلاً.. فقد تحدث بأن دماء شهداء ومصابى ثورة 25 يناير لن تضيع هدراً، متحدثاً باحترام عن مؤسسة الجيش وبموضوعية عن مؤسسة الشرطة.. ودوداً مع الفئات والطبقات المصرية المختلفة ومحافظات مصر فى الشمال والجنوب، ومع أطراف الدولة المصرية فى جهاتها الأربع. مستحضراً التراث الإسلامى، الذى يجعل الحاكم مسئولا أمام الناس، وأن طاعته مرتبطة بالالتزام فى أداء واجباته فقط، وإن نكص عنها انتهت شرعيته.. مركزاً على أنه ليس له حقوق مرتين، بل عليه واجبات بما يشى بأن الرجل يعى بقداسة المنصب وخشيته من الحساب الإلهى قبل حساب الناس.. أما فى الشأن الخارجى فقد جاء خطابه مقتضباً.. فقد أعلن أنه سيحافظ على كل المواثيق والاتفاقات المصرية مع كل العالم، وأنه سيسعى لإقامة علاقات متوازنة مع كافة دول العالم.. وأنه لن يتدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة، كما لن يسمح بأى تدخل فى الشأن المصرى والسيادة الوطنية وحدود الدولة.

  وثمة ملاحظات عشر على الخطاب: أولها، أن لغته هادئة ومطمئنة وجذابه وحماسية تسعى لإقناع رجل الشارع أكثر مما تسعى لإرضاء المحللين والمنظرين والمتعجرفين.. ثانيها، أن الخطاب توزع بين خطاب شعبوى يستهدف العامة وكافة طبقات المجتمع وفئاته، وبين خطاب رجل الدولة الذى يستهدف رموز السلطة ويستقطبها.. ثالثها، أن وعيه بمفهوم الشريعة والسياسة وعلاقتها بمفهوم الوطن سيشكل بعداً مهماً فى إدارة الرجل لأمور الدولة فى الداخل والخارج.. رابعها، أن وعوده بأن سيكون رئيسا لكل المصريين، وأنه سيقف على مسافة واحدة من الجميع، وأنه لن يميز أحداً عن أحد إلا بقدر عطائه للوطن، وأن مصر الوطن والشعب بحاجة لتوحيد الصفوف وجمع الكلمة، قد جعلها شروطاً رئيسية ليتمكن الشعب من جنى ثمار تضحياته فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. وهو أمر يشكل صعوبة فى مرحلة حكمه الأولى على الأقل.. خامسها، أن اقترابه من لغة رجل الشارع البسيط سيشكل قوة حقيقية تصب فى صالحه مستقبلا ًإن ابتعد الغاضبون عنه لقلة نصيبهم من الكعكة إن فعل.. وبالتالى نحن أمام رئيس جاء من بطن الشارع المصرى ورحمه، سيكون خطراً على أصحاب الياقات البيضاء ومن على شاكلتهم.. سادسها، تركيزه على البعد الداخلى قبل الخارجى يشى بأنه لن يوظف القضايا الخارجية للهروب من مشاكل الداخل وتعقيداته.. سابعها، أن تركيزه على أن الثورة مستمرة يدلل على أن الرجل يتفهم تماماً مطالب الثوار، وأنه سيعمل على استكمالها.. وهذا ما سيجعله قريباً من لغة الميادين، وربما سيدخله فى صدامات مستقبلية من مؤسسات الدولة المحافظة.. ثامنها، أن الرئيس بدا أنه متحدث لبق ولا يلتزم بالورق المكتوب بقدر ما يرتجل من قلبه، وإنما يأخذ رؤوس الموضوعات لينطلق منها، وهذا ما سيقربه للناس أكثر.. تاسعها، أن تشديده على الوحدة الوطنية وأن المسلمين والمسيحيين المصريين بناة حضارة يؤكد على أنه جاد فى الحفاظ على أمن مصر القومى الداخلى قبل الخارجى. عاشرها، أن ختامه بالقول: "لن أخون الله فيكم ولن أعصيه فى وطنى، أضع نصب عينى قول الله تعالى 'واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"، يدلل على أننا أمام رئيس جديد لم نعهده فى مصرنا من قبل، وأنه يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون، وأنه مدرك بأن الله وحده هو الذى أوصله لسدة الحكم، وأنه شكره لتلك النعمة، التى أولاها الله له، لا يتم إلا من خلال مراعاته فى الناس.. ومن ثم وجب علينا أن ننتظر ونهدأ لنرى خطابه هذا فى شكل سياسات يتم تنفيذها على أرض الواقع.  

- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 123 مشاهدة
نشرت فى 28 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,418