الرئيسية مقالات اليوم

عودة الكتائب السرية

122 محمد سيف الدولة 23 يونيو 2012 07:10 PM

 

لا أقصد فقط المخبرين والمرشدين التابعين لأجهزة الأمن الذين يخترقون الأحزاب والتجمعات بغرض التجسس وجمع المعلومات والتخريب والتلفيق إلى آخره، هذه المهام الكريهة، التى عشناها على مر العصور.

بل إن هناك أنواعًا أشد خطرًا وضررًا وهم مجموعة العناصر التى  تقوم الدولة بزراعتهم فى كل مؤسسات المجتمع بعد أن تنتقيهم بعناية من بين أكثر الشخصيات انتهازية ثم تختبرهم وتدربهم، قبل أن تقوم بنشرهم فى كل مكان لينفذوا تعليماتها وفق الحاجة.. ومن مهماتهم، بالإضافة إلى التجسس والاختراق والتخريب، الدعاية للدولة والدفاع عن سياساتها حين تخون أو تستبد أو تزور أو تسرق أو تخرج عن الشرعية. ومن أجل ذلك تقوم الدولة بدعمهم فى مواقعهم وتفتح لهم أوسع أبواب المناصب والمال والجاه والشهرة والنجومية لتضمن ولاءهم.

وهم يختلفون عن باقى رجال الدولة الرسميين الظاهرين للكافة، فى أنه يتم تقديمهم إلى المجتمع بصفتهم شخصيات مستقلة أو معارضة، لتضليل الناس وتسهيل اختراقهم والتأثير عليهم.

وهم من كل صنف ونوع ولكن أشدهم ضررًا هم أولئك الذين يخترقون الحياة العامة فى صورة مثقفين وسياسيين وإعلاميين و"ثوار" ورجال قانون ومستشارين وقضاة وفقهاء وخبراء إستراتيجيين ورجال دين ونقباء ورؤساء أحزاب ووزراء سابقين.. إلخ.

وهى عملية تمارسها الدولة منذ القدم ولم تتوقف عنها أبدًا، فمن هذه العناصر من تم زراعته أو تجنيده منذ سنوات أو عقود طويلة، ولم تنكشف حقيقته، بل تطور به الحال إلى أن صار شخصية عامة مرموقة، وهو النموذج الأخطر.

ويتميزون جميعهم بقدرات خاصة على الكذب والخداع والنفاق والمناورة والاحتيال، ليبرروا للنظام كل أنواع الشرور والجرائم والأباطيل التى يرتكبها.. وهم مجردون من أدنى أنواع القيم أو الحياء أو الخجل، فيكذبون بدون أن يطرف لهم جفنًا. 

وهم لا يتساوون عند الدولة فى أهميتهم أو طبيعة خدماتهم أو درجة احتياجها إليهم، فمنهم من يعمل لديها طول الوقت "بدوام كامل"، أو بعض الوقت "part time"، أو بالقطعة أو بالموقف أو بالحملة، وكله حسب الظروف والتعليمات. 

ومنهم أحزاب وجمعيات وائتلافات وجبهات وتحالفات ومجالس ونواد وصحف ومجلات وقنوات فضائية "كاملة" تقوم بهذا الدور بكل هيئاتها وقياداتها أو ملاكها، سواء كانت تقوم به بابتذال مفضوح أو بحنكة وذكاء قد تمر على الكثيرين.

وتقوم هذه العناصر أو المؤسسات عادة بادعاء المعارضة ونقد النظام فى مواقف بعينها، بغرض اكتساب ثقة الرأى العام، لكى يصدقها حين تتصدى "وقت الحاجة" للدفاع عن الدولة ونقد خصومها. 

***

وبتطبيق كل ذلك وغيره الكثير على الأزمات الأخيرة المركبة، التى تفجرت مع ترشيح شفيق، ومحاولات إنجاحه، وحل البرلمان المنتخب، وإصدار قانون الضبطية القضائية، والإعلان الدستورى المكمل، فإننا نرصد بسهولة أنه برغم كونها تمثل انقلابًا صريحًا على الثورة، إلا أن الماكينة الجهنمية للدولة نزلت بكل ثقلها إلى الساحة، لتنتشر كتائبها فى ربوع الأرض، كل منها تقوم بدور محدد ومرسوم ومتكامل مع أدوار الكتائب الأخرى:

  • فتقبل الكتيبة القضائية الأولى فى لجنة الانتخابات الرئاسية، أوراق شفيق، رغم صدور قانون العزل السياسى.
  • ثم تقضى الكتيبة القضائية الثانية فى المحكمة الدستورية بحل البرلمان المنتخب وإبطال قانون العزل.
  • مع دعم ومساندة من الكتيبة القضائية الثالثة فى نادى القضاة، التى هددت وتوعدت للبرلمان وأعضائه بالثأر والانتقام.
  • ولتلحق بها فورًا كتيبة الفقهاء القانونيين والدستوريين لتدافع عن هذه القرارات وتشن هجومًا حادًا على كل من يعارضها وتتهمه بأنه خارج عن الشرعية ومعتد على هيبة القضاء، مع تضليل الرأى العام بادعاءات مثل أن القضاء مستقل وأن المجلس العسكرى برىء من كل هذه الأحكام.
  • أما كتيبة الكتاب والصحفيين والإعلاميين والفضائيين فانبرت للدفاع عن شفيق وعن المجلس العسكرى وعن اللجنة الرئاسية وعن المحكمة الدستورية.
  • وهاجمت قوى الثورة ومظاهرات الغضب، باستخدام كل حيل وفنون التحليل السياسى فى الترهيب منهم ومن المصير الأسود لمصر فيما لو وقعت فى براثنهم، وهو تهديد لم يقتصر على الإخوان فقط بل طال الجميع على غرار ما كان يحدث مع كل خصوم الدولة من كل التيارات على مر العصور.
  • أما كتيبة الأحزاب السياسية الموالية فقدمت الغطاء السياسى والحزبى لموقف الدولة بحجة الدفاع عن الشرعية والمدنية والاستقرار.

وهكذا فى سيمفونية نشاز كريهة يديرها مايسترو واحد، على غرار تلك التى كان يعزفها لنا نظام مبارك طول الوقت.

لقد عادت كتائب الدولة السرية وماكينتها الجهنمية بكامل لياقتها هذه المرة، وإن لم ننتبه جيدًا، فإن الأمور قد تزداد سوءًا.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 24 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,708