authentication required







 بقلم: د.محمد عمارة

 العلامة الشيخ عبدالوهاب خلاف (1305 - 1375هـ/ 1888 - 1956م).. واحد من أنجب تلاميذ الإمام الشيخ محمد عبده (1266 - 1323هـ / 1849 - 1905م).. وعلم من أعلام السلسلة الذهبية لعلماء مدرسة الإحياء والتجديد في عصرنا الحديث. ولد بمدينة كفر الزيات - إحدى مدن محافظة الغربية بدلتا النيل في مصر - في شهر رجب عام 1305هـ / مارس 1888م.. وبعد حفظ القرآن وتجويده، وتعلم الخط والحساب والإملاء بالكُتاب، التحق بالأزهر الشريف بالقاهرة عام 1318هـ / 1900م، فدرس فيه خمس سنوات.. وقد تلقى مباشرة عن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وحضر دروسه لتفسير القرآن الكريم بالجامع الأزهر الشريف. ثم انتظم الشيخ خلاف بمدرسة القضاء الشرعي عام افتتاحها سنة 1325هـ / 1907م، وهي المدرسة التي أسسها سعد زغلول باشا (1273 - 1346هـ / 1857 - 1927م) لتحقيق رغبة أستاذه محمد عبده في تخريج قضاة شرعيين ينافسون في العلم والتنظيم والتجديد قضاة المحاكم الأهلية.. ولتكون منبراً لتجديد الفكر الإسلامي يزامل دار العلوم. تفوق علمي ولقد تخرج الشيخ خلاف من مدرسة القضاء الشرعي، ونال شهادة العالمية عام 1333هـ / 1915م.. ولنبوغه وتفوقه العلمي عين مدرساً فيها عقب تخرجه منها.. فدرّس لطلابها مادة أصول الفقه.. وعلى يديه تخرج العديد من القضاة الشرعيين والعلماء المجددين. وعندما قامت ثورة سنة 1919م ضد الاحتلال الإنجليزي ولتحقيق الاستقلال الوطني، انخرط الشيخ خلاف في صفوف الثوار كاتباً وخطيباً الأمر الذي أدى إلى إقصائه عن التدريس بمدرسة القضاء الشرعي، فانتقل إلى سلك القضاء، حيث عين قاضياً شرعياً عام 1338هـ /1920م.. ثم عمل مفتشاً بالمحاكم الشرعية منتصف سنة 1921م. وفي عام 1924م، انتقل إلى وزارة الأوقاف، مديراً للمساجد، فعمل على أن تكون المساجد مدارس ومنابر لمحاربة البدع والخرافات. تخريج أجيال وفي أوائل عام 1934م انتدبته جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) أستاذاً لكرسي الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، فتخرجت على يديه أجيال من نجباء القضاة والمشرعين والمحامين، الذين عشقوا الشريعة الإسلامية، وتأهلوا للتبحر فيها وإنجاز دراساتهم العليا في علومها. وفي عام 1946م نال الشيخ خلاف عضوية مجمع اللغة العربية ضمن عشرة من أعلام علماء العصر، أطلق عليهم الأستاذ أحمد أمين (1295 - 1373هـ / 1878 - 1954م) - في حفل استقبالهم بالمجمع - وصف «العشرة الطيبة».. وكان من بينهم: الدكتور عبدالرزاق السنهوري (1313 - 1391هـ /1895 - 1971م)، والشيخ محمود شلتوت (1310 - 1383هـ / 1893 - 1963م)، والدكتور عبدالوهاب عزام (1312 - 1379هـ / 1894 - 1959م)، والدكتور إبراهيم بيومي مدكور (1320 - 1416هـ / 1902 - 1995م)، والأستاذ زكي المهندس (1304 - 1396هـ / 1887 - 1976م)، والأستاذ محمد فريد أبوحديد (1310 - 1387هـ /1893 - 1967م). وعندما بلغ سن المعاش عام 1948م، طلبت منه الجامعة البقاء في منصب الأستاذية بكلية الحقوق، فاستمر عطاؤه كواحد من أبزر أساتذة الشريعة الإسلامية في القرن العشرين، حتى أقعده المرض عن إلقاء المحاضرات في بداية العام الدراسي 1955 - 1956م. معجم القرآن وفي مجمع اللغة العربية، أشرف الشيخ خلاف على وضع معجم القرآن الكريم.. مع إسهامات كثيرة ومتميزة في اللغة والمصطلحات المتعلقة بالحضارة والفقه الإسلامي. ولأن كلية الحقوق بجامعة القاهرة، التي درّس فيها الشيخ خلاف قرابة الربع قرن، كانت منبراً للدراسات القانونية في الشرق، فلقد تحول تلاميذه إلى طلائع لمدرسة الإحياء والتجديد في كثير من ربوع العالم العربي. وكما كان الشيخ خلاف إماماً في تدريس الشريعة الإسلامية وعلومها.. كذلك كان إماماً في الاجتهاد والتجديد.. فأبدع آثاراً فكرية خالدة.. منها: 1 - «علم أصول الفقه». 2 - «مصادر التشريع الإسلامي». 3 - «أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية». 4 - «السياسة الشرعية، أو نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية». 5 - «شرح قانون الوقف». 6 - «شرح قانون المواريث». 7 - «الاجتهاد والتقليد». 8 - «الاجتهاد بالنصوص والاجتهاد بالرأي». 9 - «نور من الإسلام» في تفسير بعض القرآن الكريم. 10 - «نور على نور». كما كان له حظ في الإفتاء. مخطوطات نادرة كذلك امتدت اهتمامات الشيخ خلاف إلى ميدان البحث عن المخطوطات الإسلامية النادرة، التي سعى وراء جمعها لإحيائها، وذلك بالسفر إلى البلاد العربية التي ألقى فيها أيضاً العديد من المحاضرات. كذلك كان له حضور دائم بالأبحاث والمقالات في أشهر المجلات الفكرية في عصره من مثل: مجلات «القضاء الشرعي»، و«الأحكام»، و«لواء الإسلام»، و«الثقافة»، و«الرسالة». في الإذاعة المصرية، كانت أحاديثه جاذبة للعقل المسلم، تطوف حول القصص القرآني، والتفسير لآيات من القرآن الكريم. كما شهدت المنتديات الفكرية بالقاهرة العديد من المحاضرات الإسلامية التي ألقاها الشيخ خلاف.. ولقد خص «دار الحكمة» بمحاضرات في تفسير القرآن الكريم لعدة سنوات. ملحمة إبداع وهكذا كانت حياة الشيخ عبدالوهاب خلاف ملحمة من الإبداع في تجديد الفقه والشريعة، وقد جمع بين فقه الواقع وفقه الأحكام.. والدفاع الباسل عن صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان. وبعد هذه الحياة الخصبة والمباركة، رجعت نفسه المطمئنة إلى بارئها صباح يوم الجمعة 6 جمادى الآخرة عام 1375هـ / 20 يناير 1956م، وشيع جثمانه فدفن بمقابر الغفير بالقاهرة، ويومئذ قال عنه صديقه وزميل دربه الإمام الشيخ محمد أبو زهرة (1316 - 1399هـ / 1898 - 1979م): «إننا نحس، نحن الذين زاملنا أستاذنا المرحوم - بإذن الله تعالى - الأستاذ الجليل عبدالوهاب خلاف وعاشرناه أكثر من عشرين سنة، أن فراغاً هائلاً قد تركه.. وهكذا كان، رجالات العلم الذين لهم كيان فكري مستقل قد اختصوا به، ومنهاج علمي - لم يكونوا فيه مقلدين - قد التزموه». وقال عنه الإمام الأكبر محمود شلتوت: «إن الشيخ عبدالوهاب خلاف إذ كان في حياته المادية شخصاً واحداً، فإن في حياته العلمية الباقية شخصيات متعددة، فأبناؤه القضاة الشرعيون، وأبناؤه القضاة المدنيون، وأبناؤه المدرسون، والشعوب الإسلامية التي انتفعت بتفسيره وأحاديثه وبحوثه ومؤلفاته، كل أولئك الشيخ خلاف»(1) عليه رحمة الله.> الهامش (1) الشيخ محمد أبو زهرة، التقديم للطبعة السابعة من كتاب «علم أصول الفقه» بتاريخ 8 صفر عام 1376هـ - 13 سبتمبر سنة 1956م، طبعة دار القلم، الكويت عام 1392هـ - سنة 1972م، والدكتور وهبة الزحيلي «الموسوعة العربية»، المجلد الثامن، طبعة دمشق، سنة 2003م، ومجلة مجمع اللغة العربية، ج12، ج7،ج11.

المصدر: المجتمع
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

299,907