13




1
 لندن: د. أحمد عيسى

 ماذا تفعل عندما تعلم أن تاريخك يُباع في أسواق التحف، وتراثك يُشترى في صالات المزاد، وآثار بلادك المسروقة معروضة بالعديد من المتاحف في بلاد بعيدة؟! إنه أمر يدل على ضعفك وعدم قدرتك على حماية أملاكك المتوارثة وكنوزك التاريخية من آلاف السنين، في دوائر متداخلة من طغيان الاستعمار واستهتار الحكام، وخيانة الحراس، ومكر عصابات التهريب.. والأغرب من ذلك عدم رجوع هذه الآثار إلى وطنها الأم، بين خنوع المالك وجبروت السارق!! إنها سرقة لجزء من تاريخ الوطن وذاكرة الأمة، فهذه الشواهد التراثية هي أدلة على صدق ما كتبه المؤرخون الأوائل عن حضارتنا الإسلامية. تعددت سرقات المساجد الأثرية بمصر، وكان آخر ما أُعلن عنه في نهاية ديسمبر 2010م سرقة منبر مسجد «قايتباي الرماح» الأثري الذي يقع ضمن مجموعة مسجد «السلطان حسن» الشهير بوسط القاهرة.. وهناك تخوف أن «ما خفي أعظم» ؛ نظراً لتولي هيئة الآثار ترميم 517 موقعاً إسلامياً في القاهرة فقط لا تتمتع بأي حراسة. لا يستطيع السارق أن يخفي قطعاً تاريخية مشهورة مثل «حجر رشيد» في لندن أو تمثال رأس الملكة نفرتيتي في برلين، بل يعرضها لملايين الزوار ويكابر أن ترجع لمصر، وهي جزء من تاريخها.. يقول أحد المعلقين: إن رجوع القطع المشهورة سيؤدي إلى طوفان من طلبات إرجاع آلاف القطع الأخرى من متاحف العالم. هل يقبل البريطانيون مثلاً أن يُسرق تاج الملكة ويعرض في بلد آخر؟ ولا أجد مثالاً آخر حيث إن هذه الدول الأوروبية لم تقم فيها حضارات قديمة بعراقة الحضارة المصرية والإسلامية ويكون لها تحف ذات ذكريات وتاريخ، ولعل ذلك هو أحد أسباب سرقة القطع من أنحاء العالم لتصنع متحفاً من تاريخ الآخرين.. والمدهش أن الأمر يتكرر في العصر الحديث مع «الاستعمار» الحديث، وتسرق الآثار التاريخية والإسلامية على أعين الناس: من سيناء وفلسطين بواسطة «إسرائيل» ، ومن العراق بعد الحرب الظالمة، ويحدث كذلك في اليمن وفي مصر والأردن. صرّح «د. زاهي حواس» وزير الدولة المصري السابق لشؤون الآثار بأنه ينبغي أن تكون القطع الأثرية المصرية الفريدة داخل بلاده، مشيراً إلى مطالبة مصر بعودة ست قطع رئيسة هي: «حجر رشيد» من المتحف البريطاني بلندن، وتمثال رأس «نفرتيتي» من متحف برلين بألمانيا، و«القبة السماوية» من متحف «اللوفر» بفرنسا، وتمثال «هيميونو» مهندس الهرم الأكبر من متحف «هيلدسهايم» بألمانيا، وتمثال مهندس الهرم الثاني من متحف الفنون الجميلة في «بوسطن» بالولايات المتحدة، وتمثال «رمسيس الثاني» من متحف «تورين» بإيطاليا. وأشار «حواس» إلى أنه في حال فشل استعادتهم بشكل دائم، فإنه يرغب على الأقل في استعارتهم بشكل مؤقت من أجل افتتاح المتحف المصري الكبير في «الجيزة» بحلول عام 2013م. وللأسف يُقال: إنه قَبِل بتسوية في حال وافق المتحف البريطاني على إقراضه لمصر لعرضه لمدة ثلاثة أشهر بشرط أن يقوم بالدعاية لكتابه الجديد بالإنجليزية «الرحلة السرية في عالم الآثار» وتوقيعه للمقتنين داخل المتحف البريطاني. واستبعد المسؤولون الألمان إعادة تمثال نصفي للملكة «نفرتيتي» إلى مصر وقالوا: إنه من الهشاشة بحيث لا يمكن نقله. ووافق متحف «اللوفر» على إعادة اللوحات الأثرية المسروقة من مقبرة عمرها 3200 سنة بعد قرار مصر تعليق تعاونها مع المتحف الفرنسي إلى حين إعادة القطع. وكان قد تم تهريب الآلاف من القطع الأثرية من مصر خلال فترة الحكم الاستعماري، وبعد ذلك من قِبَل علماء الآثار والمغامرين واللصوص.. وفي عام 1970م أقرت الأمم المتحدة ضرورة عودة هذه القطع الأثرية المهربة إلى بلدها الأصلي بموجب اتفاقية.. وأكد «حواس» أن لديه سجلاً كاملاً للآثار المصرية المسروقة قائلاً: «لدينا دليل مباشر يثبت ما سُرق بالتحديد، فكل تاريخنا ومكانتنا تسرق منا، ومن المهم بالنسبة للمصريين أن تعود هذه الآثار إلى بلدهم»(1). حجر رشيد يُذكر أن: «حجر رشيد» ، وهو لوح من البازلت يعود إلى عام 196 قبل الميلاد، هو الجزء المتبقي الوحيد من الحجر، واكتشفه الفرنسيون عام 1799م خلال الحملة الفرنسية على مصر، وعليه نص باللغة الهيروغليفية المصرية القديمة مع ترجمته إلى اليونانية، مما ساعد في بدء معرفة الهيروغليفية وفهم رموزها للمرة الأولى، ويحتفظ به المتحف البريطاني منذ عام 1802م، بعد حصول الإنجليز عليه عام 1801م بموجب «معاهدة الإسكندرية»(2). المسلات يقول «هيرمان» في كتابه عن سرقة الآثار: «إذا أردت أن تشاهد عظمة مصر فانظر إلى مسلاتها التي تعبّر عن خلود الحضارة في أسمى معانيها، وإذا أردت أن تشاهد تلك المسلات فاذهب إلى أي عاصمة من عواصم العالم المتحضر، فستجد واحدة أو أكثر تتصدر أعظم ميادينها فيما عدا مصر صانعة الحضارة». كان الرومان أول من سطوا على المسلات المصرية؛ فيوجد في «روما» ثلاث عشرة مسلة مصرية عدا المنصوبة خارجها، وأضخم هذه المسلات هي المقامة في «ساحة الشعب»؛ حيث يبلغ ارتفاعها اثنين وثلاثين متراً تقريباً، وقد نُقلت إلى «روما» في القرن الأول قبل الميلاد، أما الأمبراطور البيزنطي «قسطنطين» فقد نقل إحدى مسلات «تحتمس الثالث» من معبد «الكرنك» إلى القسطنطينية، وهي منصوبة حالياً في «إسطنبول» قرب مسجد «السلطان أحمد». وقد طلبت حكومتا فرنسا وبريطانيا من «محمد علي» إحدى المسلات المصرية، فوافق على إهدائها إلى فرنسا وكانت أفضل مسلة موجودة في مصر وهي مسلة «حتشبسوت» المقامة بمدخل معبد «الأقصر».. ووصلت إلى «باريس» في ديسمبر 1832م وأقيمت المسلة في ميدان «الكونكورد» أكبر ميادين العالم. وقد نقلت «باريس» ثلاث مسلات أخرى قبل ذلك أثناء الحملة الفرنسية بقيادة «نابليون بونابرت». مع بداية القرن التاسع عشر جاءت إلى أرض وادي النيل شخصيات أوروبية جمعت خليطاً من علماء الآثار ومحترفي الحفريات وتجار الآثار وأعضاء من عصابات التهريب العالمية يتخفى معظمهم تحت أسماء مختلف الخبرات وتتستر عليهم الحكومات الغربية والمنظمات التي يعملون لحسابها. وكانت أولى المسلات التي اختفت من أرض مصر مسلة جزيرة «فيلة» المشهورة التي هربها «بلزوني» بمغامرة خيالية، حيث قام بسحبها من المعبد على ألواح خشبية صنعها من جذوع النخيل حتى وصلت إلى شاطئ الجزيرة، حيث أُخفيت لعدة أيام بين عيدان الغاب حتى وصول سفينة خاصة لتهريبها، فنُقلت إليها في ظلام الليل لتبحر بها في مجرى النيل متجهة إلى «رشيد»، ومن هناك حملتها سفينة يقال إنها تتبع الأسطول البريطاني. ووصلت المسلة إلى شواطئ إنجلترا عام 1920م لتُقام في ساحة قصر «لنجزتون» بمدينة «دورست»، وهو المكان الذي اختاره لها دوق «ولنجتون» الذي قيل: إنه كانت له يد في تهريبها(3). الآثار الإسلامية أما الآثار الإسلامية في القاهرة، فتتعرض لمسلسل سرقات كشفتها بعض الجرائد المصرية وتبادل مسؤولو المجلس الأعلى للآثار ووزارة الأوقاف الاتهامات بالمسؤولية عن وقوع السرقات والتقصير في حماية المساجد. وقُدمت بلاغات إلى النائب العام عن سرقة ستة مساجد حيث سُرقت أجزاء أثرية نادرة منها تمثلت في حشوات المنابر وزخارف منبر مسجد «الطنبغا المارداني» بمنطقة الدرب الأحمر وجزء من زخارف «جانم بهلوان» ولوحة أثرية من سبيل «رقية دودو» وجزء من زخارف منبر مسجد «الصالح طلائع» وريشتي منبر مسجد «منجك اليوسفي» بالقاهرة القديمة وبعض حشواته، وجزء كبير من زخارف باب مسجد «الفكهاني» وكل زخارف كرسي المقرئ بالمسجد، ومدرسة السلطان قايتباي المطعَّم بالصدف والعاج(4). العراق خلَّفت حرب الخليج تركة من الخراب في العراق، لم تسلم منه آثار «أكدا» و«سومر» و«بابل» و«آشور» والحضارة الإسلامية في أزهى عصورها روعة، ولم يسلم المتحف الوطني العراقي الكائن في وسط بغداد ناحية «الكرخ» من النهب والسلب وتحطيم واجهات الخزائن وسرقة معروضاتها وموجودات أخرى بلغ عددها حوالي 15 ألف قطعة. وأكدت «عيدان الذهبي» رئيسة هيئة الآثار والتراث أنه مازال هناك أكثر من 11 ألف قطعة مفقودة. أما «د.إعتماد يوسف» فأوضحت أن هناك آلاف القطع تم تهريبها من العراق نتيجة حرب الخليج، فمتحف «الهوك» سُرقت منه 24 قطعة أثرية، و 748 قطعة من متحف «كركوك»، و98 قطعة من متحف «الكوفة»، و94 من متحف القادسية، و947 من متحف البصرة، و22 قطعة من متحف السليمانية. ويعيب أهل العراق على منظمة «اليونسكو» أنها لم تحاول التدخل لحماية الآثار أثناء الحرب على طرفي حدود النزاع، ولم ترسل مفتشين دوليين، ولم تتحرك، لا هي ولا غيرها لإرساء قواعد تنفيذ بروتوكولات حماية الآثار أثناء النزاع المسلح وهي اتفاقية «لاهاي» عام 1954م(5). سيناء وفلسطين: استنزف الاحتلال الصهيوني آثار سيناء، وكانت جرائم سرقة الآثار منظمة، منها ما اتجه إلى منزل «موشيه ديان» المغرم بالآثار إلى درجة أن فريقاً من المنقِبين كانوا يقومون بإجراء حفريات خاصة له، ومنها ما اتجه إلى المتاحف داخل الكيان.. وما استردته مصر في منتصف التسعينيات - وهو ما كان مسجلاً فقط - تم تعبئته في ألف وثمانمائة صندوق(!)، أما ما لم يكن موثقاً في سجلات المجلس الأعلى للآثار وحصل عليه الصهاينة عن طريق التنقيب فلا أحد يعلم عنه شيئاً.. وقد كانوا يسرقون كل شيء حتى أنهم كانوا يربطون الكتل الضخمة في طائرات الهليكوبتر لنقلها إلى داخل «إسرائيل». ونتيجة بناء جدار الفصل العنصري، تمت مصادرة نحو 4500 موقع أثري بما فيها 500 موقع أثري رئيس، بمعنى أن حوالي 46% من عدد المواقع الأثرية وكذلك المعالم في الضفة الغربية تمت مصادرتها نتيجة بناء هذا الجدار. ويوجد في الضفة الغربية ما يزيد على 470 مستوطنة، معظمها يقوم على مواقع تاريخية وأثرية تحوي في طياتها بقايا عربية إسلامية أو مسيحية(6).> المراجع (1) حواس: مصر توافق على اقتراض «حجر رشيد» حلاً للمشكلة، 10 ديسمبر 2009م. http://www.aawsat.com/details.asp?section=54&issueno=11335&article=547832 (2) The Rosetta Stone http://www.britishmuseum.org/explore/highlights/highlight_objects/aes/t/the_rosetta_stone.asp (3) History of the Egyptian Obelisks http://www.egipto.com/obeliscos/obeliskindex.html (4) المصري اليوم «تكشف وقائع سرقات جديدة في مساجد القاهرة الأثرية،30 أغسطس 2009م». http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=131334 (5) لصوص الآثار: الكنوز العربية في المتاحف الغربية، 7 فبراير 2002م. http://aljazeera.net/NR/exeres/A29E77C7-1A6E-42C7-8609-4C8AE1A21A2E.htm (6) سرقة التاريخ، 18 سبتمبر 2009م. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/25D2B345-4B62-44D6-B70E-5D2C12377928

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,371