د. محمد العبدة
14
يونيو
2012
08:37 PM


ليس من السهل انتصار ثورة على الطغيان والظلم، الذى عشش وفرخ خلال عشرات السنين، واستطاع أن يؤسس أحزابًا أفسدت الحياة السياسية والاجتماعية، ولكن الأصعب من الانتصار هو مابعد ذلك من إدارة البلاد وسياسة العباد، لأن الفشل عند ذلك سيؤدى إلى خيبة آمال مريرة، وربما سيؤدى إلى عكس النتائج التى تريدها الثورة، خاصة أن بعض الناس يشعرون بالإجهاد بعد الانتصار، وبعضهم يميل إلى الاستسلام لحكومات ليست هى الأمل وليست هى الهدف، والذين أشعلوا الثورة ربما يعتزلون ويختفون، وفى الغالب هناك من يتربص بالثورة ويوجه الأحداث لصالحه، وستقام أحزاب من أفراد قلائل يحسنون الكلام ويعلنون تفانيهم فى خدمة الأمة، ولكنهم فى الحقيقة يسرون خدمة أنفسهم، وإذا تم لهم الأمر ظهرت الأنانية وحب الذات.

هذه بعض عقابيل الثورات، وقد سألنى أحد الأخوة: هل يستطيع الذين نجحوا فى الإنتخابات القيام بما بجب عليهم أوبما هو مؤمل منهم؟ وهل يستطيعون مجابهة الإرث الكبير من التخلف والفساد الإدارى المستشرى، وانعدام التنمية الحقيقية خاصة وهم فى ظروف انتقالية صعبة؟ قلت له: نعم، هم قادرون بشرط أن يكونوا مخلصين فى عملهم إلى درجة التفانى والبعد عن شهوة الرئاسة والتواضع فى المسكن والمركب والقرب من الناس والتواضع لهم، ولابد أن تكون التجمعات من القيادات الشابة على هذا المستوى أيضًا، ليكونوا عصبية الدولة بتعبير ابن خلدون.

هناك مشاكل كبيرة يجب أن يتصدى لها من سيأتى بعد استقرار الأمور، وحل هذه المشاكل لايحتمل التأخير.. مشكلة ثروة البلاد وحفظ المال العام، وبالتالى حل مشكلة الفقر والعاطلين عن العمل، وقد وهب الله البلاد العربية ثروات كثيرة، ولكن سياسات الحكام الخرقاء بددت هذه الثروات، فى العهود السابقة كان المال ينفق على توافه الأشياء، ولا ينفق على المشاريع ذات النفع العام كالمدارس والمشافى.. بعض الناس فى بلادنا يعيشون فى مدن الصفيح بل فى أعشاش لاتليق بالحيوان.

هناك مشكلة التعليم والمدارس والجامعات والمناهج والمدرسين. هناك مشكلة الحرية وعودة الكرامة للناس وإنهاء الأجهزة الأمنية التى أرعبت الناس عشرات السنين، فلا يمكن أن يكون هناك تقدم وإنتاج فى ظل الاستعباد والقهر والخوف.

الحكومات السابقة خضعت للعولمة الثقافية وفرضت هذه العولمة فى الإعلام وفى المناهج الدراسية، وأصبحت اللغات الأجنبية تزاحم اللغة العربية, وروجت هذه الحكومات لثقافة الوطنية الضيقة التى ترسخ الأنانية والتجزئة والفرقة، فهل يستطيع الحكام الجدد طرح البدائل، وهى مشاريع التعاون والاتحاد.. إن الاستعمار بعد الحرب الكونية الأولى وضع حدودًا بين الشعوب العربية المسلمة ورسمها (بالقلم والفرجار) كما يقال, وقسم العشيرة الواحدة بين دولتين.

هل يستطيع أهل الحكم الجديد مصارحة الناس بحقائق ما يجرى ويبتعدون عن أساليب الخداع والوعود الخلابة، وهل يستطيعون إيقاف هذه البيروقراطية التى أرهقت الناس وذهبت بالأوقات والأموال.. إذا كانت الأهداف واضحة فالتدرج والإستفادة من عامل الزمن شىء مهم لتنفيذ الخطط وتحقيق الآمال.

إن سلامة المجتمع هى فى مبدأ الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، كما جاء فى حديث السفينة، الذى ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم مثالا للمجتمع المتماسك، إنها الحرية المقيدة، ولكنها فى سبيل الإنقاذ، ولابد للمجتمع الصالح أن يقول (لا) لخرق السفينة، إننا نخشى أن نقول (لا) إما ضعفا أو حتى لا نغضب الآخرين وهذا لايحل المشكلة.

إن السياسة الحقيقية هى التى تعلم الناس أسباب التعاون وتدفع عنهم أسباب التنافر، فهذا الذى ينعش الآمال ويجدد العزائم بحول الله وقوته.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 47 مشاهدة
نشرت فى 15 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

306,208