حوارات

نائب رئيس جمعية العلماء الجزائريين د. عمار الطالبي لـ«الوعي الإسلامي»:

استعادة أصالتنا الفكرية.. طريق المشروع النهضوي

حوار: محمد خليل محمود- القاهرة

مع كثرة الحديث عن مشروعات الإصلاح والنهضة وتعدد الأطروحات التي تناقش حالة التخلف والانحطاط العربي والإسلامي، والسعي لتقديم صورة متكاملة عن مفهوم الإصلاح والفكرة الإصلاحية، التقت «الوعي الإسلامي» المفكر الإسلامي المعروف د.عمار الطالبي نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين بالجزائر والرئيس السابق لجامعة الأمير عبدالقادر بالجزائر على هامش زيارته للقاهرة مؤخرا، والذي أكد أن الإصلاح التربوي وإعادة النظر في المنظومة التربوية والتعليمية، وتغيير مناهجنا في التفكير يمثل ركيزة أساسية ومعلما من معالم «المشروع النهضوي الإسلامي» ومقدمة عملية للإصلاح الشامل في العالم الإسلامي.

وقال د.الطالبي: إن العلوم الإسلامية اليوم تعاني من الضعف، وان الفصل بين العلوم الإسلامية والأخرى الكونية أدى إلى الازدواجية الثقافية وإشعال الخلافات الفكرية، والسبيل للخروج من الأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية إنما يكون باستعادة أصالتنا الفكرية، والبدء في إصلاح منظومة التربية والتعليم لتكوين العقلية العلمية النقدية التي تستطيع تكوين رؤية صحيحة إزاء الأحداث الجارية، وإليكم نص الحوار

- تعددت مشاريع الإصلاح في العالم الإسلامي التي نادى بها علماء وفلاسفة ومصلحون في العالم الإسلامي مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ورشيد رضا ومالك بن نبي وغيرهم كثيرون.. برأيك ما أسباب تراجع هذه المشاريع وإخفاقها في العالم الإسلامي؟

- لاشك أن الاستعمار وقف أمام أي محاولات للنهوض والإصلاح في العالم الإسلامي، فالاستعمار لا يفتأ يخطط من أجل القضاء على ما يظهر في البلاد الإسلامية من أفكار، من الممكن أن تحول المجتمع الإسلامي إلى طريق الحضارة، وتصرفه عن طريق التخلف، كما يهدف إلى الحيلولة بين الفكر والعمل السياسي، حتى يبقى الفكر مشلولًا غير مثمر، ويبقى العمل السياسي أعمى غير مبصر، يسير بغير هدى، وذلك لأن الذي يهم الاستعمار بالدرجة الأولى هو فاعلية الفكر في المجال السياسي، وبطبيعة الحال فإن للأفكار الإسلامية فاعلية كبيرة في هذا المجال، بالإضافة إلى العوامل التي تنبع من العالم الإسلامي ذاته والتي أدت إلى إعاقة أية محاولات للنهوض، مثل التخلف الثقافي والاقتصادي والعلمي والافتقاد إلى المنهجية العلمية الصحيحة التي تتعلق بالمعرفة والعلم بسنن الله القرآنية والكونية، التي أهملناها لمدة طويلة، في حين أن قوة الأمم اليوم إنما هي قوة المعرفة والعلم، التي بها يقوى الاقتصاد، وتُبنى الجيوش، كما تقوي سياساتها، فضلًا عن فشل منظومة التربية والتعليم في كثير من بلدان العالم الإسلامي في تكوين عقلية علمية صحيحة قادرة على استيعاب المتغيرات وفهم الواقع بصورة جيدة.

- برأيك ما هو السبيل لخروج العالم الإسلامي من كبوته وتفعيل دور المشروع النهضوي الإسلامي في القضاء على كل أسباب ومظاهر التخلف الذي يعاني منه المسلمون؟

- إن السبيل للخروج من الأزمة التي يعيشها العالم الإسلامي إنما يكون باستعادة أصالتنا الفكرية، واستقلالنا في ميدان الأفكار، والبدء في إصلاح منظومة التربية والتعليم لتكوين العقلية العلمية النقدية التي تستطيع تكوين رؤية صحيحة إزاء الأحداث الجارية للمحافظة على استقلالنا السياسي والاقتصادي، فالمجتمع الذي لا يصنع أفكاره الرئيسية لا يمكنه أن يصنع المنتجات الضرورية لاستهلاكه، ولا المنتجات الضرورية لتصنيعه، ولا يمكن لمجتمع يبني نهضة أن يبنيها بالأفكار المستوردة، أو المسلطة عليه من الخارج.

والعالم الإسلامي اليوم في حاجة ماسة إلى أن ينهض من كبوته، ويتخلص من ضعفه، وفي حاجة إلى أن يدخل التاريخ من جديد، ودخول التاريخ له شروط يجب اتباعها، ولذلك كتب المفكر الإسلامي الكبير مالك بن نبي- رحمه الله- كتابًا أسماه «شروط النهضة»، عقد فيه فصلًا مهمّا عن أثر الدين في الحضارة وفي التاريخ في كل الحضارات، وليس في حضارة دون حضارة أخرى، ولذلك فنحن في حاجة إلى أن نتأمل شروط هذه النهضة، وأن نهيئ لأمتنا هذه الشروط، ومنها: البحث العلمي، وتفعيل دور الجامعات التي تصنع مجد الأمم.

- لاشك أن نجاح المشروع النهضوي والإصلاحي في العالم الإسلامي يتوقف على إصلاح منظومة التربية والتعليم، وإصلاح التربية يتوقف على جودة المنهج الذي يكون العقلية العلمية النقدية، وهذا يستلزم أن نؤكد على أهمية تدريس علوم الرياضيات والطبيعيات في المرحلة الأولى من مراحل التعليم، لأن الرياضيات لها تأثير كبير في استقامة الذهن والتفكير السليم، فإذا ما تعود الإنسان على هذا النوع من التفكير فإن المقدمات تؤدي إلى نتائج سليمة، كما أنه لابد من تلافي التلقين والحفظ في مراحل التعليم المختلفة، ولابد أن نشجع على الاجتهاد والإبداع والابتكار، وأن ندرب أطفالنا منذ الصغر على مشاهدة الأشياء وخصائصها، وبالتالي يجب إعادة النظر في المنظومة التربوية والتعليمية، والعمل على تغيير مناهجنا في التفكير كمقدمة عملية للإصلاح الشامل في العالم الإسلامي، لأن التربية الإسلامية مبنية على الجمع بين النظر والعمل، وربما تفوق غير المسلمين بسبب إصلاح مناهج التربية والتعليم وتعويد الطلاب على البحث الذاتي فيكون محور الدراسة هو التلميذ أو الطالب ولا يكون هذا المحور هو حفظ الكتاب، فالأمة الإسلامية والعربية بحاجة إلى أن تنهض من كبوتها، وتتخلص من ضعفها وتخلفها لتكون لها كلمة مسموعة في أحداث العالم وما يجري فيه، فالعالم الإسلامي اليوم يعيش على هامش التاريخ، بالرغم من كثرة عدد سكانه، وكثرة ثرواته وتنوعها، واتساع أرضه، وبالتالي فالحاجة تدعونا إلى أن نتأمل شروط هذه النهضة، وأن نهيئ لأمتنا هذه الشروط، وهي: إصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي.

– بالنسبة للإصلاح في مجال التعليم هناك طرحان مختلفان، الأول: العلماني الذي يرى أن إصلاح التعليم يجب أن يركز على الفصل بين العلوم الإسلامية والأخرى الكونية حتى يمكن بناء عقلية علمية قادرة على التفكير بعيدًا عن أية قيود دينية.. والطرح الآخر الإسلامي الذي يذهب إلى عكس ذلك، برأيك كيف يمكن التوفيق بين هذين الطرحين؟

- لا يمكن التوفيق، لأن الطرح الذي يقول بطريقة الفصل بين العلوم سواء الإسلامية والكونية غير واقعي، فهذه الأمة أمة إسلامية، والمكون الرئيس والأساسي لوجدان وثقافة هذه الأمة هو الإسلام كدين وحضارة وثقافة، وبالتالي فإن شرط النجاح الأول لأي مشروع هو إسلاميته، كما أن مشكلة الفصل بين العلوم الإسلامية والأخرى الكونية يؤدي لتكوين عقليتين متنافرتين كل واحدة تتهم الأخرى، فالأولى تتهم الثانية بأنها علمانية، والثانية تتهم الأولى بأنها جامدة، لكن لابد من أن يدرس طالب الكليات الشرعية مدخلا للعلوم الكونية كما أن طالب الجامعات العلمية لابد أن يدرس مدخلا للعلوم الشرعية فيما يسمى بالجزع المشترك، فالعالم الإسلامي يعيش في الوقت الراهن مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالمعرفة والعلم بسنن الله القرآنية والكونية، التي أهملناها لمدة طويلة، في حين أن قوة الأمم اليوم إنما هي قوة المعرفة والعلم التي بها يقوى الاقتصاد، وتُبنى الجيوش، كما تقوى بها سياسات الدول.

- ما تعليقك على ما حدث من أعمال شغب أثناء مباريات كرة القدم التي أقيمت بين الفرق الكروية المصرية والجزائرية العام الماضي، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية كادت أن تضر بالعلاقات بين البلدين الشقيقين؟

- لاشك أن ممارسة الرياضة شيء مشروع في الإسلام، أيضا الإسلام دعا إلى تعلم الرياضة والفروسية وركوب الخيل لكن نهى عن استغلال الرياضة في إحداث المشكلات والخلافات بين الناس، لأنه في الوقت نفسه أكد على أن قوة المسلمين ووحدتهم تكمن في القضاء على أسباب الخلاف والشقاق بينهم، وما حدث بين مصر والجزائر من خلاف تُعلب عليه أمر يؤسف له، وهذا يؤكد لنا فشل منظومة التربية والتعليم في بلدان العالم الإسلامي في تكوين عقلية علمية صحيحة، وبالتالي فإن العواطف الهوجاء تصبح هي المسيطرة مما يؤدي في الغالب إلى فقدان التعقل وفقدان الشعور بالتاريخ المشترك والدين واللغة والهوية.

بالإضافة لما سبق نجد أن الإعلام في هذه البلدان غالبا لا يؤدي رسالته كما ينبغي أن تكون، حيث نجد للأسف كثيرًا من الإعلاميين الذين لا يملكون رؤية صحيحة ولا يخشون من عواقب ما يفعلون من قيامهم من شحن للنفوس وخاصة فئة المراهقين وعامة الناس الذين يتأثرون بسرعة جدا وليس لديهم عقلية

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 40 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,699