authentication required

شهادة الإنجيل على أن عيسى عبدالله ورسوله
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه

استفتاح:

إن الحمدلله ، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.

وبعد:

فلا شك ولا ريب عند كل مسلم أن الله سبحانه وتعالى أنزل كتاباً مقدساً على عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام، وقد سمى الله هذا الكتاب الإنجيل كما قال تعالى في سورة المائدة في القرآن الكريم: {وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.

في هاتين الآيتين دليل واضح على أن الله أنزل كتابه الإنجيل على عيسى بن مريم مصدقاً لما سبقه من التوراة، وأن عيسى عليه السلام جاء مصدقاً لما في التوراة وأنزل الله عليه الإنجيل كذلك مصدقاً لما جاء في التوراة، ثم والإنجيل نزل من الله هدى ونوراً وموعظة للمتقين، وقد أمر الله النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه، ولا شك أنهم لو حكموا بما أُنزِل فيه لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوه، وذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء بكتاب مصدق لما سبقه من التوراة، والإنجيل، فالكتب الثلاثة: التوراة، والإنجيل، والقرآن كلها من الله، وكل كتاب يصدق الكتاب الذي جاء قبله.

والقرآن -بحمد الله- قد تهيأ له من أسباب الحفظ ما لم يتهيأ للتوراة، والإنجيل، ثم هو الكتاب الخاتم، لذلك كان ما فيه مهيمناً على ما سبقه؛ فهو المرجع عند الخلاف، وهو الحكم الفصل لأنه كلمة الله الختامية إلى الناس كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} الآية.

ولا شك أن الإنجيل والتوراة قد نالهما كثير من التحريف والتبديل بقصد من منافقي الديانتين، أو بغير قصد منهم، والقرآن -بحمد الله- هو كلمة الفصل، فقد جاء مكذباً اليهود فيما ادعوه، وكتبوه في التوراة من أن الله استراح في اليوم السابع من عمله الذي عمل خالقاً.. فقال تعالى في القرآن:

{ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب}.

وهذا هو اللائق بالله سبحانه وتعالى أنه لا يصيبه تعب ولا نصب: {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}..

وكذلك كذب النصارى فيما ادعوه، وكتبوه في الإنجيل أن عيسى -عليه السلام- هو ابن الله نسباً، وجزءاً، وأن اليهود قبضوا عليه، وصلبوه، وبصقوا في وجهه، وصفعوه على قفاه، وسمروا رجليه بالمسامير في خشبة الصليب، وسقوه خلاً قبل أن يموت، وكتبوا كل ذلك في الإنجيل المقدس عندهم، ولا شك أن هذا كذب، وضلال محض، فإن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته، أنجاه الله، ورفعه إلى السماء حياً، ولم يمكن منه أعداءه اليهود الذين سعوا في قتله، بل قال الله تعالى في القرآن الكريم بياناً لإجراء اليهود، وتعديداً لظلمهم وفجورهم: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبه لهم}.

وهذه الآية القرآنية قاضية أن ما زعمه النصارى في إنجيلهم من أن عيسى صلب كذب محض، وإضافة إلى الإنجيل المنزل ما ليس منه.

وهناك طريقان للتدليل على أن الأناجيل التي بأيدي النصارى اليوم فيها كثير من المحَرَّفِ المكذوب، والخطأ الذي ربما وقع باجتهاد، وحسن قصد:

1- تناقض نصين بعضهما مع بعض تناقضاً كلياً يستحيل معه الجمع بينهما.

2- مخالفة صريح القرآن الكريم، وهو كتاب الله الحاكم على كل كتاب قبله.

ولا شك في أن الإنجيل الذي بيد النصارى اليوم فيه كثير من الهدى، والنور الذي يصدق القرآن الكريم، ولو أن النصارى أقاموا ما بقي في هذا الكتاب من الهدى والنور لاهتدوا إلى الحق، وآمنوا بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.

هذه الرسالة:

وعملنا في هذه الرسالة الموجهة لهم، ولكل مسلم، هو إبراز وإظهار الحق الموجود في الإنجيل الذي لو أخذوا به هدوا إلى الصراط المستقيم، ومن ذلك أساس المعتقد: (بشرية عيسى عليه السلام)، وأنه عبدالله حقاً ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم، وروح منه، كما جاء بذلك الكتاب العزيز القرآن، ونطق بذلك سيد المرسلين، وإمام المتقين سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أولى الناس بعيسى بن مريم، وأحق الناس بموالاته، ونصره وتأييده، لأن عيسى هو الرسول المبشر الأخير به، وليس بينه وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي.

ثم تبين ما في هذه الأناجيل من الاختلاف، والاضطراب، والتناقض لتبيين أن كل ما فيها ليس هو كلمة الله، وأنه المنزل المعصوم الذي لا يجوز خلافه، بل في الأناجيل التي بأيديهم ما هو ملفق مكذوب، أو منتحل قد أخطأ فيه من كتبه، وأضافه إلى كلام الله سبحانه وتعالى.

والخلاصة أن التوراة، والإنجيل ما زال فيهما كثير من الهدى، والنور الذي بقي، لم تنله يد التحريف، والتبديل، وقد أبقاه الله حجة على أهل الكتاب، ولو طبقوه لاهتدى كل منهم إلى الحق؛ فاليهود لو طبقوا التوراة، وأقاموها لآمنوا أولاً بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام الذي جاء مصدقاً لما في التوراة، عاملاً به، مؤيداً بالمعجزات من الله، والبينات الدالة على صدقه، وأمانته، ولكنهم اختلفوا في شأنه، فمنهم من آمن بعيسى، ومنهم من كفر به كما قال تعالى عنه:

{ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وأبرئ الأكمه، والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين، ومصدقاً لما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون، إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم، فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله}.

وقال أيضاً:

{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}.

فاليهود الذين آمنوا بعيسى هم الذين اتبعوا الحق، وعملوا بما جاءهم في التوراة؛ وكذلك لو أن النصارى أقاموا الإنجيل وما أوصاهم به عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لآمنوا بالقرآن، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، واتبعوه، ولكن كان منهم من عرف الحق وآمن، وكان منهم من كفر فأيد الله أهل الإيمان منهم على أهل الكفر ثم بعث الله عبده ورسوله محمداً وسلطه على الكفار من أهل الكتاب فغلبوهم، وهزموهم، وأزال الله دولتهم كما قال سبحانه وتعالى:

{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون} (القصص:54).

وقال سبحانه وتعالى أيضاً: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن كثيراً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} (البقرة:146).

ولا شك أن معرفة اليهود والنصارى بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه إنما كانت بما عندهم في التوراة والإنجيل من صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به على لسان موسى، ولسان عيسى عليهما الصلاة والسلام كما قال تعالى لموسى:

{ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}.. الآيات (الأعراف).

وكل ذلك يدل بما لا شك فيه على أن التوراة، والإنجيل أو ما يسميه النصارى (بالعهد القديم، والعهد الجديد) قد بقي فيهما من الهدى والنور، والحق ما تقوم به الحجة على أتباعهما، وما لو طبقوه لاتبعوا الحق كله، وآمنوا بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً لما معهم، ومؤيداً بالبينات من ربه، وسائراً في طريق الأنبياء الذين أرسلوا إليهم.

وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فصلاً مطولاً في هذا الموضوع في كتابه العظيم (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) بين أقوال الناس في حقيقة التوراة والإنجيل الآن فقال:

"والصحيح أن هذه التوراة، والإنجيل الذي بأيدي أهل الكتاب، فيه ما هو حكم الله، وإن كان قد بدل، وغيّر بعض ألفاظهما لقوله تعالى:

{يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا، سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم عن مواضعه} (المائدة:41).

إلى قوله: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} (المائدة:43).

فعلم أن التوراة التي كانت موجودة بعد خراب بيت المقدس، بعد مجيء (بختنصر) (رداً على من يقول أن التوراة بقيت صحيحة إلى دخول بختنصر البيت المقدس وإحراقه) وبعد مبعث المسيح، وبعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فيها حكم الله.

والتوراة التي كانت عند يهود المدينة على عهد يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن قيل إنه غير بعض ألفاظها بعد مبعثه، فلا نشهد على كل نسخة في العالم بمثل ذلك، فإن هذا غير معلوم لدينا، وهو أيضاً متعذر، بل يمكن تغيير كثير من النسخ، وإشاعة ذلك عند الأتباع حتى لا يوجد عند كثير من الناس إلا ما غير بعد ذلك، ومع هذا فكثير من نسخ التوراة، والإنجيل متفقة في الغالب، إنما يختلف في اليسير من ألفاظها، فتبديل ألفاظ اليسير من النسخ بعد مبعث الرسول ممكن لا يمكن أحداً أن يجزم بنفيه، ولا يقدر أحد من اليهود، والنصارى أن يشهد بأن كل نسخة في العالم بالكتابين متفقة الألفاظ، إذا هذا لا سبيل لأحد إلى علمه، والإختلاف اليسير في ألفاظ هذه الكتب موجود في المتواتر لا يحتاج أن يحفظ في كتاب كما قال تعالى:

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر:9).

وذلك أن اليهود قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى عهده، وبعده منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، وعندهم نسخ كثيرة من التوراة، وكذلك النصارى عندهم نسخ كثيرة من التوراة، ولم يتمكن أحد من جمع هذه النسخ، وتبديلها، ولو كان هذا ممكناً لكان ذلك من الوقائع العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها، وكذلك في الإنجيل قال تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} (المائدة:47).

فعلم أن في هذا الإنجيل حكماً أنزله الله تعالى، لكن الحكم هو من باب الأمر، والنهي، وذلك لا يمنع أن يكون التغيير في باب الإخبار، وهو الذي وقع فيه التبديل لفظاً، وأما الأحكام التي وردت في التوراة، فما يكاد أحد يدعي التبديل في ألفاظها" (الجواب الصحيح ج1-368،369)، وقد أمر الله سبحانه وتعالى أهل التوراة أن يحكموا بما أنزل الله فيها كما قال تعالى:

{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.

وكذلك قال سبحانه وتعالى:

{وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.

وقال تعالى أيضاً: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم..}.

ولا شك أن أهل التوراة لو حكموا بالتوراة حقاً في العقيدة، والشريعة لآمنوا بعيسى بن مريم -عليه السلام- لأن الأمر به موجود في التوراة، وقد جاء عيسى -عليه السلام- مصدقاً، وعاملاً بما فيها ثم ناسخاً لبعض أحكامها، والنسخ موجود في كل الشرائع حتى في شريعة النبي الواحد الذي قد يبيح حكماً في وقت ما من رسالته، ثم ينزل نسخه بعد مدة، وكذلك لو أقام النصارى ما أنزل إليهم من ربهم في الإنجيل، وما أمروا أن يحكموا به من التوراة لأوصلهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتصديقه، واتباعه، فقد جاء مكملاً لما جاء به الأنبياء قبله، ومبشراً به منهم، ولا يتصور أن يأمر الله أهل الكتابين أن يحكموا بما أنزل إليهم والتوراة وجميع ما فيها مكذوب، بل لا بد وأن يكون فيهما الحجة، والحق كما قال الله سبحانه وتعالى لما جاءت اليهود لتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن يهودية، ويهودي زنيا قال: {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله} فحكم الله بالرجم باق في التوراة، وقد قرأه عبدالله بن سلام بمحضر من رسول الله.

وبالرغم من وقوع التحريف، ففي بعض التوراة، والإنجيل -كما أسلفنا- إلا أنه ممكن الاستدلال عليه، ومعرفته، وذلك لأنه أولاً قليل بالنسبة إلى ما لم يبدل، ثم إن ما لم يبدل قد جاء بنصوص واضحة صريحة يؤيد بعضها بعضاً ويكشف ما سواه مما دخله التحريف، والتغيير، ثم إن القرآن بحمد الله حاكم، وشاهد، ومهيمن، على ما جاء قبله من الكتب كما قال تعالى:

{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير، قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً، ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير}.

وقال تعالى أيضاً: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه}.

قول شيخ الإسلام ابن تيمية أن المحرف من التوراة والإنجيل قليل يمكن معرفته:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- جواباً لمن قال:

"إذا كان التبديل قد وقع في ألفاظ التوراة، والإنجيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، لم يعلم الحق من الباطل، فسقط الاحتجاج بهما، ووجوب العمل بهما على أهل الكتاب، فلا يذمون حينئذ على ترك اتباعهما، والقرآن قد ذمهم على ترك الحكم بما فيهما، واستشهد بهما في مواضع؟ (يقول شيخ الإسلام) وجواب ذلك: أن ما وقع من التبديل قليل، والأكثر لم يبدل، والذي لم يبدل فيه ألفاظ صريحة بينة بالمقصود تبين غلط ما خالفها، ولها شواهد، ونظائر متعددة، يصدق بعضها بعضاً، بخلاف المبدل فإنه ألفاظ قليلة، وسائر نصوص الكتب يناقضها، وصار هذا بمنزلة كتب الحديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا وقع في سنن أبي داود، والترمذي أو غيرهما أحاديث قليلة ضعيفة، وكان في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين ضعف تلك، بل وكذلك صحيح مسلم فيه ألفاظ قليلة غلط، وفي نفس الأحاديث الصحيحة مع القرآن ما يبين غلطها" (الجواب الصحيح ج1-378).

عملنا في هذه الرسالة:

والذي فعلناه في هذه الرسالة المباركة -إن شاء الله تعالى- هو استخراج النصوص الدالة على عقيدة التوحيد من الإنجيل، وأن عيسى -عليه الصلاة والسلام- لم يكن إلا عبدالله ورسوله، وأنه خُلِق بكلمة الله (كن) كما كان شأن آدم كما قال تعالى في القرآن الكريم: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}، وأن هذه الكلمة حملها الملك (روح القدس) الذي ينزل على الأنبياء، وأنه نفخ في مريم فخلق الله من هذه النفخة عيسى -عليه السلام- كما قال تعالى:

{فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً فقالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً}.. الآيات.

ففي نصوص الإنجيل الموجودة الآن ما يؤيد هذه العقيدة الصحيحة بل في نصوص الإنجيل هذه العقيدة الصحيحة، وأن عيسى ما هو إلا عبد أنعم الله عليه وجعله مثلاً لبني إسرائيل كما قال تعالى: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل}.

وقد عنيت باستخراج هذه النصوص من الإنجيل الذي بأيدي النصارى الآن، وذكرت ما يؤيد ذلك من القرآن الكريم الذي جاء يصدق ما جاء في الإنجيل الحق.

هدفنا في هذه الرسالة:

1-أن تزداد إيماناً بأن الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق من ربه، وأنه جاء بأخبار من أخبار الرسل ما كان يقرؤها، ولا اطلع عليها، وقد جاء بها كما جاءت في الكتب السابقة تماماً، وهذا من أعظم الأدلة على أنه رسول الله حقاً، وصدقاً، فإن هذا لا يُعرف من رجل أمي لم يقرأ، ولم يكتب، فلم يبق طريق يعلم به إلا الوحي.

2- دعوة أهل الكتاب أن يراجعوا الحق، ويقيموا التوراة، والإنجيل، وما جاءهم على لسان أنبيائهم الصادقين -عليهم السلام- ولا يحيدوا عنه فيزداد غضب الله عليهم، ويستمروا في درب الغواية، والضلال.

3- تقديم سلاح وحجة بأيدي المؤمنين يدافعون به عن معتقدهم، ويقيمون به الحجة على من كفر من اليهود، والنصارى، ويوقنون بأن ما جاءهم من الله في القرآن هو الحق الذي لم يشب، الذي تكفل الله بحفظه، وأنهم على الهدى الذي ارتضاه الله لعباده الصالحين، وأنهم أولى الناس بموسى، وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وأن أمتهم هي الأمة المهتدية التي أنعم الله عليها، وأن تمتلئ قلوبهم محبة لله، وإيماناً، واطمئناناً للإسلام، وهم يدعون في صلاتهم:

{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} اليهود مغضوب عليهم، والنصارى الضالون وأهل الإسلام هم الذين أنعم الله عليهم.

والحمدلله أولاً وأخيراً.

عبد الرحمن عبدالخالق

الكويت في العاشر من محرم سنة 1414هـ

الباب الأول

الأدلة من الإنجيل على أن عيسى رسول الله

وليس هو الله، أو ابن الله

1- عيسى يعلّم إبليس أنه لا سجود إلا لله، وأن الله هو الرب وحده سبحانه وتعالى:

في إنجيل متى فقرة 4:

(ثم صعد الروح بيسوع إلى البرية، ليجرّب من قبل إبليس، وبعدما صام أربعين نهاراً، وأربعين ليلة، جاع أخيراً، فتقدم إليه المجرب وقال له: "إن كنت ابن الله، فقل لهذه الحجارة أن تتحول إلى خبز!" فأجابه قائلاً: "قد كتب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله!" ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على حافة سطح الهيكل، وقال له: "إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك، فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر!" فقال له يسوع: "وقد كتب أيضاً لا تجرب الرب إلهك!".

ثم أخذه إبليس أيضاً إلى قمة جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم وعظمتها، وقال له: "أعطيك هذه كلها إن جثوت وسجدت لي!" فقال له يسوع: "اذهب يا شيطان! فقد كتب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد!".

فتركه إبليس، وإذا بعض الملائكة جاءوا وأخذوا يخدمونه).

وفي هذا النص من الأدلة على عبودية المسيح لله ما يلي:

1- أن روح القدس (وهو ملاك الرب الذي ينزل بالوحي من الله للأنبياء) أصعد عيسى إلى البرية ليمرنه ويجربه على عصيان إبليس والرد عليه، ويعرفه بأساليبه في الغواية ليحذرها، ويستحيل لو كان عيسى هو الله أو أنه الله كما تدعي النصارى أن يأخذه الملاك ليعلمه!! كيف يتقي شر الشيطان، فهل يحتاج خالق للسماوات والأرض إلى تعليم؟!

2- صام عيسى أربعين يوماً وليلة وجاع.. فهل الرب يصوم ويجوع!! أم أن الرب الإله لا بد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه.. قال تعالى في القرآن في بيان بطلان كون عيسى وأمه إلهين: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} فمن يحتاج إلى الطعام لا يكون إلهاً ورباً وخالقاً، لأن الإله الرب لا بد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه، ولا شك أن من يأكل من البشر ويشرب ويبول ويتغوط.. فهل يوصف الإله بذلك؟ أليسلمن يقول بألوهية المسيح وربوبيته من عقل يميزون بين الرب الإله الخالق المنزه عن كل نقص وبين الإنسان المحتاج الفقير العاجز؟؟

3- تقدم الشيطان إليه ليجربه بقوله له: إن كنت ابن الله حقاً اقلب هذه الأحجار إلى خبز.. أي لتأكل منها بعدما جعت، ورد عيسى عليه بأنه (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله). ومعنى أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان أي أن الحياة الحقيقية ليست بما يحيي الجسد فقط، وإنما الحياة الحقيقية بما يحيي الروح فمن آمن بالله وعمل بكلماته فهو الحي حقيقة، وأما الكافر الذي يعيش لبطنه فقط فهو ميت في ظاهر حي كما قال تعالى في القرآن: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} أي لا يستوي هذا وهذا.. فمن كان ميتاً أي بالكفر فأحيينا أي بالإيمان وجعلنا له نوراً أي هداية وشريعة يعرف بها الحلال من الحرام والحق من الباطل، والهدى من الضلال، والشرك من التوحيد، والصلاح من الفساد، ليس يستوي هذا ومن هو ضال لا يهتدي يعيش للدنيا فقط ولا يميز بين شرك وتوحيد، وهدي وضلال، وخير وشر.

معنى ابن الله كما ورد في النص:

4- ألفاظ ابن الله التي جاءت في الأناجيل والكتب المقدسة عند النصارى من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم فإن هذه اللفظة (ابن الله) استخدمت في عيسى، وفي أتباعه، وفي كل مؤمن بالله غير كافر به.. وقد ادعاها كل من اليهود والنصارى جميعاً كما قال تعالى في القرآن: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه}.

وهذه الكلمة تحتمل معنيين: بنوة الهداية، والإيمان، والتشريف، وهو ما يسمونه بالبنوة الروحية، ويقال في مقابلها: أبناء الشيطان، وأبناء الأفاعي كما جاء في الإنجيل في وصف اليهود: (يا أبناء الأفاعي)، والكل يعلم أنهم ليسوا أبناء الأفاعي من النسب، ولا الشيطان من الصلب، وإنما نسبوا إلى الأفاعي لمكرهم وخطرهم، وسمومهم، وإلى الشيطان لتلبيسهم، وكذبهم.

والنسبة إلى الله بالأبناء للهداية، والتوفيق، والعمل بشريعة الله، والسير على هداه، والإستضاءة بنوره المنزل على عباده المرسلين.

والمعنى الثاني نبوة النسب، والإبن الذي هو قطعة من أبيه، وبضعة منه.

ولا شك عند كل ذي لب، وإيمان، وبصيرة، وتمييز بين الخالق، والمخلوق أن المعنى الثاني منتف عن الله سبحانه وتعالى، فليس بين الله وأحد من خلقه بنوة نسب قط، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإذا كانت هذه اللفظة: (ابن الله) دائرة في المعنى بين بنوة الشريف، والإيمان، والتقديس، والمحبة.. وبين بنوة النسب، والولادة، والجزئية، فتكون هذه اللفظة هنا من المتشابه الذي يجب أن يحمل على المحكم الذي لا يتغير معناه، واللفظ المحكم هو ما لا يكون معناه إلا واحداً، ولا يختلف أهل اللسان فيه، ولا أهل العقل حول حقيقة معناه.

ونحن نورد هنا عشرات من الأدلة من الإنجيل نفسه أن لفظ (ابن الله) الوارد في الأناجيل، وفي كتب رسل المسيح -عليه السلام- ما أريد بها إلا بنوة التشريف، والتقديس، والرفعة، والمحبة، وأنها لا تنتمي إلى بنوة النسب، والولادة بأي حال تعالى الله عما يقول الجاهلون الكافرون الضالون علواً كبيراً.

فقول إبليس المتكرر.. (إن كنت ابن الله) هو من هذا الباب. ومن ذلك قول عيسى لتلاميذه:- (وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويضطهدونكم لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات) (متى 6/45).

وقوله عليه السلام: (فعندما تصلي فادخل غرفتك، وأغلق عليك بابك، وصل إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يكافئك) (متى 6/7).

ومثل هذا كثير جداً من الكلام المنسوب إلى المسيح عليه السلام، وكله شاهد أنه كان يستعمل اسم (الأب) في التعبير عن الله بمعنى المربي، والذي يكلأ عباده المؤمنين وليس بمعنى أبوة النسب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

5- قول إبليس لعيسى: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر"!! فقال عيسى: (وقد كتب أيضاً: لا تجرب الرب إلهك)!! .

في هذا النص إقرار عيسى لإبليس على النص السابق من كلام الله، وأنه هو المقصود به، وإذا كان هو المقصود بذلك، فكيف يكون هو ابن الله أو الله كما يدعون ويزعمون أن صفاته وأعماله هي صفات الرب وأعماله ثم يقال عنه: (يوصي ملائكته بك)!!

فهل يحتاج الإله الرب أن يُوَصَّى عليه، وأن يكون الملائكة حفظٌ له، وحماية له ألا يصطدم قدمه بحجر!!، وهل يكون من يحتاج أن تحميه الملائكة من السقوط إلا عبداً محتاجاً ذليلاً فقيراً؟!!

6- قول عيسى–عليه السلام- رداً على إبليس وقد كتب أيضاً: "لا تجرب الرب إلهك"!!

فهذا من أعظم الأدلة على أن عيسى يعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو ربه، وهو إلهه وأنه لا يحسن به أن يجربه بمعنى أن يطلب منه شيئاً لينظر أيقدر عليه أم لا؟ فإذا كان عيسى–عليه السلام- هو الله كما يزعمون فمن يجرب؟! هل يجرب أباه؟! فينظر أيحميه من الحجارة أم لا؟ أم يجرب نفسه فينظر هل يستطيع إذا قفز من فوق الهيكل أن يحمي نفسه من السقوط أم لا؟ تباً لعقول تقرأ ولا تفقه!!.

هل هناك أصرح من هذا الدليل في أن عيسى -عليه السلام- يتبرأ من الحول، والقوة، ويجعل الله وحده هو صاحب الحول، والقوة، وأنه هو وحده ربه وإلهه.

7- دعوة إبليس للمسيح -عليه السلام- أن يسجد له!! وقوله له بعد أن أراه من فوق جبل عال جداً جميع ممالك العالم، وعظمتها: "أعطيك هذه كلها إذا جثوت، وسجدت لي"! وقول عيسى عليه السلام رداً عليه: (اذهب يا شيطان، وقد كتب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) فيه من الأدلة على فساد معتقد النصارى في ألوهية المسيح وربوبيته الشيء الكثير فمن ذلك:-

أ- عرض إبليس عليه ممالك الدنيا، وإيراءه إياها، واطلاعه عليها، ولو كان عيسى هو الله، أو ابن الله لقال له: أنا مالكها، وخالقها، وهي لي، وتحت تصرفي؟ بل ما كان لإبليس أن يتجرأ أصلاً ليقول للإله، أعطيك هذه إن سجدت لي!!..

ب- عجباً أن يأمر إبليس خالق السماوات والأرض أن يسجد له!! ألا يستحي النصارى وهم يقرأون هذا الكلام!! ألا يستحون أن من يعتقدون فيه الألوهية، والربوبية أن يصحبه إبليس، ويعرض عليه السجود له مقابل أن يملكه الدنيا.

ج- لو كان عيسى هو الله أو ابن الله لما كان رده على عرض إبليس هذا أن يقول: لا قد نزل في كتب الأنبياء السابقين: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".

هل هناك أصرح من هذا في أن عيسى دعا إلى عبادة لله خالق السماوات، والأرض، وأن عيسى لا يعبد إلا الله، ولا يسجد إلا له سبحانه وتعالى.

يكفي هذا الدليل لكل من يريد بصيرة في الدين أن عيسى عليه السلام جاء ليقول كما قال الله عنه: {وقال المسيح يا بني إسرائيل: اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.

د- يأس الشيطان من عيسى، وذهابه عنه، وعدم قدرته عليه حق لعصمة الله له تحقيقاً لقول امرأة عمران أم مريم عندما وضعت مريم: {رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم.. وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}، وليس من ذرية مريم إلا عيسى عبدالله ورسوله، وقد أعاذه الله الشيطان الرجيم صغيراً وكبيراً.

8- وقول الإنجيل: "فتركه إبليس، وإذا بعض الملائكة جاءوا إليه وأخذوا يخدمونه" دليل جديد على عبودية المسيح، فالذي يحتاج إلى الخدمة هو العبد الفقير المحتاج، وهم جاءوه، ولم يستدعهم، وهذا مما يدل على أن الله أرسلهم إليه، وهم كانوا يخدمونه، ولم يأتوا ليعبدوه، والرب سبحانه وتعالى تعبده الملائكة، ولا تخدمه، لأنه الحي القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره، فالملائكة تحتاجه، وهي فقيرة إليه، وأما هو فغني عن الجميع سبحانه وتعالى.

 

2- عيسى عليه السلام يبشر في بلدته الناصرة التي تطرده وترفضه:

ذكر إنجيل لوقا أن عيسى عليه الصلاة والسلام بدأ (معموديته) على يد يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا عليهما السلام)، وأنه بينما كان يصلي (هكذا) انفتحت السماء، وهبط عليه روح القدس متخذاً هيئة جسمية مثل حمامة، وانطلق صوت من السماء يقول: "أنت ابني الحبيب بك سررت كل سرور" (لوقا 3/21).

وبالرغم من أن هذا كله حكاية، وليس كلاماً منزلاً من الله سبحانه وتعالى كما نرى، ولا هو مروي، أو منقول من قول عيسى -عليه السلام-، ومعلوم أن لوقا كاتب هذا الإنجيل لم يكن أيضاً تلميذاً للمسيح عليه السلام..، بالرغم من كل هذا فإن هذا النص يدل دلالة قطعية على أن عيسى لم يكن إلا رسولاً نزل عليه الوحي، وليس هو ابن الله نسباً، أو ذاتاً، أو أقنوماً كما ادعت النصارى بعد ذلك، وهذه هي الأدلة:-

1- ذكره أن عيسى تعمد.. والرب لا يَتَعَمَّدُ (أي يؤهل ليدخل في خدمة الله وعبادته) فكيف يتعمد الرب؟.. ألعبادة نفسه؟!! أم لعبادة أبيه؟! أم لعبادة ذاته؟!! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً..

2- قوله: (بينما كان يصلي)، والرب لا يصلي لأحد، لأنه هو المعبود سبحانه وتعالى.

3- قوله: (هبط عليه روح القدس مثل حمامة) يدل على أن روح القدس هذا هو الملاك الذي ينزل على الأنبياء، وليس أقنوماً، ولا جزءاً من الله كما ادعت النصارى، وهذا إبطال لقولهم إن الله ثالث ثلاثة لأنه لو كان روح القدس الذي كان مثل حمامة جزءاً من الله -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-، وكان المسيح جزءاً آخر، وكان الله في السماوات جزءاً ثالثاً، كما تدعي النصارى لكان هذا من أبطل الباطل، لأنه ليس إلا رب واحد، تعالى أن يكون له جزء، كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين}.

فكيف يدعي النصارى -وهذه مقالتهم في الشرك، والتثليث- أنهم يؤمنون بوحدانية الله سبحانه وتعالى؟!!

4- لو فرضنا أن من روى هذا الإنجيل سمع النداء الذي انطلق من السماء يقول: (أنت ابني الحبيب بك سررت كل سرور). فإن هذا لا يعني بحال أن عيسى بن مريم–عليه السلام- جزء منه، تعالى الله سبحانه وتعالى عما يقولون المبطلون علواً كبيراً وإنما كما يطلقون على الله بأنه الأب فيقولون (أبانا الذي في السماوات)، وكما يذكرون أن عيسى قال لهم مراراً:(أبي، وأبيكم) فلماذا لا يكون معنى البنوة هنا بنوة الرحمة والتعليم والإرسال؟

وبعد هذا النص السابق ساق الإنجيل هذا النص تحت عنوان:

الناصرة ترفض يسوع:

(وعاد يسوع إلى منطقة الجليل بقدرة الروح، وذاع صيته في القرى المجاورة كلها، وكان يعلم في مجامع اليهود، والجميع يمجدونه، وجاء إلى الناصرة حيث كان قد نشأ، ودخل المجمع كعادته يوم السبت، ووقف ليقرأ، فقدم إليه كتاب النبي أشعياء، فلما فتحه وجد المكان الذي كتب فيه: "روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر الفقراء؛ أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعميان بالبصر، لأطلق المسحوقين أحراراً، وأبشر بسنة القبول عند الرب". ثم طوى الكتاب وسلمه إلى الخادم، وجلس، وكانت جميع عيون الحاضرين في المجمع شاخصة إليه، فأخذ يخاطبهم قائلاً: "اليوم تم ما سمعتم من آيات..". وشهد له جميع الحاضرين، متعجبين من كلام النعمة الخارج من فمه، وتساءلوا: "أليس هذا ابن يوسف؟"، فقال لهم: "لا شك أنكم تقولون لي هذا المثل: أيها الطبيب اشف نفسك! فاصنع هنا في بلدتك ما سمعنا أنه جرى في كفر ناحوم.." ثم أضاف: "الحق أقول لكم: كان في إسرائيل أرامل كثيرات في زمان إيليا، حين أغلقت السماء ثلاث سنين وستة أشهر حتى حدثت مجاعة عظيمة في الأرض كلها؛ ولكن إيليا لم يرسل إلى أية واحدة منهن بل إلى امرأة أرملة في صرفة صيدا، وكان في إسرائيل، في زمان النبي أليشع، كثيرون مصابون بالبرص; ولكن لم يطهر أي واحد منهم، بل نعمان السوري!" فامتلأ جميع من في المجمع غضباً لما سمعوا هذه الأمور، وقاموا يدفعونه إلى خارج المدينة، وساقوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى الأسفل، إلا أنه اجتاز من وسطهم، وانصرف) (لوقا 4/14-30).

وفي هذا النص من الأدلة على عبودية المسيح ما يأتي:

1- قوله: (وعاد يسوع إلى منطقة الجليل بقدرة الروح) فيه دليل أنه ليس الله أو ابن الله كما يدعون، وأن له قدرة إلهية من ذات، وهنا يقول بأنه عاد إلى الجليل بقدرة الروح أي أن الملك أعانه ليذهب إلى الجليل، ومن في حاجة إلى الملك لا يكون رباً ولا إلهاً، ولا خالقاً، ولا قادراً بنفسه.

2- قول عيسى -عليه السلام- لمن كان يعلمهم ويعظهم في مجمع الناصرة: (اليوم تم ما قد سمعتم من آيات)، أي أنه تحقق وعد الله الذي جاء على لسان النبي أشعياء، والنص هو: (روح الرب عليّ، لأنه مسحني لأبشر الفقراء، وأرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعميان بالبصر، لأطلق المسجونين أحراراً، وأبشر بسنة القبول للرب)..

هل هناك ما هو أصرح من هذا النص في أن عيسى هو رسول الله الذي بشرت به الأنبياء فالنص يقول: (روح الرب عليّ): أي وحي الله إلى طريق الله روح القدس وانظر فلم يقل روح الرب هي ذاتي، أو أقنومي، أو جزئي، أو نفسي، ومعنى (مسحني لأبشر الفقراء): أي جعلني مسيحياً، والمسيح سواء أريد به من يمسح بالزيت على عادة بني إسرائيل عندما يتنبأ منهم نبي، أو المسيح من المسح وهو المحو للشرك، والكفر، أو غير ذلك فالمعنى على كل حال بمعنى النبوة والرسالة وليس بمعنى الألوهية والربوبية.

ثم قوله: (أرسلني لأنادي للمأسورين بالإطلاق.. الخ) دليل على أنه نبي مرسل، وليس هو الرب، أو ابنه النازل إلى البشر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

3- لقد كان رد أبناء بلده (الناصرة) على عيسى -عليه السلام- رداً في منتهى السوء، والقباحة، والإفك، فبدلاً من الاعتراف برسالته، ونبوته إذا بهم يسبونه في عرضه، ويتهمونه أنه (ابن زنا)!!!

حاشاه -عليه الصلاة والسلام- فيقول له هؤلاء المجرمون: (أليس هذا ابن يوسف؟) يوسف النجار الذي كما ذكر خطيباً لمريم–عليها السلام- قبل أن ينزل عليها ملاك الرب، ويبشرها بعيسى عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً، قال إنما رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً}..

وهؤلاء المجرمون من اليهود أبناء بلدته الذين جاءوا ليستمعوا إلى مواعظه في الهيكل ردوا عليه هذا الرد عندما قال لهم: (إنه مسيح الرب الذي جاء ليفتح الله به آذاناً صماً، وقلوباً عمياً، ويفك أسر المأسورين من معاصيهم، والذين قيدهم الشيطان بخطاياهم، ويبشرهم بمغفرة الذنوب) لقد كان ردهم على هذه الدعوة الكريمة أن قالوا: (أليس هذا ابن يوسف؟) متهمين إياه.. ولما قالوا له هذا القول الفاجر الآثم، وأنكروا عصمته، وعصمة أمه، وأنكروا نبوته بعد أن شاعت في كل بلدان اليهودية، عند ذلك ردّ عليهم قائلاً: (لا كرامة لنبي في بلده)!!، (وما من نبي يقبل في بلده)!! (لا يكون النبي بلا كرامة إلا في بلدته وبيته) (إنجيل متى 13/58) .

ثم بين لهم أن أهله، وأولى الناس به من يقبلونه، ويؤمنون برسالته، وأخبرهم أن نبي الله إيليا لم يشفع وقت المجاعة إلا إلى أرملة غير إسرائيلية، وأن أليشع لم يشفع في شفاء مريض إلا مريضاً سورياً غير إسرائيلي..: (نعمان السوري)، وأخبرهم أن رحمة الله برسالة عيسى قد لا تصيب إلا من هم خارج بني إسرائيل، وأن ما يمكن أن يجريه الله على يديه من خير قد يحوزه غير أبناء بلده (الناصرة) التي كفرت به!! ولما سمع أبناء بلده هذا الكلام كان من شأنهم أن أخرجوه منها، (وساقوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى أسفل).

وكل هذا النص شواهد أنه لم يقل إني إله، وإنما قال لهم فقط: إنني نبي، ولا كرامة لنبي في بلده، فلماذا لم يقل لهم: (أنا ربكم وخالقكم)..؟

وهل كان يليق بالرب أن يقول له أهل بلدته (هكذا)؟! أنت ابن زنا.. وهل ينزل الرب سبحانه وتعالى من السماء ليقول له البشر الذي خلقهم ورزقهم: (ألست ابن يوسف النجار؟).. سبحانك ربنا لا إله إلا أنت أستغفرك، وأتوب إليك، وأعتذر لك حتى ترضى من ذكر هذا الكفر، وسبحانك لا أحد أصبر على أذى منك وحدك!!. يدّعون لك الولد، وأنت ترزقهم، وتعافيهم، لا إله إلا أنت، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك!! وتعاليت عما يقول المجرمون الظالمون علواً كبيراً.

4- وهل ينزل الرب من عليائه سبحانه وتعالى ليقبض عليه أهل بلدته (هكذا)، ثم (يدفعونه إلى خارج المدينة، ويسوقونه إلى حافة الجبل ليطرحوه).. هل من يفعل به هكذا يكون رباً إلهاً خالقاً للسماوات والأرض؟! وهل يليق بالرب ذلك؟!

3- معجزات عيسى عليه السلام لا تدل إلا على أنه نبي مرسل مؤيد بالمعجزات:

لا يوجد في الأناجيل كلها رغم ما نالها من التحريف، والخطأ نص واحد يقول فيه عيسى عليه السلام أنه الله، أو أنه ابن الله بنوة نسب، وولادة، وجزء (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).

أو أن ذاته ذات الله، وفعله فعله، أو أن مشيئته مساوية لمشيئة الرب، أو أنه خالق، أو رازق أو مصور، بل الموجود على العكس من ذلك تماماً، ولو كان عيسى إلهاً، ورباً، وخالقاً، ورازقاً كما يدعي الضالون لأظهر ذلك، وقاله إذ أن مثل ذلك هو الاعتقاد.. ألا نرى إلى قول الله سبحانه وتعالى في القرآن وهو يذكر عن نفسه جل وعلا أنه هو الخالق، والرازق، والبارئ، والمصور، والذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأن له كان صفات المجد، والألوهية، والربوبية لا ينازعه أحد، ولا يشاركه مشارك، وليس لأحد معه من الأمر شيء، بل لا يملك أحد من كل خلقه ملائكة، وإنساً، وجناً، لنفسه من أمره خيراً، ولا شراً إلا بمشيئة الرب الواحد سبحانه وتعالى.

وعيسى -عليه السلام- لم يدّع شيئاً من ذلك قط، ولا خلع على نفسه قط صفة من صفات الألوهية، والربوبية، بل تكلم بضد ذلك تماماً ذكر أنه عبد يصلي، ولا مشيئة له مع مشيئة من أرسله، وأظهر دائماً من الضعف، والعجز، والخوف، والتبرء من الحول، والطول ما يظهر لكل ذي عينين أنه عبدالله ورسوله، وليس ابن الله، أو الله، أو أن له شركة مع الله في شيء من صفاته قط، وعامة ما روته الأناجيل، وتمسك به الضالون في إدعاء ربوبية المسيح -عليه السلام- بعض المعجزات والبركات، والكرامات التي أظهرها الله على يديه كإحياء بعض الموتى، وشفاء من لهم آفات وعاهات دائمة يعجز الطب عنها، وإخراج بعض الأرواح الشريرة، والشياطين التي تتلبس بعض الناس، وقد أفاضت الأناجيل بخاصة في قضية تخليص بعض الناس التي تلبست بهم الشياطين، علماً بأن هذا الأمر يجري على يد أناس بسطاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بل ذكر عن بعض سادة هذه الأمة الإسلامية كالإمام أحمد بن حنبل أن الشياطين كانت تخرج ممن تلبست به بمن يأمرها بإسمه دون أن يتكلف عناء الذهاب إلى المريض بنفسه، أو حتى نقله إليه، وهناك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من أخرج آلافاً من هذه الشياطين من جسوم المرضى، والذين يؤذنهم، ويصرعونهم.. وأما إحياء الموتى فقد كان على يد كثير من الأنبياء قبل عيسى -عليه السلام- كما جاء في قتيل بني إسرائيل على عهد موسى، وطيور إبراهيم، وأما شفاء الأمراض المستعصية فهي معجزة لهذا النبي الكريم، وقد جاء وصفه في القرآن: {وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً}، فعيسى رسول مبارك، ومن بركته ما أجرى الله على يديه من الخير والبركة للناس في الدنيا كشفاء من شفي من المرض، والخير والبركة في الآخرة كالدعوة إلى الإيمان، والتوحيد، وابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى.. وكل هذه المعجزات، والكرامات قد جرى أمثالها على يد كثير الأنبياء، والمرسلين، وخيار الصالحين، ولا يعني مطلقاً أن فاعلها هو الرب الإله خالق السماوات والأرض.

وهذه نماذج مما جاء في الإنجيل عن معجزاته -عليه السلام- والبركات التي أجراها الله على يديه:

أ- يسوع يطرد روحاً نجساً:

(ونزل إلى كفر ناحوم، وهي مدينة بمنطقة الجليل، وأخذ يعلم الشعب أيام السبت، فذهلوا من تعليمه، لأن كلمته كانت ذات سلطة، وكان في المجمع رجل يسكنه روح شيطان نجس، فصرخ بصوت عال: "آه! ما شأنك بنا يا يسوع الناصري؟ أجئت لتهلكنا؟ أنا أعرف من أنت: أنت قدوس الله". فزجره يسوع قائلاً: "إخرس، واخرج منه". وإذ طرحه الشيطان في الوسط، خرج منه، ولم يصبه بأذى، فاستولت الدهشة على الجميع، وأخذوا يتساءلون فيما بينهم: "أي كلمة هي هذه؟ فإنه بسلطة وبقدرة يأمر الأرواح النجسة فتخرج!" وذاع صيته في كل مكان من المنطقة المجاورة) (ومثل هذا العمل يقوم به اليوم وأمس ألوف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يدعي لهم أحد نبوة، ولا ألوهية أو ربوبية).

ب- يسوع يشفي الله على يديه كثيرين:

(ثم غادر المجمع، ودخل بيت سمعان، وكانت حماة سمعان تعاني حمى شديدة، فطلبوا إليه إعانتها، فوقف بجانب فراشها، وزجر الحمى، فذهبت عنها، فوقفت في الحال، وأخذت تخدمهم، ولما غربت الشمس، أخذ جميع الذين كان عندهم مرضى مصابون بعلل مختلفة يحضرونهم إليه، فوضع يديه على كل واحد منهم، وشفاهم، وخرجت أيضاً شياطين من كثيرين، وهي تصرخ قائلة: "أنت ابن الله"، فكان يزجرهم، ولا يدعهم يتكلمون، إذ عرفوا أنه المسيح.

ولما طلع النهار خرج، وذهب إلى مكان مقفر، فبحثت الجموع عنه حتى وجدوه، وتمسكوا به لئلا يرحل عنهم، ولكنه قال لهم: "لا بد لي من أن أبشر المدن الأخرى أيضاً بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت". ومضى يبشر في مجامع اليهودية) (لوقا 4/31-44).

ومن الأدلة في هذا النص على عبودية المسيح لله، وأنه رسول الله ما يأتي:

1- قول الشيطان لعيسى عليه السلام: (ما شأنك بنا يا يسوع الناصري).. فقد نسبه إلى بلدته، وأقره عيسى على ذلك، ومثل هذا المنسوب إلى بلدة لا يكون إلهاً، ورباً، وخالقاً..

2- قول الشيطان له: (أنت قدوس الله)، وإقرار عيسى لذلك، والمعنى أنت مقدس من قبل الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن عيسى مقدس لأن الله سبحانه وتعالى قدّسه، وطهّره، وزكّاه، والذي يقدسه الله لا يكون هو الله.

3- قول الشياطين له (أنت ابن الله) لا تعني أنه جزء منه، وأنه ولده نسباً وصهراً كما ذكرنا ذلك مراراً، وإنما هذا جار على عادتهم في استعمال هذا اللفظ.

4- قال عيسى في النهاية: (لا بد لي أن أبشر المدن الأخرى بملكوت الله لأني لهذا أُرسِلْتُ) نص واضح جلي على أنه رسول مرسل من الله سبحانه وتعالى، وأنه لم يأت بنفسه.

5- قول راوي الإنجيل (ومضى يبشر في مجمع اليهودية) أي أنه رسول إلى بني إسرائيل كما قال تعالى في القرآن عنه: {ورسولاً إلى بني إسرائيل}.. الآية.

4- الجميع يشهدون بأن عيسى عليه السلام نبي الله بعد أن رأوا معجزاته:

وهذا نص آخر يبين أن الشعب اليهودي الذي أرسل إليهم عيسى -عليه السلام- شهد كثير منهم له بالنبوة بعد أن رأوا ما أجرى الله على يديه من المعجزات.

ج- يسوع يحيي ابن الأرملة:

"وفي اليوم التالي ذهب إلى مدينة اسمها نايين، يرافقه كثيرون من تلاميذه وجمع عظيم، ولما اقترب من باب المدينة، إذا ميت محمول، وهو ابن محمول، وهو ابن وحيد لأمه التي كانت أرملة، وكان معها جمع كبير من المدينة، فلما رآها الرب، تحنَّن عليها، وقال لها: "لا تبكي!" ثم تقدم، ولمس النعش، فتوقف حاملوه، وقال: "أيها الشاب لك أقول: قم!" فجلس الميت، وبدأ يتكلم، فسلَّمه إلى أمه، فاستولى الخوف على الجميع، ومجدوا الله قائلين: "قد قام فينا نبي عظيم وتفقد الله شعبه!" وذاع هذا الخبر عنه في منطقة اليهودية كلها، وفي جميع النواحي المجاورة" (إنجيل لوقا 7/11-17).

الأدلة من هذا النص على أن عيسى عليه السلام هو رسول الله، وليس هو الله:

والشاهد في هذا النص أن عيسى -عليه السلام- بعدما أحيا الله على يديه هذا الميت الذي يذكر إنجيل لوقا أنه ابن وحيد لامرأة أرملة أن جميع الناس الحاضرين مجدوا الله قائلين:

(قد قام فينا نبي عظيم، وتفقد الله شعبه) ولست أرى أصرح من هذا الدليل على بشرية عيسى، وأنه عبد رسول، فإنه بعد أن أحيا هذا الميت استطاع جميع الحاضرين أن يفرقوا بين الله، وبين عيسى فمجدوا الله سبحانه وتعالى خالق السماوات، والأرض وشهدوا لعيسى عليه السلام بالنبوة، وشكروا الله إذ أرسل في بني إسرائيل نبياً، ويسمون أنفسهم شعب الله إذ أن الله (تفقده) أي اهتم به، ونظر إليه بعين رحمته، وأرسل فيهم نبياً جديداً، و�

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 6 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,080