authentication required





2
محمد موافى
04
يونيو
2012
08:09 PM


لغتنا العربية لغة شاعرة، عامرة، زاهية كإشراق الصباح، ونابضة كدقات قلب يوحّد رب الإصباح، ودافقة كما انصباب النيل عند الشلالات، وغاضبة إذا ما عبر الجنود للضِّفَّة الشرقية، وفَتيَّة، والله العظيم، هي فتية، كوقْع صدى حروف القلقلة الخمسة، وبهية كما وجه حبيبتي، ومهيبة كمفاجأة الكعبة لعين زائر مشتاق، ومنسابة في أقلام كل مَن سلم لها نفسه، وانقاد مسحورًا مفتونًا، مرتلاً "فبأيِّ آلاءِ ربِّكما تكذبان"، هي العربية جاءنا بها ابن العاص، ونشَّط حيويتنا بها الشافعي، وزارنا محاضِرًا أبو تمَّام، وانهال علينا بها المتنبي، وفتحت لها مِصر الفسطاط عقولاً مُحبَّة، وقدمت لها أكابر النُّحاة، هي العربية، وهي مصر اللغة.

وكتبت أمس عن لغة قاضي مبارك، وهالني أن وجدت - كما ذكرت أمس - كثرة عدد زُوار خبر بموقع قناة "العربية" عن أن القاضي أحمد رفعت أخطأ في اللغة كثيرًا، وفي آيات الكتاب العزيز ثلاث مرات، وصدمتْني تعليقات زوار ذلك الموقع، وغاظني ألا يعرف هؤلاء أن في مصر خُطبًا لا تزال رنانة، وأقلامًا تركت علامات، ولن أذكر العقاد ولا سيد قطب ولا الغزالي، ولا عبد الصبور شاهين، بل سآتيكم بنزر يسير من سيرة رجل سياسة مسيحي، وأنتم به أعلم، وهو مكرم باشا عبيد، ابن قنا، فرن الصعيد الذي يسوّي الخبز كما يسوي بلاغة الرجال، وهو رجل قانون درس بجامعة أكسفورد، يعني لسانه خالَط الإنجليز في بلادهم وبلادنا، وهو الذي دافع عن العقاد لما اتهموه بالسب في الذات الملكية.

وحينما أتكلم عن مكرم باشا عبيد، فأرجوك، وخُذ بالك - أصلح الله حالي وحالك، وكفاني شر سؤال الناس وسؤالك- خذ بالك أن حديثي في لغته لا في تفاسير كلماته، ونقدها وفقًا لشرح كتب العقائد.

يقول ابن عبيد- وليس البابا شنودة - : "إن مصر ليس وطناً نعيش فيه، بل وطناً يعيش فينا"، ويقول: "اللهم يا رب المسلمين والنصارى، اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً، واجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين".

وكان كثيرَ الاستشهاد بالقرآن الكريم، وقيل إنه حفظه طفلاً، فحفظ عليه لسانه ولغته شابًّا وكهلاً، وعن مصر في أيام الغربة، والتي تذوب قلوب أقسى الرجال المغتربين، يقول مكرم باشا: "لم نشعر فى حياتنا أننا مصريون، عاشقون لمصر، بمقدار ما شعرنا فى المنفى.. ما أحسست طوال عمرى، أن الوطن قريب إلى قلبى وفكرى، إلا عندما أبعدونى عنه فى سيشل، فكانت أداة الفصل هى هى أداة الوصل".

وللمستعمر ولأعوان المستعمر-الفلول بحسب أيامنا- يخطب مكرم باشا قائلاً: "عبثًا تحاولون فصم وَحدتنا، فقد جمعتنا دماءُ أبنائنا التى تجرى فى عروقنا، ودماء أبنائنا التى جرت فى شوارعنا، عبث والله كل عبث، فقد اكتشفنا سر الحياة، وهو الإخلاص. وما اتحادنا إلا اتحاد قلوبنا ونفوسنا ومشاعرنا، ولن يفصلها فاصل، بعد أن جمعها الواحد القهار".

هكذا يجب أن تكون لغة رجال القانون، وإلا فالبراءة لقارون!

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 22 مشاهدة
نشرت فى 5 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

309,414