-----------------------
الرقاق والأخلاق والآداب, العلم والدعوة والجهاد
أحاديث مشروحة, أعمال القلوب
-----------------------
بهجت بن يحيى العمودي
الطائف
الأمير أحمد
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- معنى التقوى. 2- صفات المتقين كما أخبرت بها الآيات القرآنية. 3- منزلة المتقين عند الله. 4- تقوى الله في السر. 5- المتقون يحافظون على حقوق العباد. 6- صيام ست من شوال.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله، ولنا اليوم وقفة مع صفة جليلة وخلة عظيمة، فبها نعَتَ اللهُ فئة من عباده، وإليها دعا أنبياءه، وبها تميز أولياؤه. إنها كلمة صغيرة في حجمها، ولكنها عظيمة في أثرها. إنها ـ إخوتي ـ كلمة التقوى.
أما نادانا بها ربّنا في قوارع التنزيل؟! بلى، أما ذكر الله لنا ثواب أهلها فنالوا بذلك المقام الجليل؟! بلى. إذًا، فَحُقّ لنا ـ إخوتي ـ أن نقف عندها، ونتأمّل فيها ونتدبرها، عسى ربنا أن يجعلنا من أهلها، إنه جواد كريم.
فالتقوى في أصلها ـ أحبتي ـ أن يجعل العبد بينه وبين ما يخاف ويحذر وقاية، وأن يعلم ما يُتقى ثم يتقي. وربنا هو أهل التقوى، فمن يُخشى غير الله؟! ومن يعظَّم ويجَلّ ويكرّم إلا الله؟!
والتقوى كما قال علي رضي الله عنه: (الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل). هذه هي التقوى، فمن هو التقي إخوتي؟
سئل معاذ رضي الله عنه: من المتقون؟ قال: (قومٌ اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله بالعبادة)، وقال ابن عباس: (المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به)، وقال الحسن رحمه الله: "المتقون اتقوا ما حُرّم عليهم، وأدّوا ما افترض عليهم"، وقال سفيان رحمه الله: "إنما سُمّوا متقين لأنهم اتقوا ما لا يُتقى"، وقال ميمون بن مهران: "المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه"، وقال ابن مسعود في قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ قال: (أن يطاع فلا يُعْصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر).
وتبلغ التقوى تمامها كما قال ذلك أبو الدرداء رضي الله عنه حين يتقي العبد ربه من مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا، ليكون حجابًا بينه وبين الحرام، فإن الله بيّن للعباد الذين يُصيّرهم إليه فقال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7، 8]، فلا تحقرن شيئًا من الخير أن تفعله، ولا شيئًا من الشر أن تتقيه.
وننتقل بكم الآن ـ إخوتي ـ إلى نعوت أهل التقوى في كتاب الله، فقال عنهم: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:3، 4]، وقال عنهم: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:134، 135].
وأخبر أيضًا عنهم فقال سبحانه: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177].
إن التقوى ـ إخوتي ـ تفتح مغاليق القلوب، فيدخل فيها نور العلم، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ [البقرة:282].
بالتقوى ـ أحبتي ـ يكون الفرقان بين الحق والباطل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]. وبالتقوى ـ إخوتي ـ توسع الأرزاق وتفرج الكربات، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]. وبالتقوى تضاعف الأجور، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الحديد:28].
والمتقون ـ عباد الله ـ أكرم الخلق عند الله إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، ولا يقبل العمل من غيرهم، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِين [المائدة:27].
هم الناجون من السعير، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:71، 72]. ولهم الفوز أخيرًا بدار الحبور، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].
وقد قيل في وصفهم: هم أهل الفضل، منطقهم صواب، وملبسهم في اقتصاد، ومشيهم في تواضع، غضوا أبصارهم عن الحرام، ووقفوا أسماعهم على ما يستفاد، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كما نزلت في الرخاء، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، مطالبهم في هذه الدنيا خفيفة، وأنفسهم عما فيها عفيفة، صبروا أيامًا قصيرة فأعقبهم راحة طويلة، يَصُفُّون في الليل أقدامهم، يرتلون قراءتهم، جاثون على الركب، يطلبون النجاة من العطب، لا يرضون من الأعمال الصالحة بالقليل، ولا يستكثرون منها الكثير، من ربهم وجلون، ومن أعمالهم مشفقون، يتجمعون في الفاقة، ويصبرون في الشدة، ويشكرون على النعمة، قريب أملهم، قليل زللهم، الخير منهم مأمول، والشر منهم مأمون.
عباد الله، ولا يظهر الصدق في التقوى إلا حين يستوي عند العبد تقاه في سره ونجواه، إذ كيف يتقي العبد الذنوب أمام خلق الله، ويُظْهِرها في خلوته بمولاه؟! ألم تصف لك المعصية إلا حين خلوت بربك؟! ألم تستح منه حياءك من بعض خلقه؟! وقد قيل قبل: "اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك".
ووصى بعض الواعظين فقال: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال، في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك.
وإذا ما وقع الإنسان في الخطيئة تعمل التقوى عملَها، فيرجع إلى ربه ويؤوب، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201].
إخوة الإسلام، وأخيرًا بقيت إشارة إلى ركن مهم في التقوى، كثيرًا ما يغفل عنه الناس، ألا وهو الحفاظ على حقوق العباد بجانب حقوق الله، وقد ذكر ابن رجب رحمه الله ذلك في قوله: "وكثيرًا ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها"، حتى قال: "والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدًا، لا يقوى عليه إلا الكُمّل من الأنبياء والأتقياء، وقد قال بعض الحكماء: من عزيز الأشياء حسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة". جعلني الله وإياكم من المتقين. آمين.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في أنفسكم، واتقوه في أهليكم، واتقوه في الناس أجمعين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18، 19].
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد المرسلين، صلى الله عليه وآله وصحبه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: اتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله يسّر لعباده طرقًا للطاعات والقربات، يتمّون بها نقصهم، ويسدون بها خللهم، ويحسّنون بها ما سلف من أعمالهم، فالموفق من اغتنمها ففاز بها، والمغبون من غَفلَ عنها فحُرِم منها.
إخوة الإسلام، ما أجمل الحسنة تتبعها الحسنة، والطاعة تتلوها الطاعة، وما أحسن الإحسان يتلوه الإحسان، وإن من الإحسان بعد شهر رمضان المبارك ـ شهر الصيام والقيام والذكر والدعاء ـ أن نُتْبِعَه ستًا من شوال، حيث ندب نبيكم الأمّة إلى ذلك بقوله: ((من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر كله)) رواه مسلم.
ولعل من حكمة مشروعية صيامها إظهار شكر الله، وترويض النفس على متابعة الإحسان بالإحسان، وبيان أن فعل القُرَب ليس مقصورًا على رمضان، وإنما يتجدد في كل زمان.
أما كونُ صيام الست من شوال بعد رمضان كصيام الدهر فهو أن الله يجازي على الحسنة بعشر أمثالها كما في قوله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]. فصيام رمضان مضاعفًا بعشرة شهور، وصيام الست من شوال بستين يومًا، فحصل من ذلك أجر صيام سنة كاملة.
ومن كان عليه قضاء لشهر رمضان فعليه بالوفاء لما أفطره، ثم يصوم الست من شوال، ولا يُشترط فيها أن تكون متتابعة، وذلك من تيسير الله لعباده ورحمته بهم.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 63 مشاهدة
نشرت فى 31 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

299,189