-----------------------
الأسرة والمجتمع, الرقاق والأخلاق والآداب, فقه
الآداب والحقوق العامة, النكاح, قضايا الأسرة
-----------------------
عبد الكريم بن صنيتان العمري
المدينة المنورة
جامع الصانع
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- عناية الإسلام البالغة بالعلاقة الزوجية. 2- تأكيد الشريعة على حسن العشرة بين الزوجين. 3- ضرورة استخدام الحكمة والرفق في الخلافات الزوجية. 4- الخطوات الشرعية لحل النزاعات الأسرية: الوعظ والتذكير، ثم الهجر في المضجع، ثم الضرب غير المبرح، ثم تدخل المصلحين بينهما.
-------------------------
الخطبة الأولى
العلاقة بين الزوجين علاقة في غاية الأهمية، عُني الإسلام بتوثيقها، وعمل على بقائها واستمرارها، وأكد على ضرورة المحافظةِ على هذه الرابطة، وحضَّ الزوجين على الحرص على إنمائها وديمومتها.
ولذلك نجد أن حسن العشرة بين الزوجين من أهم الركائز التي يؤكد عليها الدين الحنيف، وينتج عنها عيش الأسرة في ود وسلام وصفاء ووئام، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، وقال جل شأنه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]، وفي الحديث عنه أنه قال: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) رواه الترمذي، وقال : ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله)) رواه الترمذي.
فالدعوة إلى التآلف بين الزوجين وتقوية الروابط بينهما من أهم ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية، ضمانًا لصيانة الأسرة من التفكك والانشقاق والتمزق والافتراق.
وحين يدب الخلاف بين عمودي الأسرة نتيجة سوء العشرة بينهما فإن الرياح العاتية والعواصف المدمرة تنذر بهدم ذلك الكيان القائم وتشتيته في كل اتجاه، وعند حدوث أي خلاف بين الزوجين فإنه ينبغي التغلب عليه داخل كيان الأسرة بالتفاهم والتراضي والعمل على القضاء عليه واستئصالِ جذوره، دون سريانه إلى أطرافٍ أخرى أجنبية عن الأسرة.
ولا ينبغي للزوج أن يتسرع، أو يعجز عن مقاومةِ الخلاف من أول وهلة، بل عليه أن يصبر، فإن استعجاله في حسم الخلاف قد يندم عليه ندمًا يصحبه طيلة حياته، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19].
وإذا كان بعض النساء تميل بطبعها إلى محبة افتعال مشكلةٍ أو تلمس أدنى خطأ من الزوج فإن عليه أن يكون أعقل وأثبت وأحلم في موقفه منها، فلعل فيها من الصفات الأخرى والمحاسن والمحامد ما يُغطّي زلاتِها ويمحو أخطاءها، وقد قال : ((لا يفرك ـ أي: لا يبغض ـ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر)) رواه مسلم.
إلا أن بعض النساء تنظر إلى صفح الزوج عنها وتسامحه عن هفواتها وعفوه عن زلاتها بأنه ضعف في جانبه، وخَوَرٌ في موقفه، واهتزازٌ لشخصيته، فيزيد استعلاؤها، وتتمادى في عنادها، وكلما اقترب من رأب الصدع والتئام الشمل ابتعدت عنه وترفعت عن التفاهم معه.
وهنا يضع الإسلام خطوات متوالية وإجراءات متتابعة لحل النزاع وإعادة الأُنس والصفاء الذي كانت تعيش في ظلاله الوارفة وسمائه الصافية، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34].
فيبدأ الزوج بوعظ شريكة حياته وملاطفتها بالكلام بأسلوب رقيق وألفاظ حسنة مهذبة، تؤثر في نفسها، وتقرب عاطفتها، ويعيدها بذاكرتها إلى أيام حياتهما الزوجية الأولى، وما كان بعدها من المشاعر والأحاسيس الرقيقة الفياضة التي جمعت بينهما في محبة ووئام ومودةٍ والتئام، والمرأةُ العاقلة هي التي تؤثر فيها تلك الكلمات الصادقة من الزوج، فتعود إلى رشدها وتلبي رغبته.
فإن لم تعبأ بذلك انتقل إلى هجرها في فراشها، وذلك بأن يدير ظهره إليها، ويبدي لها امتعاضه منها، فلا يكلمها ولا يلتفت إليها، وليس المراد من هجرها نومه في غرفة مستقلةٍ عنها، فإن ذلك ربما أدى إلى زيادة تأزم العلاقة بينهما واتساع الفجوة في حياتهما.
فإذا لم تستجب الزوجة لهذا التأديب المعنوي انتقل الزوج إلى الخطوة الثالثة وهي قوله تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ، فإن الضرب هو الذي يصلحها له، ويحملها على توفيةِ حقوقه وقيامها بها.
لكن لا يتبادر إلى الذِّهن الضربُ الشديد القاسي الذي من شأنه التأثير في جسدها، أو إلحاق عاهةٍ أو أذى بها، أو إهانتها والانتقام منها، أو قهرها وإذلالها، بل المراد الضرب التأديبي غير المبرح، أي: الذي لا يؤدي إلى شيء مما ذُكر، بل يضربها ضربًا خفيفًا، وقد نبه إلى ذلك رسول الله بقوله في خطبة عرفات: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح)) متفق عليه.
وقد بين أن البعد عن العنف وترك القسوة في التعامل مع الزوجة دليل على حسن العشرة، وذلك مما يجب على الزوج تجاهها، فقد سأل أحد الصحابة رضي الله عنهم رسول الله عن حق المرأة على الزوج، فقال : ((يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت)) رواه أبو داود.
فهذا يدل على أن الضرب المراد في الآية هو ما قُصد منه تنبيه المرأة إلى أنها قد حادت عن الطريق الأمثل في تعاملها مع زوجها، وأن عليها أن تعود إلى رشدها وتؤوب إلى صوابها. وقد سئُل ابن عباس رضي الله عنهما عن صفة الضرب الوارد في الآية فقال: بالسواك ونحوه. فُعرف أن المقصود من ذلك تهذيب المرأةِ وتقويم اعوجاجها وإصلاحها، دون أن يؤدي الضرب إلى إيذائها أو إهانتها أو إلحاق الضرر بها، فإن جاوز ذلك فهو متعدٍ قد جنى عليها وخالف المراد من ذلك.
هذه الخطوات الثلاث: وعظ الزوجة، ثم هجرها، ثم ضربها ضربًا خفيفًا، إن لم تُجْدِ ولم يكن لها نتيجة إيجابية في إعادة صفو العلاقة الزوجية إلى ما كان عليه، وازداد الخلاف والتباين بين الرجل والمرأة، وظهرت في الأفق بوادر وعلامات التباعد، فإن على المصلحين المسارعة إلى لمِّ الشمل، واختيار اثنين من أهل الرأي وأصحاب الخبرة والمشورة، يعملان على التقريب بين الزوجين، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [النساء:35].
فينظر الحكمان الثقتان في الأصلح للزوجين من دوام العلاقة الزوجية بينهما واستمرارها أو التفريق بينهما، من خلال دراستهما لأحوال الزوجين ومعرفة أسباب الخلاف بينهما وما كَدَّرَ صفو حياتهما حتى الوصول إلى هذه الحال، ومحاولة التقريب بينهما، واستفراغ وسعهما في إزالة كافة العوائق والعقبات التي تقف في طريق حياتهما الزوجية، وسيهديهما الله تعالى إلى السبيل الأمثل إذا قصدا الجمع والتقريب بين الزوجين، قال جل في علاه: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35].
-------------------------
الخطبة الثانية
لم ترد.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 81 مشاهدة
نشرت فى 31 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

299,207