ّع
-----------------------
الأسرة والمجتمع, قضايا في الاعتقاد
الاتباع, البدع والمحدثات, قضايا المجتمع
-----------------------
سعود بن إبراهيم الشريم
مكة المكرمة
18/1/1427
المسجد الحرام
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- قوة المسلم. 2- أهمية اتباع النبي . 3- خطورة البدع والمحدثات. 4- ضرورة مراجعة الأوضاع. 5- تأثير الإعلام الغربي على المسلمين. 6- حرمة مشاركة الكافرين في أعيادهم.
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد: فإنّ الوصيّة المبذولة لنا ولكم ـ عباد الله ـ هي تقوى الله سبحانه وخشيته في الغيب والشهادة، ولزومُ هدي نبيّه ، وإيّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنّ كلَّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة.
أيّها الناس، إنَّ قوَّةَ المسلم ورفعتَه وعلوَّ شأنه لتكمُنُ بوضوحٍ في مدى اعتزازِه بدينه وتمسُّكِه بعقيدَتِه وأخلاقِه ومبادئه، وبُعدِه عن لوثةِ التقليد الأعمى والتبعيةِ المقيتة وراء المجهول. وإنَّ على رأس الاعتزاز والرّفعةِ التي هي مطلَب منشود لكلّ مجتمع ـ بله المجتمعات المسلمة ـ هو الاتباعَ والاقتداء لهديِ المصطفى والبُعدَ عن الإحداث والابتداع، اتِّباعًا مِلؤه التأسِّي المخلِص والمحبّة الدّاعَّةُ إليه، اتباعًا يُشعِر كلَّ مسلم ومسلمةٍ أن الخضوعَ في الدين والخلق الأدب إنما هو لله الواحِدِ الأحد؛ إذ كيف يحلو دين لا خضوعَ فيه ولا اتباع؟! ومن هذا المنطلق جاءَت الوصيّة الكبرى من الخالقِ جلّ شأنه لعبادِه المؤمنين بقوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153]، فكلُّ سبيلٍ غير صِراط الله عليه شيطانٌ يدعو إِليه، فيحبِّب سالكيه إلى البدَع، ويبعِدهم عن السنّة، وهي مرحلة من مراحلِ المراغمةِ بين الشيطان وبني آدم، وغوايةُ الشيطان وحبائلُه كالكلاليبِ التي تتخطَّف السالكين إلى مستنقعاتِ الدون والعَطَب؛ ليقع فيها المرتابُ المتردّد الذي خَلِي وِفاضه عن أسس الاتّباع والتمسّك بالسنة النبوية، فإمّا أن يكونَ ضحيّةَ النكوص والاستهتار لأوّل وهلةٍ، أو أن يصبح كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:71].
أيّها المسلمون، لقد كان مِن أسُسِ محبَّة الله جل وعلا من قِبَل عباده أن يجعَلوا من وسائل هذه المحبّة الاتباعَ الصادقَ لنبيّه ؛ ليحسنَ القصد ويصدُق الزّعم، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:31، 32].
ولِذا ـ عبادَ الله ـ كانت البِدَع والمحدثاتُ التي تقَع في المجتمعاتِ كالطوفان المغرِق، بيدَ أن السنّةَ الصّحيحة والاتِّباع الصادِق هما سفينةُ نوح التي من رَكِبها فقد نجا ومَن تركها غَرق، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم.
في الصحيحَين من حديث عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله قال: ((مَن أحدث في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهوَ ردّ))، وفي روايةٍ لمسلم: ((كل عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردّ)).
فهَذا الحديث ـ عبادَ الله ـ أصل عظيم جامع من أصولِ الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهِرِها، فكلُّ عملٍ لا يكون عليه أمرُ الله ولا أمرُ رسوله فليس مِنَ الدين في شيءٍ. قال النوويّ رحمه الله: "هذا الحديث مما ينبغِي حفظه واستعمالُه في إبطال المنكرات وإشاعةُ الاستدلالِ به كذلك".
إنَّ الناظرَ في أحوالِ المسلمين ومبادِئِهم ليَحكُم حكمًا لا ريبَ فيه ولا فُتون بأنَّ أهل الإسلام لا بد أن يراجِعوا أوضاعَهم ليصحّحوها، وأنّ عليهم أن يكونوا أمّةً متبوعة لا تابعة، أمّةً لها ثقلُها الثقافيّ والأخلاقي، أمّة لها مصدرها ووِردها الخاصّ الذي لا يساويه وِرد ولا مصدَر في الوجود، أمّةً تسبِق جميعَ الثقافات والحضارات بما لديها من مقوِّمات الاعتزاز والرفعة والغلبة، لا سيّما على المستوَى العقديّ والأخلاقيّ.
ولقد جرَت عادة الأمم والمجتمعات أن تأنفَ من الخضوع لمن يُبايِنها في الأخلاق والعادات والمشارب وإن لم يكلِّفها من يمارسُ هذا الإخضاعَ بزيادةٍ عمّا تدين به، بل إنها تستَنكِره حتى تنأى عنه وتَبتَعِد، وكلّما ابتَعَدت عَنه كلّما اقتربت آدابُ ذويها وأخلاقُهم مِن بعض، فلم يعد للعوائدِ الأجنبيّة عنهم وِردٌ ولا صَدر، ولا تلتَفِت إليها هِمم النّاس.
غير أنّ الهيجَانَ الإعلامي العارم المتسلِّلَ لِواذًا بين المسلمين قد سارَق خواطرَ كثيرين منهم وأخذ بألبابهم وحَدّق بأبصارهم؛ حتى صارَ له من الوقع والتأثير في طرقِه ما لا يمكِن أن يكونَ من خلال مطارِقِ البأس والقوّة، بل إنَّ مِن المؤسف جدًّا أن تتمكّن هذه الثورةُ الإعلاميّة والتصارع الحضاريّ والثقافي المكشوفُ من إحداث تمازجٍ تسبّب في أخذ الرّعاع واللَّهازم من المسلمين بأيديهم عاصبين أعينَهم إلى ما لم يكن من أصولِ دينهم وعوائدِهم، ولا هو من مُرتَكزَاته، فمحَوا بذلك الفوارقَ بين المسلمين وغير المسلمين، وأنّ لِلمسلمين من التشريعِ والاعتقاد والاتّباع ما ليس لغيرهم، فاختلَط الحابل بالنابل، وعظُم التأثّر بالثقافة الإعلامية المستورَدَة، وصارَ البَعضُ مِن المسلِمين منهومين في تلقّي كلّ جديدٍ وغَريب دون فرزٍ ولا إدراك للكُنه وما يحمل في طيّاته من مسخٍ وإضعافٍ للانتماء.
فيا لله العجب! أيُّ صدمةٍ هذه التي تحلّ بكلّ غَيور على بني ملَّته، يرى في أضعافها التراجُعَ في الاعتزاز والامتياز أمامَ الغارة الأجنبيّة الكالحة، ويرَى المسارقة الحثيثة المثمِرةَ حِجابًا كثيفًا يفقِد بعضَ المسلمين هويّتهم وتميّزَهم الخلقي والعقدي، كلّ ذلك إبّان انحسارٍ في التوعيةِ أورثَ إرسال الحبالِ على الغوارب؛ ليحلّ ببعضِ المجتمَعات ما ذكره المصطفى بقوله: ((لتركَبنّ سننَ من كان قبلكم حذوَ القذّة بالقذّة، حتى لَو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه))، قالوا: يا رسولَ الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمن؟!)) رواه البخاريّ ومسلم، وليصدُقَ فيهم ما ذكَره ابن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه حينَ قال: (أنتم أَشبَه الأمَمِ ببني إسرائيل سمتًا وهَديًا، تتَّبعون عمَلَهم حذوَ القذّة بالقذّة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا).
ومَع ذلك كلِّه ـ عباد الله ـ فإنَّ لدى الناس من الفطرةِ والنشأة المتينة والتأصيلِ ما يمكن من خِلاله يقظةُ الوسنانين وإِذكاء مبدأ تدافع العوائِد والعقائد، والغلبةُ بلا شكّ للحقيقةِ التي لا تنقَطع بالمرّة، وإن خفَتَ توهّجُها حينًا بعد آخر إلا أنّنا نرى وميضَ برقها يلوح في أفئدةِ الغيورين من بني الإسلام وسطَ تلك الغيايات العارضة كلّما لاح في الأفقِ الوجه الناصِح والنذير العريان؛ حتى يتَّضح لكل رامقٍ أنّ صراع الثقافات وإن كان قويَّ الفتك لأوّل وهلةٍ إلا أنّه سريع العطَب أمام المعتزِّ بدينه وهويّته؛ إذِ الهوية المسلمة قد يعترِيها المرض أحيانًا غير أنها لا تموت قَطعًا، ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [الجاثية:18-20].
بارك لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. قد قلت ما قلت، إت صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفّارًا.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده.
وبعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين.
واعلموا أنَّ من الأمور المحزنةِ والقضايا المفزِعة انسياقَ بعض المسلمين وراءَ طبائع وعاداتِ ومعتقدات غير المسلمين، من خلالِ الانخراط معهم في أعيادِهم وعوائدهم التي حرَّمها دينُنا الحنيف، وحذّرنا أشدَّ التحذير من الوقوعِ في أتُّونها.
ومما يزيد الأمرَ عِلّةً والطينَ بلّة أن نرَى فئامًا من البُسَطاء ينساقون وراء ذلكم، فيحاكون مواقعِيها زاعمين أنَّ في ذلك نوعًا من المجاراة الإيجابيّة والتلاقح في العاداتِ والثقافات، فصال كثيرون وجالوا في ذلِك، حتى أصبح المرء يعرِف منهم وينكر.
وعلى رأسِ ما ينكره المرءُ العاقل هو التأثّر والتأثير في أعيادِ غيرِ المسلمين واستسهال مثل ذلك الأمرِ بحجّة أنَّ الانفتاح العالميَّ لم يضع بين الناس فوارقَ وخصائص، وأنَّ الاشتراك في الأعياد والمناسباتِ العقديّة لا ينبغي أن تقفَ دونَه المِلَل، وهذا أمرٌ جِدّ خطير.
وإِن شِئتم فانظُروا ـ يا رَعاكم الله ـ ما وقَع من التأثير فيما يُسمّى: "عيد الحبّ" أو "عيد الأمّ" أو ما شاكَل ذلك بين صفوف المسلمين دون أن يعلَموا حقائقها وما تتضمّنُه في طيّاتها من مخاطرَ على عقيدة المسلم وخلُقه، وما يقع فيه معاقِروها من مخالفةٍ لهديِ النبي وارتكابٍ لما نهى عنه من مخالفةِ غير المسلمين.
والمشاهدُ لأصداءِ ما يُسمّى: "عيد الحبّ" ليوقن حقًّا درجةَ الغفلة والسّذاجة التي تنتَاب شبابَ المسلمين وفتياتهم في السباقِ المحموم وراء العوائدِ الأجنبية عن دينهم، دون أن يكلّفوا أنفسَهم معرفةَ أصولِ تلكم العوائد.
ويَزداد الأسف حين يغيب الوعيُ عن كثير من ضحايا ذلكم التغريب بأنَّ أصلَ عيدِ الحبّ عادة احتفاليّة يرجع تاريخها في بعضِ الروايات إلى القرنِ الثالث الميلاديّ؛ إحياءً لذكرى رجلٍ رومانيّ كان يبرِم عقودَ الزواج سِرًّا لجنود الحرب الذين مُنِعوا من ذلك لئلاّ ينشغلوا بالزواج عن الحروب، حتى افتضحَ أمر ذلك الرجل، وحُكم عليه بالإعدام، فجعلوا يومَ إعدامه عيدًا وذِكرى يتهادَون فيها الورودَ ورسائلَ الغرام، بل تجاوز الأمرُ أبعدَ من ذلك، حتى صارَ يومًا للإباحيّة عند بعض غيرِ المسلمين، وهو في الوقت الحاضِر يُعَدّ يوم عيد للعشّاق والمحبّين، يعبِّرون من خلاله باللّون الأحمر في لباسِهم وورودِهم ورسائلهم وغير ذلكم.
ودينُنا الحنيف دينٌ سماويّ ورسالة عالميّة، لها أثرها الإيجابيّ في المجتمعات، فلم يكن الإسلامُ يومًا ما محلاًّ لحصرِ المحبّة في يومٍ واحد، أو محلاًّ للبرّ بالأم في ليلةٍ واحدة، بل إنّه دين المحبّة والبرّ والمودّة في كلّ آنٍ وحين، فلقد صَحّ عن النبيّ أنه قال: ((والذي نفسي بيدِه، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمِنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا)).
ثم إنَّ للإسلام من الخصوصيّة والامتياز ما لا يجوزُ في مقابلِه الوقوع في خصائص غيرِه، فإنَّ النبيَّ قدِم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هَذان اليومَان؟))، قالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهليّة، فقال رسول الله : ((إنَّ الله قد أبدَلَكما خيرًا منهما: يومَ الأضحى ويوم الفطر)) رواه أحمد وأبو داودَ والنسائيّ، وفي الصحيحَين أن النبي قال: ((إنّ لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا))، وقد صحَّ عن النبي أنّه قال: ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم)) رواه أحمد وأبو داودَ.
ومِن هنا نعلم ـ عبادَ الله ـ أنَّ المشاركين في مثلِ هذه الأعياد من المسلمين قد وقَعوا فيما نُهِي عنه، ويَكونونَ بذلك قد ارتَكبوا مفسدتين: أولاهما: مفسدَة موافقة غيرِ المسلمين، والثانية: مفسدَة ترك مصلحةِ مخالفتهم، والله جلّ وعلا يقول: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ [الرعد:37].
هذا، وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البريّة وأزكى البشرية محمّد بن عبد الله، فقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكتِه المسبِّحةِ بقدسه، وأيّه بكم أيّها المؤمنون، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، وارض اللّهمّ عن خلفائه الأربعة...

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 51 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

302,626